أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - شمس تبريزي ورباعيات مولانا صراع مرير مع القبح الأرضي















المزيد.....

شمس تبريزي ورباعيات مولانا صراع مرير مع القبح الأرضي


وجدان عبدالعزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5115 - 2016 / 3 / 27 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


لاشك ان هناك صعوبة كامنة لدى الدارس وهو يحاول الدخول إلى عالم شخصية مهمة ، كشخصية جلال الدين الرومي ، ولكني أحاول أن ابدأ من حيث انتهى الآخرون ، عساي أن أجد ضالتي وينفرج كمون الصعوبة أمامي .. وقبل كل شيء لابد لي ان اسرد الرواية التالية ، لتكون مفتاحا لي لتحليل بعضا من شعر مولانا .. الرواية تقول : بينما مولانا جالسا في احد الأركان المنعزلة في خلوة مع نفسه بقرب غدير ماء ، ينظم الشعر ، وإذا بشيخ كبير تظهر على محياه علائم جلال واحترام ، فرحب به مولانا وأجلسه بجواره ، وراح ينظر إليه بتمعن وروية ، فقال له الشيخ : ماذا تفعل هنا يابني وحيدا ؟ فابتسم جلال الدين بحياء ومهابة وقال : ابحث في عالم الشعر والخيال واستلهم الوحي والجمال وأتأمل الموجودات التي أوجدها موجدها ، فيختلط علّي الامر في كيف السلوك إلى معراج الحقيقة الكامنة خلف هذه الموجودات .. تنهد الشيخ الكبير واخذ يدله بحنكة وعمق على الطريق الواجب سلوكها لسبر أعماق الحقيقة بعدما التفت إلى أكداس الكتب بقربه فاحرقها واختلفت الروايات بهذا الصدد ، ولكن الحقيقة الكامنة هو التعرف على الشيخ شمس تبريز في ظروف معقدة كانت وراء تحول مولانا الى حالة من حالات التصوف والتجلي والزهد ، فقط أمطرت شمس تبريز على ارض مهيأة قبلا وعلى استعداد لعطاء الخير ، حيث عبر مولانا عن تلك العلاقة بقوله : عندما اشتعلت نيران الحب في صدري احرق لهيبها كل ماكان في قلبي وعملت بجد إلى اكتساب صناعة الشعر ، وغاب عنه شمس تبريز وفي حالة تأمل قال : من ذا قال ان شمس الروح قد ماتت ؟ من ذا الذي تجرأ على القول بأن شمس الأمل قد تولت ؟ ماهذا إلا عدوا للشمس وقف تحت سقف وعصب عينيه؟ ، ثم صاح (ها هي الشمس تموت) ، ومن جملة القول ان صحبة شمس للرومي أنتجت حصيلة شعرية كبيرة كانت تدور حول الحقيقة الالهية في ذهن مولانا على انها الجمال ، بحيث تصيّر العشق عنده ، هو الجمال والجمال عنده هو الجمال الالهي وكل جمال في هذا الكون المرئي ما هو الا شعاع من او مظهر للجمال الالهي وان العشق هو احد مباديء الاتحاد والفناء ، فهناك قوى جاذبة في كل ذرة من ذرات الوجود وبها تنجذب العناصر الى بعضها وتحت أشكال الحياة وصورها ومن هنا تصبح الحياة كلها تجليا للعشق واذا كان العاشق يطلب المعشوق فان المعشوق يطلب العاشق وهذه الجاذبية المتبادلة هي السر في تماسك وبقاء الكون والخليقة ، فالعشق يجعل الكون كله مبنيا على درجة من التناسق والانسجام (وكلّ في فلك يسبحون) وهو حركة صوب الكمال ..
ومن إبداعات مولانا الرومي انه ابتكر الرقص والدوران مع السماع والموسيقى وفي اعتقاده ان الدوران يطلق الخيال ويخفف من ثقل الجسد ، ومن منطلقاته الأخرى ان قسّم النفس إلى ثلاث : العاقلة المتحررة من الأهواء والأخرى المسيطر عليها من قبل الغرائز والثالثة تعيش قلق المد والتوتر بين الأولى والثانية وان سلوك الإنسان يتبدل وفقا لأهدافه ورغباته ويرى الرومي ان الإنسان اذا امتلك بصيرة نافذة ومشاعر ايجابية سيصبح ذهنه صافيا وان لاينساق مع الأجواء كما هي ويتخلص من شوائب النفس ليرقى الى الحالة الملائكية وكذلك عنده الإنسان ليس شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا وليس هناك ثوابت لأي شيء في الحياة وكل أمر يختلف حسب ظروفه ومتطلباته والبيئة التي نشأ فيها وان الحب هو القوة الهائلة الداخلية لتطور الانسان وإحداث التبدل في شخصيته والحب هو الجمال والله هو الجمال ..ويقرر ان الكراهية هي النار ، اذن الحب في الارض هو الجنة والكراهية هي النار وبشعار الحب والعشق الإلهي وتفكير الرومي المرن والمتسامح ، جذب إليه الناس بما فيهم من الديانات الأخرى مما اثبت للعالم ان هناك مشتركات إنسانية بين جميع البشر من مختلف المشارب والمذاهب والأديان .. وحينما نتمعن في بعض من اشعاره ولاسيما رباعياته نجد هذا واضحا يقول الرومي :

