أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - بانشغال القاعدة وداعش بحروب ضدهما:هل تتولى الذئاب المنفردة في 2016 عمليات الارهاب؟















المزيد.....


بانشغال القاعدة وداعش بحروب ضدهما:هل تتولى الذئاب المنفردة في 2016 عمليات الارهاب؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 17:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الواضح أن تنظيم القاعدة، سيظل مشغولا طوال عام 2016، وربما في الأعوام التالية أيضا، بمحاولاته مقاومة القوات الأميركية والأفغانية التي تسعى للقضاء عليها وعلى تنظيم طالبان الذي يؤازرها ويقدم الحماية لها. فالحرب الأميركية في أفغانستان والتي بدأت منذ عام 2001، لم تزل قائمة، ولا توجد تباشير لتحقيق نصر حاسم على هذين التنظيمين. فكل ما استطاعت القوات الأميركية أن تفعله، هو اجبار قوات هذين التنظيمين على الصعود الى أعالي الجبال الوعرة، اضافة الى التوقف توقفا شبه تام عن تنفيذ عمليات كبرى خارج أفغانستان، كما كان مألوفا في السابق من تنظيم القاعدة على الأقل التي عرفت بعملياتها الخارجية الكبرى، كتفجير السفارتين الأميركيتين في افريقيا وكذلك البرجين في أميركا.

والأمر كذلك بالنسبة للدولة الاسلامية "داعش". فهي تواجه حربا تشنها عليها الولايات المتحدة منذ منتصف عام 2014 ، ولكنها بدت الى حين حربا رحيمة وليست جدية، مما مكنها من مواصلة تنفيذ عمليات ارهابية خارجية دون أن تحول الحرب الأميركية ضدها من مواصلتها تنفيذ عمليات كهذه. وكان آخرها الهجمات في باريس قبل شهر، وكذلك عملية التفجير في حافلة يستخدمها الحرس الرئاسي في تونس، والتفجير في الضاحية الجنوبية في بيروت في وقت سابق على عمليتي باريس وتونس.
الا أن هذه عمليات ربما كان قد خطط وأعد لها منذ فترة، أي قبل اشتداد الحرب على داعش في الربع الأخير من عام 2015، نتيجة التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، والذي بات يلاحق الارهابيين في القطر السوري بمنتهى الجدية. ويكفي أن نلاحظ بأن الطائرات السورية والروسية معا، باتت تنفذ يوميا ما يقارب أو يتجاوز الخمسين غلرة جوية في اليوم الواحد، والتي لوحظت بشكل واضح مؤخرا في الاغارات الكثيفة على الارهابيين من جبهة النصرة ومؤازريهم المتمترسين في مدينة "الشيخ مسكين". فهذه مقارنة.. بما كان ينفذه التحالف الأميركي من تسع الى عشر غارات في اليوم، تشكل نقلة نوعية واضحة في كيفية التعامل الجدي مع الارهابيين وأنصارهم.

فالتنافس الذي بدأ بين التحالف الأميركي والتحالف الروسي على مقاتلة الارهابيين، يشكل نقطة تبدل نوعية وواضحة المعالم، قد لا تترك مجالا كبيرا لداعش مستقبلا، للاعداد ولتنفيذ عمليات ارهابية خارجية كبرى كما فعلت في السنتين السابقتين، أو على الأقل، المحافظة على كم العمليات الكبرى الخارجية التي اعتادت تنفيذها في السنتين الماضيتين. فقد تضطر "داعش" وخصوصا بعد انضمام فرنسا بشكل جدي أيضا الى التحالف المقاتل ضد الدولة الاسلامية، للتركيز أكثر على الظهور بمظهر القوي القادر على مجابهة كل الهجمات عليها رغم استفحالها، منتهجة أسلوبها المعتاد الموسوم بالكر والفر، اضافة الى نهج مفاجأة أعدائها بمهاجمة مناطق تتسم بالضعف ويمكن اجتياحها بسهولة.
وتجلى ذلك بوضوح في الأيام القليلة الماضية، عندما باتت تواجه في "الرمادي" هجوما عراقيا قويا مؤازرا بغارات أميركية على تلك المدينة، في وقت تواجه فيه أيضا هجوما سوريا شرسا على مدينة "الشيخ مسكين" في سوريا. وهنا لجأت الى تنفيذ عملية ما، لكن في داخل مدينة الرمادي، اذ تظاهر بعض المقاتلين الداعشيين المتنكرين بالزي العسكري للجيش العراقي، بأنهم قد جاءوا لانقاذ بعض العائلات العراقية في أحد الأحياء في مدينة الرمادي، وقاموا بقتل أفراد من عدة أسر سورية بلغ عددهم أربعين أو أكثر. بل وقامت بعمل أكثر عنفا ومكرا، عندما انتقلوا من الدفاع الى الهجوم، فقاموا بهجوم مفاجىء على قاعدة للجيش العراقي في الأنبار، غير بعيدة عن مدينة الرمادي، بغية مشاغلة القوات العراقية التي تقوم بعملياتها داخل مدينة الرمادي.

