|
راوية ... حلم شباب الهزيمة
الرفيق طه
الحوار المتمدن-العدد: 4997 - 2015 / 11 / 26 - 07:03
المحور:
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
راوية ... حلم شباب الهزيمة
منذ نعومة الاظافر و راوية تنال اعجاب العامة و الخاصة . فتاة نجيبة من اب طبيب و ام في القطاع البنكي . تكبر اخاها حسام بسنوات عدة . مشاركاتها في الانشطة الفنية المدرسية جعلت كل التخمينات حول مستقبلها تتضارب . هل ستمتهن الموسيقى و الغناء خاصة و انها تدرس السولفيج في المعهد الموسيقي ، ام ممثلة مسرحية حيث تلعب ادوارا مهمة في مسرحيات نالت فيها اعجاب الجمهور . او قد تصبح بطلة اولمبية في رياضة ما لان اساتذة الرياضة في الثانوية يتنبؤون لها بمستقبل مشرف في الميدان . ام راوية ترفض الخوض في مثل هذا الحديث و تقطع كل الشكوك بقولها ان الفتاة لن تمتهن الا منصبا علميا تتأهل له بقدراتها العلمية و ليس بهوايات تمارس في الوقت الثالث . و رغم ان الاب لا يتدخل في هذا الشأن الا انه مصمم على ان تهتم بنته بدراستها الاكاديمية و مستواها العلمي خاصة ان مؤهلاتها في استيعاب الدروس و قدراتها الابداعية في حل الغاز تعترضها في الدراسة تسمح لها بان تختار مسار العباقرة و العليين في العلوم و الفكر . فتاة متميزة وسط اقرانها و زملائها في الدراسة و التنشيط و الرياضة بابتسامتها الدائمة و سلميتها في التعامل و التفاعل و صمتها المسترسل و زكاؤها في الاخذ و العطاء و رد الفعل . لينة و طيعة ، لطيفة و وديعة . ما يزيد من اعجاب الناس بها جمالها الاخاذ و انوثتها المبهرة . من يراها بملابس رياضية تعانق الريح بشعرها الذهبي كالغزلان . و في المدرسة بالوزرة كحمامة بيضاء ترفرف بجناحيها في السماء. اما في الاعراس و المناسبات حين ترتدي زينتها فانها تملك قلوب العشاق . في سنتها الثامنة عشرة و بعد ايام على حصولها على شهادة الباكالوريا زارتها مع وفد من الصديقات لتهنئتها فتاة تسمى زهرة . بعد تبليغ التهنئة اصرت زهرة على راوية ان تلتقيها في موعد تختاره هذه . لذلك تبادلت الفتاتان ارقام هاتفيهما . زهرة كانت زميلة راوية في الدراسة في السنتين الاوليتين من الاعدادي . كانت معروفة بمراهقتها الشادة و عنفوانها . كانت جرءتها قوية جدا . لم تكن راوية و لا احد من زميلاتها يعتقد ان زهرة ستعود لهذا الهدوء و الوداعة التي تتميز بها الان . لم تكن تهتم بالدراسة و لا تنشغل الا بالتدخين و ربط العلاقات المشكوك فيها . كما كانت تحكي عن مغامراتها مع بعض اساتذتها و في بعض الاحيان مع رجال سلطة كبار بل و حتى مع شيوخ و فقهاء . كان الكثير مما تحكيه مثير للسخرية لكن الواضح انها قادرة على صنع المستحيل لاخضاع ضحاياها . لكن زهرة و بعد سنة من الغياب عن الحي و المدينة عادت فتاة اخرى تحمل من علامات النضج و الرشد الكثير . تغيرت نظرتها للاشياء . عاد مظهرها اكثر حشمة . كلامها و حديثها خلا من كل الكلمات المشينة . كثيرة الصمت و اذا تكلمت اختصرت و تدعو للتسامح و الغفران . تغيرت زهرة من دائمة الانفعال الى ابدية الوداعة . تلقت راوية مكالمات هاتفية عدة من زهرة طيلة العطلة الصيفية . كانت الفتاتان تتبادلان التحايا و كانت راوية تحكي عن جمالية الحياة التي تعيشها في الاصطياف و المدن التي تزورها رفقة اسرتها الصغيرة . و قد كانت تشعر بالارتياح لردود زهرة التي تكون هادئة و معبرة عن رضاها لذلك . خاصة ان راوية تعرف عن زهرة حبها للمغامرات . صدفة التقت الفتاتان قرب الكنسيرفاتوار