أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - زوم البندورة














المزيد.....

زوم البندورة


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 08:23
المحور: كتابات ساخرة
    


لديّ عادة لم أستطع التخلص منها مذ كنت صغيراً وحتى وخط الشيب ما تبقى من شعر في رأسي.. وهي عادة شرب زوم البندورة. إذ ما إن أفرغ من التهام البندورة المقطعة في صحن حتى أسارع إلى شرب المتبقي منها بطريقة وضع حافة الصحن على فمي وارتشافها بصوتٍ مسموع حتى آخر قطرة منها.. وأنا في غاية النشوة واللذة.
ومنذ فترة دعاني صديق عزيز يتبوأ موقع مدير مبيعات في إحدى الشركات إلى مأدبة غداء دعا إليها مديرها العام بمناسبة بدء تنفيذ الخطة السنوية للشركة. حاولت الاعتذار منه بذريعة أن لا علاقة لي بالشركة وأنني لا أحبّ الأكل في المطاعم. ثم إنني عصبي المزاج جداً ولا أتحمّل رؤية الفاسدين. وخاصة أن مديره العام تفوح رائحة الفساد منه على بعد أميال... وغير ذلك من ذرائع وحجج. إلا أنه أصرّ على دعوتي مبرراً بأنه يحق لكل مسؤول في الشركة أن يصطحب معه ضيفاً إلى المأدبة, وإنه لم يجد شخصاً آخر جديراً بهذه الدعوة سواي...
وأمام إصراره العجيب قبلت الدعوة وقلت له ذنبك على جنبك.
في الموعد المحدد كنت وصديقي إلى جانب كبار المسؤولين في الشركة, على طاولة الطعام في أحد المطاعم الفخمة. وبعد توزيع المقبلات والمازوات وأخواتها... مددتُ يدي إلى صحن الخضار المليء بالخيار والبندورة والفليفلة الخضراء والنعناع... واخترت حبتين كبيرتين من البندورة الحمراء الشهية وبدأت بتقطيعها في صحني إلى شرائح, وشرعت بتناولها بواسطة الشوكة حتى أتيت عليها..
وهنا بدأت شهوة شرب الزوم المتبقي تنهش نفسي الضعيفة. ولما كان من المستحيل استخدام الشوكة في شرب الزوم, أو مسك الصحن والارتشاف منه كما أفعل في البيت عادةً, فقد طلبت من النادل إحضار ملعقة. وبدأت أتحايل على الزوم لشربه بواسطتها. ولكن عبثاً فالصحون في المطاعم مسطحة تقريباً, وبالتالي فإن استخدام الملعقة يكون والحال هذه عديم الجدوى. وبدأتْ تلحّ عليّ فكرة وضع الصحن على الشفتين.
حاولت جاهداً إقناع نفسي الأمّارة بالعيب الإقلاع هذه المرة عن عادتي. وأن الزوم المتبقّي قليل لا يعدو ملء نصف كشتبان. ولكن هيهات...!
بدأت أتفرّس بالوجوه التي تحيط بالمائدة وجهاً وجهاً, وأراقب سلوكهم في تناول الطعام متحيناً الفرصة المناسبة.
يا إلهي! إنهم جميعاً من طبقة النبلاء يتحدثون بأصوات أقرب إلى الهمس. ويتناولون طعامهم ببطءٍ شديد, ويأنفون من تناول الطعام بطريقتنا؛ فمثلاً ترى الواحد منهم عندما ينوي تناول الخيار, يقوم بقطع طرفي الخيارة بطريقة جائرة بحجة أن طرفي الخيار طعمه مُرّ. فيتنازل طوعاً عن ثلث الخيارة!
قلت في نفسي فليتصرفوا كما يحلو لهم. المهمّ أن يتاح لي الظرف المناسب وأحقق رغبتي بشرب عصير البندورة اللذيذ.
وبينما كنت أصارع رغبتي وإذ بالوجبات تحضر إلى الطاولة, ويقوم النادل بتبديل الصحون ويساعده آخر بوضع الأطباق العامرة بالمشاوي.
عندما اقترب النادل ومدّ يده إلى صحني اعتذرت منه بلباقة وقلت له (لم أنته منه بعد, اتركه لي لو سمحت!) وبنفس الوقت كنت أراقب كلصّ حاذق المسؤولين الذين يجلسون إلى جانبي. رأيتهم مشغولين بالأحاديث الجانبية وبعضهم بدأ يضع قطع اللحم في صحنه..
اغتنمت الفرصة ووضعت الصحن على شفتيّ وبسرعة البرق شرقتُ ما فيه. وبينما كنت أنزّل الصحن رأيت المدير العام ينتبه إليّ ويتطلّع صوبي بنفور واشمئزاز. تجاهلته وأعطيت صحني الفارغ للنادل. وبعد لحظات رمقتُ المدير العام بطرف عيني وجدته ينظر إليّ عابساً وهو يشقلني بوقاحة من فوق إلى تحت. مرة أخرى تجاهلت نظرته الاستفزازية الحاقدة. إلا أن وجهي اصطبغ بلون البندورة من شدة خجلي. ورحتُ أتشاغل بحديثٍ جانبيّ مع صديقي.. مقاوماً براكين الغضب التي بدأت تزأر في أعماقي.
اختلستُ من جديد نظرة صوب المدير العام, ألفيته مازال يحدق بي باحتقار وكأن عداوة قديمة تجمعني معه. أحسست بأن جرحاً أصاب كرامتي بالصميم. نظرت إليه متحدياً وسمّرت عينيّ عليه لأفهمه بأن لحمي مُرّ كطرفي الخيارة. رفع حاجبيه وزمّ شفتيه باستهزاء وكأنه يقول لي أنت واحد تافه, حشرة وضيعة, لا تليق بك جلساتٍ كهذه.
لحظتها تمنيت لو أن بحوزتي طيرٌ مصاب بالأنفلونزا... لمرّغت أنفه به.
استعر القهر في داخلي لدرجة أحسست أنني سأمزق ثيابي مالم أتصرف. نهضت من فوري وتوجهت إليه وأمسكته بتلابيبه ودفعته قائلاً: (شوفْ ولاه! شرفٌ لي أن أتناول عصير البندورة بالطريقة التي رأيتني فيها, على أن أكون لصاً محترفاً مثلك.. يلعنك واحد فاسد ابن فاسد...)
تناولت من أمامه حبة بندورة ومعستها في وجهه بعنف وغادرت المطعم وسط ذهول الجميع.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جحيم الاستبداد ولا جنّة الموساد
- كيف ستتزوج إذن؟
- لن ننساك أبداً
- الحلّ الأمثل
- الأخرس
- الطابق السابع
- أبو بحر
- على وشك الإحباط
- عمل ثانٍ
- الحلاّف
- سلحفاة المعلم
- !كان ... وما زال
- هايل أبو زيد
- السياسة والأسطورة
- الشغل... مو عيب
- هل أنا على صواب..؟
- حتى في الصحراء...؟
- ملح الحياة
- الرهان
- استراتيجيا... ديماغوجيا


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - زوم البندورة