أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - عمليات الاعدام الأخيرة، والبحث السعودي عن نصر ما، في ظل مخاوف انقضاء الثروة النفطية















المزيد.....

عمليات الاعدام الأخيرة، والبحث السعودي عن نصر ما، في ظل مخاوف انقضاء الثروة النفطية


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 21:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عمليات الاعدام الأخيرة في السعودية، والتي شملت اعدام 47 محكوما كلهم سعوديون الا أثنين منهم، وبلغ معها وصول عدد أحكام الاعدام التي نفذت في السعودية خلال عام 157 عملية اعدام بما فيها اعدام المفكر السعودي الشيعي "نمر النمر"، مما أثار ضجة كبرى وانتقادا واسعا من جمعيات حقوق الانسان ومنظمات العفو الدولية وغيرها من الجهات بما فيها ايران.
ولكن الموضوعية تفترض بنا أن نذكر بأن ايران أيضا قد نفذت، منذ اندلاع الثورة فيها عام 1979 وحتى الآن، ما يقدر بألف عملية أعدام، وهي اعدامات ووجهت بكثير من الانتقاد أيضا من المجتمع الدولي ومجموعات حقوق الانسان ومنظمات العفو الدولية.

فعمليات الاعدام هذه سواء من قبل السعودية أو ايران، تضع، للأسف، منفذيها، على قدم المساواة مع الدولة الاسلامية التي نفذت هي أيضا مئات، بل آلاف عمليات الاعدام في المناطق التي سيطروا عليها، بل وشملت اعدام الأسرى. وأبرز عمليات الاعدام وأبشعها، تلك التي نفذتها الدولة الاسلامية في معسكر "سبايكر"، عندما قتلت بعملية اعدام جماعية ما قيل بأنه قد بلغ سبعمائة انسان معظمهم من الجنود الشيعة او المسيحيين، أو المنتمين لطوائف أخرى غير اسلامية أو اسلامية ولكن غير سنية الانتماء.

ولا بد من الاعتراف بأنني شخصيا ضد عمليات الاعدام أي كان أسبابها، حتى تلك التي تنفذ عقابا على ارتكاب جرائم عادية فظيعة وبشعة، كعمليات القتل أو الاتجار بالمخدرات التي تستحق أقسى عقاب، على ألا يكون الاعدام واحدا منها.

وقد تكون هذه مناسبة ملائمة للتنويه بموقف العراق، وخصوصا في عهد رئيس وزرائه الجديد حيدر العبادي، ومن قبله الرئيس المتقاعد الآن بسبب المرض "جلال طالباني" الذي أعلن بأنه لن يوقع أبدا على قرار اعدام "طارق عزيز"، رغم رغبات رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي" الذي بدا ميالا لتنفيذ حكم الاعدام فيه، ولم يحل بينه وبين التنفيذ الا امتناع "الطالباني" عن توقيع ذاك القرار، علما بأن العراق في مرحلة سيطرة قوات الاحتلال على العراق، قد نفذت فعلا أحكام اعدام بحق الرئيس الراحل صدام حسين وغيره من الساسة العراقيين السابقين.
فالعراق رغم صدور حكم بالاعدام على المرحوم طارق عزيز، قد استجاب في نهاية المطاف، لدعوات منظمات العفو الدولية وحقوق الانسان، بل ولدعوة بابا الفاتيكان، بعدم تنفيذ حكم الاعدام بطارق عزيز، مقدرين بأن الرجل المسن والمريض، كان سيقضي نحبه بقرار من الخالق، ونتيجة مرضه.

والواقع أن ذلك كان قرارا حكيما من جلال طالباني ومن الرئيس حيدر العبادي. فهذا الرجل الكبير سنا ومقاما - "طارق عزيز"، الذي قضى في السجن اثنتا عشر عاما، كان يشكل صوت الاعتدال والعقلانية في نظام الرئيس صدام.

وقد عرفته أنا عن قرب، والتقيت به أكثر من مرة في جلسات دردشة، بعد أن قرأ مسودة كتابي بعنوان "استراتيجية نهاية المطاف"، وأشر في حواشيه بأكثر من موقع موافقا أو معترضا.. وكانت جل مناقشاتنا الانفرادية، حول ما يخبئه الأميركيون للعراق.

