أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - عن فكرة الانتماء والهوية العراقية















المزيد.....

عن فكرة الانتماء والهوية العراقية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5168 - 2016 / 5 / 20 - 16:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



حين يكون الحديث عن الانتماء نستعيد كتاب كولن ولسون" اللاّمنتمي" وكيف أثار جدلاً وانفعالاً بين أوساط النخب الفكرية والثقافية عراقياً، وعربياً. صحيح أن كل إنسان هو شخص متفرّد وله خصوصية متميّزة عن غيره في اهتماماته ومزاجه وعقليته، مثلما له نمط حياته الاجتماعي الخاص به، ومثله تكون الجماعات والمجتمعات التي تجمعها سمات وخاصّيات تميّزها عن غيرها، وبالتالي تكوّن هوّيتها العامة، مثلما لكل جماعة هوّيتها ولكلّ فرد هوّيته الخاصة، لكن الهويّة المشتركة هي ما تتميز به الجماعة أو المجتمع، على تنوّع هوّيات أفراده الخاصة.
الانتماء يتأتّى من خلال خبرات وتجارب وخيارات لاحقاً، والأولى تتكون في الأسرة والمدرسة والأصدقاء، ثم تأتي الثانية، والمقصود بها الخيارات التي تحدّد انتماء الشخص، وخصائصه الشخصية وسلوكه وتوجهاته، سواء كانت سلمية أم عنفية، جذرية أم وسطية، راديكالية أم إصلاحية وترتفع مثل هذه الخيارات وتهبط حسب تعمّق وعيه، وهكذا. وبالطبع فإن لكل انتماء هدف، حتى وإن تباعد في قابل الأيام عن النظرة الرومانسية التي على أساسها تم اختياره.
ويبقى الانتماء في عالمنا العربي له أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية مسألة معقّدة وشائكة أحياناً، خصوصاً وإن الكثير من الالتباسات رافقتها. ولو أخضعنا مثل هذا المقياس السسيوثقافي السيكولوجي على الواقع العراقي، لوجدنا إن الانتماء يتراوح أحياناً بين الانتماء إلى الوطن والأرض وبين الانتماء إلى العشيرة والنسب، بحيث تتقدّم الأخيرة على الأولى، في ظل غياب الدولة وضعف مؤسساتها وقدرتها على فرض النظام العام وحكم القانون، ويحدث الأمر على نحو لافت في ظل الأزمات وتراجع مرجعية الدولة أو انكفائها، ولهذا تتم العودة إلى الأصول العشائرية في مجتمعات تجمع بين قيم البداوة وقيم الريف، الأمر يوجّه الانتماء ويطبع الهويّة بطابعه، لأنه يجد في الأخيرة خيمة للأمن والأمان، في حين إن الوطن والأرض بغياب سلطة الدولة أو ضعفها لا تمنحه مثل هذه القناعة.
وفي أحيان أخرى يتغلّب العرق والقومية على الانتماء، انطلاقاً من عناصر تتكوّن في الهويّة وفي الوعي، إضافة إلى عنصر الجغرافيا أحياناً، فالكرد مثلاً يجدون هوّيتهم الخاصة في لغتهم وثقافتهم وتضاريس أرضهم، ويزداد شعورهم هذا، ولاسيّما بتراثهم، كلّما تعرّضوا للاضطهاد، ويستيقظ عندهم مثل هذا الشعور كلّما واجهوا تحدّياً جديداً يمنعهم أو يحول بينهم وبين تحقيق كيانيتهم الخاصة، أو يحقّق لهم مثل تلك الرغبة.
ومثل هذا الانتماء يتنازع أحياناً عند عرب العراق، فبقدر شعورهم بالانتماء إلى العراق، فلديهم شعور آخر بالامتداد القومي العربي، مثلما هو شعور الكردي بالانتماء القومي الكردي، وأحياناً يتغلّب الانتماء الديني: الإسلامي في الغالب أو المسيحي، وفي أحيان أخرى يتقدم الانتماء الطائفي الشيعي أو السنّي أو غيره، على الانتماء العربي أو الكردي أو الإسلامي، خصوصاً في ظل صعود النعرات الطائفية والمذهبية، من خلال عمليات شحن، لزرع الفتن واستحداث الصدام وافتعال الصراع، لمصالح سياسية أنانية ضيقة، وبتداخلات إقليمية ودولية، وهو ما ظهر على نحو صارخ بعد الاحتلال في العام 2003، الذي كرّسه بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، حين افتتح عهده بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، وفقاً لتلك الصيغة التقسيمية (شيعة – سنة – أكراد).
وفي العراق مثل الكثير من بلدان العالم الثالث، فالانتماء لا يتم للدولة، بقدر ما هو انتماء للسلطة، وبين الدولة والسلطة فوارق كبيرة، فالأولى باقية، والثانية زائلة، سواء كانت بإرادة شعبية أو مفروضة، ولكنها ستنتهي إلى حين ، وتبقى الدول ككيان قانوني معترف به قائماً بما له من سلطة (حكومة متغيّرة) وإقليم (حدود وأرض) وسيادة وشعب.
