أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - اختفاء السفيرة جلاسبي، والتخبط في تبرير أسباب اختفائها















المزيد.....


اختفاء السفيرة جلاسبي، والتخبط في تبرير أسباب اختفائها


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4984 - 2015 / 11 / 13 - 08:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تنبيه
====
هذا ليس مقالا، بل الجزء الثالث من الفصل الثالث من كتابي القادم حول (الاستراتيجية في نهاية مطافها) الساعية لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد). فهي دراسة تشريحية متعمقة للأسباب الحقيقية لعاصفة الصحراء التي قادها عسكريا الجنرال شوارزكوف، سعيا وراء ما سمي ب "تحرير الكويت". حيث ستكشف هذه الدراسة المتأنية والمطولة،- التي استغرق اعدادها عشرون عاما - بالأدلة العملية والمنطقية، العديد من الشكوك والتناقضات الكثيرة التي رافقت وتسببت بعملية الغزو العراقي للكويت، واستغرب وجودها الكتاب والمحللون، بل وأعضاء بارزون في الكونجرس الأميركي... مما بات يرجح معها وجود أسباب أخرى خفية لتلك الحرب، وقد يكون أقلها بداية تنفيذ المخطط الأميركي الاستراتيجي لتشكيل الشرق الأوسط الجديد. وهذا الجزء هو تتمة لجزئين سابقين من هذا الفصل، وقد سبق نشرهما خلال الأسبوع الماضي. وسوف يليها الجزء الرابع من الفصل الثالث في الكتاب المكون من عدة فصول، وهو الجزء الذي سيحسم الشك بما يشبه اليقين حول وجود أسرار لم تعترف الولايات المتحدة بوجودها، واستدرجت عملية غزو العراق للكويت.
===================


أبدى السناتور "دانتيه فاسكال" (DANTE FASCELL) ـ - نائب ولاية فلوريداـ ، دهشته لظهور السفيرة ابريل جلاسبي المتأخّر أمام لجنة الكونجرس. فقال متسائلاً : "أنا لا أعلم لمَ تدلين بشهادتك الآن ... فلديّ سؤال حول [ الأسباب ] التي إستدعت بقاء موظفة ذات ماضٍ مهني ... مسجونة في قاعات وزارة الخارجية، أو في مكان آخر طوال هذه الشهور، بينما كانت الأسئله تحلّق في الهواء، [والأجوبة لها] تترنّح فقط داخل رأسها، وليس داخل رأس آخر ". وإستخلص قائلاً: "لا أعتقد أنّ هذا عادلاً، ولا أعتقد أنّه [سلوك] صحيح " .

كما تساءل السناتور " وليم برومفيد " ( WILLIAM BROOMFIELD) من متشيغان ، عن السبب الكامن وراء هذا التأخير في تصحيح سجلّ لقائك مع "صدام حسين" .

ومثله السناتور "وين أوينز" (WAYNE OWENS ) ـ من ولاية "يوتا "ـ الذي سألها محتدّاً : " لمَ لم يُسمح لك بالظهور قبل هذا الوقت. من إتخذ القرار بعدم السماح لك بالظهور ... من قرّر بأنّه يتوجّب عليك ألاّ تتكـلّمي في السياسة، حتى في معرض الدفاع عن نفسك من تهمة " الخداع " . وفي موضع آخر سألها مجدّداً: "هل يمكنك أن تقولي لمَ [إحتاج الأمر] الى سبعة شهور. لقد كنت عاجزاً عن الإتصال بك حتى بالهاتف ... لقد كنت قلقاً على سلامتك الجسدية" " . فالإتصال "بجلاسبي" حتى لمجرّد الأطمئنان على صحّتها، كان متعذّراً، بل ومستحيلاً، ليس على الأفراد العاديين فحسب، أو على الصحفين، بل على رجالات الكونجرس أيضاً ، الذين هم جزءا من بناء الدولة ويمثلون الشعب الأميركي.