وعلى الصعيد السوري، وتأكيدا على احتفاظهم بالقدرة على الحركة رغم ما يواجهونه من غارات في ادلب والشيخ مسكين، قاموا بتنفيذ هجوم انتحاري في القامشلي أدى الى مقتل ستة عشرة من الأكراد، كما هاجموا وسيطروا على جبل التركمان المحاذي للحدود التركية. وهذا وذاك يؤكدان على وجود مخططين عسكريين ذوي خبرة عالية في التخطيط والمناورة العسكرية في داخل ذاك التنظيم.


الا أن المرجح بأن انشغالهم بهذه الحرب ضدهم، والتي باتت الآن حربا جدية تنافسية، ورغم ما يوجد لديهم من مخططين وخبراء، قد يحول بينهم وبين مواصلة القدرة على مواصلة التخطيط لتنفيذ عمليات ارهابية خارجية، على الأقل بالكم الذي كانت قد حققته في عام 2015 وشمل الهجوم على متحف باردو في تونس، وعلى مجلة تشارلي ابيدو في فرنسا، وتفجير في تركيا، وعمليات أخرى كثيرة نفذتها الدولة الاسلامية هنا وهناك بما فيها عمليات انتحارية نفذت في السعودية، وأخرى في العراق، وثالثة في اليمن، وكان آخرها ما عرف بهجوم باريس. فكل من هذه العمليات، حصدت العديد من الأرواح البشرية، وبلغ عدد ضحايا بعضها المائة قتيل أـو أكثر.

وأنا لست منجما أو متنبئا، ولكني أقول ما أكتبه هنا استنادا الى التحليل المنطقي والنتائج المعقولة والمتوقعة التي سوف يؤدي اليها هذا التنافس القائم الآن بين التحالفين الروسي والأميركي، وخصوصا بعد ادلاء فرنسا بدلوها فيه...قد يزيد من حرارة مطاردة الدولة الاسلامية، مما سيزيد من وضع الدولة الاسلامية سوءا، وخصوصا اذا تحول هذا التنافس بينهما (أميركا وروسيا) بأعجوبة قد لا تكون مرجحة، الى تعاون وتنسيق مشترك يسعى حقا لتحقيق هدف واحد، وهو القضاء على ارهاب الدولة الاسلامية، مما سيزيد من اضطرار تلك "الدولة" لاتخاذ موقع الدفاع والحرص على البقاء، تاركا لها فرصا أقل ومجالا أضعف للمناورة بعمليات خارجية أيضا...وان فعلت، فقد تكون عمليات محدودة، وأقل عددا وعنفا مما اعتدناه منها سابقا.