(الزمن يجلب النهاية الخاطفة
لما تبقى من الرجال المندحرين
وذئب الموت سيمزق عما قريب
هذه الخراف المسكينة...)

هذه دورة اولى تتصل بدورة تمثلت بقوله :

(شاهد، كم بفخر يذهلون
برأس مرفوع
حتى يأتي مصيرهم بضربة مفاجئة
تلقيهم أمواتا....)

وهاتان الدورتان جعلته يقول :

(خذ هذه اللحظة إلى قلبك
وعندما ستغادرك
ستظل تبحث عنها طويلا
كما لو أنها تختفي
مع مئات المصابيح والعيون.)

اذن اللحظة المستغلة هي التي أدخلت في القلب هالة من الصفاء وإزاحة الشوائب ، وحينما تختفي دون استغلال تختفي كما مئات المصابيح المختفية التي سرعان ما تنطفيء ويحل الظلام وهنا يقرر ان : (الراكب السماوي مر) وعندها ارتفع الغبار في الهواء أي اصبحت كدرة في الارض ، ولكن عشق السماء سيبلور رؤيتك ، لازالة الكدر والظلمة بالاستقامة والتعمق في الحياة ، ثم ان مولانا يثبت خلود الروح ويقرنها بخلود صاحبه شمس تبريز بقوله :

(من الذي قال أن الروح الخالدة تموت
ومن يجرؤ على القول
إن شمس الأمل تغيب
عدو الشمس هو فقط
من يقف على رأسه
رابطا كلتا عينيه صارخاً
انظروا، الشمس تموت)

ثم يبث اسئلته الوجودية حول الروح والبدء ، هذه الاسئلة اصبحت كفيلة بان تطلق قدرات الانسان نحو الحصول على جائزة الفوز بامتلاك الحب والعشق الالهين وتصبح الحياة عنده محكومة بالزمن أي بايمانها وكفرها ، بشكها ويقينها ، لكن الكفيل في هذا كله هي اشراقة الايمان وانفتاح الصدر رغم صعوبة المنال ، فاسئلته هي :

(من الذي أطلق الروح
قل لي، من هو؟
من أعطى في البدء
هذه الحياة لي؟
من يتلبس، حياة الصقر
ووهبني لبرهة عيوني
فسوف يطلقني
لاصطاد جائزتي)

ثم يعطينا اشراقة شعرية اخرى بقوله :

(كملح يذوب في المحيط
ابتلعت في بحر الله
الأيمان الماضي، الكفر الماضي
الشك الماضي واليقين الماضي
وفجأة أشرق في صدري نجم لامع
واختفت في ضوء ذلك النجم
كل شموس السماء.)

وهو يدور حول الجمال الارضي الذي هو دوال مستمرة في التوالد من اجل الوصول الى السمو والجمال الاعلى ..

(الزهور تتفتح كل ليلة في السماء
والسلام في الأبدية في سلامي مع نفسي
مئات الحسرات تظهر من قلبي
وقلبي، مظلم وبارد
يضطرم من تنهداتي. )

ثم يتلوها باشراقة أخرى كي يكشف الطريق الى اليقين ...

(انه راحة روحي
ويحل طائفا حول قلبي
حول قلبي يدور روح الرحمة
ضاحك من سريري الترابي
كالشجرة ارفع رأسي
لينبوع المرح الحي
يغسل حولي الأرض.)

بعد ذلك يحذر من الجمال الارضي بسبب فنائه ، رغم انه ولادة من رحم الجمال الازلي ، وهي فلسفته الخاصة ، بل فلسفة الايمان الاسلامي مقرونة بالحركة الدائبة ..

(نسيم الصباح
يجرجر مسكه بأذياله
عبير ولد من حبي الجميل قبل أن يبور العالم
لا مزيد من النوم: فلتنهض
القافلة تسرع
والعطر الجميل يموت.)

