أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أماني فؤاد - حوار حول بعض القضايا الثقافية المعاصرة















المزيد.....


حوار حول بعض القضايا الثقافية المعاصرة


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 20:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حوار لمجلة زهرة الخليج
إعداد : سماح عبد السلام
= ما هي رؤيتك للمشهد الثقافي؟
المشهد الثقافي في مصر متعدد الأوجه ويصعب أن نتحدث عنه كتلة واحدة لكنه في المجمل مرتبط بالمشهد السياسي والاقتصادي وصراعات المنطقة التي نحيا بمنتصفها فكل هذه المحاور تؤثر وتتأثر إحداها في الأخرى.
لكن دعيني أذكر لك بعض المشاهد التي تعبر عن التخبط والفوضى التي أستشعرها في المشهد الثقافي بمعناه المتسع والتي من قراءتها المتأملة ندرك التخبط في المشهد العام:
ـــ تخبط القوي الليبرالية والديمقراطية في الحياة السياسية وضعفها نتيجة خلافات وأطماع وزعامات فردية وحزبية لا مجال لوجودها الآن لما نشهده من حالة تمدد لقوى الرجعية المنظمة والمنتشرة في القواعد العريضة للشعب، كما أن تخاذل هذه الأحزاب والتحالفات المدنية يؤدي إلى تمترس باقي القوى الأخرى واستحواذها على السلطات مجتمعة.
ـــ أن يُحكم على إسلام البحيري بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة إزدراء الأديان لمجرد أنه اجتهد أو حاول أن يعمل عقله النقدي في كثير من نصوص السلف، ربما كان أسلوبه فجاً إلى حدٍ ما .. لكن يجب أن لا يقابل الاجتهاد الفكري بأحكام قضائية تصل للحبس في قضايا الرأي هنا ندعو لوقفة صريحة متضامنة معه إن حكم عليه في النقض.
ـــ الاعتراضات التي واجهت رئيس جامعة القاهرة بعد قراره بمنع دخول المنقبات من هيئة التدريس والمعاونات لاحتياج عملية التدريس لنوع من التواصل المباشر الضروري الذي يتطلبه التعليم مع الطلبه، وهي اعتراضات كانت من جهتين: الأولى من مدرسات الجامعة والمعاونات. والثانية من الطالبات المنقبات بعد استجابة بعضهن للقرار إذ اتهمن المدرسات بأنهن يخشين العبد ولا يخشين الرب. هنا يجب أن نقف لنتساءل ماذا أصاب حركة تحرير المرأة المصرية وتاريخ كفاحها، وكيف أصبحت تنظر إلى نفسها مجرد جسد، أول ما يستدعيه لدى الآخر هو الفتنة. أتصور أن هذا يمثل تراجعاً ثقافياً يجب أن نقف أمامه ونواجهه على مستويات متعددة. وهنا أسجل نقطة هامة هي وجود ردة نسائية فيما يتعلق برغبة المرأة في نيل حرياتها وحقوقها كاملة بوصفها ذاتاً إنسانية متكاملة التكوين لا أداة شهوة ومتعة أو آلة إنجاب.
ـــ اشتراك الأحزاب ذات المرجعية الدينية في انتخابات البرلمان القادم رغم ما في ذلك من مخالفة صريحة للدستور المصري، وممارستهم لمسرحية هزلية بادعاءاتهم المدنية وهم لا يملكون سوى خطابهم الديني الرجعي ومن خلاله فقط يمتلكون قاعدة بين جماهير من البسطاء الذين يسلمون زمام أمورهم لكل ماهو ديني، أو في مقابل منفعة مادية مؤقتة من دون أي إعمال للعقل. هذه الأحزاب تمثل الإسلام المتوحش المتطرف لا الاسلام المتسامح المعتدل وهي لا تملك بالفعل أية رؤية اقتصادية أو سياسية أو ثقافية بالمعنى الحقيقي للكلمة، هذا فضلاً عما نسمعه من فتاوى وآراء من رموز هذه الأحزاب ورجال دعوتها التي تشعرنا بأننا لم نفارق عصر الصحراء منذ ما يقرب من قرن ونصف، وما نراه من مشهد يثير العجب بعد كل ما شهدته مصر من حقب النهضة الحديثة على امتداد قرنين من الزمان يتمل بمجموعة من النساء المنتقبات اللائي يخضن الانتخابات والعمل العام وهن يخفين وجوههن لاعتقادهن أن أسمائهن حرام، فهي ليست فلانة لكنها أم فلان أو زوجة فلان، هذا الشعور بالتبعية أو الانتساب للآخر وليس لكيانها الخاص هو ما يجعلنا نقف لنتساءل طويلاً: عن حقيقة شعور هذه المرشحة بقدرتها على القيادة وتمثيل أصوات دائرتها وهل هي مؤهلة فعلاً لتحمل مسؤولية النهضة بالبلد وتسهم على نحو فعال بتقدم المجتمع !!!! ولاسيما أن من المسلم به في عرفهن الديني بالطبع أن أصواتهن عورة . أين ذهب تاريخ كفاح المرأة المصرية منذ ما يقرب من 200 عام ماهو هذا الغزو الفكري الصحراوي الرجعي المدمر للحياة العصرية ولمتطلبات النهضة الذي أصاب كيان المرأة في مقتل؟ ولماذا تخوض هذه المنتقبة معركة في أرض الواقع وهي تدرك أن موقعها لا يتعدى جدران بيتها.. إلا إذا كانت هذه الأحزاب تسخر من هذا المجتمع بكل مقدراته وثقافته وإنجازاته التي مرت منذ قرنين من الزمن.
في مقابل هذا علي أن أرصد أيضاً وجهاً آخر من التطرف يتمثل في دعاوى الإلحاد أو الدعوة للانحلال الأخلاقي التي لا تتناسب أبداً مع مقتضيات التوازن وطبيعة منظومة قيم المجتمع الذي انتخبها لذاته و لهويته ، وهو ما نراه في بعض الأصوات التي تتعالى بين فترة وأخرى مصرحة بمثل هذه الدعاوى .
هذه الفوضى الحدية ربما تدعونا لتبين مجموعة حقائق : أولها أننا بمرحلة مخاض يتشكل فيها وجه المجتمع المصري لكنها سنوات صاخبة و حادة ، تتعرى فيها كل الوجوه وتكشف تطرفها وضياع توازنها الذي هو نتاج عقود طويلة من التجريف العميق للإنسان المصري ، مرحلة من الصراعات السياسية والعقائدية التي تملك قلقها و جدلها، إما انتصار تيار الأصولية الدينية والعودة إلى عصر ما قبل النهضة المصرية الحديثة أو تماسك الوعي المصري المعتدل الذي لا يقبل أن تمحى الملامح المتعددة والمتصالحة في هويته العميقة التي توغلت بتكوينه حتى وصلت لجيناته البيولوجية، الهوية القابلة للتعدد والتسامح والتعايش والإبداع والابتكار.
الشخصية المصرية التي لن تقبل أيضا عودة وجوه نظام سياسي سابق أفسد الحياة العامة وأضاع الكثير من أصول الدولة لصالح فئة من أصحاب السلطة وزمرة من المنتفعين الملتفين حولها على حساب قطاعات عريضة من الشعب المصري وضياع لمنظومة العدالة الاجتماعية.
