الدين نصيحة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 7 - 23:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الدين نصيحة

هذه العبارة القصيرة والتي كثيرا ما تتردد على ألسنة الناس بوعي بمضمونها أو أستخدامها على سبيل التثقيف اليومي بمعنوية الدين , لن تجد في تطبيقها الواقعي فهما صحيحا ولا تعبيرا صادقا عن مكنونها المعرفي , فهي تختصر وبشكل كلي وكامل ومحيط فهم الدين لوظيفته الوجودية دون أن يعلق هذا النصح مفعوليته وتحقيق مراده على شيء أخر , الدين نصيحة وبالتالي فهم عنصر إرشادي معرفي عقلي طوعي نفعي خاص وعام يشكل للفرد ضمانة أولية للخلاص من الحيرة حينما تكون الطرق متشعبة والخيارات متنوعة والرؤية ضبابية , الدين نصيحة كونها صفة لفعل الدين وصفة أخرى لفعل المتدين وصفة مشتركة حين يكون المتدين متمسكا بدينه على هذا النحو .
الغريب أن الكثير من الناس من لا تعنيه العبارة إلا حين ينصب نفسه ناصحا بمعنى أنه يصادر حرية الأخر وعقله وإرادته بزعم أنه يمتثل للمقولة , في الوقت الذي يمارس أعتداء صارخ على الدين وعلى الأخر الإنسان , فهو يريد أن يكون ناصح بقراءته الذاتية ووفق منهجه الذي يحمل لنفسه صفة أنه هو الدين وأن الدين هو ,لا يخرج من دائرة الملكية أو الفرض ولا يريد أن يتصور أن الدين هو مفهوم خارجي ومطلق عنه وعن فكرته وعن قراءته وأن مجرد إيمانه بالدين والتعمق في فهم مرادته لا يسمح له أن يكون مالكا لحق النصح ,الموضوع لا يتعلق بنوعية النصيحة ولا بمفهومها المجرد , بل العنوان الأهم هو ماذا يريد أن يفعل لنا الدين في وجودنا ؟ .
الدارس الأجتماعي لمفهوم الدين يتوقف عند فرضية أن كل فكرة أو رؤية في مدارها الأجتماعي سواء أكانت فردية أم جماعية قديمة ومتأصلة أم جديدة طارئة , لها اثر إيجابي أو أنها تحمل أخطار أجتماعية ,إنما هي بالتالي شكل من أشكال المجتمع لوجوده وإنعكاس لما في الذات الأجتماعية أو الفردية من عوامل قبول أو رفض , الدين الذي رافق الإنسان منذ أول خطواته على الأرض ولليوم لم ينفك عن ممارسة الفعل الأجتماعي بقبول شبه عام وشبه ثابت على أنه خيار مستصحب مع وجود الجماعة الإنسانية ,فهو لم يأت طارئا ولا مفروض وفق قوانين إلجائية قهرية وإن كانت بعض الصور الدينية قد تم فرضها بالبدء هكذا ليس لأنها دينية ولكن لأنها لم تجد الفهم الذي يستوعبها بالشكل الذي يسارع بقبولها , الإنسان السوي لا يرفض الدين بشكل عام لكنه يرفض القهر والظلم والإقصاء والسوداوية التي تفرض باسم الدين .
لو تم تطبيق نظرية الدين نصيحة والتي تتجسد مثلا بجملة من الآيات الناصة على هذا المعنى والتي تتمحور في تخيير الإنسان برؤية الدين لموضوع ما أو جملة مواضيع قبال موضوع أو جملة مواضيع تشتبك على القارئ في ضبابية المنهج أو النتيجة كقوله تعالى (إنما أنت منذر ....) (وذكر عسى أن تنفع الذكرى ....) ونص أكثر قدما في توضيح النصيحة الخيارية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ...) إنما يضعنا الدين بطريقه العام دون أن يحملنا إلزامية الأختيار ودون أن يتحمل هو مسئولية النجاح الذاتي أو الفشل , لأن الناصح لا يهمه أصل الفكرة بقدر ما يهمه نتيجة القبول من عدمها , الله لا يريد أن تنجح دوما في الأختيار ولا يريد أن تفشل ولا يقبل الطلب منه أن يكون بديلا لخياراتنا , هو يمنحك وسيلة من ضمن وسائل عدة وأنت ووفقا للتجربة أن تحدد ما هو الخيار المناسب .
لو أخذنا النصيحة بمفهومها اللغوي وأعتمدنا عليه في تحديد مدى قوة النصح في تبيين المسالك والخيارات التي تواجه الإنسان وعكسنا المعنى على مفهوم الدين , نجد أن الدين سيكون وازعا أخلاقيا ونمط أجتماعي يتميز بالفضيلة والخيرية دون أن نسمح لغير دلالات المعنى اللغوي المتعارف عليه أن يحضر في تعريف النصيحة , يحاول البعض وهذا يحصل في الحياة الأجتماعية البشرية غالبا أن يخضع المبادئ الأخلاقية عموما بما فيها الدين والمعرفة لقياسات خاصة توسع وأو تضيق من حدودها طبقا لمصالح الشخص أو المجموعة التي تتولى مسألة النصح ,يرى بعض الأفراد أن مهمة النصيحة ليست فقط حق متبادل بين الناس بل يحوله إلى واجب والواجب إلى فرض والفرض يتم بوسائل الغلبة والإكراه , هنا نخرج مفهوم النصيحة من قيمته الأخلاقية المجردة ليتحول إلى أسلوب قمعي استبدادي يشوه العلاقة الأجتماعية وينسف قاعدة الأختيار والحرية من أصلها .

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل