هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 5160 - 2016 / 5 / 12 - 08:43
المحور:
الادب والفن
سطوة القارىء على النص و موته
يقال عن رواية "ذهب مع الريح" إنها أنقذت ملايين البشر من الضجر , في حين تجد صديقتي مريم أن رواية" الخيميائي" لباولو كويلو , أسوأ ما قرأت قاطبة على وجه الأرض , و كذلك وجد الدكتور الجامعي الوسيم مدرس مادة النظريات , في "مخطوطات وجدت في عكرا" مملة , فلم تعجبه , رغم قرائته لها لثلاث مرات - كما يقول , فهل تستحق قراءة عمل أيا كانت - جودته لثلاث مرات متتاليات , لكي نحكم عليه بالملل , مما جعلني أفكر بسمعة الروائي البرازيلي - الأكثر شهرة من جراء أحكام ذوقية, يتناولها القراء والمتذوقين للأدب .
,,,,, هذا الباولو كويلو الذي أخذني شغفا بما يكتب
هل يعقل أن يكون هناك - من يجده ممّلا !!!
ولإنه - لا مكان لمصادرة آراء الآخرين, فنحن كما يقال " لن نتعلم من شخص يوافقنا الرأي" ,لذا فنحن نحترم من لا يحب كاتبنا المفضل ! وأن فكرنا بجدلية تضارب أهوائنا, فسنجد أن الإختلاف -أحيانا - يكون رحمة .فجميعنا - في النهاية من "جمعية أصدقاء النص" وليس بالضرورة أن يكون بين أعضائها , شيء مشترك ,لإنهم لا يتفقون ضرورة على نصوص اللّذة , كما أشار رولان بارت (1) في كتابه الشهير "لذة النص ".
,,, فتفكيك النص كما أشارت النظرية التفكيكية نفسها , بتعدد القراءات, لفك شيفراته الخفية ورسائلة المبطّنة ,هي من مسؤولية القارىء – المهتم والمتذوق , فله حق التأويل وقراءة العمل , فالشعور بلذة النص تختلف من شخص لآخر’ كما أشار بذلك رولان بارت – حيث يشير إلى تلك الومضات المثيرة للمعاني - جاذبية مغرية تستدرج القارئ للوقوع في غواية رقص الكلمات الهاربة والاستمتاع بلذة النص وعذاباته ، فتتفجر كما يقول الهوية القرائية الآمنة ضمن هذا المنزع الإيروسي في " مخدع " النص " (2).
أما ما أشارت له جماليات القراءة وآلياتها , حسب نظرية التلقي التي تركز على فعل الفهم في قراءة النص , وترى إنه لا يستقيم فهم العمل الأدبي إلا إذا شارك المتلقي في بناء وإنجاز المعنى مشاركة فعالة و قوية , تجعله طرفا في تأويله وتفسيره , مستخدما في ذلك خبرته الجمالية ومرجعياته الثقافية والإيديولوجية (3).
وكما أن " المقارنة والتحليل هي أدوات الناقد" , كما اشار بذلك مرارا " ت.س. ايليوت " , فالإعجاب والتقدير, هي أيضا - من أدوات القارىء , فالقارىء حرّ في إعطاء رأيه عن عمل ما سواء بالتشجيع لقرائته أو بالعزوف عنه , فبدونه لا معنى لفعل الكتابة , وقد فسر تلك العلاقة ما قاله الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر(4) حيث يؤكد على أن العمل الأدبي لا وجود له إلا حين النظر إليه "و
: " إن الفعل الإبداعي لحظة غير مكتملة في العمل الأدبي٬-;- لأن عملية الكتابة تفترض عملية القراءة كتلازم جدلي٬-;- وهذان الفعلان المرتبطان هما: المؤلف والقارئ.". ولذا من السهل إيجاد من يتحدث عن رواية أو عمل بأنه عمل جيد أو فاشل بناء على الإطار المرجعي الذاتي والطبقات الاجتماعية والمهن وبناء على الذوق الشخصي , فالقارىء المتذوق - ككائن فريد له طاقاته وخصائصه النفسية ومعتقداته الإيديولوجية والدينية وجميعها تسقط على العمل الأدبي, كأحدى الحيّل الدفاعية التي تتوائم بها النفس مع ما يشبه ويطابقه ’ لتحقيق ذلك الشعور الفائق بإنعكاس التجربة , لذا لن نستغرب عندما نسمع من يقول لك مثلا - إنه لم يعجب , بأشهر رواية في العالم - تلك التي يعرفها طوب الأرض جميعا كما قال عنها الروائي السوداني " امير تاج السر" مفضلا بدلا منها رواية ماركيز الأخرى "الحب في زمن الكوليرا " .