كما أننا لو تأملنا جيداً لوجدنا أن من يشكًل المشهد الثقافي العام مجموعة من الإعلاميين لم يسهموا بدور حقيقي في تثقيف القطاعات العريضة من طبقات شعب يعاني أكثر من 40 % من عدد سكانه من الأمية، بعضهم تحركهم أطماعهم فقط ويلتصقون مباشرة بمن يجلس فوق مقعد السلطة أيا كانت آيديولوجيته، وتتعدد أدوارهم، فهم إما مبررون لكل قرار يتخذ وصدى غافل يردد صوت كل ناعق، أو انتهازيون يتقوتون منفعتهم بنهم ممن يخدمون مصالحهم المباشرة، وتارة أخرى يتمثلون صوت المعارضة لتيارات داخلية، أو ينطقون بسياسات دول خارجية معادية للسياسة المصرية؛ رغبة في تقويض أسس هذه الدولة ودعائمها التي هي صلب قوام هذه المنطقة، بعد أن أصبح سقوطها في هاوية الفوضى ومعتركاتها سقوط كامل لآخر معاقل الدولة والمواطنة بمفهومها الحقيقي بعد تداعي قوام الدولة في العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا ولا ندري ما الذي سيضاف إلى قائمتها من دول منهارة بعد ذلك.
ولكي تستقيم معطيات المشهد العام بما يضمن الاستقرار والنهضة الحقيقية في المستقبل لابد فيما أري أن نصنع ما صنعه الغرب لإعلاء حداثته وما نادى به ابن رشد من قبل ذلك بكثير، أن نعلي من شأن العقل البشري ليصبح هو محك الحكم على الأشياء فلا تناقض كما يفترض بين العقل والدين ، ولا بد أن يؤول النص الديني بما يتسق مع العقل ومن دون إلغاء لمنجزه المتطور.
ولا بد أيضاً أن نعلي من شأن دولة القانون وأن نحترم الدستور المصري وأن نفعًل مواده وقوانينه، فنحن بحاجة لمفارقة أعراف القبيلة والعصبيات لتثبيت قيم العدل والقانون والمواطنة.
وعلى المثقف الحقيقي أن يدرك دوره في قيادة فكر السلطة الحاكمة مع ضرورة الاحتفاظ بمسافة أمان بعيداً عنها لتضمن له حريته في الرأي والتعبير، فيكون قادراً على توجيهها نحو إعلاء قيمة الوطن ومساعدتها على نحو واع في تنمية مؤسساته من خلال محاربة الفساد، واتخاذ الإجراءات التي ترسخ قيم الديمقراطية على أرضه، وضمان العدالة الاجتماعية.
ربما ما يدعوني للقلق أن قيم الديمقراطية في تصوري ستأخذ سنوات كي تترسخ لأننا نواجه خيارين كلاهما مر وكلاهما مقنع أما دولة دينية وهي الأسوأ بكل المقاييس، وإما دولة عسكرية ويكمن عيبها في فلسفة إدارتها، حيث يتحكم في الكيانين قيم الأمن. كلا النظامين لا يصلحا لقيام ديمقراطية حقيقية ودولة مدنية حديثة فكلاهما يتأسسان على سياق الأمر والطاعة، ويخضعان لسلم التراتب الهرمي في السلطات، كلاهما تحكمهما قواعد لا تصلح للتعدد وجدل الآيديولجيات وتحفيز طاقات البشر الإبداعية وقيم الحرية الخلاقة، والنضج الذي ينشأ من الممارسة.
لكنني لا أفضل التشاؤم وأعول أيضا على الطبيعة المصرية المعتدلة، وعلى وعي المثقف الوطني الصادق الذي لم تطمس وجوده بقايا العقود السياسية الماضية وملوثاتها.
كثيراً ما أرى الآمال تلوح أمامي في الأفق وأنا أراقب نماذج صادقة من الشباب المصري في كل المجالات العلمية والأدبية والحزبية وأتأمل قدرتها على الإبداع، فهي لا تفتقر إلا لإدارة جيدة وتنسيق فيما بينها، ومأساة الدولة المصرية تقع في جانب كبير منها في عدم وجود هذه الإدارة الجيدة وغياب هذا التنسيق بين الأفراد والتعاون بين مؤسسات الدولة.
= وماذا عن المشهد النقدي؟
لا يعلو المشهد النقدي بمصر إلى مستوى يكافئ كم الإصدارات في الواقع الإبداعي، هناك محاولات نقدية جادة من أجيال متتابعة من النقاد لكنها تتوزع بين الدراسة الأكاديمية والمتابعة المقيدة بكثير من العوامل التي تعود أيضا لآفات متعددة أصابت المجتمع الإبداعي والنقدي والصحفي.
