أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - لماذا تغرد سلطنة عمان خارج سرب الخليج، و-تصرخ- فرنسا دون أوروبا من تعرضها للارهاب؟















المزيد.....


لماذا تغرد سلطنة عمان خارج سرب الخليج، و-تصرخ- فرنسا دون أوروبا من تعرضها للارهاب؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 5038 - 2016 / 1 / 8 - 21:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس هناك رابط بين الموقف في سلطنة عمان المغاير نوعا ما لموقف باقي دول الخليج، وتعرض فرنسا لخطر الارهاب أكثر من غيرها من الدول الأوروبية، باستثناء كون سلطنة عمان تغرد أحيانا خارج سرب دول الخليج، وكون فرنسا تصيح (ولا تغرد) بصوت متذمر من الارهاب، أعلى من مستويات تذمر ومخاوف الدول الأوروبية الأخرى المتخوفة أيضا من الارهاب ومفاجآته، غم أن بعضها قد لا يتخوف من الارهاب، بقدر تخوفه من اللاجئين، الفارين من الارهاب، والمتدقفقين على اليونان والسويد وايطاليا وبولندا والمانيا ودول أوروبية أخرى.
لماذا تغرد سلطنة عمان أحيانا خارج السرب الخليجي
الشعب العماني بمجمله يفترض بأنه ينتمي الى طائفة السنة كباقي سكان دول الخليج، باستثناء البحرين، حيث توجد فيها نسبة عالية من المنتمين لطائفة الشيعة. وتوجد أيضا نسبة عالية من الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية. أما باقي سكان الدول الخليجية الأخرى، فهم ينتمون الى طائفة السنة بتواجد قليل نسبيا للمنتمين لطائفة الشيعة. كل ما في الأمر أن "سنة" السلطنة، تلتقي كثيرا مع السنة بشكل عام، ولكن لها بعض الاختلافات معها. وهذا ما يميز أحيانا مواقف السلطنة عن مواقف دول الخليج الأخرى. فهم مع اعترافهم بأئمة السنة الأربعة: أحمد ابن حنبل، الشافعي، بن مالك وأبو حنيفة، الا انهم يوصفون ب "الأبايضة"، وهو مذهب يلتقي كثيرا مع السنة، ويلتقي أحيانا مع الشيعة. ومؤسس هذا الفكر أو التوجه، هو عبد الاله ابن أباض (من بني تميم)، ومذهبه ينتشر بشكل رئيسي في سلطنة عمان، وزنجبار، ولهم تواجد في الجزائر وتونس وشرق أفريقيا. ولعل هذا اضافة الى عوامل أخرى، هو ما ميز موقف الجزائر عن مواقف دول الخليج، سواء بالنسبة للمسألة السورية، أو اليمنية، أو التحالف الاسلامي المقترح ضد الارهاب.
والأبايضة هم من الخوارج أصلا. لكنهم من خوارج الخوارج، أي من المنشقين عن الخوارج. وقد ظهروا للوجود بعد عشرين عاما من وفاة الرسول (ص)، أي بعد ظهور الخلاف بين الامام علي ومعاوية بن أبي سفيان. ولكن تكريس الفكر الأباضي على يد عبد الاله بن أباض، فقد تم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان.
وهم يكنون كل الاجلال والاحترام للخليفة أبو بكر الصديق، والخليفة عمر بن الخطاب. أما الخليفة عثمان بن عفان، فهم يباركون المرحلة الأولى من خلافته، وينتقدون المراحل الأخرى منها لكونها قد شابها بعض الفساد، رغم أنهم يدينون اغتياله على يد أحد الخوارج. كما يباركون خلافة الامام علي بن أبي طالب في مرحلتها الأولى، ويرفضون ما تلا منها قبوله للتحكيم على الخلافة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، ذلك القبول الذي أدى الى انشقاق البعض سموا بالخوارج، تبع ذلك خروج آخر في وقت لاحق عن الخوارج، وأولئك هم من يسمون بالأبايضة.
ومن نقاط الخلاف مع السنة، أنهم لا يشترطون أن يحكم المسلمون خليفة، كما لا يتفقون مع الشيعة بوجوب أن يحكمها امام. وهم لا يشترطون أيضا بأن يكون الخليفة من المنتمين لقبيلة قريش التي انحدر منها الرسول (ص). وفي حالة عدم تواجد قائد ملائم، يحكم المجتمع نفسه بنفسه، وهم يقتربون هنا في قت مبكر، من مفاهيم الديمقراطية بمفهومها الحالي.. كما لا يرون ضرورة وجود حاكم واحد لكل المسلمين (كما تريد الدولة الاسلامية الداعشية)، اذ من الممكن بموجب رؤيتهم، أن يكون هناك أكثر من حاكم لهم.