فذالك الرجل كان بحق هو العقل المفكر دائما، والساعي لنزع فتيل الأزمات المفتعلة من قبل الأميركيين. اذ كان المفاوض الفعلي في صفقة الدبلوماسية السرية بين "بوش الأب" وصدام حسين، حيث استطاع اقناع الأميركيين بوقف القتال ضد العراق في الثامن والعشرين من شباط 1991، اذا أرادوا من العراق أن يحول دون سيطرة الخمينيين على بغداد، والوصول بالتالي، الى البحر الأبيض المتوسط، مما يعني أيضا تحقق الحلم القيصري السوفياتي التي تحاذي حدودها حدود الجمهورية الايرانية، بالوصول الى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة.
كما كان المفاوض البارع الذي حال بين مهاجمة الأميركيين للعراق في أوائل عام 1998 بذريعة امتناع العراقيين عن السماح للمفتشين الدوليين بالدخول الى القصور الرئاسية لتفتيشها، لكونها مواقع سيادية وخط عراقي أحمر. فقدم الاقتراح بالسماح لدبلوماسيين من الشرق والغرب بالدخول الى القصور الرئاسية وتفتيشها بأنفسم عوضا عن المفتشين الدوليين المنحازين عادة. وهو ما رفضته الولايات المتحدة، مصرة على أن التفتيش ينبغي أن ينفذه خبراء مختصون، وباشراف" ريتشارد باتلر" رئيس المفتشين، الأسترالي الأصل، لكن الحاصل على الجنسية الأميركية، والمتزوج من أميركية يهودية تحمل جواز سفر اسرائيلي.
وازاء التعنت الأميركي، وحفاظا على فكرة السيأدة العراقية، فاوض "كوفي عنان" - أمين عام الأمم المتحدة، على مدى أربعة أيام، توصل معه بعدها الى اتفاق وسطي في 23 شباط 1998، للسماح للمفتشين الدوليين بالدخول الى القصور الرئاسية وتفتيشها، ولكن بمرافقة فريق آخر مواز من الدبلوماسيين الغربيين والشرقيين، (اقتراحه السابق)، ليقدم المفتشون الدوليون تقريرهم، ويقدم الدبلوماسيون أيضا تقريرهم الانفرادي، فتجري المقارنة بين التقريرين، تقرير المفتشين الذين يتلقون تعليماتهم من " بتلر" - زوج الاسرائيلية، وتقرير الدبلوماسيين الحياديين، مما يتعذر معه ظهور تقرير غير دقيق أو سليم أو منحاز من المفتشين وحدهم (تفصيل تلك الواقعة ترد في كتابي القادم بعنوان "الشرق الأوسط الجديد - سياسات واستراتيجيات").
وانا كنت أتمنى أن تحذو السعودية، بالنسبة لقضية الشيخ "نمر النمر"، حذو العراق بالنسبة لامتناعها عن تنفيذ حكم الاعدام بطارق عزيز، فتمتنع هي أيضا عن تنفيذ حكم الاعدام برجل الدين السعودي الشيعي "نمر النمر"، وأن تخفضه الى السجن المؤبد، مما كان سيجنبها ذاك النقد اللاذع الذي وجه لموقفها المتزمت والمصمم على تنفيذ حكم الاعدام فيه، رغم كل التوسلات والدعوات الخارجية، ومنها دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة.

فابقاؤه في السجن، كان كافيا لتحقيق ما تخشاه من مخاوفها من ذاك الرجل المسن أيضا، والذي ما كان سيعيش طويلا في ظل سجن قاس موحش بعيدا عن أهله وأسرته. فخطوة حكيمة كهذه، كنت ستجنب السعودية ردود الفعل تلك، وما قادت اليه من مهاجمة سفارتها وقنصلياتها في ايران، والتي أدت الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران، ووقف الرحخلات الجوية، بل وانهاء التعاملات التجارية معها، مما سيزيد الموقف تعقيدا وتصعيدا في المنطقة.

