أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الأديبة هدى يونس والغموض الفنى















المزيد.....

الأديبة هدى يونس والغموض الفنى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 13:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الأديبة هدى يونس حجبتْ نفسها عن الأضواء ، فلم يعرفها أغلب النقاد والأدباء ، وعندما قرأتُ مجموعتها القصصية (محاولة لاستعادة بناء الجسد) الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة- عام 2013، أيقنتُ أننى أمام موهبة تمتلك مفاتيح فن القصة القصيرة ، خاصة أنها تعتمد على الإيحاء أكثر من الافصاح ، وتترك للقارىء استنتاج ما توحى به القصة ، والعلاقة الجدلية بين (نوع الحدث) و(التركيب العقلى والنفسى للشخصية) ومن خلال تلك العلاقة يمكن التعرف على (فلسفة الشخصية) عن الحياة والموت والحب. وقد تأكــّـد ذلك فى مجموعتها الأخيرة (سرمدية ضوء) عن هيئة الكتاب المصرية - عام 2015.
أعتقد أنّ بطلات القصص كلهنّ هدى يونس ، ويعنى ذلك أنها تكتب عن الواقع الذى عركته وعركها ، وأنها (تكتب نفسها) تكتب رؤاها الخاصة عن الحياة والموت والحب (حب الناس والوطن) بينما يكون النقيض – غالبـًـا – الطرف الثانى فى القصة. وكما أنّ بطلات القصص لديهنّ (إيمان) بقيم الاخلاص والوفاء ، فإنّ الكاتبة كانت (تكتب نفسها) حيث جاء فى الصفحة الأولى تحت عنوان (تنويه) ((الرسوم المُـرافقة للنصوص للفنان محمود بقشيش.. حرصتُ على أنْ أرفقها لنصوص كتاباتى.. تأكيدًا على تواصلنا.. وتحقيق ما حـدّثنى عنه كلــّـما تقابلنا قبل زواجنا من رغبته فى عمل سيناريو مشترك معى)) وبلغة شجية ومُـكثــّـفة أضافتْ ((بعد تحرر الوقت من الزمن وأنا أبحث وسط ضجيج الأصوات المُـتداخلة والغامضة فى موجات تقلباتها ، أراها أفكارًا تومض كالبرق فى توهج وإختفاء ، مما يجعلنى أنصت إلى مالا يـَـسمع))
تنقسم قصة (يوم فى حياة مواطنة) إلى ثلاثة مقاطع الأول بعنوان (صباحـًـا) الراوية تود الكلام ولا تستطيع ، تشعر بالخوف من مجهول ، ينقبض قلبها ، فتتذكر الأشخاص الذين لم ترهم منذ سنوات.. تغوص فى حالة من الشجن . حاولتْ التخلص من وحدتها فخرجتْ وهى تقول ((أعيش فى عالم خاص لا أستطيع تفسيره)) تركب الأتوبيس إلى الفيوم.. ترى رجلا على جسر الترعة. انتقل إليها شعور بأنّ الجزء العلوى من جسده العارى فيه جسارة.. تحرّكتْ السيارة ، قال الركاب كلامًـا يـُـناقض كلامًـا.. ولكنهم أجمعوا على أنّ الرجل قد فارق الحياة ، فنزلتْ الراوية من العربة وهى ((غير واثقة من كل ما حدث)) المقطع الثانى بعنوان (فى الظهيرة) ترى الراوية ثورًا ((متمردًا على القيد والشمس)) قطع الحبل وانطلق يجرى ، رأته حكيمًـا رغم تهوره. رقص ولم يهتم بخراطيم المياه فى محطة بنزين لطرده . تمكــّـن أصحابه من لف الحبل حول عنقه من جديد.. تركتْ الراوية المكان وهى تحلم بسرعة العودة إلى بيتها . والمقطع الثالث بعنوان (جاء المساء) تذكــّـرتْ الرجل النائم على جسر الترعة.. هل هو نائم أم مات غريقا كم قال البعض ؟ عاتبته (رغم أنها لم تره ولا تعرفه) على نومته على جسر الترعة. ثم حـدّثته عن الثور المُـتمرد فقال لها ((روحى كانت تمر على الميدان لحظة سقوط الثور. إنّ العالم مليىء بالقسوة.. وانسحابى كان لابد منه)) اختفى الرجل من خيالها وحلّ محله مجموعة من البشر بملامح غريبة وقد ((حاولوا أنْ يسكنوا جسدها)) وظلوا يطاردونها ، فتمنــّـتْ ((ظهور الثور بحركته الرشيقة الباطشة)) ألهمتها حركاته فتقمصتها للهرب. ارتفعتْ فى الفضاء وضربتْ زعيم الذين يُـطاردونها . ثم انتبهتْ إلى سقوطها على أرضية الغرفة. وهكذا التحم الواقع بالخيال ، لكشف العلاقة بين الرغبة فى التمرد على الواقع ، ووهم مقاومته مع استمرارالسقوط .