وهم يتفقون مع الشيعة في رفض تمرد "عائشة" كما ورد في الوكيبيديا، كما يرفضون تمرد معاوية على خلافة علي بن أبي طالب. وكما عارضوا قبول الامام علي للتحكيم، فقد أدانوا لجوءه لمقاتلة الخوارج في معركة "صفين".
وهناك بعض أوجه الاتفاق بينهم وبين الشيعة. فهم كما الشيعة، يعتقدون بأن الله لن يظهر وجهه في يوم القيامة. في وقت تعتقد فيه طائفة السنة أن الله سوف يظهر وجهه في يوم القيامة. كما يعتقد الأبايضة أن القرآن من خلق الله لغاية معينة، (ويشاركهم المعتزلة في هذه الرؤية)، بينما يعتقد السنة أنه كلام الله كما قال الامام أحمد بن حنبل.
ويعتقد الأبايضة أن من حق الانسان أن يكتم دينه أو انتماءه خصوصا في حالات الخطر، ويسمون ذلك ب"الكتمان"، وهم بذلك المعتقد يتفقون الى حد ما مع الشيعة. وهم يقتربون من مفاهيم "المعتزلة" فيما يتعلق بمفهوم القضاء والقدر.
ولا أود أن أفيض كثيرا في ايراد أوجه الاتفاق والاختلاف، سواء مع طائفة السنة، أو مع طائفة الشيعة، لكوني غير ملم بما فيه الكفاية حول هذه المعتقدات ونقاط الفوارق أو الاتفاق فيها مع معتقدات السنة والشيعة. وقد استقيت معظم المعلومات السابقة من "الويكيبيديا" . كل ما في الأمر، أنه يمكن الاستخلاص بأن الشعب العماني الأباضي الاتجاه، يتفق في نقاط كثيرة، ولكن ليس في كل النقاط، مع السنة الذين يشكلون الغالبية من سكان دول الخليج. كما أنهم يتفقون في بعض الأمور مع الشيعة أيضا. ومن أجل ذلك، حاولت سلطنة عمان على الدوام، الحفاظ على بعض علاقات الود مع ايران الشيعية الانتماء، في مراحل شاب الفتور فيها العلاقات بين دول الخليج الأخرى ودولة ايران، سواء ايران الاسلامية، أو ايران الشاهنشاهية، أي قبل ظهور الجمهورية الاسلامية.
فعندما قامت ثورة ماركسية في سلطنة عمان غذتها جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الاشتراكية (ماركسية الاتجاه)، فان السلطنة لم تتجه بطلب العون العسكري الى دول الخليج حديثة الاستقلال، أو من المملكة السعودية المستقلة والمستقرة منذ زمن بعيد، بل اتجهت لطلب العون من ايران الشاهنشاهية. وأنا أذكر احتفال سلطنة عمان بيوم النصر على ذاك التمرد، اذ جاء يومئذ الشاه رضا بهلوي الى العاصمة العمانية، وركب سيارة مكشوفة بصحبة السلطان قابوس، سارت بهما في محاذاة المناطق الجبلية التي كان الثوار الماركسيون يحتمون بها، وباتت الآن تحت سيطرة جنود السلطان وجنود الشاه الذين كانوا يحيونهم برفع البنادق واطلاق أصواتهم بالتحية، فيما كان الاعلاميون (وأنا كنت بينهم) يتابعون سير الموكب ويشاهدون تحية الجنود للعاهلين.
وفي عهد الشاه في ايران، حافظت سلطنة عمان أيضا على علاقات الود مع ايران حتى عندما احتل جنود الشاه الجزر الاماراتية الثلاث، كما حافظوا على علاقتهم الوثيقة بايران في كل الظروف التي ساءت فيها العلاقة بين بعض دول الخلج، وخصوصا السعودية منهم، مع ايران الخمينية الاسلامية، بل ظلت السلطنة تلعب دور الوسيط بين هذه الأطراف، محاولة رأب الصدع وتخفيض حدة التوتر ومنع بلوغها مرحلة أسوأ.