ولكنّ إختفاءها الغامض ولمدّة سبعة شهور وثلاثة أسابيع، لم يكن إختفاء تاماً أو مطلقاً. فقد حققت ظهوراً علنياً واحداً، عندما أجرت لقاء صحفياً ، في الثاني عشر من أيلول 1990 ـ مع صحيفة نيويورك تايمز ، كما ورد ي كتاب "دوجلاس كيلنر" بعنوان (حرب الخليج الفارسي التلفيزيونية). وظنّ البعض بأنّه حتى ظهورها ذاك، لم يكن ظهوراً بالمعنى المحدّد للكلمة. فهي قد ردّت كتابة على أسئلة مكتوبة أوصلت اليها... كما روّج البعض .

وسواء كان ذلك صحيحاً أم لا، فإنّ الغرابة لم تكن في مضمون ظهورها الوحيد، ولمرة واحدة، أو في كيفية ظهورها ذاك، بل كانت في مضمون ردّها أثناء ذاك اللقاء الصحفي. فردودها لم تكشف غوامض ما جرى، بل زادت الغموض غموضاً. فهي قد قالت: "من الطبيعي أننّي لم أفكّر ... ولم يفكّر أحد [غيري]، أنّ العراق سوف يأخذ كلّ الكويت" .

ويعلّق الكاتبان " جون بولوك " ( JOHN BULLOCH) ـ المراسل السياسي لصحيفـة " إندبندنت" (INDEPENDENT) ، "وهارفي موريس" (HARVEY MORRIS) ـ نائب رئيس تحرير الشؤون الخارجية في الصحيفة المذكورة، في كتابهما بعنوان "حرب صدّام" (SADDAM`S WAR)، بالقول، أنّ "عبارة" كلّ الكويت "كانت عبارة مميّزة. فهل كانت [جلاسبي] تـلمّح إلى أنّه لو إكتفى [صدام] بالمناطق الحدودية وبالجزيرتين المتنازع عليهما، لكانت الولايات المتحدة في النهاية، قد تقبّلت الوضع الجديد الذي نشأ " كأمر واقع، وربما كأمر متّفق عليه .

وعزّز الشكوك التي أثارتها أقوال "جلاسي" لصحيفة نيويورك تايمز، قول الجنرال شوارزكوف أثناء مقابلة تلفزيونية أجراها معه المذيع المعروف "دافيد فروست" (DAVID FROST )، بأنّه قد توقّع "إذا غزا العراق الكويت، سوف يذهبون فقط نحو حقل نفط الرميلة شمال مدينة الكويت، وعندئذٍ سوف يتوقّفون". وكان " شوارزكوف" لدى قيام الجنرال باول بإبلاغه نبأ إجتياز العراقيين للحدود الكويتية، قد علّق قائلاً "أنا لست متفاجئاً" ، كما ذكر الكاتب "ريتشارد بيل" في كتابه بعنوان (الرجل.المهمة.النًصر). والواقع أن "شوارزكوف" قد أبلغ "كولين باول" منذ الأول من آب، وقبل وقوع الغزو، بأنّه يعتقد بأنّهم سوف يهاجمون. لكنّ هجومهم سيكون محدّداً لإحتلال جزء من حقل نفط الرميلة، ولإحتلال جزيرة بوبيان" ، كما ورد في مذكرات الجنرال كولين باول بعنوان "رحلتي الأميركية". ولكن شوارزكوف أو باول، لم يفسرا لما لم تقم الولايات المتحدة بتحذير العراق من مغبة خطوة كهذه، أو تتخذ اجراءات سياسية وعسكرية وقائية للحيلولة دون تنفيذها، ما لم يكن لديها "رؤية أخرى" كما قال الجنرال باول عندما حذر الحكومة الأميركية في مساء الأول من آب (اي قبل الغزو بيوم) بأن الوضع خطير على الحدود العراقية الكويتية، وناشدها اتخاذ اجراء ما، لكنها لم تفعل ذلك، ربما لوجود رؤية أخرى لديها كما قدر "باول" آنئذ ، وهي الرؤية التي كشف مستقبل الأحداث أن عاصفة الصحراء لم تكن الا الخطوة الأولى نحو تنفيذ مخطط تشيني ورفاقه السبعة في مجموعة المحافظين الجدد التي كانت في طور التشكيل آنئذ ، لتحقيق رؤيتهم حول الشرق الأوسط الجديد.