فى قصة (التماسك بما تبقى) الراوية تشعر بالخوف حتى من رنين التليفون أو جرس الباب . يسكنها ولع الفرار من مجهول . يُـهيمن على روحها ((سراديب متاهة الغياب والتداخل)) تــُـخاطب شخصًـا مُــتخيلا ((لقد غبتُ بك عن نفسى حتى ظننتُ أننى أنتَ)) تنتقل المشاهد من الخيال إلى الواقع ، فيدور حوار بين الراوية وصديقها الذى سألها ((ما رأيك فى صورى الأخيرة ؟)) فلم ترد بينما داخلها يقول ((يتساوى ضياع الملامح)) ألحّ فى سؤاله ، فرأته لا يستحق النصيحة. كانت تأمل أنْ يُـماثلها فى الصدق والوضوح والبُـعد عن النفاق والمراوغة. فقرّرتْ الخروج من فلكه ، بعد أنْ تأكــّـدتْ من غروره وأنه يسعى لسلبها قدرتها على التمرد. ورغم ذلك تشعر بصراع داخلى بين الرغبة فى التواصل ، والاعتزاز بذاتها فناجتْ نفسها قائلة ((أخاف من تلك المقبرة التى تــُـسمى قلبى))
فى قصة (وميض) فإنّ الراوية ترى أنّ صديقها هو الرفيق فى حالة اغترابها . يحلمان بتحقق حلم حياتهما . فى الطريق فإنّ ظلام الشارع يـُـنيره وهج الداخل ، فيطير جسداهما فى الفضاء . قال لها : سأجهـّـز مكانا صحراويًـا يجمعنا. وفجأة حـدّثها - بغرور- عن أشعاره ، فلما قالت له ((أنت مشروع لم يتم)) تسمّـر فى وقفته ولم ينطق . وفجأة يتغيـّـر موقفه فتتساءل ((كيف لم أدرك امتلاكه تلك القسوة تجاهى؟!)) وهكذا تبدو بداية القصة مُـفارقة – بل - نقيضة لنهايتها ، خاصة وقد أضافتْ فى السطر الأخير ((وتأكدتُ أنّ فى الموت تسكن كل معانى الحياة))
فى قصة (ذوى الأغطية) تجسيد للقهر الذى يُـمارسه الآخرون على الذات ، من خلال فرض رؤاهم ، وحتى تحديد نوع الكتب التى (يجوز) قراءتها والملابس التى نلبسها ، وكيف انكسر أبوها أمام طغيان الآخرين ، ولم يدافع عن آرائه الخاصة. فكان الأب مثل الطلسم . وحاولتْ الابنة فك طلاسم الأب ، خاصة الذعر من بطش القوة . البطش المُـدعـّـم بالدين وعذاب القبر. وذعر الحساب والثواب . وضمان الجنة.. وكل ذلك وضعنا فى متاهة نحلم بتفسير أبعادها.. وكيف يكون الخروج من ظلال المتاهة المعتمة.
وفى قصة (كيف تــُـصبحين كبشـًـا) معالجة فنية للشخص الذى تحوّل إلى شبيه بالإنسان الآلى المُـبرمج . وبينما (الراوية) تحلم بمقاومة جماعية للزيف الكائن على أطراف الألسنة والأوجه ، فإنّ (مـَـنْ كانت تعتقد) أنه صديقها يقول لها مازجـًـا الجد بالهزل ((تعالى أعلمك كيف تــُـصبحين كبشـًـا)) فكان لابد - كما فى معظم قصص المجموعة أنّ تتركه إلى الأبد . وفى قصة (محاكمة) تنويعة أخرى من خلال معالجة موضوع تفضيل الولد على البنت ، وفق منظومة الثقافة السائدة التى توارثتها مصر منذ أربعة عشر قرنـًـا. ومع ذلك فإنّ البنت فى هذه القصة أكثر إنسانية من الولد ، وبالتالى فإنّ عزلتها لم تكن قهرًا فقط ، وإنما انسحابـًـا وغربة.
