محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 5002 - 2015 / 12 / 1 - 22:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك ما يشبه الإجماع على أن العلاقات السعودية المصرية يسودها غموض من النوع الذي لا يخدم أياً من طرفيها. كل منهما يقول للآخر ما يود سماعه، ويفعل ما يرى أن يفعله. لماذا هذا الغموض؟ هل السعودية هي السبب في ذلك أم مصر؟... مصر هي السبب. هي من يريد للعلاقة مع السعودية أن تبقى غامضة، قابلة لأن تتسع للموقف ونقيضه. ومرد ذلك إلى دور افتقدته مصر وتحلم باستعادته، لكنها لا تجد إلى ذلك سبيلاً.
هكذا بدأ د. خالد الدخيل مقاله فى "الحياة" الأحد الماضى 29 نوفمبر، تحت عنوان "السعودية ومصر: مصالح مشتركة وسياسات رمادية". والدخيل لمن لايعرفه، أكاديمى سعودى وكاتب، وأستاذ زائر في مؤسسة كارنيجى للسلام بواشنطن، يكتسب أهميته باعتباره واحداً من المحافظين الجدد حول الإدارة السعودية الجديدة، يشكل مع زميله جمال خاشقجى محوراً يبدو مناوئاً للعلاقات المصرية السعودية، وهما أقرب للتصور الأمريكى لمستقبل المنطقة العربية، إذ يرون أن مصلحة السياسة السعودية أن تدور فى الفلك الأمريكى وحلف الناتو، وأن تكون العلاقات السعودية – التركية هى ركيزة السياسات الإقليمية والدولية للمملكة السعودية بديلاً للدور المصرى – السعودى فى الإقليم، أو على الأقل هذا مايرشح من مقالاتهما فى "الحياة اللندنية"، وهما بالتالى يرون أن 30 يونية إنقلاباً وليست ثورة شعبية، ومن هنا تتماهى مواقفهما من مصر مع الرؤية الأمريكية الداعمة للتنظيم الدولى للإخوان، فلايعطيان إهتماماً كافياً لما تواجهه مصر من إرهاب، بل يعتبرانه مشكلة معارضة داخلية للنظام المصرى، لا تهديداً لحدود وكيان وتماسك الدولة.
وسبق لى أن قمت بالرد هنا على مقال له بعنوان "التحول السعودى والقلق المصرى" بنفس الجريدة فى مارس الماضى، حيث جاء فيه أن علاقات السعودية بمصر ليست "شيكا على بياض أو منحة ملكية لاترد" و"أن بعض الإعلام المصري لا يزال رهينة خطاب خمسينات القرن الماضي وستيناته، حيث كانت اللغة النابية، والتهديد المبطن، والضرب تحت الحزام وسيلة يقصد بها الضغط والابتزاز، ويستبطن شعوراً عميقاً بأن الخيار الذي اتخذته الدولة المصرية بعد انقلاب 30 يونيو ربما هو أكثر هشاشة مما يبدو عليه". وهو يرى أيضاً "أن استمرار السعودية في الإبتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة، فتركيا هي إحدى أهم الدول الكبيرة في المنطقة بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ودورها السياسي، إلى جانب كونها عضواً في الناتو ومجموعة العشرين الدولية".
تزامن مقال الدخيل الأخير مع تصريحات رئيس الوزراء التركى داوود أوغلو بمناسبة قمة المناخ المنعقدة حالياً فى باريس، وتصاعد الأمور وتعقدها بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية فوق الأراضى السورية، حيث فاجأ العالم بقوله: "أن تركيا ستبدأ عملية جديدة مع السعودية ودولة أخرى لمكافحة الإرهاب في سوريا وبدعم إقليمي، وأكد أن حدود تركيا مع سوريا هي حدود حلف شمال الأطلسي"، جاء ذلك فى مؤتمر صحفي مشترك الإثنين الماضى مع الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" في بروكسل. ما ينبؤ أن الحلف السعودى – التركى الذى أشار إليه الدخيل من قبل، أصبح حقيقة واقعه وأنه يمارس عملاً سرياً إستراتيجياً يدفع بالتعاون ربما مع أميريكا – دولة أخرى على حد قوله- فى إتجاه تدمير سوريا وربما تفكيكها وتقسيمها بحجة الإصرار على التخلص من بشار الأسد، وهو الأمر الذى يحقق الرؤية التى تصر عليها الولايات المتحدة، ولا يخدم على المدى القصير ولا البعيد إلا السياسات الأمريكية التى تحاول كل طاقتها إعادة رسم خرائط المنطقة بما يحقق المخطط الصهيو أمريكى، ويضرب مخزون القوة العربية لصالح إسرائيل، ويصعد من الحرب الطائفية بين السنة والشيعة فى إطار السباق السعودى الإيرانى على النفوذ الإقليمى.