وتلقي مذكرات "جورج بوش الأب" الصادرة حديثا، بعض الضوء على ما حدث آنئذ في العراق، وما تكرر حدوثه لاحقا بعد اثنتي عشر عاما نتيجة نوايا مبيتة للعراق ولكامل منطقة الشرق الأوسط. فالرئيس السابق "بوش الأب"، يكشف بصراحة، كما سبق وذكرت، بأن وزير الدفاع آنئذ المتطلع لشرق أوسط جديد، كان أكثر المتحمسين والداعين لمحاربة العراق سواء في عام 1991 و 2003. ويكشف الرئيس السابق "بوش الأب" عن دور "ديك تشيني" - نائب الرئيس في عهد رئاسة ابنه للولايات المتحدة، بالتعاون مع وزير الدفاع آنئذ "دونالد رامسفيلد"، في تشجيع بوش الابن على غزو العراق. ويلوم بوش الأب في مذكراته، ابنه على توجهه الديني الشديد واشاراته المتكررة الى الشر والى الشياطين. والمعروف أن بوش الابن قد أبلغ الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" بأنه ذاهب الى العراق لمحاربة الشياطين "هاجوج وماجوج" الذين أخذوا يتجمعون بين أطلال مدينة بابل العراقية، تمهيدا لمحاربة الدول المسيحية، ثم دولة اسرائيل.

ولكن تلك المعلومة أو الحقيقة، لم تكن معروفة للملأ آنئذ. وعلى ضوء الجهل بتلك الحقائق، إزدادت آنئذ أقوال "جلاسبي" للرئيس العراقي .. غموضاً وتعقيداً. فهل عَنَتْ بقولها "ليس لنا موقف من نزاعكم الحدودي"، التأكيد للعراق بأنّ عملية عراقية محدودة فحسب، لن تلقى إعتراضاً أميركياً. أي أنّ الضوء الأخضر - كما وصفه الكتّاب- الذي أطلقته "جلاسبي"، كان ضوءاً أخضر جزئياً، ولم يكن ضوءاً أخضر لإحتلال كامل الكويت ؟

ولكن "جلاسبي"، التي غادرت بغداد في الثلاثين من تموز 1990، من أجل قضاء إجازة في الخارج، لم تكن قد غادرتها فعلاً لقضاء إجازة، بل كانت تقوم بمهمّة سرّية ورسميّة يفترض بها أن تعود بعدها الى بغداد. وعوضاً عن ذلك، فقد إختـفت عن الأنظار لمدة سبعة شهور وثلاثة أسابيع كما سبق وذكرت .

فإلامير خالد بن سلطان، قد ذكر في كتابه "محارب في الصحراء" ـ وإستناداً الى مصدر ذي سلطة واسعة (كما قال)، بأنّ السفيرة "لم تغادر بغداد كي تقضي إجازة ، بل كانت تحمل رسالة من الرئيس العراقي الى الرئيس الأميركي، وكان يفترض بها أن تعود الى بغداد ومعها ردّ الرئيس بوش. لكنّها لم تعد أبداً .

ويقول الأمير أستناداً الى أوثق المصادر ( كما يصف معلوماته ) ـ بأنّ الرسالة العراقية قد تضمنت قول الرئيس العراقي "بأنّني كما تعلم قد حاربت الإيرانيين بنجاح. ولكن الكويتيين والبريطانيين يدفعونني الآن نحو الزاوية، عوضاً عن مكافأتي". وتخاطب الرسالة الرئيس الأميركي بالقول: "أرجو أن تلاحظ أنّ سجلّي النفطي هو سجل نظيف تماماُ. فأنا لم أتصرّف قط تصرّفـاً غير مسؤول عندما يتعلّق الأمر بالنفط ، ولن أتصرّف كذلك أبداً. أنا أريد لحوارنا أن يستمرّ، فأنا الرجل الذي ينبغي أن تقوم بالعمل معه في المنطقة " .

وتبدو "معلومة" الأمير خالد ( ان كانت صحيحة ولم تشكل مسعى سعوديا لتشويه سمعة الرئيس العراقي)، وكأنّها توحي بأنّ الرئيس العراقي، وقد علم من "جلاسبي" بأنّه ليس لدى الولايات المتحدة موقف من النزاع الحدودي، حاول أن يوسّع الموقف الأميركي، عبر صفقة ما مع "بوش"، ليتّسع ذاك الموقف إحتلال كامل الكويت، فلا يقتصر الموقف الأميركي بعدئذٍ على النزاع الحدودي فحسب.

وسواء صدقت "معلومة" الأميـر السعـودي أم لـم تـصـدق، فإنّها في أدنى الحالات قد توحي، إذا صحّت، بأنّ شيئاً ما غامضاً (غير كل ما أعلن) قد طرحته "جلاسبي" على الرئيس صدام، مما إستدعى محاولة من الرئيس العراقي للتوسّع في النقاش. ولكن الإدارة الأميركية، عوضاً عن المضي في الحوار وتزويد العراق بردّها الصارم الرافض للتوسع في النقاش، لزمت الصمت تاركة "صدام" في حيرة. بل وامعانا في الغموض والتضليل، لجأت الى "إخفا" السفيرة الأميركية إخفاء تاماً دام سبعة شهور وثلاثة أسابيع، وكأن الإدارة تخشى أنّ يفرز ظهورها تسرّب معلومات لم ترغب في ظهورها. .

ويقول الكاتب الأميركي "ستيفن غروبارد" (Stephen Graubard) في كتابه "حرب السيد بوش" (MR. BUSH`S WAR)، أنّ " الأخطاء المنسوبة الى السفيرة جلاسبي، ذات الـنيّة الحسنة والخبيرة في الشؤون العربية، لم تكن هي التي إرتكبتها. ولكنّ ذلك تمّ على أعلى المستويات". ويمضي "غروبارد" قائلاً: "كشفت الأحداث عن الكذب وقلّة الأمانة في عرض الرسائل الدبلوماسية والنواحي الإدارية، لوضع تبعة الأخطاء التي إرتكبتها الإدارة ، وإلقائها على السفيرة جلاسبي، وإظهار الأمر على أنّها إرتكبت الأخطاء بمفردها " .

ولكنّ قضية إتّهامها بالفشل، أو تحويلها الى كبش فداء، قد تصبح موضع شكّ نتيجة قيام الرئيس بوش بإستقبالها في البيت الأبيض في الثاني من كانون الثاني 1991، كما ذكر "ودورد " في كتاب "القادة".

ولم تكن عملية إستقبالها في البيت الأبيض هي التي تنفي تهمة " الفشل" عنها، بل كانت طبيعة ذاك الإستـقبال. فهي قد دعيت مع ثلاثة خبراء آخرين متخصّصين في شؤون المنطقة العربية عامة، والعراق خاصة، لحضور إجتماع لأعضاء مجلس الأمن القومي، هدفه إجراء التـقييم الأخير لإحتمالات الحرب (حرب عاصفة الصحراء) التي كانت ستبدأ بعد أيام معدودة (بدأت في الساعات الأولى من السابع عشر من كانون الثاني). وكان من بين الخبراء الثلاثة الآخرين الذين دُعوا الى ذاك الإجتماع، "ولتر لانج" مسؤول الإستخبارات العسكرية عن تلك المنطقة الذي لاحظ تزايد الحشود العراقية على الحدود الكويتية في الساعات التي سبقت تنفيذ الغزو، فأرسل تحذيره الشهير في الأوّل من آب 1990 الى البيت الأبيض والبنتاغون، في محاولة أخيرة لمنع تحقّق الغزو قبل وقوعه .

فإستمرارها اذن في العمل في وزارة الخارجية، ـكما ذكر "ودورد" رغم دورها في حوار ""صدام - جلاسبي"، ثم الإستماع لمشورتها في جلسة هامة لأعضاء مجلس الأمن القومي رئسها بوش الأب وشارك فيها تشيني، تجعلنا نستبعد جديّة إتهامها بالفشل، أو إحتمال كونها قد تصرّفت مع الرئيس العراقي على مسؤوليتها.