فكثيرا ما نجد في الواقع النقدي للأسف نماذج من النقاد الذين يحملون "عدة" جاهزة تتوافق مع أحد الآيدولوجيات التي تجعلهم لا يتعاملون مع النص الإبداعي من داخله أو من خلال ذائقة أو أفق معرفي مفتوح ، بل يلوون عنق النص ويتعاملون معه بافتعال مما يفقد النص جماله وخصوصيته، ويفقد الناقد مصداقيته واتساع أفقه الثقافي، ويفقده أيضاً حميمية التواصل مع كل نص على حدة لإبراز تفرده. وقد توغل المقاربة النقدية أحياناً في أكاديميتها ومنهجها العلمي بمصطلحاته الغربية فلا تصل لأبعد من تلقي المتخصص وتوجد نفورا من متابعتها كما هو الحال مع أعمال نقدية كثيرة.
ويمكن أن أقول كذلك إن كثيراً من الممارسات و الاشتبكات النقدية مع النتاجات الإبداعية ممارسات احتفائية و احتفالية، أكثر من كونها اشتباكا حقيقيا علميا ووجدانيا وتذوقيا مع الإبداع، هناك منطقة مداهنة آمنة تخير بعض النقاد الإقامة بها لها مواصفاتها، ومنها عدم توجيه نقد موضوعي يبرز مناطق الضعف بالعمل، وإغفال افتقاد العمل للروح العميقة للفن، الفن الذي يقدم متعة الروح والعقل معاً، وإلا شكل هذا إزعاجاً شديداً للمبدع وفسر على أنه تصفية حسابات، كما يتحاشى بعض النقاد أيضاً التعرض لتابوهات المجتمع المصري والعربي إلا نادراً: الدين، السياسة، الجنس، وبهذا الترتيب الذي ذكرته.
كما يفتقر المشهد النقدي في مصر والوطن العربي والمناخ الثقافي للطالب الذي تربى على العقل النقدي والنظر الموضوعي للواقع من حوله، الطالب الذي لم تكن الفلسفات والفنون ومناهج التفكير جزءاً أساسياً من تكوينه المعرفي والوجداني. لكننا أيضا لا نعدم بعض المحاولات الجادة لكنها محاولات فردية لا تشكل تيارا.
= هناك من يتهم النقاد الأكاديميين بالتقصير وانصرافهم لمتابعة الرسائل الجامعية؟
أحيانا ما يكون هذا بالفعل .. حيث لا يتاح لكل نقاد مصر فرص الخروج خارج أسوار الجامعة والمشاركة في حياة الإبداع بمجالاته المختلفة ونشاطاته، أي الحياة الثقافية بكل فاعلياتها خارج الجامعة وخارج حدود مصر أيضا .. إذ يتطلب هذا كثيرا من الجهد والمثابرة، والكتابة بمستويات مختلفة قادرة على مخاطبة متلقين تتفاوت درجة ثقافتهم، والإيمان برسالة تتعدي نطاق الجامعة ـــ على أهميتها ــــ لواقع أكثر اتساعا .. كذلك يصعب الحصول على منبر صحفي دائم للنقد الجاد في الجرائد والمجلات اليومية التي تأكلها الأحداث السياسية وأخبار الفنانين والرياضة والحوادث وهو ما يبرهن على التعامل السطحي مع الثقافة والنقد الذي يعد ربان الحركة الإبداعية مهما ادعى المبدعون غير هذا، فالنقد جهة تقييم تثري العملية الثقافية برمتها وتبرز إمكانات الإبداع التي لا يعرف أسرارها الجميع.
= ماذا عن العلاقة بين الفعل السياسى والثقافى والدور التحريضى الممكن للأدب؟
الحرية هي أساس الإبداع والنقد، ولا يضمن هذه الحرية في بلادنا إلا طبيعة الثقافة وفعل السلطة السياسية وانفتاح أفق الخطاب الديني الذي هو دعامة أساسية شئنا أم أبينا في المنظومة الثقافية لمجتمعاتنا .. لذا تبدو العلاقة جدلية ومتبادلة التأثير. الإبداع يحرض على الحريات بأشكال مختلفة من خلال رسائل تتراوح بين المباشرة أو الرمز الشفيف أو التوازي مع الواقع الذي يعلو بمسافه ليشكل عوالما يتم فيها تقويض الواقع المرفوض لخلخلته وبث الأمل الجديد فيه ليكون بمقدور الإنسان أن ينتصر على معطياته التي يتصورها الكثيرون غير قابلة للتغيير.. يمكن للفكر النقدي الذي يبرز هذه الرسائل الفكرية التي تحملها التشكيلات الجمالية في النصوص الإبداعية أن يكشف زيف أسس كل التيارات الإسلامية التي توحشت في المنطقة العربية حتى تلك التي تدعي وسطيتها، فهي أولى المؤسسات التي ينبغي أن تصلح خطابها الديني على كل مستوياته، بعد أن أصبح معبرا عن جمود هذه الأسس وتخلفها.

= كناقدة ماهى القضايا التى تجذبك أكثر؟
في مجال تخصصي أسعد بكل عمل أدبي أستشعر قيمته الفنية والفكرية واجتهد لقراءته نقديا بطريقة تضيف إليه قيمة وتبرز إمكاناته، وأنا شغوفة بمعرفة كل ماهو جديد في التيارات النقدية والفنية بصفة عامة، ويشغلني كثيراً أن أسهم في إلقاء الضوء على إبداعات الشباب التي لم تجد فرصتها للانتشار ولا ما يليق بقيمتها الفنية إن توافرت وتوصيلها لأكبر عدد من المتلقين. حريصة على حيوية مناهج الأدب والنقد واتجاهات الرواية التي أدرسها لطلبتي بالأكاديمية واعنى بالدراسات التطبيقية لأحدث ما ينشر من إبداعات لتصبح أكثر جذبا لهم.
على المستوى العام أحفل بكل قضايا وطني ولا تسيطر على اهتمامي قضية واحدة ليقيني أن مجالات النهضة المصرية متكاملة، وأن كل قضية تنفذ في الأخرى وتصب فيها وتؤثر فيها وتتأثر بباقي المحاور، لكني أيضا بحكم تخصصي معنية بالإبداع وعلاقته بترقية الواقع ودفعه إلى التسامي بالإنسان ووعيه وسلوكه وذائقته.
تلتصق بمسامي وأولوياتي أيضا قضايا المرأة في المجتمع العربي والمصري على مستوى الإبداع و الواقع، وأشعر دون أن أدري أني مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تغيير واقع المرأة وتفتح أفقها الفكري، والشعور بذاتها الإنسانية وطاقتها التي تحاول الثقافة الذكورية التي تسود في المجتمع أن تنتقص من حقوقها في ردة رجعية بكل المقاييس.
معنية أنا أيضا بمحاربة هجمة القبح والابتذال التي غيرت شكل الشارع المصري ومدنه وريفه. إذ لم تغزُ العشوائيات المكان فقط بل البشر وذائقتهم وحسهم الجمالي وألفاظهم وملابسهم وسلوكهم ، وإحساسهم الذي أصبح بعيداً عن الالتزام ومتصفاً بالامبالاة و الاتكالية.
والأهم من كل هذا غرز قيمة العمل وأهميتها حيث تذكر آخر الإحصاءات أن الموظف المصري يشتغل مالا يتجاوز عشرين دقيقة في الثماني ساعات التي من المفترض أن ينجزها في اليوم.
= هل يجوز للناقد التسامح مع أخطاء تاريخية لروائيين؟
بالطبع الناقد لا يمثل سلطة قمعية، عادة يعشق العمل الإبداعي ويحاول أن يقبض على روح الخلق الحرة التي تنتجه ويعلى من حريتها ويبرز كل ما بها من قدرة المبدع على ابتكار شيء جديد يتجاوز فيه معارفنا وشعورنا، وما هو معروف ومكرر .
