أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: 4














المزيد.....

تخلَّ عن الأمل: 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5194 - 2016 / 6 / 15 - 02:52
المحور: الادب والفن
    


" ذلك هو المنزل.. "
قال لي المحامي، مومئاً برأسه الصَلِع إلى الناحية المَعنيّة. كنا إذاك في سيارته المتهالكة، الجديرة حتماً بالعرض في أحد المتاحف الفرنسية، والتي أوقفها للحظات على يمين شارع محمد الخامس. المكان، أين كان الشقيقان يعيشان ببداية حلولهما في مراكش، لم يكن غريباً عليّ بحال. بل إنّ المنزل نفسه، ربما كان مألوفاً لكثيرٍ من الناس. فلا يمكن ألا تمرّ حِذاءَ هذه الفيلا، المكوّنة من دورَيْن، فيما لو كنتَ تتمشى على طوار الشارع الملكيّ، المتصل بين المدينة القديمة وحيّ " غيليز " الأكثر رقياً. وعلى أيّ حال، بدا من غمغمة المرأة الكبيرة في المقعد الخلفيّ للسيارة، أنّ الأماني جنحت بها للظنّ بنيّة صهرها شراء الفيلا. قرينتي، من ناحيتها، لم تفهمَ داعي وقوفنا ثمة وإشارة المحامي إلى ذلك المنزل. هذا مع العلم، بأنها هيَ من كان سبباً في إثارة اهتمام الرجل ونكش ذاكرته.
كان ذلك في اليوم السابق، حينما وصلنا بالقصة إلى انتهاء قضيتي بالغرامة المالية، التي تنبأ بها المحامي. هذا الأخير، نجحَ أيضاً بتخليص موكلته الفرنسية من مأزقها. ولكن، كان عليها دفعُ مبلغ الغرامة مُضاعفاً ثلاث مرات. حينئذٍ خرجنا معاً، لنرتقي الدرجَ إلى الدور الثاني كي ندفع الغرامة ونستلم ايصالاً يُتيح لنا السفرَ. ثمة، علمنا بأنّ الموظفين قد بدأوا اضراباً عن العمل من أجل زيادة رواتبهم أو شيء من هذا القبيل. طوال ما يزيد عن الثلاث ساعات، كنا ننتقل من مسئول إلى آخر وكلّ منهم يَعِدُنا بأن المشكلة بسيطة وستحلّ حالاً. الحق، أننا لم نقابل أيّ مسئول، بل إنّ الحجّابَ والبوابين هم من كانوا يتعهّدون بنقل الكلام. المحامي المحنّك، ظهرَ أنه عاجزٌ عن حلّ المشكلة الطارئة. كان يكتفي، في كلّ مرة، بالتشديد علينا ألا ندفع إكرامية لأيّ من أولئك المستخدمين " المحتالين "ـ بحسَب تعبيره.
العصرُ، أضحى على مشارف الإحتضار. وكنا عندئذٍ في حديقة المحكمة، ننتظرُ وعداً أكثر جدّة بدا لنا أنه مثمرٌ مثل شجرة التين الكبيرة، التي كنا نقفُ في أفيائها. الموكلة الفرنسية، كانت قد غادرت المكانَ، لا أدري إلى أين، بعدما عبّرت عن تأففها مراراً. وهوَ ذا محاميها، بدَوره، يتهيأ للتعبير عن مكنونات كنزه المعرفيّ. أبدى أولاً فضولاً لمعرفة أوضاع المسلمين في السويد، وما إذا كان ثمة جالية مغربية في هذه البلاد الشمالية، القصية. وقد علّقَ على أجوبتي المقتضبة، قائلاً: " يبدو لي أنّ الشعب الفرنسي، مقارنةً بالسويدي، أكثر انفتاحاً على الأجانب. مع أنهما، كلاهما، يبغضُ أمةَ الإسلام ويدعم الأمريكان والصهاينة ". بعد ذلك، انتقل الرجلُ للسؤال عن عملي. فأخبرته بأنني كنتُ مصمماً في دار صغيرة للنشر. عقّبَ هوَ بالقول: " آه، أنتَ رسامٌ إذاً؟ "