ولعبت سلطنة عمان دورا ايجابيا في التمهيد مع أميركا لدخول ايران في مفاوضات خمسة زائد واحد حول ملف ايران النووي، عندما كانت المملكة السعودية تحاول ايغار الصدور وزيادة أوجه الاختلاف بين الطرفين. ولا أحد يستطيع أن يتفهم سبب العداء الشديد بين ايران والسعودية، غير الاختلاف على مركز قيادة دول المنطقة، اضافة الى قيادة دول العالم الاسلامي. وهو الخلاف الذي ازداد اشتعالا بعد ظهور الثورة الايرانية الاسلامية، ومخاوف دول الخليج مما سموه بمطامع ايران التوسعية ومساعيها لنشر الثورة الاسلامية في دول الجوار كالعراق ودول الخليج.
وقد تكون هناك جذور قوية لأسباب تحفظ دولة الامارات على علاقتها مع ايران، وذلك لكون أيران ، كما سبق وذكرت، قد استولت في زمن الشاه وليس في زمن الثورة الاسلامية، على ثلاث جزر اماراتية هي الطنب الكبرى والطنب الصغرى وأبو موسى. وكان النفط يتوافر في احداها ، بينما كانت جزيرة أخرى من الجزر الثلاث، تشكل نقطة للسيطرة على مضيق هرمز الحيوي لملاحة ناقلات النفط بين بعض دول الخليج والغرب.
كما يمكن تفهم أسباب مخاوف البحرين من ايران، لانتماء أكثرية سكانها لطائفة الشيعة، في وقت كانت فيه ايران في عهد الشاه، تعتبر البحرين جزءا لا يتجزأ من ايران. ولكن لا أحد قادر على تفهم أسباب العداء السعودي لايران الاسلامية، غير الخلاف على مركز القيادة للمنطقة وللعالم الاسلامي، وهو ما لا تطمح اليه الكويت، ولم تكن قطر تتطلع الى موقع مشابه في القيادة، حتى شاركت في الحرب ضد سوريا، في محاولة من الدولة الأصغر، للعب دور الدولة الأكبر من حجمها.
وتجلى الاختلاف مؤخرا بشكل واضح، بين موقف سلطنة عمان ومواقف دول الخليج، اثر قيام بعض الايرانيين بحرق سفارة السعودية في طهران. اذ قامت السعودية والبحرين بقطع علاقاتهما مع ايران تعبيرا عن الغضب السعودي والخليجي على اعتداء متظاهرين ايرانيين على السفارة السعودية في طهران. كما قامت دولة الامارات بتخفيض التمثيل الدبلوماسي في سفارتها في طهران الى مستوى القائم بالأعمال، بينما قامت قطر والكويت باستدعاء سفيريهما من طهران احتجاجا على هذه الخطوة. وهنا غردت سلطنة عمان مرة أخرى بوضوح تام خارج السرب الخليجي، عندما اكتفت بادانة الاعتداء، دون قطع العلاقات الدبلوماسية او استدعاء السفير من طهران. بل وتأكيدا منها بأنها ليست طرفا في ذاك النزاع الجديد، كشفت عن نواياها في لعب دور الوسيط في هذا الخلاف بين دول الخليج وايران.
فالاختلاف في الرؤيا الدينية بين الشعب العماني المنتمي لطائفة السنة مع بعض الاختلاف، والمشارك لطائفة الشيعة الايرانية في بعض الأمور مع الاختلاف في بعضها أيضا، هو الذي فعل لجوء السلطنة الى لعب دور الوسيط، لا دور المجافي لايران، الآن وفي السابق أيضا.
فسلطنة عمان الآباضية الاتجاه، لا تتفق مع الدولة الاسلامية الداعشية في وجوب وجود خليفة للمسلمين كما يعلن "ابو بكر البغدادي" نفسه. ولكنها أيضا بسبب فهمها المغاير بعض الشيء لمفاهيم ومعتقدات الوهابية السائدة بشكل مطلق في السعودية، وبشكل نسبي في دول خليجية أخرى، لا ترغب في قيام المملكة السعودية، بقيادة وتزعم دول المنطقة بشكل عام، أو حتى دول الخليج بشكل خاص. وقد عارضت في مرحلة ما، مقترحا سعوديا بتأسيس نوع من الاتحاد الكونفدرالي بين دول الخليج تقوده السعودية، مهددة بالغاء عضويتها في مجموعة دول الخليج، مما أدى الى تجميد ذاك المشروع.