ويرى بعض المحللين، أن تنفيذ حكم الاعدام بالشيخ "النمر"، ورفض السعودية تخفيض الحكم الى السجن المؤبد، أو على الأقل اعادة محاكمته أمام محكمة مفتوحة تراعي أصول وقواعد المحاكمات التي تضمن حقوق الدفاع عن المتهم، بل وتضمن أيضا اجراءها بحضور الاعلاميين والمراقبين من كل دول الأرض ... ربما قصد به تصعيد الموقف في المنطقة، بحثا من السعودية عن نصر ما ولو كان ضئيلا، للخروج بماء الوجه بعد الفشل في تحقيق نصر ولو محدود في سوريا، نتيجة تلك الحرب التي أشعلت بدون مبرر، والتي استدرج السعودية الى مستنقعه، "رجب طيب أرودوغان" الساعي الى توسيع حدود بلاده على حساب سوريا والعراق، وليس خوفا من الهلال الشيعي كما روجت تركيا، وأقنعت كل من السعودية وقطر بادعائها ذاك.

فهذا الفشل في الحرب على سوريا، الذي بات واضحا، وتخبط المشاركين فيه، هو ما دفع السعودية لاشعال "عاصفة الحزم" في آذار الماضي. وهي الحرب التي لم تتوقف بعد، وتصر السعودية على مواصلاتها رغم كل محاولات المبعوث الدولي للتوصل الى حل ودي وسلمي لها. وجاء الفشل الأخير مع انفضاض مؤتمر "جنيف" الذي ضم الطرفين دون التوصل الى حل ما. وهو الفشل الذي عززته السعودية مؤخرا، باعلانها تراجعها عن وقف اطلاق النار (التي لم تتوقف على أرض الواقع)، وبالتالي مواصلتها القتال بحثا عن نصر ما يحفظ ماء الوجه لها ولقطر، رغم ملاحظتها التدريجية بأن المستفيد الأكبر في حرب اليمن، هو الحراك الجنوبي تنظيمي القاعدة والدولة الاسلامية.

وهكذا يبدو بأنها قد لجأت باعدامها الشيخ "النمر" الذي وصف من البعض بكونه داعيا سلميا ولم يكن محرضا على الارهاب أو التمرد... الى تصعيد آخر لم يكن هناك ما يبرره، وكان بوسعها تجنبه. وربما كانت بتلك الخطوة، وما تبعها من قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران، تحاول استدراج الموقف الايراني، المتعاطف مع "النمر"، الى تصعيد قد يؤدي الى حرب أخرى ... سعودية ايرانية هذه المرة، لاحراج حليفتها الولايات المتحدة، واجبارها على تفعيل الاتفاقات الدفاعية معها (المعلنة أو غير المعلنة)، ودخولها في الحرب دفاعا عن المملكة، وفي أدنى الحالات...التلكوء الأميركي في خطواتها الساعية لتطبيع العلاقات مع ايران، أو في مساعيها للتوصل لحل سلمي للأزمة السورية، مما سيشكل نصرا، أو بعض النصر، للسعودية ولقطر. ولكن المرجح ألا يستدرج الرئيس "حسن روحاني" المعتدل الى ذاك الشرك، ويمتنع عن الرد عسكريا، او بوسائل أخرى، على السعودية.

ل ما في الأمر، أن تشبث السعودية بانتهاج أسلوب التصعيد، لا يأخذ بالاعتبار امكانيات السعودية المادية المعتمدة على دخلها من النفط. فهي قد عانت في هذا العام من عجز في الميزانية مقداره مائة مليار دولار، جاء على حساب احتيطاتها النقدية، واضطرارها لرفع بعض الدعم عن استهلاك الكهرباء والوقود، اضافة الى وقف مشاريعها لانشاء بنية تحتية في المدن السعودية التي تعاني من اغراق شوارعها بالمياه تعطل الحياة في أيام المطر الشديد. ومن المتوقع أن يتصاعد هذا العجز في السنوات القادمة ليستنفذ، اذا ما أصرت السعودية على نهجها التصعيدي الحالي، لاستنفاذ مجمل احتياطياتها المالية النقدية، آملة بتعويضها بضخ مزيد من النفط من آبارها، واغراق الأسواق العالمية به، مما سيؤدي الى مزيد من الانخفاض في سعر برميل النفط، الذي هبط منذ سلوكها ذاك النهج، من مائة دولار الى أربعين دولارا، وقد يزداد الانخفاض في سعر بميل النفط ليصل قريبا الى عشرين دولارا للبرميل.