ومن هنا بات من المرجح أن يظهر احتمال بتصاعد عدد العمليات التي تنفذها "الذئاب المنفردة" التي اقتنعت وتبنت أفكار الدولة الاسلامية، دون أن تنخرط في صفوفها، أو تنتمي الى عضويتها، رغم تبنيها بحرارة تامة وقناعة كبيرة لأفكارها ومعتقداتها. فملاحظتها للمعاناة التي قد تواجهها الدولة الاسلامية في مرحلة التنافس بين عدة أطراف على مقاتلتها، ربما سيدفع بعض الذئاب المنفردة لأن تنشط قريبا بشكل أوسع مما سبق، في محاولة للادلاء بدلوها لملء الفراغ الذي أفرزته العمليات القتالية ضد التنظيم الذي تبنوا أفكاره، وآمنوا برؤيته ومعتقداته، وعاهدوا أنفسهم على نشرها واقناع الآخرين بأهميتها وضرورتها.
فلكون ظروف الحرب القاهرة قد حدت، أو جمدت، من قدرات الدولة الاسلامية التي آمنوا بها وبمعتقداتها، على المضي قدما بالسير في مخططاتها لنشر تلك الدعوة التي أرادوا انتشارها لتعم أركان المعمورة كلها... قد يجد بعض الذئاب المنفردة أنفسهم، مضطرين، أو مندفعين بحمى معتقداتهم، لأن بقدموا أكثر وأكثر على تنفيذ عمليات انفرادية من قبلهم، بديلا عن الدولة، وفي محاولة لملء الفراغ الذي تركه انشغال الدولة الاسلامية بمهماتها القتالية في داخل الميدان السوري والعراقي.
فالذئاب المنفردة، هم مجموعة من الناس، الأغلب في سن الشباب، اعتنقوا الأفكار والمعتقدات المتطرفة التي تنادي بها الدولة الاسلامية (والقاعدة من قبلها)، دون الانخراط فعليا أو رسميا في صفوف التنظيم، رغم توجههم نتيجة قناعتهم التامة بدعوته، للعمل انفراديا على نشر تلك الدعوة بوسائلهم الخاصة، التي قد تصل في بعض الأحيان، لتنفيذ عمليات ارهابية، والتي ظلت الى الآن محدودة كما وعددا... اقتناعا منهم بأنها وسيلة ناجحة لنشر تلك الدعوة التي آمنوا واقتنعوا بها.

فاذا كان بعضهم قد التحق فعلا بصفوف تلك الدولة، وغادروا بلادهم للمشاركة فعليا وعمليا في القتال الى جانب مقاتلي الدولة المتواجدين في سوريا أو العراق، فان البعض الآخر الذين لم يكونوا أقل رغبة في المشاركة الفعلية في القتال، لكن حالت ظروفهم الخاصة دون المشاركة فيه عمليا، كما فعل الآخرون، قد يجدون أنفسهم مندفعين، وخصوصا في ظروف انشغال مقاتلي الدولة الاسلامية في حربها ضد الصليبيين الجدد من أميركيين وروس وفرنسيين... نحو المشاركة فيه بأساليبهم الخاصة وهم مقيمون في بلادهم، فيقدمون من تلقاء أنفسهم، على تنفيذ عمليات ارهابية دون استلام تعليمات أو توجيهات من التنظيم ... لعدم وجود اتصال ما به، بل وينفذونها دون الحاجة لاستلام دعم مادي (مالي) أو مواد أولية يحتاجونها في تنفيذ ما يخططون له من تلقاء أنفسهم، بدافع من العقيدة أو القناعة التي رسخت في عقولهم. وقد نفذ أولئك فعلا عدة عمليات منفردة خلال الأعوام 2013 و 2014 ثم 2015.
ومن أبرز تلك العمليات، تلك التي نفذها في 15 نيسان 2013 في مدينة "بوسطن" الأميركية، أخوان من أصل شيشاني. وقد نفذاها بتفجير عبوتين متفجرتين زرعتا في شارع عام يركض عبره مشاركون في "ماراثون" سنوي يقام في تلك المدينة. وقد نفذ تلك العملية التي أدت الى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح 264 من المتسابقين في الماراثون والمتابعين والمشاهدين له، الأخوان "زوخار تزارناييف"، و"تامريان تزارناييف"، وهما من أصل شيشاني. وفصل بين تفجير القنبلة الأولى والثانية 12 ثانية، لاذ بعدها الأخوان بالفرار.
لكن شرطة بوسطن استطاعت التعرف على الفاعلين، ونشرت في 18 نيسان صورا لهما، مما ساعد على مطاردتهما، والتوصل الى موقع اختبائهما في 19 نيسان، حيث جرى تبادل كثيف لاطلاق النار بينهما وبين شرطة بوسطن. وقتل"تامريان" في تلك المعركة، وجرح الأخ الآخر وهو "زوخار"، الذي نقل الى المتسشفى. وخلال التحقيق معه، أعترف بأنه قد آمن بأفكار اسلامية متشددة نتيجة الحربين الأميركيتين ضد الشعبين في أفغانستان والعراق. ولكنه - كما قال للمحققين - لم ينتم الى أي تنظيم، أو يتلقى مساعدة من تنظيم ما، وأن أخاه كان المخطط للعملية. وأفاد أيضا بأنه هو وأخوه قد تعلما من نشرة أليكترونية على النت تبثها القاعدة في اليمن، كيفية صناعة وتجميع العبوات المتفجرة. وفي الثامن من نيسان 2015، أصدرت محكمة أميركية حكما باعدام "زوخار".