وقد ثبت فيما بعد، أنّ "جلاسبي" رغم إختفائها لمدة سبعة شهور وثلاثة أسابيع ـ لم تكن " كبش فداء" حقيقي، بل كانت تشارك يومياً في الدراسات والمناقشات المتعلّقة بالعراق طوال مرحلة الأزمة. كما أنّها لم تلتـقِ بالرئيس بوش لغايات المشورة وإبداء الرأي مرّة واحدة فحسب كما ذكر""وودورد" في كتابه، بل إجتمعت به لهذه الغاية، ثلاث مرات على الأقل، وذلك بإعتراف شخصي صادر عنها .

ففي الواحد والعشرين من آذار 1991، أبلغت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بأنّها منذ مغادرتها لبغداد في 30 تموز 1990، كانت تشارك في رسم أو تنفيذ السياسة الأميركية المتعلّقة بـالعراق ، وأنـّها كانـت تـشارك بـها " ليلاً ونهاراً ". فنحن " لم ننم قط " ـ على حدّ تعبيرها. وعندما سألها السناتور "جيلمان": "وخلال كلّ تلك المدّة، كنت تستشارين بالنسبة للعراق"، ردّت قائلة: " نعم سيّدي" .

وفي معرض ردّها على أسئلة السناتور " أوينز " (OWENS)، التي تعرّضت لذات الموضوع، أوضحت السفيرة بأنّه " كان لديّ حق الوصول [والإطّلاع ] على كافة البرقيات المتبادلة، وكلّ شيء آخر. وكنت أحاول أن أكتب دراسات تحلّل ماذا يجري، وماذا يمكنهم [في وزارة الخارجية ] أن يفعلوا بشأنها، وذلك طوال السبعة شهور الأخيرة التي تمتّعت خلالها بحقّ الوصول الى كلّ شيء، ليس فـقط في وزارة الخارجية، بل في دائرة الدفاع أيضاً، وفي الوكالات الأخرى" ، وربما كانت وكالة "السي أي إيه " من بينها ، استنادا الى عبارتها الواضحة عن امكانية وصولها الى ""كل شيء". وهذا يعني بوضوح لا يكاد يقبل الشك، ان "جلاسبي" قد ساهمت بعد اشعالها فتيل الأزمة مع العراق، في التخطيط أيضا للبناء العسكري الذي يعد لعاصفة الصحراء، بل وساهمت أيضا وأيضا، نتيجة درايتها بالعقلية العراقية، في كيفية أغلاق كل السبل لخروج العراقيين من المأزق الذي يرجح البعض أنها قد قادتهم اليه.

وفي معرض ردّها على ذات السؤال، أكّدت السفيرة بأنّها قد دُعيت، خلال تلك الفترة، للإلتقاء بالرئيس بوش ثلاث مرات، مضيفة بأنه "يمكنني أن أقول أنّه في المناسبات الثلاثة، كانت هناك مراجعات [معمّقة] ودقيقة للسياسة " الأميركية . ولم توضح المقصود بالسياسة الأميركية ومضمونها وحدودها، وان كانت قد تضمنت، ام لم تتضمن، السماح بنهاية سلمية للغزو العراقي من خلال انسحاب عراقي توافقي. ام كانت تلك "السياسة" تقتضي اغلاق الأبواب في وجه كل انسحاب، لتبرير المضي قدما في عاصفة الصحراء الساعية لا لتحرير الكويت، بل لتدمير القوات العراقية والعراق أيضا تمهيدا لخطوات أخرى مبيتة.

وكشف السفير "فلاديمير تيتورينكو" آخر سفراء روسيا في العراق الى حين غزوه عام 2003، أن صدام حسين قد وافق على مبادرة أميركية أرسلت له بواسطة وزير خارجية الاتحاد السوفياتي، تفيد بأن عاصفة الصحراء لن تبدأ اذا سحب العراق قواته من الكويت في السادس عشر من كانون ثاني 1991، أي قبل الشروع بتنفيذ عاصفة الصحراء.

ويقول السفير المذكور في برنامج عنوانه "رحلة في الذاكرة" بثته قبل عدة شهور قناة روسيا اليوم، أن الرئيس العراقي قد بادر فعلا للاستجابة لذاك المقترح، فشرع بسحب فرقتين كاملتين من أفضل فرق الجيش العراقي، مع دباباتهم الروسية T-72التي حملت على شاحنات. وقد عبرت هاتان الفرقتان الحدود الكويتية الى العراق. الا أن الحكومة الأميركية شرعت في اطلاق صواريخها، كما أغارت طائراتها على المواقع العراقية منذ الساعة الثانية بعد منتصف ليل السادس عشر من كانون الثاتي، أي قبل فجر السابع عشر. وكانت الفرقتان المنسحبتان واللتان باتتا الآن داخل الأراضي العراقية، كما كانتا مكشوفتان تماما لعدم احاطتهما بمضادات مقاومة للطائرات لكونهما في حالة انسحاب على عجل مستخدمتان الشاحنات... تعرضتا لاغارات الطائرات الأميركية التي ألحقت بهما خسائر كبيرة، وتسببت بمقتل مئات الجنود المتواجدين على ظهر تلك الشاحنات.



وهكذا قد يبدو تدريجياً، وفي معرض عملية "تشريح" سلوك "جلاسبي"، أنّ دور " كبش الفداء" الذي رسم لها، لم يكن إلاّ عملية "توزيع للأدوار"، مما يدفع للترجيح مرة أخرى، بأنّ شيئاً ما كان يجري فعلا إخفاؤه حول قضيّة سلوك "جلاسبي" .

وما يعزّز ذلك أيضاً، تفاصيل حوارها الطويل مع لجنة الكونجرس. فقد حاولت "جلاسبي" أن تـفسّر للّجنة، مغزى أقوالها لصحيفة نيويورك تايمز، وهو ذاك التصريح الوحيد أو الفريد الذي أدلت به منذ عودتها من بغداد .

فعندما إقتبس النائب "لي هاميلتون " قولها للصحيفة المذكورة بأنّها بصراحة لم تفكّر ولم يفكّر أحد بأنّ العراقيين سوف يأخذون كلّ الكويت"، تدخّلت السفيرة مضيفة "أو أي جزء منها ". ولكنّها إستدركت قائلة: " أنا ربما لم أقل ذلك، قاصدة ذاك الجزء المكمّل أو المفسّر" ، لكن هذا هو ماقصدته " . فالسفيرة قد توقّعت أن تُفهم نواياها، أو يُستوعب مقصدها، دون أن تذكره أو تتفوّه به علناً .

وكشفت السفيرة بأنّ أقوالها " القاصرة " عن الإيضاح لصحيفة نيويورك تايمز، لم تكن هي السابقة الأولى في مجال طرحها للسياسة الدولية. فهي عندما تحادثت مع الرئيس صدام حسين في 25 تموز، قد أدلت أيضاً بأقوال "قاصرة المعنى" ،ولكـنّها ـ- هي نفسها - ظنّتها أو إعتبرتها واضحة ومفهومة تماماً.

فعندما ناقشها أعضاء لجنة الكونجرس عمّا إذا كانت قد أوضحت للرئيس العراقي، بشكل لايقبل أي درجة من الشك، بأنّ الولايات المتحدة لن توافق على إستخدامه القوّة في معالجة أزمة الكويت، أبلغتهم السفيرة بأنّها قد أوضحت بأنّ "سياستنا هي الدفاع عن مصالحنا الحيوية". وفسّرت قولها ذاك بأنّ "صدام حسين الذي هو رجل عاش بالسيف، [لا بدّ أنّه ] إعتقد بأنّنا سنفعل ذلك [ أي الدفاع عن مصالحنا الحيوية ] بالسيف" . فهي إذن تعترف بأنّها لم تذكر تحذيراً واضحاً كهذا، ولكنّها قدّرت أنّ "صدام حسين" قد إستوعب ذاك التحذير تلقائياً دون حاجة الى ذكره. وعلى حدّ قولها، " فهذا هو الأسلوب الذي يعمل به عقله [عقل صدام]. فإن كان أحدهم سيدافع عن مصالحه الحيوية، فإنّه سيقوم بذلك [من وجهة نظر صدام كما تفهمها هي]، مستخدماً الأسطول وسلاح الجوّ والجيش الأميركي" .