لم يتغيّر الحال على الرغم من الانقلابات العسكرية الكثيرة التي شهدها العراق، ولاسيّما منذ ثورة 14 يوليو (تموز) العام 1958 ولغاية الاحتلال في العام 2003، وظلّت السلطة تتغوّل على الدولة، بفعل انعدام فصل السلطات وضعف السلطة القضائية وعدم استقلاليتها، وغياب مؤسسات الرقابة والشفافية والمساءلة، وقد أعطت الدساتير الكثيرة مثل هذا التغوّل طابعاً قانونياً، حين تركّزت السلطات الثلاث بيد ما سمّي" مجلس قيادة الثورة"، وهي تجربة سارت عليها العديد من بلدان العالم الثالث، تمثّلاً بالتجربة الاشتراكية السوفييتية وتجارب أوروبا الشرقية.
الدولة ينبغي أن تكون مرتبطة بما هو ثابت (نسبياً) ودائم ومتواصل وشامل وتاريخي (أي غير منقطع)، في حين إن السلطة متغيّرة وظرفية ومؤقتة وتتبدّل حسب الظروف والأحوال. وحسبي هنا أن أستذكر العلّامة عبد الرحمن بن خلدون الذي أشار إلى أن العرب متنافسون على الرئاسة، وقلّ أن يسلّم أحد منهم الأمر لغيره. وبهذا المعنى فإنهم تاريخياً أبعد عن سياسة الخضوع للدولة (المُلك) لصعوبة انقيادهم بحكم البداوة، ووفقاً لهذا الاستنتاج الذي يأخذ به عالم الاجتماع علي الوردي، وهو الصراع بين البداوة والحضارة، والذي يطبقه على المجتمع العراقي بصورة تكاد تكون نمطية، نجد في مسألة الانتماءات الضيقة العشائرية أو القومية أو الدينية أو الطائفية أو السلطوية، إحدى تجلياته وتشابهاته.
وقد ظلّت بعض الروابط قائمة مثل العشائرية على الرغم من الهجرة الواسعة من الريف إلى المدينة، بل تم إحياؤها بعد أن كادت تختفي وضعفت إلى حدود كبيرة بعد ثورة 14 يوليو (تموز) العام 1958، ولعلّ الأزمات تستولد الانتماءات الضيقة وتقدّمها على الانتماءات الواسعة، والهوّيات الجزئية على الهوّيات العامة أو الكلية، خصوصاً إذا ما انهارت الدولة أو فقدت هيبتها وتوزعت مرجعياتها، وهنا تتم العودة للماضي، وإلى مرحلة ما قبل الدولة، حيث تنتعش المرجعيات الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية والعشائرية والمناطقية وغيرها.
بهذا المعنى فالحديث عن ديمقراطية، مع التمييز والطائفية، يصبح ضرباً من العبث، والحديث عن دولة مع وجود قوانين للعشائر وأعرافهم بالضد من مرجعية الدولة، بل وتعلو عليها أحياناً، سيكون مضيعة للوقت، كما إن من السخرية الحديث عن حكم القانون مع وجود ميليشيات خارج حكم القانون، ولديها سجون ومؤسسات قمعية ورقابية، وتعتبر نفسها أعلى من الدولة، مثلما سيكون ميلودراما، وضحك على الذقون وجود مرجعيات طائفية تتحكّم بالدولة ومؤسساتها، وقراراتها فوق قرارات الجميع. ماذا سيكون حين تتعارض المرجعيات الطائفية أو الدينية أو العشائرية أو الإثنية مع مرجعية الدولة؟ ولمن ستكون الغلبة؟ وأي انتماء سيتقدم للفرد على الانتماءات الأخرى؟ أي أية هويّة ستكون حاسمة في ظل الهوّيات المتقاتلة أو "القاتلة" على حد تعبير الروائي أمين معلوف.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استراتيجية واشنطن وأولويات بغداد
- متى يعاد الاعتبار للسياسة عراقياً؟
- العراق.. تدوير الزوايا ومعادلات القوة
- الزبائنية وما في حكمها!!
- العربي أبو سلطان -محمد الهباهبه-: حالم لم يفارقه حلمه
- الماراثون العراقي والعودة إلى المربع الأول
- اللحظة اليابانية.. ال«هُنا» و«الآن»
- الفلوجة وسريالية السياسة العراقية
- محمد السمّاك :الشاب الثمانيني الذي يسيل من يراعه عطر الفلسفة
- «غوانتانامو» وتسييس العدالة
- وليد جمعة : كان يشرب من دمه كأنه النبيذ!
- «وثائق بنما» وتبييض الأموال
- ثلاثة سيناريوهات محتملة في العراق - حوار مع جريدة الزوراء
- اللاجئون السوريون وهواجس التوطين
- الدولة العراقية معطّلة ومشلولة بسبب الطائفية السياسية وألغام ...
- تمنيت على الحزب الشيوعي إدانة المحتل أو مقاومته أو الدعوة لس ...
- مشروع التفكيك الجديد
- جورج جبّور : بين كتابين !
- إسرائيل عنصرية مقننة
- تحيّة وداع إلى زها حديد من جامعة أونور


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - عن فكرة الانتماء والهوية العراقية