أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - فتنةُ طوزخورماتو.. لمحةٌ عن عراق ما بعد (داعش)















المزيد.....

فتنةُ طوزخورماتو.. لمحةٌ عن عراق ما بعد (داعش)


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 5154 - 2016 / 5 / 6 - 08:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يُطالِعُ المُتأمل خارطة التوزيع الإداري لأقضية مُحافظة صلاح الدين، تلك المُحافظة التي تكاد تجتمع فيها أعقد التناقُضات العراقيّة، لا يسعه إلا الشعور بأنَّه أمام شكلٍ من الجُغرافيا القسريّة المُصطنعة، نوعٌ من التجميع الإجباري والاقتطاع المساحي يتموضع هُناك في تلك الرُقعة الممتدّة بين شمال بغداد وجنوب أربيل، وغرب ديالى وشرق الأنبار، ولئن كان تعدّد الجوار يُعدُّ بمثابة (إرهاق) استراتيجي في عالم العلاقات الدوليّة كنتاج حتمي لتبايُنات الوحدات السياسيّة المُتجاورة، فإنّه كذلك بالنسبة لصلاح الدين القابعة على شفير التوتّرات العراقيّة البينيّة المُتنوّعة، وهي توتُّراتُ كادتْ-في يومٍ ما- أن تُزيل المُحافظة عن وجه البسيطة يوم طرح الجميع-الكُرد والبيت الشيعي-فكرة (شطب) صلاح الدين كمحافظة عبر تحويل اقضيتها الكُبرى (سامراء، الطوز، بلد) إلى مُحافظات على أُسس قوميّة وطائفيّة، مُتذرّعين بأن المُحافظة نفسها كانت قد توسّعت خارج حُدودها القديمة في عهد الرئيس الأسبق (صدام حسين) لمجرّد كونه مُنحدراً منها.
من أحد هذه الأقضية المُلتبسة (طوزخورماتو) أطلّت الفتنة الأخيرة برأسها، صاخبةً، داميةً، حُبلى بالمُفاجئات والمواقف الصاعِقة، فـ(الطوز) -تلك المدينة المُقتطعة من كركوك المُقتطعة بدورها من (كُردستان) او هكذا يُروّج الكُرد الفيدراليّون ويرفُض العرب الاتحاديّون-تغلي اليوم على نار المواجهات المُسلّحة العنيفة بين فُرقاء اليوم/حُلفاء الأمس: الحشد الشعبي-بشقّيه الشيعيين المحلي/التُركماني والعربي/ الوافد- من جانب، والبشمركة الكُرديّة وأنصارهم من مُقاتلي الدفاع الذاتي من جانب آخر.
في الطوز تتصادم المشاريع المؤجّلة، مشاريع نفوذٍ ومجالات حيويّة تأخر (التمدّد) نحوها لأن ثمّة عدوٍ شرس كان يُهدّد الجميع بتمدّده السريع، وهو عدوٌّ يحظى بكُلِ صفات الكراهيّة والمَقت من جانب خُصوم اليوم (الشيعة/الكُرد)، لا لوحشيته المُفرطة او انفلاته الأعمى من أي قيد وخُلقٍ فحسب، بل لأنه قبل ذلك كُله يُمثّل (المنظومة القيميّة) النقيض للاثنين، فداعش ابتداءً هي الوجه المُسلّح للعرب السُنّة-شاءوا أم أبوا-، وهي بهذا التوصيف تُجسد العدوّ الأول للشيعة-من الجانب المذهبي- وللكُرد-من جهة القوميّة-، بتجاهل حقيقة النسب العالية من المُقاتلين الأجانب والوافدين في صفوف التنظيم، حيث لا يُمكن إنكار غلبة العنصر العربي على كوادرها القياديّة والمُقاتِلة، بل يُمكن القول أن الحساسيّة الكُرديّة تجاه داعش هي أشدّ وضوحاً بالنظر لطبيعة المشروع الديني الذي يُبشّر به التنظيم وتقاطُعه مع حُلُم الدولة الكُرديّة المدنيّة/الديمقراطيّة/العلمانيّة، وداعش ثانياً لم تدّخر وسعاً في سبيل إثبات وجهة النظر تلك، ثمّة خيوطٍ من الدماء الكثيفة المُتخثّرة تُعزّز-على نحو عميق-هكذا نظرةٍ عدوانيّة، من (سبايكر) حيث أُبيد المُتطوّعون الشيعة بالمئات وحتّى جبل (سنجار/شنكال) يوم شرَّد هؤلاء البرابرة شعب الأيزيديّين المعزول وفعلوا بهم الأفاعيل المُنكرة، فلا شكَّ أن خطاب داعش المُغالي في التشنّج والتعصُّب والكراهيّة قد وحّد يوماً جبهةً مُتناقِضة، احتفظت بشكل مُتأرجح بشيءٍ من التماسُك مُنذ أيام النضال ضد الدكتاتوريّة وحتّى وضِعتْ على محك الاختبار في (الطوز)، وإزاء هكذا مستوى عالٍ من التهديد الوجودي الحاسم، ركن الأطراف بإجماعٍ ومضض ملفاتهم السريّة وتصبّروا بالصمت والكتمان ريثما ينجلي غُبار المعركة الأشد، وما أن أخذ الضَعف يَدُبّ في الخصم العنيد حتّى طفتْ على السطح سريعاً مُتناقضاتٌ شتّى.
والطوز التي تبدو ككفٍ ناتئ مُفتعل بين ديالى وكركوك-تماماً كما تبدو (الشرقاط) كرأس في غير مكانه بين كركوك والموصل- ستكون-بلا شك-لمحةً عن عراق ما بعد داعش، عراق التحرير الذي بدأ بتحطيم هيبة المؤسسة العسكريّة الرسميّة (الجيش العراقي) ذات المرجعيّة السياقيّة والتقاليد الواضحة، لصالح تغوّل مؤسّسة بديلة-او هكذا أُريد لها أو أرادتْ أن تكون- بمرجعيّة دينيّة ذات بُعدٍ طائفي غائم وبسياقات استثنائيّة مهلهلة، ومن المؤسف القول أن عراق ما بعد داعش قد يكون أشد خطراً وأكثر ميلاً للتفكُّك والتبعثُر مما قبله، والشواهد على ذلك-قبل فتنة الطوز-كثيرة، فعشرات المُدن ومئات القُرى التي استُردّتْ من براثن (الذئب) -على حدّ وصف أوباما- لاتزال خاويةً على عُروشها بشكلٍ يُعزّز فرضيّة التغيير الديموغرافي، المؤسّسة البديلة جاءتْ لتبقى-هكذا يقول لسان الحال-والغريب أن ناحيةً صغيرةً تتبع إدارياً لقضاء الطوز هي إحدى تلك الانتكاسات الملغومة، (آمرلي)، هُناك لم تُحرّك القوّات الكُرديّة ساكِناً إزاء تعنُّت ميليشيات الحشد وإصرارها على محو الهويّة المُتنوّعة العريقة للناحية، وعلى وجه الخُصوص حزامها الريفي الذي جرتْ تسويته بالأرض عمليّاً، ومُنع سُكّانه من العودة حتى هذه اللحظة رُغم أنَّ (آمرلي) كانت من اوائل المناطق التي استُرجِعتْ من (داعش).
قوميّاً، لا زال التُركُمان وجلين من مشروع (تكريد) كركوك وأحزمتها السُكّانيّة، لكنّهم مُنقسمون بين أنصار المشروع القومي العابر للطائفيّة والمُتأثرين باللُغة الدينيّة الديماغوجيّة السائدة في العراق اليوم، أمّا الكُردُ فيرون في (الطوز) خطّاً مُتقدّماً للدفاع عن (كُردستان الكُبرى)، أمّا جغرافيّاً، فهناك خطر انفلات المعارك واتساعها صوب مناطق تُماثل (الطوز) في وضعها الحساس، وعلى وجه الخصوص بعض أقضية مُحافظة (ديالى) وتحديداً (السعديّة وخانقين وجلولاء) حيث يتشاطر الفرقاء انفسهم (الكُرد/الحشد) السيطرة على هذه المُدن المُختلطة قوميّاً ومذهبيّا، ولا شكّ أنَّ الاستقواء بالمُقاتلين الوافدين من خارج القضاء واردٌ طالما استمرّتْ المعارك وخِطابات الحسم الرنّانة.
لقد كشفتْ معارك (طوزخورماتو) أنْ شؤم المُعادلة العكسيّة يتحكّم فعلاً في العلاقة بين حُلفاء الجبهة المُضادة لتنظيم الدولة (داعش)، فالخلافات والمصالح المُتقاطعة والجفاء السري والتنازُع آخذة في التصاعُد كُلما نجح هؤلاء الحُلفاء في إلحاق المزيد من الهزائم بخصمهم الواضح، ليتحول الفعل العُنفي إلى خُصومٍ غير واضحين لكنهم قطعاً شُركاء في السياسة والسلاح، وهو ما ينبئ بالمزيد من الاحتراب والتصدُّع والأزمات في عراق ما بعد داعش.