وكان عام 2014 وخصوصا الشهور الثلاثة الأخيرة منه، زاخرا بالعمليات التي رجح بكونها صادرة عن ذئاب منفردة. ففي لندن، قام أحد المواطنين البريطانيين، وهو مسلم من أصل شرق أوسطي ويحمل الجنسية البريطانية، باطلاق النار على أحد الجنود البريطانيين في أحد شوارع لندن الرئيسية، وأرداه قتيلا. ولم تقدم تفسيرات كثيرة لهذا الحادث، لكن المحللين رجحوا بأن مطلق النار، كان أحد الموصوفين بالذئاب المنفردة.
وعلى غرار هذه الحادثة، وقعت في كندا حادثتان أخريين في نهايات شهر تشرين أول 2014. وفي احداهما، أقدم مواطن كندي كان يستعد للذهاب الى سوريا للقتال الى جانب داعش، باطلاق النار على أحد المواطنين الكنديين، مما تسبب في مقتله. وفي اليوم التالي أقدم مواطن آخر مسلح بمسدس، على اقتحام مبنى البرلمان الكندي، مما اضطر المسؤولين لاخلاء مبني البرلمان واعلان حالة الطوارىء في الأحياء المجاورة، ضمن عملية البحث عن المواطن الكندي المسلح.

وفي الخامس عشر من كانون أول 2014، قام "هالان مؤنس"، رجح البعض أنه ايراني الأصل، باقتحام "مقهى لينيت" في "سيدني" باستراليا. وتحت تهديد السلاح الذي كان يحمله، احتجز عدة رهائن كان من بينهم عدة زبائن يرتادون المقهى اضافة الى ثمانية من العاملين فيه. وحمل المهاجم علما أسود اللون يشبه علم الدولة الاسلامية. وطالب بالتحادث هاتفيا مع "توني أبوت" - رئيس وزراء استراليا، لكن طلبه لم يستجب. وفي الساعة الثانية من صباح السادس عشر من كانون اول، وبعد انقضاء ستة عشر ساعة على احتجاز الرهائن، قامت شرطة سيدني بهاجمة المقهى، فقتلت المهاجم، ولكنها تسببت أيضا، ضمن عملية اطلاق النار المتبادل، بمقتل أحد رواد المقهى الذين كانوا محتجزين من قبل المهاجم.
وجاءت حادثة "مقهى لينيت" بعد حادثة أخرى وقعت قبل أيام في مدينة "ملبورن" الاسترالية، عندما قام "عبد الرحمن حيدر" - وهو مسلم يقيم في المدينة، بطعن أحد رجال الشرطة الأستراليين في مخفر فيكتوريا بمدينة ملبورن.
ولم تتوقف الحوادث المنسوبة الى الذئاب المنفردة على كندا وأستراليا، بل امتدت لتصل الى أوروبا أيضا. ففي التاسع عشر من كانون أول 2014، حاول رجل يقود سيارة مفخخة، بالدخول الى مقر الحزب الحاكم في مدريد. لكن الشرطة الموكلة اليها حماية المبني، استطاعت اعتقاله وتفكيك المتفجرات في السيارة.
وفي العشرين من الشهر ذاته، قام رجل مسلح بمدية، بمهاجمة عدد من رجال الشرطة الفرنسيين، فطعن ثلاثة منهم، قبل أن تتمكن رجال الشرطة من قتله باطلاق النار عليه. وكان الرجل يصيح طوال عملية هجومه قائلا " ألله أكبر".
وفي اليوم التالي، الواحد والعشرين من كانون أول، وقع هجوم آخر في فرنسا. وكان هذه المرة في مدينة "ديجون"، عندما قام رجل يقود شاحنة من مهاجمة ودهس أحد عشر فرنسيا قبل مقتله برصاص الشرطة. وكان الرجل يصيح طوال مهاجمته لهم قائلا: "ألله أكبر".