" وهوَ كاتبٌ معروف، أيضاً! "، تدخلت امرأتي لتجيبه بنبرة لا تخلو من الزهو. عند ذلك، ازدادت الغضون تحت عينيّ المحامي وهوَ يوصوص بهما مُظهراً الاهتمامَ. بعدما علمَ بطبيعة ما أكتب، فإنه ما عتمَ أن تنكّب ساعدي داعياً إيايَ للتجوّل بمفردنا في مماشي الحديقة. انسابَ كلامه مع النسمات الرخيّة، المؤذنة بقرب انجلاء النهار. قال مُفتتحاً الحديثَ: " عرفتُ فيما مضى شاباً شامياً من أصلٍ تركيّ، وكان أيضاً مهتماً بالأدب. لقد أقامَ في مراكش لفترة من الزمن، وكانت له شقيقة تصغره بقليل. اسمه فرهاد. أما كنيته.. كنيته.. انتظر قليلاً! ". تفكّر قليلاً، ثم عادَ ليقول: " هيَ نفس كنية مخرج مصري مخضرم، كما أتذكّر. بل إنه، فرهاد، قد أكّد لي بأنّ المخرجَ من أقارب والديه البعيدين "
" بدرخان؟ "، ندّت عني تلقائياً. وإذا بالرجل العجوز يشدّ كمّ قميصي في حركة ودية، قبل أن يقولَ مُتهللَ الأسارير: " نعم، نعم.. هوَ ذلك؛ بدرخان! ". ثم أردفَ وقد تغيّرت نوعاً نبرته: " كان شاباً جميلاً، ككل السوريين. وكان مثقفاً، بشكل خاص. إلا أنه، في مقابل ذلك، كان عاثرَ الحظ. أو فلأقل بشكلٍ أدق، أنّ الحظ السعيد قد واتاه عدة مرات، وهوَ من كان يُغلق البابَ أمامه ". ثم إذا به، فجأة، ينتقلُ للحديث عن شقيقة الشاب واسمها " شيرين ". فأسهبَ في وصف فتنة مُحياها، بل ولم يتحرّج من امتداح مكامن الجمال في جسدها: " ومثل شقيقها، كانت كذلك موهوبة بالكتابة. أما مثلبتها، ويا للأسف، فهيَ كانت ثقتها بشخصٍ ابن حرام. وبسببه، تورطت في جريمة قتل، وما لبثت أن أنهت حياتها انتحاراً في الحجز الإحتياطي ". قالها، وهوَ يرمي بصره نحو الأفق اللازورديّ، المكتنف بسُحُبٍ ما تفتأ مُضاءة بوهجٍ ورديّ من أشعة الشمس، المائلة لجهة الغروب. ثمّ ثابَ الرجلُ إلى نفسه، فراح يتكلم عن مخطوطة مذكرات، أو اعترافات كما شاءَ أن يدعوها، تركتها موكلته المنكودة الحظ: " لقد سلمتُ أوراق المخطوطة لشقيقها بعد الحادث، ولكنه ما أبطأ في إعادتها إليّ. وقتذاك، أخبرني بعزمه على المغامرة من جديد سعياً للوصول إلى السويد. أجل، فإنه وشقيقته سبقَ أن رُحّلا من السويد بسبب عدم اقتناع سلطاتها بحقهما في اللجوء، فاختارا المغربَ للإقامة. أو بالأصح، فإنّ أي دولة أخرى لم تقبل استقبالهما. هكذا ترك المخطوطة لديّ، مؤملاً في أن أرسلها إليه بالبريد ما لو نجحَ في الوصول إلى السويد ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخلَّ عن الأمل: 3
- تخلَّ عن الأمل: 2
- تخلَّ عن الأمل: 1
- الرواية: استهلال
- سيرَة أُخرى 34
- احتضار الرواية
- فاتن حمامة والزمن الجميل
- أقوال غير مأثورة 6
- سيرَة أُخرى 33
- الهلفوت والأهبل
- سيرَة أُخرى 32
- بسمة مسمومة
- الغموض والوضوح
- عَرَبة العُمْر
- اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
- أحلى من الشرف مفيش !
- سيرَة أُخرى 31
- سيرَة أُخرى 30
- أقوال غير مأثورة 5
- دعها تحترق !


المزيد.....




- تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأص ...
- سوزان بريسو تروي عن طه حسين الذي غيّر حياتها وألهم العالم
- -كانت تدغدغني-.. شاهد حشرة تزحف على جينيفر لوبيز خلال عرضها ...
- سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت ...
- فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
- رواية كردية شهيرة
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: 4