أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سيف المفتي - مدينتي طائر العقاب















المزيد.....

مدينتي طائر العقاب


محمد سيف المفتي

الحوار المتمدن-العدد: 5118 - 2016 / 3 / 30 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


مدينتي كطائر العقاب
محمد سيف المفتي
29.03.2016

نسيم البحر في مدينة اولوسند داعب ذكرياتي العراقية العتيقة، كنت واقفا على الجسر الكبير في وسط المدينة و بجانبي صديقي روجر، كان قد حدثني كثيرا عن مدينته و دعاني الى جولة فيها بعد انتهاء مهام العمل، كم كان فخورا بمدينته كما كنت مزهوا بحضارة بلاد الرافدين.
كانت النوارس بصياحها توقض ذكريات جسر أم الربيعين العتيق بكل ما يحمله من معاني للمدينة، و نوارسه و ترحيبهن صباحا بكل أطياف الشعب العراقي.

فأخبرته عن العتيق وكيف يقام عليه كل صباح معرض للازياء الشعبية، الشال و الشبك الكوردي، الصاية و الزبون، الشراويل، و المكرومة و اليشماغ. مهرجان بكل معنى الكلمة.
أجابني مبتسما و نحن كذلك لدينا يوم في السنة هو اليوم الوطني يرتدي ابناء المدينة الزي الشعبي (البوناد) للمنطقة التي هم أصلا منها و يخرجون الى المدينة.
اجبته منتصرا في هذه الجولة.
- لديكم فرحة بتنوع ملابسكم يوما في كل عام أما فرحتنا بجمال فسيفساء مدينتي فهي يومية.
هز رأسه موافقاً. كم كنت فخورا بهذا النصر.
بعد أن صعدنا الى الجبل المنتصب كمراقب على المدينة، جلسنا على قمته في مقهى اسمه ( صالة الجبل ) و اصبحت المدينة و كل خلجانها تلمع أمامنا على مد البصر كجوهرة تحت أشعة الشمس، أخفيت عن روجر امنياتي بأن تصبح مدننا العراقية بهذا الجمال، لأنني توا قد تفاخرت عليه و انتصرت في جولة عراقية نرويجية نادرة الحدوث.
فاجأتني كلماته وهو يقول لي هل سمعت بحريق اولوسند؟
- قلت له لا . أجابني وهو يشير الى المدينة بكل أرجائها
- مدينتي الحبيبة ..هذه احترقت كلها في يوم عاصف أخذ الحريق 850 بيتا و ترك ما يقارب عشرة آلاف نسمة و نصف بدون مأوى. وبدأ يشير الى الاماكن التي احترقت بالتفصيل و يشرح لي بحماس، لم يبقى شيء يذكر من المدينة.

انطفأت الجوهرة أمامي كما انطفأت نينوى ذات مساء.
بدأت بعض الكلمات تدور برأسي و تستدعيني للمقارنة، احترقت، أحتلت، أشتعلت المدينة، أنتهكت المدينة.الخ الخ.

هبت نسمة هواء عليلة جعلتني أفتح ذراعي و أغمض عيني و اتنفس بعمق هواء نينوى، وعندما فتحت عيني أيقنت أنه توجد أحلام اسمها أحلام اليقظة، لكنها لا تدوم تطويلا.. الواقع كفيل بها.
قدم لي روجر سيجارة على غير عادة النرويجيين، و قال ما رأيك بسيجارة أمام هذا المنظر الرائع.
شكرته موضحا: مع الأسف تركت التدخين منذ سنين.
نظرت الى المدينة و حدثت نفسي.. هذه المدينة كانت ذات يوم خرابا و أعيد بنائها، هذا يعني أننا قادرين على بناء مدننا.
فسألته أين بدأ الحريق؟
أجابني مستغربا، لقد أحترق معمل التعليب الاساسي في المدينة؟
شكرت الله في سري، أن معاملنا سليمة، صحيح واقفة عن العمل لكنها لم تحترق.
شعرت أنني سوف آخذ بعض الأفكار و أنقلها الى العراق لنستفاد منها في إعادة بناء مدننا.
سألته ما الذي حدث مع آلاف المشردين قال لي بقوا في المدينة و عاشوا فيها.
قلت في نفسي ، كذلك في العراق هناك كثير من الاهالي لم يغادروا المدن المحتلة.
فجال ببالي أن اعرف مكان سكنهم، فسألته أنت قلت لي أن 850 بيتا احترق في ذلك اليوم، اين سكن الناس؟