وفي الثاني والعشرين من كانون أول عام 2014، قام رجل آخر يقود شاحنة كبيرة، بمهاجمة حشدا من المواطنين المتجمعين في سوق كبير في مدينة "نانت". وكان السوق مزدحما بالناس الساعين لشراء ما يحتاجونه للاحتفال بأعياد الميلاد "كريسماس". وتمكن المهاجم من دهس عشرة مواطنين فرنسيين قبل أن يحاصره رجال الشرطة. وعندما تأكد بأنهم باتوا قادرين على اعتقاله، قام بطعن نفسه بمدية. واختلف شهود العيان حول ما اذا كان الرجل يصيح أثناء هجومه بالقول "ألله وأكبر" أم أنه لم يهتف بذلك. وألقى الرئيس الفرنسي "أولاند" يومئذ، خطابا موجها للفرنسيين، ويقول فيه أن الشرطة الفرنسية تمسك بزمام الأمور جيدا، في محاولة منه لطمأنة مواطنيه الذين كانوا يستعدون للاحتفال بأعياد الميلاد، طالبا منهم عدم الاستسلام للرعب بعد هذه الحوادث الثلاثة المتكررة في ثلاثة مدن فرنسية متباعدة، وخلال ثلاثة أيام متعاقبة.

ويشاء القدر أن تستهل فرنسا في اليوم الثاني من عام 2016، بحادثة مشابهة، عندما قام أحد المواطنين الفرنسيين المسلمين، بمهاجمة بعض رجال الشرطة في مدينة "فالنس" الواقعة في شمال شرق فرنسا، محاولا دهسهم بسيارته، فجرح أحد رجال الشرطة الذين قاموا عندئذ باطلاق النار عليه، فأصابوه بجراح بليغة، كما أصابوا أحد المارة بجراح خفيفة. ووقع الحادث قرب الجامع الكبير في مدينة "فالنس" الذي يبدو أن المهاجم كان ينوي التوجه اليه لأداء الصلاة فيه. وأنكر مرتادو الجامع وكذلك امامه، معرفتهم بذاك الرجل، قائلين بأنه لم يرتاده مسبقا لأداء الصلاة فيه.