وتعتقد السعودية أنها بانتهاجها أسلوب اغراق الأسواق بنفطها مما يؤدي الى انخفاض سعره، انما تمارس ضغوطا على روسيا الاتحادية، التي هي أيضا دولة نفطية، مما سيؤدي، كما تعتقد، الى خسائر كبرى تلحق بروسيا تضطرها الى تخفيف دعمها المقدم لسوريا. ولكن الدكتور ممدوح سلامه، مستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة، يقول في حوار له على قناة "بي بي سي" باللغة العربية، أن هذا الأمر يضر كثيرا بالسعودية أكثر من ضرره لروسيا الاتحادية. فروسيا دولة صناعية ناجحة، وزراعية ناجحة، والنفط لا يشكل الا عشرين الى 25 بالمائة من الدخل الذي يحقق ميزانيتها، في الوقت الذي فيه السعودية، دولة غير صناعية (الا ربما بنسبة خمسة بالمائة)، وهي بالتالي تعاني من الضرر الأكبر. ومن هنا يبدو أن مواصلة الاشتعال في سوريا بتشجيع من السعودية وقطر وتركيا، اضافة الى الحرب في اليمن التي لم تحقق بعد نتائج ملموسة ومؤكدة، وقد لا تحققه في مدى العام القادم أو الذي يليه، سوف يؤدي الى مزيد من شد الأحزمة على البطون في المملكة السعودية.
ولكن هل هذا كل شيء؟ لا بكل تأكيد.
فالسعودية التي تبني كل دراساتها ومخططاتها على وجود النفط في بلادها، قد تكون مخطئة كثيرا في حساباتها تلك. فكميات المخزون النفطي في السعودية، معتمدة على كميات الضخ المعتدلة التي كانت "الأوبك" تحددها سنويا لكل قطر من أعضائها، ومحسوبة في عام 1991، عام الحرب الأميركية على العراق، أي "عاصفة الصحراء"، قد قدرت آنئذ بأنها قادرة على الضخ على مدى 150 عاما. أما الآن وقد انقضى ربع قرن على تلك الحسابات، فقد انخفض كم المخزون النفطي الى 125 عاما. ومع لجوء السعودية الى زيادة كميات نفطها التي تضخ سنويا زيادات كبيرة كوسيلة للضغط على خصومها، فقد انخفض ذاك المخزون كثيرا، وربما لم يبق منه الآن الا مخزون لا يكفي لآكثر من مائة عام. ومع ذلك، فان هذا أيضا ليس كل شيء.

فالحاجة للنفط السعودي مرشحة لأن تتضاءل تدريجيا مع مرور الوقت، خصوصا على ضوء سماح الولايات المتحدة بتصدير نفطها، بعد امتناع عن التصدير دام أربعين عاما، مما بات يطرح النفط الأميركي كمنافس للنفط السعودي، وهذا يعني تضاربا في المصالح بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، خصوصا وأن النفط الأميركي من السهل وصوله للمستهلك الأوروبي، لعدم اضطراره للمرور عبر مضائق كمضيق باب المندب أو مضيق هرمز، المعرضان بين الفترة والأخرى، لمشاكل الاشتعال بفعل أزمات سياسية كما هي الحرب في اليمن، حيث يوجد باب المندب. وليست معرضة للقرصنة، كما حدث في السنوات الماضية للسفن ولناقلات النفط التي تمر قرب سواحل الصومال المضطرب منذ زمن بعيد. والأهم من ذلك، أنها لن تضطر للمرور عبر قناة السويس، ولأن تدفع رسوما عالية مقابل مرورها ذاك، مما يرفع من كلفة مرور النفط عبر القناة، خلافا لما هو الحال عليه في ابحار ناقلات النفط الأميركية عبر المحيطات التي تفصل بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ولكن هذا أيضا، مرة أخرى، ليس كل شيء.