أي الحركة المصاحبة للاستقامة في طريق الوصول ، لهي الكفيل في جعل الموت ولادة جديدة ولقاء متجدد مع الحبيب وهو الله ..

(إذا رحلت الحياة
فالله يعطيك حياة جديدة
الحياة الأبدية تتجدد
فهذه الحياة من الموت
ينبوع الفساد يوجد في الحب
يجيء، وفي هذا البحر اللامتناهي من الحب يغرق.
لقد كنت سعيداً
ارقد في قلب اللؤلؤ

إلى أن ضربت بإعصار الحياة
فركضت في موجها المندفع
نطقت عاليا سر البحر
ورقدت مثل غيمه مستنفدة على الشاطئ بلا حراك)

وان العالم الأرضي في داخله قوة محركة تستمد قدرتها الهائلة من القوة الخالدة ...

(انه يوقد العالم لهبا
ويضعني فوق مئة من السنة النيران
تلتف حول محرقتي
وعندما ابتلعني المد المشتعل تنهدت
لكنه وضع يده على فمي بسرعة)

ويكشف مولانا الصراع المرير مع القبح الأرضي الذي هو المسبب في الكراهية والاقتتال بين الناس وإلا فان الإنسان كيف أصبح نبيا وأصبح محورا للخير في الحياة متى كان هذا؟ أكيد بعد ان تسلح بالعشق الإلهي وتجلى في صفاء ولقاء حميم مع محطات الجمال الإلهي يقول :

(مع ذلك جربت كل الطرق لأرضي هواه
كل كلمة من جوابه تشهر سيفا
انظر كيف يقطر الدم من أطراف أصابعه
فلماذا يجد من الجيد أن يغتسل بدمي.)

بعد هذه الرحلة يستغرق بحالة صوفية اخرى تروم التحليق في البعيد باتصال اثيري وخيوط غير مرئية من الجمال ...

(متذكرا شفتك، اقبل الياقوت الأحمر
لا املك أن ارتشف، شفتاي لا تمس هذا
يدي المبتهلة لا تصل إلى سماك البعيدة
ولذا فانا راكع اعتنق الأرض.)

وهناك تصريح مرادف للبحث في أجزاء الحياة الأرضية وهو بحث دؤوب لايأفل بخلق حالة من التفكير المتأمل للقضاء على بلادة التفكير وتحجره وهي عند جلال الدين الرومي الحب هذا النقاء النفسي الذي يرفع الانسان الى مصاف الملائكة ..


/ رباعيات جلال الدين الرومي



#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراعات فكرية ، تحملها قصيدة (ماهية السر)
- رواية (احببت حمارا) ، والسخرية الاحتجاجية
- الفنانة ندى عسكر ، سر الخلود يغويها بالبحث
- التجريد افتراق ولقاء لتأصيل الوعي الفني ، لوحات الفنان اسعد ...
- الفنانة رؤيا رؤوف : امرأة ملطخة بالوان الالم
- الكاتب كاظم الحصيني : لازال صراعه مستمرا /رواية (الدوران في ...
- فاضل الغزي:يفاوض الضمير الانساني في الحب ، رواية (غواية العز ...
- فاضل الغزي : يفاوض الضمير الانساني في الحب ، رواية (غواية ال ...
- الشاعرة هناء شوقي : الفجيعة والعهد جسر من كلام
- الشاعرة هدى بن صالح ( تونس)، عاشت صراع الشخصية بقواها الثلاث
- الشاعر نمر سعدي : فوضوي جميل ، يعيش بين أمكنة المرئي واللامر ...
- تبقى الشاعرة ذكرى لعيبي في الآن ولا تنسى الآوان !
- الشاعرة نعيمة زايد : مشروع شعري ممتد عبر فسح الحياة
- نص (تاريخ الماء والنساء)، بين التجربة والتمرد ..
- الشاعرة نبال خليل بين التصريح والتلميح
- الشاعرة فاطمة المنصوري : طفلة من ضوء ونور تنشد الانعتاق
- كسر لحظات التوقع في لوحة التوحد والتطابق ، ديوان (الحياة في ...
- جرأة الطروحات في كتاب ( اجندة نسوية) الدكتورة الناقدة عالية ...
- فاديا صياد ، ورومانسية الالفية الثالثة الذائبة في مسامات الح ...
- الشاعرة سميرة الرحالي : تبدأ صراعا في انسنة الاشياء


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - شمس تبريزي ورباعيات مولانا صراع مرير مع القبح الأرضي