- هذا الحريق حدث في 23 كانون الثاني عام 1904 بحدود الساعة الثانية و الربع، و عندما وصل رجال الاطفاء الى مكان الحريق كان النيران قد ارتفعت لعدة أمتار فوق المعمل، كان الهواء عاليا فقابل رجال الشرطة دخان كثيف و أمطرت السماء شرارا عليهم، فأضطروا لضرب الاحصنة بالسوط لتتقدم و اضطروا اخيرا للهرب بعيدا و أشار الى شارع في طرف المدينة، لأن العاصفة في ذلك اليوم حرصت على نقل النيران بين البيوت الخشبية بسرعة مذهلة، و استمر الحريق لخمسة عشر ساعة.
كان الكثير من ابناء المدينة واقفين في تلك الليلة، في هذا المكان الذي تقف فيه الآن و ينظرون الى بيوتهم تأكلها النيران وهم بلا حول ولا قوة في مواجهة غضب الطبيعة. فعاشوا اربعة سنوات في كرافانات، لتصبح مدينة اولوسند أحدث مدن اوربا في عام 1907.
سألته
- هل كان خيارهم البقاء في المدينة؟
- شركات التأمين عرضت عليهم مبالغ من المال للعيش في المكان الذي يريدونه حتى ينتهي العمل، لكنهم اختاروا البقاء في مدينتهم.
- لماذا، اختاروا البقاء؟
استعجب السؤال و كأنني أحمل أفكارا من كوكب آخر، و أجابني بهدوء.
- لأنها مسقط رأسهم، ألم تسمع بشيء اسمه الوطنية و حب الأرض؟ المدينة تعيش بحب ابنائها.
- نعم، نعم بكل تأكيد.. نحن كذلك.
نظرت اليه بنظرة ناقدة تعني و كيف تظن غير ذلك. شعرت أن موازين المقارنة بدأت تختل .
ما كان يغيضني في حديثه تمسكه بلهجته هو و اصدقائه، و تركيزهم على استبدال معظم حروف الراء الى غاء، امعانا بخصوصيتهم، و أنا إبن الموصل و لهجتي مثل لهجتهم، لكنني في عام 2011 شذبت اذاني على طول فترة رحلتي باحثا عن القاف والغاء.. ذهب انصاتي عبثاً.. سمعت العجل و اليول.
أمسك روجر بكتفي و سألني تبدو شاردا.. أجبته نافيا و طرحت عليه سؤالا جديدا:
- من أين جاءوا باليد العاملة لبناء المدينة؟ سألته لأتعرف على العقود التي أبرمت و كيفية توقيع عقود اعادة البناء مع الشركات الاجنبية.
- الكثير من الناس الذين فقدوا بيوتهم، هم أصلا من قرى مجاورة. عادوا بعوائلهم الى قراهم و هم عادوا للعمل في إعادة بناء المدينة. وكانت الشركات المحلية مع بعض الخبراء الألمان كافية لأنجاز المهمة.
- الم يؤدي هذا الحدث الى خلافات بين الناس، و حدود الملكيات؟ و حجم التعويض؟
- لست متأكدا مما تعنيه؟ و نظر في عيني ينتظر توضيحا لكنني بقيت صامتا، فاسترسل.
- في ليلة الحريق فتحت ابواب كل البيوت للجميع، و فترة العيش في الكرفانات عززت أواصر الترابط بين الجميع.
استعذت بالله في سري، و سألت نفسي لماذا لا يوحدنا الألم و الوجع الأنساني.
بدأت هذه المقارنة تزعجني. ففكرت بيوم تحرير المدن العراقية و كيفية التعامل مع الضحايا..فسألته.
- كم عدد الاشخاص الذين لقوا حتفهم في تلك الليلة؟
قال لي متأثرا، كانت ليلة عاصفة و جو مثالي للحريق، رغم ذلك تكاتف الناس، و ارسلوا ابنائهم لمساعدة بعضهم البعض. فمع الأسف ماتت سيدة تبلغ من العمر 76 عاماً كانت مهتمة جدا بأخراج مقتنياتها من البيت. و بعض الناس أصيبوا بحروق بسيطة.
فلم أتمكن من أخفاء ابتسامتي، ثم ضحكت و انا أنظر الى المدينة تتحول الى جوهرة جديدة أمام عيني.
سمعت صوته و بنبرة مربي فاضل.
- حتى انسان واحد فهو كثير، ألا ترى ذلك يا محمد؟ أجبته بكل تأكيد بكل تأكيد.
ضحكت مجددا و قلت له لقد قررت العودة الى التدخين أعطني سيجارة و قهوة و دعنا نتمتع بجمال الطبيعة.
قلت في نفسي، ليست أكثر من مقارنة فاشلة، تراثنا و أصولنا أعرق منهم بألف مرة.. نفخت التراث و الثقافة مع دخان سيجارتي، فتلاعب به النسيم و ضاع ليس بعيدا عن وجهي.
وبقيت انظر في الافق البعيد و أكرر في نفسي ستنهضين يا عنقاء، ستنهضين يا عنقاء.. و ستغسل يا نهر الموصل آثار القدم الظلامية.



#محمد_سيف_المفتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهيد وطن
- العراق الذبيح
- اليأس ينتاب داعش
- بلا تعليق
- ما أحوجنا لأظافر طويلة
- البحث عن الأيوبي الجديد
- نينوى بين المخالب
- ليلة سقوط نينوى
- هل سيعتذر العراق من روجر
- عراق مغتصب
- مدينة بلا انسان
- تقسيم العراق بإرادة عراقية
- سيستمر الحوار بخصوص تسليم ملا كريكار
- تهميش دور المرأة
- فيروس الفساد ينتشر في العراق
- عندما نستغل الخالق
- أين هي الحقيقة في الصين
- نادلة ترفض دخول الملك و الملكة
- تفجيرات اوسلو
- الديمقراطية المقلقة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سيف المفتي - مدينتي طائر العقاب