فالاحتياطات النفطية الأميركية، بات يرجح أنها أكثر كثيرا من احتياطات النفط السعودية، قياسا باحتياطات النفط الأميركية التي اعتمد عليها السعوديون في مخططاتهم. واذا كانت السعودية قد اقتنعت بأقوال الجنرال شوارزكوف التي وردت في مذكراته، بقوله أنه قد زار موقعا اميركيا اطلع منه، قبل الشروع بالحرب الأميركية على العراق في عام 1991، بأن احتياطات النفط الأميركية لا تكفي الا لعشر سنوات أخرى، وبعدها يحل "القحط التفطي" في الولايات المتحدة. وبرؤيته تلك، أو اكتشافه ذاك، برر ضرورة الحرب على العراق، لحماية مصادر النفط التي ستظل فاعلة ومتوفرة لمائة وخمسين عاما أخرى في السعودية...جارة العراق. هكذا قدر الجنرال شوارزكوف.

فمن هذا المنطلق، ظهرت نظرية القحط النفطي الأميركي كسبب لتلك الحرب. فقد ثارت من قبل أزمات كبرى هددت مصادر النفط السعودي خاصة، والخليجي عامة، ومنها أزمة حرب 1956 عندما تسببت الحرب باغلاق قناة السويس، الممر الحيوي لناقلات النفط. ومثلها حرب 1967 التي أدت أيضا الى اغلاق قناة السويس. ثم حرب 1973 التي أدت الى القرار السعودي (في عهد الملك فيصل) والايراني، (عندما كان هناك تعاون بين الدولتين)، بحظر تصدير النفط الى الدول الداعمة لاسرائيل في حربها، كأميركا وبعض الدول الأوروبية... ومع ذلك، فان الولايات المتحدة لم تعلن حربا في تلك المراحل والأزمات النفطية المتعددة، لوجود احتياطي نفطي لديها لا يشكل خطرا حالا أو عاجلا على صناعتها، وخصوصا الصناعة العسكرية. أما في عام 1991، عندما تراجع الاحتياطي النفطي الأميركي كثيرا، واقتربت الولايات المتحدة (كما ألمح شوارزكوف في مذكراته) من مرحلة القحط النفطي، فقد بات الأمر مختلفا وموجبا لتلك الحرب. (أقرأ كتابي بعنوان " الشرق الأوط الجديد - سياسات واستراتيجيات" ففيه تفصيل لنظرية القحط النفطي الأميركي كسبب للحرب).
فعلى أرض الواقع، كما ـتبين فيما بعد، كانت هناك آبار كثيرة نفطية أميركية قد تم اكتشافها، ولم تعلن الولايات المتحدة عنها. كما جرى مؤخرا اكتشاف مزيد، بل الكثير من آبار النفط الأميركية. أضف الى ذلك، أن الولايات المتحدة قد اكتشفت منذ عام 2010 امكانية استخراج المواد القابلة للاستخدام كوقود .. من الصخور، وهو ما يسمى بالزيت الصخري. وبما أن كلفة استخراجه لم تزل مرتفعة، وبذا لا يصبح الزيت الصخري قادرا على منافسة النفط السعودي، فانها تشجع السعودية على خوض الحروب، وزيادة ضخ نفطها كخطوة لتخفيض سعر برميل النفط (وهو ما يحصل فعلا على أرض الواقع)، بهدف جعل استخراج الزيت الصخري يتم بكلفة منافسة لسعر برميل النفط السعودي. وللأسف، فان السعودية قد وقعت في الشرك الأميركي، وها هي تمضي قدما في حروبها وفي مساعيها لتخفيض سعر برميل النفط اضرارا بالنفط الروسي، وهي على أرض الواقع، ودون أن تدري، انما تخدم المخطط الأميركي الساعي لجعل كلفة استخراج الزيت الصخري، منافسا لكلفة برميل النفط السعودي. ولكن مرة أخرى، هذا ليس كل شيء.