ولكن اذا كان ذلك يلقي بعض الضوء على الاختلاف بين عمان ودول الخليج عامة، ومع السعودية خاصة، مما يدفعها أحيانا للتغريد خارج السرب الخليجي، فما هي الأسباب التي تميز درجة الهلع في فرنسا، المتميزة عن الهلع المشابه ولكن بدرجة أقل، في دول أوروبية أخرى؟
لماذا تصيح (ولا تغرد) فرنسا خارج سرب الدول الأوروبية الأخرى؟
فرنسا على أرض الواقع، أكثر معاناة من الارهاب من الدول الأوروبية الأخرى التي لم تتعرض بعد للكثير من الأعمال الارهابية، كما هو الوضع في فرنسا التي عانت من الاعتداء الكبير الذي وقع على مجلة شارلي ابيدو قبل عام، كما ابتليت بهجوم ارهابي أكبر في شهر تشرين ثاني 2015 ،عندما قتل 138 فرنسيا في ذاك الهجوم. وقبله واجهت هجمات بالمدية، أو بمحاولات الدهس بشاحنات كبيرة في شهر كانون أول 2014 ذهب ضحيتها بعض الفرنسيين، اضافة الى عدة عمليات أخرى أثارت الرعب في قلوب الفرنسيين، آخرها في السابع من كانون ثاني 2016 ، عندما حاول مغربي مسلح بمدية، وبما بدا للفرنسيين أنه حزام ناسف، مهاجمة أحد مخافر الشرطة الفرنسية.
وواجهت دول أوروبية أخرى كبلجيكا والدانمارك، بعض الهجمات الارهابية، كما ادعت مؤخرا سيدات وفتيات ألمانيات، بأنهن قد تعرضن للتحرش الجنسي ومحاولات اغتصاب في ليلة الاحتفال برأس السنة الجديدة. وقالت بعضهن أن المعتدين أو المتحرشين، كانوا من أصول شرقية. ولكن أيا من هذه الأعمال، لم يكن بالقوة عينها التي واجهتها فرنسا، ولا بكم الضحايا الفرنسيين الذين قضوا في الهجمات الواقعة على مدنها، وخصوصا باريس ومدن الجنوب الفرنسي، خلال عامي 2014 و2015، مما دفع الرئيس الفرنسي "أولاند" الى الشروع مذعورا بجولة على العواصم الكبرى كلندن ونيويورك وموسكو، داعيا لتشكيل تحالف دولي يحارب الارهاب الداعشي والتكفيري.
فالرئيس "أولاند" (وفرنسا من ورائه)، بات يجابه تهديدين لا تهديد واحد: أحدهما ارهابي من داعش والقاعدة، وآخر داخلي من انتشار توجه الناخب الفرنسي نحو اليمين الفرنسي المتشدد والذي تمثله السيدة "لوبان" – زعية الحزب، والمطالبة بسحب الجنسية الفرنسية ممن يحملونها من المهاجرين لفرنسا، وليسوا من أصول فرنسية.
ولعل أحد أهم الأسباب في هذا الاختلاف بين الوضع في فرنسا والوضع في أوروبا، هو الاستعمار الفرنسي لعدة دول عربية في المرحلة السابقة على الحرب العالمية الثانية وبعدها، وما أدى اليه من انتقال عدد من رعايا تلك الدول المستعمرة فرنسيا، للاقامة في فرنسا.
ففي تلك المرحلة، سيطرت فرنسا الاستعمارية على مقاليد الأمور في المغرب العربي، وفي الجزائر وتونس، وعلى سوريا ولبنان أيضا، مما أدى الى انتقال واسع من رعايا تلك الدول، وخصوصا الرعايا المغاربة والجزائريين، للاقامة في فرنسا باعتبارها دولة مستعمرة لبلادهم. فكانت عندئذ ترحب بهم، وخصوصا بأولئك القادمين من الجزائر التي اعتبرتها فرنسا أرضا فرنسية، بل جزءا لا يتجزأ من فرنسا. فكان بوسع رعاياها الانتقال للاقامة في باريس، وفي الجنوب الفرنسي خصوصا، المحاذية شواطئه للشواطىء الجزائرية،وذلك باعتبارهم رعايا فرنسيين.
وكانت للدول الأوربية الأخرى بعض المستعمرات أيضا في أفريقيا. فايطاليا حكمت ليبيا لفترة من الزمان، وبلجيكا استعمرت "الكونجو" ، كما سيطرت المانيا على بعض المواقع الأفريقية، ولكن الى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية بالنسبة لايطاليا وألمانيا، اذ اضطرت الدولتان اللتان هزمتا في تك الحرب، الى التخلي عن مستعمراتهما.