هناك اتجاهات وتيارات في التناول الإبداعي للتاريخ وأحداثه و شخوصه. بعض المبدعين يرون أن عليهم الالتزام التام بكل الظروف التاريخية وأحداثها وشخوصها ولا يفضلون تغيير شيء من خيوطه جميعها، تيار آخر يضيف بعض الإسقاطات التاريخية على الواقع المعاصر ليصنع جديلته الإبداعية المبتكرة وفي هذا التوجه هناك التزام نسبي بالتاريخ وليس التزاماً كاملاً، ربما تنحصر الإضافات في بعض الشخوص و طرق صوغ الحبكة التي تعزز درامية الأحداث والصراع بالنص الإبداعي ، وهناك تيار ثالث يرى أن المؤرخ الذي كتب التاريخ هو فرد له آيدولوجية معينة وانتماء خاص لذا فهو يكتب التاريخ من وجهة نظره أو بحسب ما فرضته السلطة المهيمنة في وقتها، وهنا يأتي دور المبدع الروائي الذي يعد نفسه الأولى بالتحرر ليعيد قراءة الأحداث بشكل مختلف، فيشتغل على تحفيز خياله الخصب لملء الفجوات التي يرى إضافتها مناسبة في هذا السياق التاريخي. لكن الإضافة للتاريخ لا تعني تشويهه بالضرورة بل يجب على المبدع أن يشير إلى تدخلاته، فهناك فرق كبير بين التوظيف الفني للتاريخ وتشويه علامات كبرى وأساسية به.
= يٌقال أن الثقافة العربية غير منتجة، تأخذ ولا تعطى فإلى أى مدى تتفقين أو تختلفين مع ذلك؟
أتفق مع الكثير منه في الوقت الراهن ففي مجالات الحياة الكثيرة العلمية والفكرية نحن عالة على الغرب، على منتجه الثقافي والعلمي والفكري، لكن الثقافة العربية فيما يختص بالأدب منتجة وتؤثر بالآداب العالمية وتلهم بعضها كما أن جماليات اللغة العربية وموسيقاها وفنونها إسهام في الحضارة العالمية.
= ما هو المنهج النقدى الذى تتبعيه عند مقاربتك للنص الأدبى؟
في بداية تخصصي بالنقد لم أكن أقف كثيرا لأتبين ملامح ما أكتب ولا أبعاده المنهجية، كنت أمارسه بعفوية وعشق، لكنني كنت أحرص على انطلاقه من قاعدة علمية وثقافية متسعة، كما كنت أفضل أن أترك للقارئ أو المتخصص مهمة تمييز ملامح منهجي النقدي بنفسه ، ثم تطور الأمر مع تدريسي لمناهج النقد وممارسة الفاعليات النقدية والأدبية الفنية المتعددة.
أتصور أنني واجهت نفسي بسؤالين، لماذا يتاح لنا الكثير من المناهج النقدية في الموروث الثقافي العالمي قديما وحديثا ونتخير نحن أن نضيق على النص موضع الدراسة ونضغطه وفق منهج واحد، ربما لا يتبين من خلاله كل إمكانات العمل؟ لماذا نقلص من آليات عملنا ونقصرها على منهج واحد؟ مع الوقت حرصت أن لا أركن كثيرا إلى حدود المنهج النقدي الواحد. استوعبت جميعها وأدخلتها مصفاتي بعد هضمها التام. ثم قمت بتدريس مناهج النقد لطلابي بالأكاديمية، و التدريس يجعلك تهضمين الأفكار بصورة جلية.
رفضت أن أكون سجينة للنظريات النقدية التعليمية المعلبة، رأيت أن الناقد ليس آلة ميكانيكية ليفسر العمل ويناقشه وفقا لكتالوج وملامح تيار من التيارات النقدية ، دربت كل الطرائق النقدية وتياراتها لكنني راعيت أن أعبر بطريقتي التي توظف هذا الكل بما يتسق والنص الذي اقرؤه ورؤيتي له.
