أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (95)














المزيد.....

منزلنا الريفي (95)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


المصاصة

الخريف حزين وأسود، ممتقع بالمرارة الكئيبة البادية على ذبابة منكسرة الجناحين. الغابة في بني كرزاز اصفرت وقذفت أوراقها التي راحت تحوم بيأس مرير معانقة السراب. شمس الخريف احتجبت خلف غمام محتشم، وسار يتراجع إلى الخلف فاسحا المجال للأشعة السهامية لكي تقصف الحجر والبشر . على مسافة قريبة من الغابة لاحت الكلاب البائسة والحمير المتناثرة والبشر الجائع، إنهم هم ! هؤلاء الذين باعوا أنفسهم في سوق النخاسة الانتخابي منذ بضعة أيام، واليوم ينتظرون رفقة جحافل من الحمير الرابضة متسولين الدقيق بالقرب من مزرعة الإقطاعي، إنها عادة ترسخت منذ ما يناهز ثلاثة عقود، لن يستطيع منها الشخص فكاكا، قد يتعارك، قد يضرب، قد يتزاحم، قد ينتظر، قد يمرض من هول الحرارة، المهم ألا يضيع كيس الدقيق، لابد من الحصول عليه، كيف يعقل أن فلانا نال كيسا وهو لم ينله ؟؟ ينبغي أن يناله مهما كلف الثمن، بعد ساعات طويلة من الانتظار، أخيرا جاء الفرج، استبشرت الجموع البائسة والمنتظرة . غير أن شخصا يدعى "بهيوف" صعد أعلى الحائط قائلا :" من لم يصوت على فلان لن يحصل على الكيس"، ذعرت الجموع راحت تكذب وتتوسله طالبة منه العفو والرحمة، لا يعقل أن تعود خالية الوفاض قد تموت "بالفقايص"، إن الكيس كيسها، والحمير التي هدتها "النعرة" تعودت على حمله، كما الأطفال البائسون الذين ذبلوا كأوراق تعودوا على أكل خبزه ...لا يعقل !! قد يسيل لعاب النساء، قد يضربن "الرطاوة "، إنه التعلق بالكيس كما يتعلق الطفل "بالمصاصة" . منذ شهر تقريبا تعلقوا بالورقة الزرقاء، تنكروا للجملة القرآنية التي تقول لا تفسدوا في الأرض، وتنكروا للحديث الذي يدين الرشوة، بينما توجهوا زرافات إلى المسجد. هطلت الأمطار، الطرق ظلت موحلة، تعمها برك مائية، والجسر الذي يربط بالطريق تآكل وتكسر . نظرا للعقل القطيعي الذي يقوم على التعلق، وعدم التفكير بعيدا، وعدم إعطاء نفسه قيمة، بل تقبل الإذلال بكل بساطة . لم يطرح أي أي ترسانة من المطالب . إن العقل القطيعي عقل مصاصة، والمصاصة لا يمصها إلا الطفل، والطفل قاصر على التفكير والتجريد، إذن لا يمكن أن يحصل التغيير، لقد أخطأ أفلاطون حينما قال أن التفكير الناضج لا يحصل إلا مع الشيخوخة. في بني كرزاز . في ربوع العالم القروي هناك جماعة من الشيوخ أصيبت بالخرف، إنها تعادي كل تغيير أو إصلاح. فقط يتجمعون في الأعراس من أجل "القص" والتكالب على الشأن العام، أفلاطون الشاب كان يتحاور بكل أريحية مع سقراط الكهل، لكن هذا لا يحصل في بني كرزاز، إن الشيوخ فارغون ذهنيا وطاعنون تفكيرا، لقد بذلوا المستحيل من أجل الإبقاء على ممثل أكثر ما فعل هو أنه لم يفعل شيئاً . في ظل الجو القاتم . والشمس الخريفية المكفهرة ما من سبيل سوى أن يكون المرء نيتشويا يمجد الشباب كونهم المطرقة التي تهدم الأوثان المعششة في الأذهان . والممتهنة لأخلاق الهزيمة والدعاء والركوع. إن المجتمع الذي يهيمن فيه الشيوخ مجتمع مريض. آن لشمس الخريف أن تتحول إلى ربيع، ولجموع التسول أن تصير جموع العصيان والحق، وللرعية أن يصبح إنسانا . المصاصة لا تصنع السياسة المحلية، المصاصة تبيع الأرض وتقتل الشباب وتصنع المتسولين والعبيد والمدجنين وتغسل أوساخ الفاسدين، فالولادة الحقيقية هي التخلي على كيس الإذلال وورقة الإذلال ... ثم تؤسس جمعية بإرادة وإصرار جماعي، لا تقذف الكرة في ملعب كل واحد ...وأن يكون القول مرادفا للفعل . فإما أن يكون المرء أو لا يكون ...لا يمكن القبول بالواقع المتردي، فلتكن ذرة شجاعة ممنوحة قربانا لآلهة الحياة والشباب والربيع، وليرحل الخريف . خريف المصاصات العالقة في أفواه القرويين المفتوحة على الدوام . قد تدخل الذبابة المنكسرة مثلما دخل التهميش والبؤس والتوق إلى الخبز الذي سالت من أجله كيلو ليترات من اللعاب .
ع ع/ 30 سبتمبر 2015/ المغرب .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (94)
- منزلنا الريفي (93)
- منزلنا الريفي (91)
- منزلنا الريفي (92)
- منزلنا الريفي (89)
- منزلنا الريفي (90)
- خواطر على الشاطئ
- منزلنا الريفي (88)
- منزلنا الريفي (87 )
- أفياء كرزاز
- سفيرة عزرائيل
- إعتراض على إنشاء منتجع سياحي خاص للقنص السياحي بأراضي القناص ...
- قتلتك يا جلادي
- حنين إلى جسد عاهرة
- منزلنا الريفي (85)
- اختفت كلماتي
- منزلنا الريفي (84)
- منزلنا الريفي (83)
- متى تعودين يا عشتروت ؟
- منزلنا الريفي (82)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (95)