أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منال شوقي - ثقافة إحكام الحبل حول الرقبة















المزيد.....

ثقافة إحكام الحبل حول الرقبة


منال شوقي

الحوار المتمدن-العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 22:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في المعتاد تلجأ النخب المثقفة إلي الترميز لترسيخ مبدأ أخلاقي أو ديمقراطي أو حضاري نظراً لصعوبة توصيل الرسالة بالخطاب المباشر في المجتمعات المتأخرة حيث يتفشي الجهل و ضيق الأفق ، فتعري ناشطات منظمة فيمن ليس بهدف التعري في حد ذاته و إنما لإيصال رسالة ما و كذلك هي الدعوات المُطالبة بحق المفطرين في الإفطار علناً .
فالهدف الضمني لهؤلاء هو ترسيخ مبدأ الحرية الشخصية التي لا تنتقص من حقوق الأخرين و ليس كما قد يتصور السطحيون من أن دوافع تلك المُطالبات هي الرغبة في الأكل علي الملأ أو تحدي مشاعرهم و انتهاك دينهم أ فالممارسة العملية هي السبيل الوحيد لتعميق القيم و ترسيخ المبادئ في المجتمعات التي يسود فيها ضيق الأفق و القصور الفكري .
.
كلما كانت الشعوب متخلفة أخلاقياً و فكرياً كلما كثُر الجدال حول القواعد و الأطر الأخلاقية بوصفها قوانين يجب فرضها علي الجميع بشكل رسمي و استُبعِدت محاولات تأصيلها كسلوكيات يمارسها الأفراد بمبادرة ذاتية و بتحريض من ضمير ناضج شَكلته و هذبته قيم المجتمع .
.
فسلوكيات الأفراد الشخصية في المجتمع المتخلف حضارياً و أخلاقياً بحاجة دائماً لقانون يحددها و يُفرَض عليهم قصراً و لقواعد يضعها أولي الأمر بوصفهم الأقدر علي التفكير الآمن و علي استخلاص القرار الصحيح و لو في سفاسف الأمور.
و لعدم نضج الوعي الذاتي فإن الفرد يجد نفسه غير قادر علي استخلاص القيم و الأخلاقيات الواجب تبنيها و لذا فنحن كشعوب شرق أوسطية نعيش علي الفتوي و التي بدونها نغرق في شبر ماء .
.
تلك هي ملامح المجتمع الطفل الذي يتلقي التعليمات في أدق أدق شؤون حياته ، و نفس هذا المجتمع الطفل سيكون عدواني متحفز في داخله لأنه يُخضِع سلوكيات الأخرين دائماً للقواعد التي وُضِعت له مسبقاً لأن عقله المُعطَل لم يتدرب علي أليات التقييم و الحكم الذاتي بمعني أنه بعيد عن أن يكون ديناميكياً مرناً فيقرأ المواقف المختلفة داخل أطرها و ظروفها الخاصة .
هذا المجتمع يريد قاعدة واحدة أو قانون واحد ( فتوي ) يخرجه من جعبته كلما وجد نفسه في موقف يحمل العنوان العريض الذي يستدعي تدخُل هذا القانون بعينه أو هذه الفتوي بعينها .
و لذا فكل امرأة سافرة هي عاهرة إلي أن يثبت العكس و كل امرأة منقبة هي بالضرورة فاضلة و عفيفة كما أن كل رجل يُصلي هو بالتأكيد أفضل خُلقاً من ذاك الذي لا يفعل و مرتاد المساجد جدير بالثقة الغير مخول لها مرتاد الملاهي الليلية .
.
هذه القوانين الشعبية و الغير رسمية تؤدي إلي تحَزُب أفراد المجتمع و تصنفه إلي جماعات ، فمن يمشي علي حذافير القاعدة ( الفتوي ) ينتمي للجماعة و من يكسرها فهو العدو المتربص و الذي يريد شراً بالمجتمع و بالأخلاق .
و عن الجماعة التي تجمعها أيدلوجية عامة تنبثق الفرق التي تجمعها فيما بينها سمات أقل شيوعاً من تلك السائدة في الجماعة و عن تلك الفرق تنبثق فرق أصغر تتفق فيما بينها في سمات تخصها و تخرجها - حين الإحتكام لتلك السمات - من الفرقة الفرع المنبثقة بدورها عن الفرقة الأم و هكذا يستمر التحزُب و يتوقف التصنيف عن التفرع من صغير إلي أصغر حتي نصل للمجموعة الفرد الذي يتحَزب لذاته و يحترز من الأخرين المختلفين المتربصين .
.
إن العقل المتشدد الذي يعتبر المرونة دعوة للخروج علي السنن المألوفة التي تستمد صلاحيتها من اعتماد السلف لها كقوانين تم تجرتها بالفعل مما يُغني عن تجديدها أو حتي النظر فيها يلغي أتوماتيكياً مبدأ الحرية الشخصية ، و العقل الجمعي في المجتمع لا يقيم وزناً للفرد بل للجماعة ، فلا حقوق للفرد و إنما الحقوق كل الحقوق للجماعة .
و في ضوء سياسة تغليب حقوق الجماعة علي حقوق الفرد أو حقوق الأغلبية علي حقوق الأقلية لوجدنا أنه علي أرض الواقع لا حقوق لأحد فقد تخلي المجتمع نفسه بنفسه عن حقوقه إذا نحن ربطنا بين التًحزُب / التصنيف / الفئوية و بين مبدأ سيادة و إعلاء حقوق الأغلبية في مقابل إهمال حقوق الأقلية ، إذ لن يتبقي أغلبية من الأساس فكلنا في موقف ما يُصبح أقلية بشكل أو بأخر .
و لذا أقول أن الدولة العادلة هي تلك التي تُغَلِب مصالح و حقوق الأقلية علي مصالح و حقوق الأغلبية ، هي دولة الفرد التي تُعلي من قيمة هذا الفرد و تُغلِب مصلحته علي مصلحة الجماعة و بالتالي فالكل له قيمة ، و يحضرني هنا عبارات تكتبها الدول المتحضرة علي جوازات سفر رعاياها من مثل ( من أجلك نحرك أسطولنا ) أو ( حامل هذا الجواز تُحرّك من أجله الجيوش ) . و لعل في هذا تفسير لانحطاط قيمة الفرد في الشرق الأوسط ( باستثناء إسرائيل ) و امتهان كرامته بل و تواني السفارات في الخارج عن الهب للدفاع عنه و نجدته .
.
و بكلمات أخري ، فالمجتمع الذي يعتمد ثقافة التصنيف علي المستويين الرسمي و الغير رسمي فيُصنَف فيه المواطنون إلي رجال و نساء ، ثم يُعاد تصنيف هؤلاء المواطنين إلي مسلمين و مسيحيين و يُصنف التصنيف نفسه إلي ، حاكم و محكوم ، رجال دين و رعية ، أغنياء و فقراء ، أصحاء و معاقين ، متعلمين و غير ، محجبات و غير ، ذوو نفوذ و غير ، سلفيون و غير ، إخوان و غير ، شعب الكنيسة و غير ، دينيون و غير ، أهلاوية و غير ، مُصلين و غير ، صائمون و غير هو مجتمع متشرذم لن يحصل أياً من أفراده علي حقوقه و علي هذا يعتاش الحاكم الديكتاتور مُتخذاً من قاعدة فَرّق تسُد منهجاً يضمن له البقاء في موقع هو ليس كفؤ له .
.
أعود إلي النخبة المثقفة التي تتخذ من الترميز أداة لتغيير و تنوير العقلية المجتمعية الجامدة و المتشددة تجاه الأخر المختلف و المُهَمِشة للأقلية فيعود عليهم التشدد و التهميش بشكل فردي كون كل فرد سيعاني حتماً في لحظة ما من إنتماءه لأقلية ما بتصنيف ما و بمعايير ما و تحت ظروف ما .
فالدعوة إلي حرية الإفطار علناً في رمضان ليست كما يفهمها السطحيون تحدي سافر للأغلبية و رغبة في جرح مشاعرهم و لكنها مثال رمزي للحرية الشخصية التي يهدف المتنورون إلي إرسائها في المجتمع كقيمة يعيها و يحترمها أفراده .
فالمرأة الغير محجبة التي تسلب المفطر حقه في الإفطار علناً هي نفسها التي تجد من يسلبها حريتها في عدم ارتداء الحجاب و هذا الأخير الذي يسعي لفرض الحجاب هو نفسه الذي يُسلب حريته في الإستماع للموسيقي الغربية و هكذا دواليك .
.
إن الأخلاق تسمو و النفوس تُهَذّب تلقائياً في المجتمع الناضج فكرياً الذي يُقدِر الحرية الشخصية و فيه يستطيع أفراده بمفردهم و دون اللجوء للفتاوي المعلبة تقييم المواقف المختلفة فيفرقون بين الحرية الشخصية و الإعتداء علي الأخر أو انتهاكه و حين تشيع هذه المرونة في التعاطي مع الأخر و يتسع الأفق فيتخذ - علي المستوي الشعبي - من الإنسانية دين عام يجمع لا يُفرِق و من المواطنة تصنيف وحيد أوحد علي مستوي الدولة ، حينها سيمتنع المفطرون ( بإرادتهم ) و بحافز داخلي عن الإفطار علناً مراعاة لمشاعر الصائمين و لو كانوا أقلية .

.



#منال_شوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميكافيليون يمتنعون
- مَن الذي ينفخ الفقاقيع ؟
- وقفة و إهداء
- مناوشات مع الله
- أسباب النزول
- براحتك طبعاً ( لكنك غبي )
- عندما يفقد الإله ذاكرته ( الإله الكيوت )
- بين فاطمة ناعوت و مجدي خليل مع حفظ الألقاب
- كنت أعرف هذه المرأة
- كان يتقزز من المثليين
- و من الرجال أيضاً عاهرون (5)
- و من الرجال أيضاً عاهرون (4)
- و من الرجال أيضاً عاهرون (3)
- و من الرجال أيضاً عاهرون (2)
- و من الرجال أيضاً عاهرون (1)
- موقع شرف المسلم من الإعراب
- ميراث المرأة و العنصرية الدينية البغيضة
- فبُهِت الذي كفر
- الفرق بين الملحد العربي و الملحد الغربي
- الرد علي منكري حد الردة 2/2


المزيد.....




- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منال شوقي - ثقافة إحكام الحبل حول الرقبة