فليس في الأدب تمييز ولا مفاضلة ولا يوجد مقصلة أو محاكم تفتيش , تمد عيدان المقصلة لقارىء أعجب بعمل أو رفضه , فالقراءة كجهد شخصي وغير ملزم لصاحبه تستطيع أن تمنحه الحصانة الدبلوماسية بالمرور بدون توقف على كل محطات النص الإبداعي بدون ختم أو بدون تفتيش.
ولذا نجد أن الكاتب أحيانا , قد ينحدر في ذوقه لكتابة تلاحق ميول القراء وإختياراتهم ومتابعتهم والكتابة لهم بغض النظرعن حقيقة إقتناعه بذلك .
فكما أن هناك كتابات للنخبة كما في كتابات إدوارد سعيد مثلا , هناك من ينجر وراء ما يحتاجه سوق صناعة الكتاب , وهي سوق نامية ومتضخمة وتحتكم لمتطلبات السوق الشرائي,
مثل كتابة الروايات التي باتت تستهوي - حتى الشعراء منهم وليس أي نوع من الأنواع , ففي حين خف الطلب على الروايات البوليسية أو يكاد ينعدم تقريبا , نجد أن الطلب صار كثيفا على ما يسمى الروايات الرومانسية وقصص الحب , ففي إحصائية ممثلة لقياس أكثر الروايات طلبا , وجدت نانسي كريس في كتابها " تقنيات كتابة الرواية "(5) عودة ظاهرة انتشار الأدب الرومانسي مجددا ,حيث احتلت الروايات الرومانسية 55% من المبيعات الروائية , أي ما يعادل أكثر من مليار دولار في السنة , فكثير من الناس يريدون القراءة عن الحب , وما ثلاثية "خمسون ظلا للرمادي "أكبر مثال لذلك الهوس الملّح .
,,,, وعودة لتلك الدراسة التي لم تكتف بذلك, فحتى الروايات الرومانسية لها تصنيفات , فالناشرين صاروا يوزعون على الكتّاب الرومانسيون بعضا من تلك الإرشادات - الأكثر وضوحا بخصوص الشخصية المطلوبة , مثل شخصية المليونير-الأكثر جذبا لجمهور المراهقات الشابات , ولذا نجد- عربيا - أن نجاح رواية " الأسود يليق بك" - رغم خلوّها من معنى بارز, إلآ إنها وجدت لها طريقا مفروشة للصّبايا المراهقات , وبنات الجامعة ذوات الأحلام الوردية ,حيث مليونير يلاحق مغنية شابة على مدار صفحات الرواية .
فزمن الرومانسية لم ولن ينتهي -على ما يبدو ,
فقد شملت تلك الإرشادات , تصنيفات أخرى متتالية , فهناك التشويق الرومانسي , والرومانسية المعاصرة و رومانسية فترة الوصاية على العرش أو الرومانسية الحسية ,, إلخ .
وهكذا نجد في تتالي موت المؤلف وموت النص إنه سيأتي, وقت يتم فيه الإقتصاص من الطرف الثالث ,الفاعل بتلقي جماليات القراءة حسب نظرية التلقي , وصاحب التأويل وتعدد القراءات فكل نظريات النقد - في ذلك الوقت – حتى تلك التي تقول :" أن "ميلاد القارىء" يجب أن يكون على حساب "موت المؤلف" (6) - لن تحمي موت القارىء بشفاعة ارتكابه لجريمة القراءة الذاتية .
المراجع :-
(1) رولان بارت , ترجمة عياشي, منذر ." لذة النص,ط1(باريس: دار لوسوي,1992).ص:40
(2) مرجع سابق –لذة النص
(3) بخوش,علي ," تأثير جمالية التلقي في النقد العربي" ,ص:6
(4) جان بول سارتر: ما الأدب؟، ترجمة : محمد غنيمي هلال، نهضة مصر، :ص 49.
(5) نانسي كريس – ترجمة زينة إدريس " تقنيات كتاب الرواية ,ط1 ( الدار العربية – ناشرون ,2009).
(6) مقولة ل "رولان بارت ".
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