ولأن الدخيل لاينطلق من رؤية سياسية متماسكه، ينضح مقاله الأخير بالتناقض والتخبط، فيقول لاحقاً مايتصادم مع ماسرده من أفكار سابقة، إذ يردف فى مقاله الأخير قائلاً: "إن السعودية وقفت مع مصر قبل إنقلاب 2013 وبعده، إنطلاقاً من إدراك عميق لخطورة إضطراب الأمن في مصر بعد إنهيار العراق وسورية". و"أن مصر تريد المساعدات المالية السعودية والخليجية، لكنها لا تريد أن يكون لهذا ثمن عليها أن تدفعه ضمن معادلة المصالح العربية المتبادلة". وكأنه يريد رهن الدور المصرى ومقايضته بالمساعدات التى رآها فى مقال سابق "ليست شيك على بياض أو منحة ملكية لاترد" وكأنه مخطئاً يحول المواقف الإستراتيجية السعودية المنطلقة من مصالح عروبية مشتركة، إلى مراب يريد اقتناص مقابل عطائه على غرار "تاجر البندقية" شيلوك المرابى فى مسرحية وليام شيكسبير، وليس هكذا تدار سياسات الدول وتعاونها، إذ المصالح العربية المشتركة لاتحتم أن تتحول السياسات المصرية ورؤيتها رهناً لما تراه السعودية، حتى لو كانت رؤيتها متأثرة بما تراه الولايات المتحدة الأمريكية، وهى بالضرورة ليست فى صالح المنطقة العربية، ولعلها مشغولة بتنامى الأطماع الإيرانية فى الإقليم، وهى أمور تحتاج لمناقشة موضوعية شفافة ومصارحة مصرية سعودية تأخذ التحديات كما تعتبر للفرص والممكن والمتاح.
أن يصرالدخيل على مقولة "الإنقلاب" فهو نوع من السخف تجاوزه الظرف العالمى، وإعادة تكراره لاتخدم العلاقات المصرية السعودية، التى يصر الدخيل وأمثاله على اللعب قى قواعدها ومتانة أصولها بذكر مثل ماجاء فى مقاله: " أن مصر تخشى، وهي في وضعها السياسي والاقتصادي الصعب الآن، أن التوصل إلى رؤية مشتركة مع الرياض والذهاب في التعاون معها إلى أقصى مدى قد يصب في صالح إعتراف إقليمي بتبلور قيادة سعودية للمنطقة على حسابها". فليس هذا موقف مصر من الأشقاء، وهو موقف لايقبل المزايدة، كما دورها كقوة إقليمية ودولية لها اعتبارها، رغم سخف ماكتبه الدخيل حين يقول: "لم تعد مصر في مقدم المنطقة، لا في الإقتصاد ولا في السياسة، ولا حتى في التنمية والعلم. عصر عمالقة مصر بالمعايير المصرية إنتهى". وهو كلام لايصمد أمام الموقف السعودى الواضح حين وقع الأمير محمد بن سلمان إعلان القاهرة مع الرئيس السيسى فى 30 يوليو الماضى، وحين تجاوزت مصر عن تعليق مشروع القوة العربية المشتركة، حرصاً على العلاقة مع السعودية، وهو مادعاها أيضاً لعدم الدخول فى حوار مباشر مع إيران لصالح المنطقة، رغم إلحاح إيران على إستعادة العلاقات مع مصر. ولعلى ممن طالبوا مصر بفتح هذا الملف، وبإعلان موقف واضح من تفكيك سوريا، والضغط على العالم للنظر إلى إرهاب داعش على حدودنا الغربية ولايكون محور إهتمامهم داعش فى سوريا فقط.
التحرك المصرى العاجل حيال هذه "السياسات الرمادية" المدعاة فى ظل المشهد الدولى المرتبك، ربما أسكت أصواتاً مثل الدخيل وخاشقجى المرتبطان بالمراكز الأمريكية، التى تلعب طوال الوقت على تخريب العلاقات المصرية السعودية. وفى تقديرى أنهم لن ينجحوا فى ذلك، شريطة أن تلعب مصر كل أوراقها الإستراتيجية، وأن تتخلى عن حساسيتها المفرطة فى علاقاتها العربية والإقليمية وربما الدولية.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