ولكن عام 2015 ظل عاما هادئا نسبيا ومبتعدا عن وقوع حوادث تنفذها الذئاب المنفردة، ربما نتيجة ملاحظة أولئك بأن داعش كانت تنفذ ما فيه الكفاية من العمليات الخارجية. اذ نفذت هجوما على متحف باردو في تونس، وفي 20 آذار نفذت عملية انتحارية في أحد جوامع اليمن، وفي 26 حزيران قامت بتفجير آخر في أحد جوامع الكويت، ثم في مدينة "سوسة" بتونس، وتفجير آخر عنيف في "ديالا" - عاصمة احدى المحافظات العراقية، وهجوم انتحاري آخر في الضاحية الجنوبية من بيروت نفذ في الثاني عشر من تشرين ثاني. وبعده بيوم أو يومين، نفذ الهجوم الكبير في باريس والذي أدى الى مقتل 103 مواطن فرنسي.
ولكن عندما سكنت العلميات الانتحارية لوقت قصير، جاء دور الذئاب المنفردة للعودة الى العمل.
ففي الثاني من كانون أول 2015، وقع الهجوم المفاجىء وغير المتوقع، على مستوصف طبي في مدينة "بيرناردينو"، أحد مدن ولاية كاليفورنيا، أكبر الولايات الأميركية. وبطبيعة الحال، لم يكن هناك ارتباط أكيد بين توقف العمليات الخارجية للدولة الاسلامية ازاء اشتداد العمليات العسكرية الروسية بالتعاون مع القوات السورية ضدها، والذي عززه اعلان فرنسا انضمامها بجدية أكبر في الحرب ضد الارهاب نتيجة للغضب الذي اجتاح فرنسا ازاء العملية الكبرى التي نفذت قبل قرابة ثلاثة أسابيع في باريس.
فمن نفذ العملية الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، بعد عملية الذئاب المنفردة في بوسطن قبل عامين تقريبا، والتي سبقت الاشارة اليها تفصيلا في فقرات سابقة... كان رجل من أصل باكستاني، ولكنه يحمل الجنسية الأميركية، وهو "سيد رزوان فاروق" (هكذا يلفظ الايرانيون اسم رضوان ب"رزوان". وساعدته في تنفيذ ذاك الهجوم، زوجته "ناشفين مالك" التي تركت طفلتها الصغيرة لوحدها في المنزل، وشاركت زوجها في تنفيذ ذاك الهجوم الدموي الذي استخدمت فيه البنادق الأوتوماتيكية والرشاشة.
وقدر المحللون السياسيون والمراقبون، أن سيد رضوان وزوجته مالك، كانا يعتنقان أفكارا اسلامية متشددة، ولم يكونا مرتبطين بأي تنظيم اسلامي أو غيره من التنظيمات. ويبدو أنهما قد نفذا ذاك الهجوم من تلقاء نفسيهما، ودون أي توجيه خارجي، بل نتيجة قناعتهما بأفكارهما وقناعتهما الدينية. وقد اختارا مدينة "بيرناردينو" لكونهما يقيمان فيها أو بمدينة قريبة منها. كما أن "بيرناردينو" من المدن المتميزة في ولاية كاليفورنيا، لكونها واحدة من أربع مدن من مدن ولاية كاليفورنيا التي تتواجد فيها قنصليات أجنبية، علما أن المدن الأخرى التي تتواجد فيها قنصليات أجنبية أيضا هي سان فراسيسكو، لوس أنجيلوس، وسان دييغو.
وفر المهاجمان من الموقع الذي قتلوا فيه 14 أميركيا وجرحوا 22 آخرين. ولكن شرطة الولاية لاحقتهما، وعند العثور عليهما، جرى تبادل لاطلاق النار مع شرطة الولاية، انتهى بمقتل المهاجمين، تاركين وراءهما تلك الطفلة التي أبقيت وحيدة في منزل والديها، الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين. فكيف تخلى هذين الزوجين عن طفلتهما من أجل تحقيق أفكار دينية متشددة سيطرت تماما، كما يبدو، على عقليهما اللذين تخدرا بمفاهيم غير حضارية على الاطلاق.
وعلى صعيد آخر، وفي اليوم الثاني من عام 2016، كما في مدينة "لافانس" الفرنسية، قام أحد الفلسطينيين الذين يوصفون بعرب اسرائيل، بمهاجمة بار (PUB) في شارع "ونيغوف" في تل أبيب، فقتل اثنين من رواد البار وجرح آخرين، ثم لاذ بالفرار، وأخذت الشرطة الاسرائيلية تبحث عنه.

ولا يعتقد بأن تلك كانت واحدة من عمليات الذئاب المنفردة المعتنقة لأفكار ومعتقدات تكفيرية وهابية. فالمرجح مبدئيا، وقبل اكتمال التحقيق والبحث عنه، أنه قد نفذ عمليته تلك، انتقاما لسنوات سجنه في أحد السجون الاسرائيلية، اضافة الى توقيت عمليته تلك ليتناسب مع ذكرى استشهاد ابن عم له قبل عام من الزمان. ولم يكتشف التحقيق بعد، ما اذا كان مرتبطا بتنظيم فلسطيني ما، أو تنظيم ارهابي كالقاعدة أو الدولة الاسلامية، أم كان يعمل من تلقاء نفسه، وبناء على قرار شخصي منه، مما قد يكشف عن تبلور ظاهرة "الذئاب المنفردة" في فلسطين أيضا، ولكنهم ذئاب منفردة قد لا يكونون مرتبطين بشكل مباشر بتنظيمات سياسية أو جهادية فلسطينية أو غير فلسطينية، بل هم "ذئاب منفردة" يعملون من تلقاء أنفسهم، ودون توجيه أو استلام دعم ما من تنظيم أو جهة سياسية معروفة.
ولعل عمليات الطعن لاسرائيليين المتزايدة بين يوم وآخر، ربما تكشف عن وصول ظاهرة الذئاب المنفردة الى فلسطين أيضا. ولكنهم "ذئاب منفردة" تعمل بدافع فلسطيني وطني محض، وغير متأثرين بالضرورة بأفكار جهادية أو تكفيرية ترفضها مفاهيم الحضارة والقوانين الدولية، بل بباعث من مشاعرهم الوطنية والقومية التي عانت طويلا من ظلم اضطهاد المحتل الاسرائيلي لبلادهم.