وواجهت بريطانيا وضعا مشابها للوضع الفرنسي، ولكن بدرجة أقل. فبريطانيا قد استعمرت دولا عديدة في مرحلة ازدهارها، بحيث كانت شمس الامبراطورية البريطانية، لا تغيب عن الدول التي تسيطر عليها سواء في آسيا أو في أفريقيا. وقد انتقل بعض سكان تلك المستعمرات، كباكستان مثلا التي كانت آنئذ تشكل جزءا من الهند الكبرى التي استعمرتها بريطانيا طويلا، اضافة الى بعض رعايا من دول أفريقية أخرى استعمرتها بريطانيا ككينيا والسودان، للاقامة في بريطانيا، بل وحصل بعضهم على الجنسية البريطانية نظرا لكون دولهم منضوية تحت ما يسمى بالكومون والث البريطاني (Common Wealth British). لكن أجهزة الأمن البريطانية، ظلت أكثر وعيا وحرصا من أجهزة الأمن الفرنسية. فرغم وقوع بعض الأعمال الارهابية على أراضيها كعملية تفجير في بعض محطات قطارات الأنفاق في لندن، ظلت أجهزة الأمن البريطانية، قادرة على احتواء والحيلولة دون وقوع عمليات ارهابية كبرى على أراضيها بحجم العمليات الكبرى التي نفذت على الأراضي الفرنسية.
فالانتقال السكاني من أي من هذه الدول المستعمرة من قبل ايطاليا والمانيا الى أراضي الدول المحتلة لها، لم يتحقق بالحجم والكم الذي شهدته فرنسا من انتقال سكان مستعمراتها للانتقال للاقامة في الجمهورية الفرنسية. ومثلها الانتقال السكاني من المستعمرات البلجيكية أو البريطانية. ذلك أن فرنسا قد شجعت ذاك الانتقال، أو غضت النظر عنه، وخصوصا انتقال رعايا المغرب والجزائر. فتلك الكثافة من المقيمين من أصل عربي على الأراضي الفرنسية، ساعدت الآن على انتشار دعوة الفكر الجهادي الداعشي بينهم.
ففرنسا اذن تدفع الآن ضريبة استعمارها لتلك الدول، وضريبة فتحها باب انتقال رعايا تلك الدول الى أراضيها، طمعا منها بالحصول على يد عاملة رخيصة، وهو ما تفعله ألمانيا الآن باستقبالها أكثر من مليون لاجىء قادم معظمهم من الشرق الأوسط، وبالذات من سوريا.
ولعل أحد الأسباب التي جعلت فرنسا الى حين، أكثر الدول الأوروبية حماسا لابقاء شعلة الحرب مشتعلة في سوريا، كون الدولة السورية كانت تحت انتدابها لربع قرن من الزمان بدأ اثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، وانقضى مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.. فهي لذلك تعتقد أنها الدولة الأكثر قدرة وتأهيلا على اعادة بناء ما دمرته الحرب في سوريا باعتبارها الدولة المنتدبة سابقا عليها. ونتيجة لهذا المعتقد غير المعلن عنه، شجعت على ابقاء الحرب مشتعلة في سوريا، وقدمت دعما واضحا للمعارضة السورية المسلحة، اعتقادا منها بأن بقاء الحرب قائمة، يعني مزيدا من الدمار في سوريا، وبالتالي فان مزيدا من البنيان والبنية التحتية، ستصبح بحاجة الى اعادة البناء من قبل الفرنسيين.
وهذا الخطأ الفرنسي في الاجتهاد والتقييم ، يشكل سببا آخر يجعلها مضطرة لمواجهة مزيد من الارهاب والعمليات الارهابية خصوصا كتلك العملية لكبرى التي شهدتها في باريس قبل أقل من شهرين. فتشجيعها لابقاء الحرب مشتعلة، حول سوريا التي هي في مناخ الحرب الضروس، الى ماكينة لتفريخ الارهابيين ولتدريبهم على الأعمال القتالية والارهابية، والتي بات الكثيرون منهم يجيدونها الآن. وبعض من دربوا على تلك الأعمال، كانوا من العرب المقيمين في فرنسا، فبات طبيعيا لدى عودتهم اليها، أن يكونوا مهيئين وقادرين على تنفيذ تلك الأعمال الارهابية التي باتت فرنسا تشهدها بين فترة وأخرى.