ليث العبدويس [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حاخاماتٌ مُتعجرِفون.. موتُ الإسلام السياسي
- الغَرَقُ في بِركَة الكَلِماتِ
- الموتى لا يبتسِمونَ في الصُور
- ليلى لَمْ تَعُدْ مَريضَة
- أغلى رَغيفُ خُبزٍ في العالم
- زيرا الصَغيرة... والطائِراتُ المُغيرة
- كُلُّ الطُرُقِ تؤدّي إلى دِمَشْق
- ذَبحَةٌ أَبَويّة
- الحَبلُ السُرّيُّ العَرَبي
- اعترافاتُ مُثقّف مُرتَزق
- الدخُولُ إلى صَبرا وشاتيلا
- إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب
- العَروسُ والكلاشينكوف
- وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس
- نوري.. نوزاد.. وحُلُم الأكراد
- قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم


المزيد.....




- ترامب يوقع مشروع قانونه -الكبير الجميل-.. والقاذفات B-2 -الش ...
- حماس تعلن أنها جاهزة للانخراط -فورًا- في محادثات وقف إطلاق ا ...
- روسيا.. عاصفة استثنائية تضرب سانت بطرسبرغ وإغلاق غير مسبوق ل ...
- في حادث نادر.. سيول تحتجز كوريًا شماليًا بعد عبوره الحدود ال ...
- تفاؤل بتحقيق هدنة في غزة بعد رد -إيجابي- من حماس على مقترح ت ...
- حماس تؤكد استعدادها للدخول -بكل جدية- في مفاوضات لتنفيذ مقتر ...
- ما هي معاهدة فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل؟
- رئيس رواندا: لقاء الدوحة سهّل اتفاق واشنطن
- إسرائيل تتلقى رد حماس من الوسطاء وتدرس تفاصيله
- -الضبابية الموجهة-.. كيف يدير نتنياهو لعبة صفقة التبادل للبق ...


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - فتنةُ طوزخورماتو.. لمحةٌ عن عراق ما بعد (داعش)