وفى القصة التى حملت عنوان المجموعة (سرمدية ضوء) يتقابل الضوء مع العتمة. وتتساوى الرغبة فى النوم مع الرغبة فى الصحو. وفى الحالتيْن فإنّ الراوية تــٌـقاوم رغبة النوم وتــُـقاوم رغبة الصحو. ولا يحلو لها الجلوس إلاّ على كرسى زوجها الراحل . وتتأمل لوحته المُعلقة أمامها بلونها الليلى وبيتها الغامض . ورغم أنه مات منذ سنوات ، فهى تراه قادمًـا نحوها والضوء يلازمه. وتخاطبه – أو تــُـخاطب طيفه - ((أراك واضحًـا مُغلفــًـا بالنور)) وتسند رأسها على ذلك الطيف الذى تخيلته وتــُـغمض عينيها وتــُـحلــّـق فى سماوات ماضيهما عبر سنوات حياتهما المُـشتركة. وإنْ كان هو قد رحل بجسده إلى الأبد ، فإنّ روحه ما زالت تــُـرفرف حولها. وفجأة يتبعثر الضوء ، فتناديه ليـُـسرع الخطى كى تــُـلامس يده يدها . ولكنها لا تستطيع الحركة وتقول ((فأنا مُـقيـّـدة بكرسيك فى انتظار قدومك)) فماذا تفعل ؟ تتقدم نحو لوحته الأثيرة لديها.. تتفحـّـصها وتلمس موضع الضوء فيها . فتطمئن إلى وجوده معها . وتختتم القصة بقولها ((الآن ضوء سرمدى تسلــّـل إلى روحى)) وتتساءل ((من أين جاء ؟ عجبـًـا لهذا الذى يسكننى)) وأعتقد أنها من القصص النادرة - فى تاريخ كتابة القصة بشكل عام - عن وفاء زوجة لزوجها ، والقصة تكشف حقيقة العلاقة الوجدانية بين الكاتبة وزوجها الراحل الفنان محمود بقشيش.
وفى قصة أخرى (لاعلاقة لها بحياة الكاتبة مع زوجها الراحل) تقول ((وأنا وسط اللامكان مددتُ يدى فأقبل عليها . ومن شرفة الأحلام شاهدتُ القادم نحوى بلون السحر)) فردّ عليها العشيق : لن تكونى وحيدة . سأعتنى بك . فأنتِ داخل روح متصوف امتلأ بعشق الخلود . وأعتقد أنّ أهم ما فى المجموعة هو الغموض الفنى الجميل ، لأنه كان يحمل مفاتيح حل شفراته.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا كرّستْ الأحاديث لعبودية ؟
- فؤاد حسنين على: مثقف من طراز نادر
- فكرة (رب الكون) وعلاقتها بالبشر
- العرب وعلم الآثار
- لماذا هاجم السلمون ترامب ؟
- علماء أوروبا وكشفهم للترتث العربى
- لماذا الدولة المصرية (موش دولة) ؟
- هل الشخصية الاعتبارية لها ديانة ؟
- اليسار العربى والمصرى والموقف من الاستشراق
- غسان كنفانى : هموم فلسطينية إبداعيًا
- هل يتأثر العقل بالتراث ؟
- نقابة الصحفيين والشخصية المصرية
- هوّ الأزهر مؤسسة للدين ولاّ للسياسة ؟
- لو الرئيس عزل وزير الداخليه.. ح يحصل إيه ؟
- تناقض العلاقة بين الرب العبرى وشعبه المختار
- لماذا الأزهر ضد الوحدة الوطنية ؟
- ما مغزى تحالف (الوسطى) مع المتطرف ؟
- هل للترتث العربى جدوى من استمراره ؟
- الماركيز دى ساد بين المسرح والواقع
- مغزى أنْ يستعين النظام بترزية القوانين


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الأديبة هدى يونس والغموض الفنى