فالسعودية لا تأخذ بعين الاعتبار احتمالات أخرى كثيرة ومنها: 1) نزوع شركات السيارات الأميركية والغربية لانتاج سيارات لا تعمل بالوقود (أي بالبنزين)،بل بالكهرباء المخزن في البطاريات السائلة، أي سيارات الهايبرد. 2) النزوع المتزايد الى استخدام الطاقة الشمسية كوسيلة لاستخدام الماء الحار المستخدم في الاستحمام والغسول، مما يغعني استخداما أقل للنفط. 3) المساعي العلمية لاستخراج الوقود من مزج مادتي "أثينول" و"باثينول لاستخراج وقود تسير بها السيارات عوضا عن استخدام البنزين، وهو استخراج كان في عام 1991 قادرا على توفير 15 بالمائة من استخدام السيارات للبنزين. ويعتقد بأن النسبة سترتفع قريبا /ع التطوير العلمي، لتصبح حاجة السيارات لاستخدام البنزين (وهو من مشتقات النفط) أقل كثيرا مما هو جار اليوم. وهذا كله يعني أنه في مدى عشرين عاما في أبعد حد، ستصبح معه الحاجة الى النفط السعودي الذي تعول عليه المملكة، أقل وأقل.
فما ينفع السعودية في عمق الرؤيا والتحليل، عندما يتقدم البحث العلمي كثيرا، وتنخفض كلفة انتاج الزيت الصخري، وتتصاعد عمليات تصدير النفط الأميركي المكتشف، هو احتياطها المالي والمقدر الآن بخمسمائة مليار دولار (أنفقت منه في العام الماضي مائة مليار على الحرب). أما اذا انفقت مزيدا منه على الحروب العبثية، فقد تواجه عندئذ "قحطا ماليا" لا ينفع معه كل مخزونها من النفط الي سيبقى عندئ في باطن الأرض ولا حاجة له. فهل يفكر العقلاء من الحكام (وليس شبابها المتهور والمندفع)، في مستقبل الشعب السعودي الذي يعيش بعضا منه في أكواخ من التنك والخشب وغير ذلك من ألأكواخ التي يعيش فيها عدد لا بأس به من سكان ذاك البلد الذي نحبه ونحترم قادته وخصوصا مليكه الذي أرجح بأنه رجل عاقل جدا وحكيم جدا.


ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة شام بوك
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعات أخرى عديدة.






#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانشغال القاعدة وداعش بحروب ضدهما:هل تتولى الذئاب المنفردة ف ...
- أسرار تكشف لأول مرة حول حرب الخليج المسماة بعاصفة الصحراء وم ...
- شرق أوسط جديد أم اتحاد شرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي؟
- غزو العراق عام 2003 ونتائجه الضارة على العراق والعالم.
- لماذا تعلن السعودية التي شاركت بحرب ضد سوريا، ثم اليمن، حربا ...
- مبررات السلطان أردوغان لاسقاط الطائرة الروسية، وخطوات القيصر ...
- تركيا بين اسقاط الطائرة سوخوي لخرقها أجواءها أو حماية لجبهة ...
- هل يشارك بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم لا يش ...
- الموقف السوفياتي المتذبذب بصدد عاصفة الصحراء
- هل تؤثر تفجيرات باريس ايجابيا على مؤتمري فينا وقمة العشرين؟
- اختفاء السفيرة جلاسبي، والتخبط في تبرير أسباب اختفائها
- غموض في أقوال السفيرة -جلاسبي- لصدام، والتناقضات في تفسيرها ...
- هل كانت عاصفة الصحراء لتحرير الكويت أم لأسباب أخرى؟
- غموض وراء القرار الروسي بوقف رحلات طائراته المدنية الى مصر
- الأخطاء الاستراتيجية الأميركية والكوارث التي تسببت بها
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها 2 *
- مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *
- هل تعطل الحرب بالوكالة على الأرض السورية، منجزات مؤتمر فيينا ...
- متى يبق نتانياهو البحصة التي في فمه ويعلن عن مطالبه الحقيقية ...
- هل تخلى صانع الحلم العربي عن الحلم العربي وتوجه نحو الحلم ال ...


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - عمليات الاعدام الأخيرة، والبحث السعودي عن نصر ما، في ظل مخاوف انقضاء الثروة النفطية