كما أنني أحاول جاهدة أن ابتعد قدر الإمكان عن استخدام المصطلحات الملغزة فيما لو كان النص النقدي سيوجه للقارئ العادي، في حين يختلف الأمر حين أكون بصدد الكتابة للأبحاث الأكاديمية. وأتحرى كثيرا لغة الخطاب النقدي التي تقترب من اللغة الإبداعية دون أن تفقد علميتها أو تتخلى عن طبيعتها التي تستند على موضوعية الأسانيد ومنهجيتها.
ولا يعد هذا موقفا من المصطلح بقدر ما هو رغبة في تبسيط الخطاب النقدي وتحويله إلى خطاب محبب مقروء غير ملغز أو مشفر. ربما أستطيع أن أقول أن دراساتي النقدية أقرب إلى المنهج السوسيولجي النصي لأنني لاحظت أنني كثيرا ما يستهويني الحفر في الأبعاد الاجتماعية والقضايا الفكرية والوجودية في النصوص الأدبية وطبيعة شخوصها ، كما أنني كثيرا ما أفيد من المعارف المجاورة للنص، ولا أسمى هذا منهجا تكامليا لوقوع هذا المنهج الأخير في ظني في كثير من التناقضات.
أقارب النقد في حيويته غير المهادنة، حالة اشتباكه مع المنتج الفني، لحظة حواره مع هذا العالم، أو مساءلته، أو صنع موازاة رمزية له، هذا الوجود المتعدد الصور، شديد الاتساع، والمتغير، الذي لا يركن لمنهج واحد أو تيار معين قد يتيبس و يظل الناقد فيه ساكنا يؤمن بمقولاته الراديكالية، ثم لا تلبث أن تجد هناك ما يمكن أن يضاف على منهجك أو يعدل بعض ملامحه، أؤمن بنقد أكثر توهجا ونفاذا مع الفلسفة والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع، ومع اللحظة السياسية التي ينتج فيها النص، ويتأثر ببعض النظريات الجمالية التى تواكب لحظتها التاريخية، عيناي دائما على النص الأدبي في تناصاته واشتباكاته مع الفنون الأخرى مجتمعة، أو منفردة. أشعر في بعض الأحيان حين يعجبني نص ما أني أهبه من ذاتي، أكمل فجواته بلغة النقد التي تنحو إلى الإبداع. وربما يميل هذا الاتجاه إلى النقد الثقافي احيانا.

= هل العالم العربى بحاجة لمشروع ثقافى جديد يتواكب مع الظروف الراهنة؟
بالطبع وأتصور أننا فارقنا منطقة السؤال، لقد أصبح المشروع الثقافي الذي يجب أن يتبناه العالم العربي أمرا حتميا وربما هو الأكثر إلحاحا لو أراد هذا العالم الاستمرار في البقاء ضمن هذه الحضارة الكونية .. هل يمكننا أن نتخيل الوضع لو أن الصراعات المشتعلة بين المذاهب والتيارات الدينية التي تتقنع جميعها باسم الدين وتتخذ من تفسيرات نصوصه التي تحتمل وجوها متعددة مستندا لكل فريق ظلت قائمة ؟ نحن بحاجة إلى مشروع ثقافي متعدد المستويات والمجالات..
أولا: إصلاح الخطاب الديني في الأساس والإعلاء من قيمة العقل البشري الناقد وعده المنطلق الأساس وليس تأويلات النص المتعسفة كما ذكرت لك بأول الحوار ، موازاة مع غربلة كثير من الموروثات الاجتماعية، ومواكبة ذلك لمناهج وسياسات تعليمية تقضي أولا على الأمية وتشتغل على خلق العقلية الناضجة التي من شأنها أن تواجه أزمات الوجود في خضم عالم يتقدم بسرعة فائقة في الوقت الذي نعود نحن فيه إلى ما قبل العصور البدائية. وهنا يجب الإشارة إلى عدد من الخطوات التي أرى اولويتها:
ـــــ أن يوجه اقتصاد الدولة إلى مصلحة الشعوب ولا تستأثر بها فئة قليلة من السلطات الحاكمة بأنواعها ، ويوجه إلى التنمية البشرية بمعناها الواسع الثقافي والتعليمي والاجتماعي.
ــــ أتصور أن مقولات الوحدة العربية يمكن أن تتحقق على أرض الواقع في وحدة اقتصادية أكثر واقعية تقوم على تكامل الطاقات والمصادر المتعددة لدي الدول العربية.
ـــــ إعلاء العقل البشري الناقد والمبدع هو السبيل لخروج الحضارة العربية والإسلامية من النفق المظلم الذي تغوص به مع تشجيع الفنون المختلفة ودفعها في مناهجنا الدراسية لأنها إحدى الوسائل الأكثر فاعلية في محاربة الإرهاب.
= ما هو رأيك بظاهرة الرواية الأكثر مبيعاً (البيست سيلر) و كيف تنظرين لنجاح بعض الأعمال بمعزل عن النقد؟
المصطلح لفظا جديد نسبيا لكن وجوده تمثيلا وإبداعا قديم قدم وجود الأدب فدائما ما كان هناك الأدب الأكثر رواجا بين فئات معينه من القراء مثل الروايات البوليسية والتشويقية، وتلك التي تلعب على الغرائز الإنسانية المباشرة وتدغدغها، لكن في المقابل هناك الأدب الرصين الذي يحمل قيمه الفنية والفكرية، القادر على التعالي المستمر في ملامسته لقضايا الإنسان الوجودية الرئيسية.
الجديد فقط هذا التجييش الإعلامي لهذة الروايات المشوقة أو المسلية، وتضخم عدد الطبعات التي تصدر منها والتي أتصور أنها تخضع للدعاية أكثر منها إلى حقيقة انتشارها الفعلي.
أتصور أن النص الجيد لن يغفله النقد وأن الرواج لا يعبر بالضرورة عن القيمة الفنية والفكرية ولأصحاب هذه النصوص طرقهم في دفع أعمالهم نحو إدعاء الرواج باعتبارات تتعلق بما يحتويه النص ذاته أو الدعاية التي تقدمها دار النشر للكاتب ونصه أو التجييش للنص كما يصنع التراس الأدب.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية
- نصير الشمة الملحن عازف العود الأول وجائزة الرواية الألمانية
- المرأة والوعي السياسي ( 1 )
- المرأة والوعي السياسي (2 )
- الوجود المشوش وانعكاسة علي سردية -كلب بلدي مدرب- للروائي محم ...
- حوار حول الحب قيمة في حياة الإنسان
- ...في جسد واحد -قصة قصيرة-
- الذاتية وتقنية القصة القصيرة في المجموعة القصصية -كل شيء محت ...
- يوسف القعيد ..مثقف الشعب وحكائه
- ماركيز.. لتنبعث طاقتك في عوالم أخرى
- جماليات الفوضي في الرواية المعاصرة..-نبيذ أحمر- نموذجا
- سرد الومضة في رواية -وصمة الفصام- للروائي حسين عبد الجواد
- تشظي الحبكة الروائية في -سيرتها الأولى- للروائي محمود عبد ال ...
- قراءة معاصرة لرواية -الحرب في بر مصر- للروائي -يوسف القعيد-
- كقطة مدللة .. - قصة قصيرة -
- حضور الكتاب .. غياب القارئ
- الأمل .. كيان امرأة - رؤية نقدية لرواية -زينة- لنوال السعداو ...
- لست بعورة ..
- السرد النفسي الشاعري في -امرأة ما- رواية لهالة البدري
- تداخلات السرد وفوضي العلاقات في رواية -هكذا يعبثون -


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أماني فؤاد - حوار حول بعض القضايا الثقافية المعاصرة