ولكن عندما سألها " لي هاميلتون " سؤالاً واضحاً ومباشراً: " هل أبلغت صدام حسين، في مرحلة ما [ من الحديث ]، بأنّك ياسيادة الرئيس، إذا عبرت ذاك الخط الى الكويت، سوف نقوم بقتالك "، ردّت السفيرة قائلة:" لا. أنا لم أقل ذلك. بكل تأكيد لا " .

ولكنّ الإيضاح الأكثر طرافة، كان تفسيرها لما قصدته بعبارتها الشهيرة: "لا موقف لنا من نزاعاتكم العربية - العربية، كخلافكم الحدودي مع الكويت"، وكذلك إيضاحها لقولها بأنّ تلك التعليمات تراعى منذ عام 1960. إذ قالت السفيرة بأنّ "المضمون هنا هو حول أين توضع علامات الحدود. فالقضية في أواخر عام 1960، وأيضاً في عام 1990، كانت: هل لجنة الحدود الثنائية سوف تلتقي على الحدود، وتضع فعلاً علامات في الأرض. فهذا هو ما كنّا نتحدّث عنه " .

فبينما كان النزاع المطروح ـ كما فهمه العالم كلّه ـ هو مطالبة العراق بالأجزاء الشمالية من الكويت بما فيها جزيرتي وربا وبوبيان وحقل نفط الرميلة، وبينما فسّر العديدون قولها ذاك بأنّه إشارة أميركية الى تلك المطالبة العراقية، وفي حين أثار قولها ذاك ضجّة كبرى بسبب غرابته وظهوره للعديدين كإشارة خضراء للعراق، فإنّ "جلاسبي" قد قصدت به فقط حسب إدّعائها في مرحلة لاحقة أثناء إدلائها بشهادتها ، موقف الولايات المتحدة من قضية إجتماع " لجنة الحدود " لوضع علامات الحدود، ليس إلاّ. ولقد توقّعت من الآخرين أن يفهموا قصدها ذاك دون أن تذكره أو توضّحه في حينه وقبل فوات الأوان .


ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة شام بوك
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعات أخرى عديدة.






#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غموض في أقوال السفيرة -جلاسبي- لصدام، والتناقضات في تفسيرها ...
- هل كانت عاصفة الصحراء لتحرير الكويت أم لأسباب أخرى؟
- غموض وراء القرار الروسي بوقف رحلات طائراته المدنية الى مصر
- الأخطاء الاستراتيجية الأميركية والكوارث التي تسببت بها
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها 2 *
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *
- هل تعطل الحرب بالوكالة على الأرض السورية، منجزات مؤتمر فيينا ...
- متى يبق نتانياهو البحصة التي في فمه ويعلن عن مطالبه الحقيقية ...
- هل تخلى صانع الحلم العربي عن الحلم العربي وتوجه نحو الحلم ال ...
- تحذير للمسافرين بالطائرة عبر الأجواء الاسرائيلية: استخدموا ا ...
- مفاجأة المشاركة الأردنية لروسيا في مكافحة الارهاب، قد لا تكو ...
- هل تمنع سلطات اسرائيل الطائرات ألأجنبية من استخدام مراحيضها ...
- نحو انتفاضة فلسطينية على الطراز الجزائري
- هل سقط مخطط اسرائيل باستخدام الربيع العربي لانهاء الحلم الفل ...
- هل أقام في البيت الأبيض يوما ما، رئيس كنيرون.. قيصر روما الذ ...
- جولة في البرجين، وتمثال الحرية، وسور البيت الأبيض، ثم جراند ...
- متى يلتقي القطبان ليقررا كيفية حل النزاعات الدولية قبل انقضا ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لهجمات 11 ايلول 2001، يبقى الغموض حول ...
- تعظيم سلام لميركل، وتعظيم سلام أشد وأقوى للأردن
- عشية لقاء سلمان بأوباما: هل سيكون اغتيال الانسانية أحد الموض ...


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - اختفاء السفيرة جلاسبي، والتخبط في تبرير أسباب اختفائها