وترتكب بعض الدول الأوروبية الآن، خطأ مشابها للخطأ الفرنسي، ولكن مع الفارق. فهي تستقبل مضطرة، نظرا لوجود قوانين دولية تتعلق بقضايا اللجوء الانساني في حالات الحروب والاضطراب في البلاد التي تواجه حروبا واضطرابات دموية... تستقبل الآن عددا كبيرا من اللاجئين الهابطين عليها بكل وسائل التنقل والانتقال، وخصوصا بوسائل النقل البحري والقطارات. وقد وجدت ألمانيا نفسها وقد استقبلت خلال عام 2015، عددا كبيرا من اللاجئين زاد على المليون لاجىء. واستقبلت دول أوروبية أخرى كايطاليا والنمسا واليونان والسويد وبولندا وغيرها، أعدادا كبيرة أيضا، لكن أقل ممن وردوا على ألمانيا ، نظرا لجشع ألمانيا – الدولة الصناعية والزراعية، للحصول على أيد عاملة رخيصة.
وازاء هذا التدفق الكبير من طالبي اللجوء (الكثيرون منهم من السوريين)، وجدت تلك الدول نفسها مضطرة لوضع شروط جديدة محددة للجوء، كما قامت بعض الدول باغلاق بعض منافذ العبور الى أراضيها، بل وبدأت دولة أخرى بالشروع ببناء جدار عازل على حدودها (يرجح أنها بولندا)، وهو ما يذكر بجدار برلين الذي فصل بين شرقها وغربها، منعا لتدفق طالبي اللجوء من شرق المانيا الى غربها.
فبعض هذه الدول الأوروبية، باتت تخشى أن تصبح هي الأخرى كفرنسا، معرضة لأعمال ارهابية متزايدة، نتيجة لوجود احتمالات غير مستبعدة، لتواجد بعض الارهابيين بين صفوف اللاجئين المتدفقين عليها تحت ستار اللجوء الانساني. فأمر كهذا اذا تحقق، لن يترك بعد حين، فرنسا الدولة الأوربية الوحيدة التي تصرخ (ولا تغرد) مستغيثة من الارهاب، تماما كما تغرد سلطنة عمان أحيانا خارج السرب الخليجي... لكن ليس في مسعى للخروج عن خطه، بل رغبة منها في الاحتفاظ ب"شعرة معاوية"، أي على موقع فيه بعض الحياد، قد يساعدها على تصحيح مسار الخلافات التي تنشأ بين وقت وآخر بين دول الخليج وايران التي تحتفظ السلطنة بعلاقة ود مستمرة معها، لم تتخل عنها قط سواء في مرحلة حكم الشاه، أو في مرحلة حكم الثورة الاسلامية.

ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة مشاهير مصر.
عضو في مجموعات أخرى عديدة.




#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمليات الاعدام الأخيرة، والبحث السعودي عن نصر ما، في ظل مخاو ...
- بانشغال القاعدة وداعش بحروب ضدهما:هل تتولى الذئاب المنفردة ف ...
- أسرار تكشف لأول مرة حول حرب الخليج المسماة بعاصفة الصحراء وم ...
- شرق أوسط جديد أم اتحاد شرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي؟
- غزو العراق عام 2003 ونتائجه الضارة على العراق والعالم.
- لماذا تعلن السعودية التي شاركت بحرب ضد سوريا، ثم اليمن، حربا ...
- مبررات السلطان أردوغان لاسقاط الطائرة الروسية، وخطوات القيصر ...
- تركيا بين اسقاط الطائرة سوخوي لخرقها أجواءها أو حماية لجبهة ...
- هل يشارك بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم لا يش ...
- الموقف السوفياتي المتذبذب بصدد عاصفة الصحراء
- هل تؤثر تفجيرات باريس ايجابيا على مؤتمري فينا وقمة العشرين؟
- اختفاء السفيرة جلاسبي، والتخبط في تبرير أسباب اختفائها
- غموض في أقوال السفيرة -جلاسبي- لصدام، والتناقضات في تفسيرها ...
- هل كانت عاصفة الصحراء لتحرير الكويت أم لأسباب أخرى؟
- غموض وراء القرار الروسي بوقف رحلات طائراته المدنية الى مصر
- الأخطاء الاستراتيجية الأميركية والكوارث التي تسببت بها
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها 2 *
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *
- هل تعطل الحرب بالوكالة على الأرض السورية، منجزات مؤتمر فيينا ...
- متى يبق نتانياهو البحصة التي في فمه ويعلن عن مطالبه الحقيقية ...


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - لماذا تغرد سلطنة عمان خارج سرب الخليج، و-تصرخ- فرنسا دون أوروبا من تعرضها للارهاب؟