وكل ذلك يدل على وجود مؤشرات واضحة بأن عام 2016، مرشح لأن يكون بجدارة عام الذئاب المنفردة، سواء في أوروبا، أو في كندا وأميركا واستراليا، وهم تلك الذئاب المنفردة التي قد تكون متأثرة بأفكار تكفيرية تريد الادلاء بدلوها دفاعا عن معتقداتهم التكفيرية، في غياب نسبي لبعض العمليات الانتحارية التي اعتاد العالم أن يشهدها وينفذها أعضاء منتسبين للدولة الاسلامية، ولكن حال بين الدولة وبين مواصلتها بذات الحجم السابق، انشغالهم بضغوط الحرب، سواء على الدولة الاسلامية أو على القاعدة في آن واحد.
أما الذئاب المنفردة الفلسطينية منهم، فهم يتحركون أيضا نتيجة حرب أخرى غير معلنة، ولأهداف أخرى، لكنها أهداف نبيلة تبيحها القوانين الدولية، وهي الدفاع في وجه المحتل ومقاومته، اعتراضا منهم على احتلال ظالم لبلادهم. ومن هنا، اذا كان تحرك الذئاب المنفردة المعتنقة للأفكار التكفيرية الارهابية، هو تحرك مرفوض ومدان من المجتمع الدولي لكونه يفضي الى مقتل أبرياء، فان تحرك الذئاب المنفردة الفلسطينية، ان صحت التسمية، او صح تصوري وتسميتي تلك لهم، يظل نضالا قوميا محقا، وينبغي أن يتلقى مباركة ودعما، لا من الفلسطينيين وحدهم، بل من كل الشعوب العربية. كل ما في الأمر، أنني أفضل أن أطلق عليهم، على الفلسطينيين منهم، تسمية "الأسود المنفردة" عوضا عن الذئاب المنفردة. فذاك اسم أكثر لياقة لما يفعلونه من بطولات، في غياب الضمير العربي النائم والمخدر من قبل حكامه.

ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة شام بوك
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعات أخرى عديدة.









#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرار تكشف لأول مرة حول حرب الخليج المسماة بعاصفة الصحراء وم ...
- شرق أوسط جديد أم اتحاد شرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي؟
- غزو العراق عام 2003 ونتائجه الضارة على العراق والعالم.
- لماذا تعلن السعودية التي شاركت بحرب ضد سوريا، ثم اليمن، حربا ...
- مبررات السلطان أردوغان لاسقاط الطائرة الروسية، وخطوات القيصر ...
- تركيا بين اسقاط الطائرة سوخوي لخرقها أجواءها أو حماية لجبهة ...
- هل يشارك بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم لا يش ...
- الموقف السوفياتي المتذبذب بصدد عاصفة الصحراء
- هل تؤثر تفجيرات باريس ايجابيا على مؤتمري فينا وقمة العشرين؟
- اختفاء السفيرة جلاسبي، والتخبط في تبرير أسباب اختفائها
- غموض في أقوال السفيرة -جلاسبي- لصدام، والتناقضات في تفسيرها ...
- هل كانت عاصفة الصحراء لتحرير الكويت أم لأسباب أخرى؟
- غموض وراء القرار الروسي بوقف رحلات طائراته المدنية الى مصر
- الأخطاء الاستراتيجية الأميركية والكوارث التي تسببت بها
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها 2 *
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *
- هل تعطل الحرب بالوكالة على الأرض السورية، منجزات مؤتمر فيينا ...
- متى يبق نتانياهو البحصة التي في فمه ويعلن عن مطالبه الحقيقية ...
- هل تخلى صانع الحلم العربي عن الحلم العربي وتوجه نحو الحلم ال ...
- تحذير للمسافرين بالطائرة عبر الأجواء الاسرائيلية: استخدموا ا ...


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - بانشغال القاعدة وداعش بحروب ضدهما:هل تتولى الذئاب المنفردة في 2016 عمليات الارهاب؟