الذي تتلقى فيه راوية دروسها الموسيقية . كانت راوية بلباسها العادي الذي و شعرها الطليق . اما زهرة فقد كانت ملفوفة في ثوب لا يسمح بظهور اي من ملامح من بداخله عدا الوجه الانثوي الرشيق . بعد التحية و تبادل القبلات سألت زهرة راوية من اين اتت . قالت راوية من الكنسيرفاتوار . قالت زهرة و انا كذلك . بابتسامة و تعجب قالت راوية انت معي في نفس الكنسيرفاتوار و لم التقيك ؟! قالت زهرة ليس نفسه و لكن الذي ارتاده انا متميز . تعجبت راوية من قول صديقتها و هي التي اختارت ارقى الكنسيرفاتوارات في المدينة !. قالت زهرة حين تخرجين من الكنسيرفاتوار يا راوية تتخلصين من طاقات الشؤم و تتشبعين بطاقات الفرح . قالت راوية : طبعا . قالت زهرة : و ما بالك ان تخلصت من كمية اكبر من الطاقات الفاسدة دون ازعاج الاخرين باصوات قد لا يقبلونها او تكون سببا في ضياعهم . قالت راوية : اوضحي كلامك يا زهرة ، فقد اثرت رغبتي في المعرفة . قالت زهرة :ان كان ذلك حقا لنلتق يوم الجمعة المقبل في الظهيرة و تكتشفين بنفسك . يوم الجمعة التقت الفتاتان و اتجهتا معا الى بيت بالمدينة القديمة . كان بيتا نظيفا و هادئا و يعمه الصمت . اثاثه قيم و منظم ، زرابي و مخدات . نوافذه محكمة و ستائره معتمة . باب مدخله دائم الاغلاق . لا يدقه احد و لا يفتح الا بمواعيد مسبقة . بغرفة متوسطة المساحة ،جلست راوية الى جانب ست فتيات متقاربات في السن و حتى الملامح . جلست زهرة على مخدة و اتكأت على اخرى . افتتحت المجلس بآيات و احاديث دينية . انطلقت عملية التعارف بذكر الاسم الشخصي منسوب لوالده . الا اثنتين من الحاضرات نسبتا لابنيهما(ام فلان و ام علان ) . كانت زهرة الآمر و الناهي في الجلسة . قدمت دروسا ملخصة في الارشاد و الموعظة العقائدية . و في خارج الغرفة فتاة لا تقل عن الاخريات سنا ترتدي ملابس اقل حشمة اتت بالبخور الذي عم دخانه المكان و رشت الطيب على كل الحاضرات لتقدم لكل واحدة منهن حلوى و حبتين من الثمر . بعد هنيهة اطلقت زهرة صوتا من جهاز لشيخ يذكر الاخوات بمسؤولياتهن في الحياة امام اخوانهن و ابائهن و ازواجهن و امام شيوخهن بالخصوص . بعد ذلك قالت زهرة كلمة ختامية عبارة عن دعوات للاخوات بكل ما هو جميل . انفض الجمع و خرجت زهرة و الى جانبها راوية . ودعت احداهن الاخرى متعاقدتين العزم على الاستمرار في التواصل . دخلت راوية غرفتها كطائر منكسر الجناحين . لم تكلم احدا في البيت و لم تهتم بما يجري . ممددة على سريرها تعيد شريط تلك الساعات التي عاشتها بين الاخوات في هدوء و انضباط ، بعيدا عن الضجيج الذي تعرفه في ساحات الرياضة او قاعات الموسيقى و حتى بين جدران قاعات التدريس في المدرسة و المعهد الجامعي . أحست بغيرة لا تطاق من زهرة التي اصبحت محدثة بعد ان عرفتها في الاعدادي تلميذة كسولة مشاكسة قبيحة الفعل و القول . لا يمكن ان تنتقل بهذه السرعة الى هذا المستوى من النضج لو لم يكن اختيارها هذا صائبا . بدأ الندم يسري في خوالج راوية عن ما مر من حياتها بين الدروس و الغناء و الرياضة في اختلاط بين الذكور و الاناث كالقطيع ، كما عبرت عن ذلك محدثتهم زهرة . و كل ذلك لهو لن تكون له فائدة على الناس و يقلل من الايمان و العودة الى طريق الحق . استعادت راوية تلك الاريحية التي تتفاعل بها الاخوات في ذلك البيت الهادئ ، المنظم و النظيف . تملكتها رغبة العودة لاستنشاق ادخنة البخور الطيبة التي جعلتها تشعر باسترخاء و استعداد للانصات لما تقوله المحدثة زهرة بامعان . كلما مضى وقت عن تجربتها الاولى في مجلس الاخوات الا و زادت شغفا للحضور بينهن . اصبحت تتملكها آمال ان تنضج و تظهر رشدها بين الناس بتغيير لباسها و بلوغ مستوى تحدث فيه الناس و هم ينسطون ، مستوى تعطي فيه الموعظة و ترشد فيه لما يرضي خالقها و تكفر عما فاتها في الضلال . الرغبة في ان تصبح عضوة فاعلة في المجموعة كما هي زهرة تتملك راوية . هاجس القيادة يسيطر على احلامها . على السجاد قرب سريرها تجلس كما جلست زهرة امام الاخوات و تجسد الدور ، تختار الكلمات و الحركات . تحاول ان تجعل من تقاسيم الوجه وسيلة اثارة . كلما سدل الثوب على الوجه سحبته الى الاذنين و دفعت معه شعيرات متمردة نافرة على اوامر الحجاب . حركة الاصبع و اليد تتغير حسب مضمون الكلمة و العبارة . كل ذلك يجعل الاخوات يتابعن باهتمام اقوال الاخت المحاضرة . و كأن بفراغ في دواخل راوية امتلأ . تتخيل الناس جميعا يتكلمون عنها ، مؤمنة مخلصة طيبة محبوبة . تنتظر لقاء جدتها التي ترفض كل لباس ترتديه و تقول لها "لا شيء يرضيني و يرضي الرب فيك غير جلباب يستر عورتك يا بنيتي" . "ماذا ستقول اذا رأتني جدتي محجبة و لا يظهر من جسدي شيء غير وجهي".هكذا تحدث راوية نفسها . "كنت ارقص في الاعراس و أخرس في المآتم . لكن اليوم سألقي دروس الموعظة حسب كل مناسبة . نعم ستستمع لي كل النساء . جميعهن يشعرن برغبة في الموعظة و العودة الى دين الرب الاعلى . فقط هوس الشيطان يتغلب . سانتصر عليه و اعمم ما تعلمت عن هذا الدين الابي ." هكذا اصبحت راوية مهووسة و موسوسة باختيارها الجديد . تكررت مجالس الموعظة و بقيت راوية تتلقى في كل يوم درسا و زهرة في محل الشيخ على المنبر و أميرة المجلس . و البخور يعم المكان و العطر يرش على الاخوات بلا حساب . في كل يوم تشعر الاخوات بالرغبة في استنشاق البخور و العطر اكثر ما يرغبن في الاستماع للدروس . باستنشاق العطر و الدخان يصبح صوت الاخت المحاضرة جميلا و ما تقوله مثيرا . في نهاية الاسبوع الاول كانت الاخوات على موعد مع مأدبة تسمى العشوية ، و خلالها تعيش الاخوات طقوسا تسمى الخلوة الجماعية المقدسة . بعد الاكل و الشرب تتباعد الاخوات الواحدة عن الاخرى . تنطفئ كل الانوار . يصبح المكان دامسا لا تسمع فيه غير الانفاس . صوت نسائي مؤثريطلب من الاخوات التفكير ماهيتهن و لماذا خلقن و ما دورهن . في لحظة و دون سابق انذار ينقشع شعاع نور احمر يظهر ثم يغيب . لا صوت يعلو على انفاس الاخوات . بعد قليل تمزق الصمت بصوت شيخ يتحدث عن الموت و الكفن و الوداع و حفرة القبر و احكام اغلاقه و عودة الاهل الى الديار و بقاء الميت وحيدا في خلوته . ليلته الاولى في ضيق القبر ثم السؤال .... حكاية و اسئلة تصدر من خطيب تتلقفها آذان الاخوات كالصواعق على الرؤوس . الظلام الدامس يشعر المستمع و كأنه في قبر حقيقي . من هو ربك ؟ من نبيك ؟ لماذا تخلفت عن دعوة شيخك ؟ ماذا فعلت بيديك برجليك و بلسانك بعينيك . من انت اليوم امام ربك . اسئلة تتناسل من لسان الشيخ كبركان ثائر لهيبه يداهم المحاصرين بين الجبال . كلما تنهدت الواحدة من الاخوات استنشقت اكبر كمية من دخان البخور . و في كل لحظة يسمع صياح احداهن اصيبت بالصرع . لا تعرف الواحدة مصير الاخرى لانهن يطعن امرا بعدم التحرك او تغيير المكان مهما وقع و مهما سمعن او رأين . يتبع سي محمد طه 25/11/2015
#الرفيق_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار العيون ---الحلقة العاشرة
-
حرية و سعيد -الجزء الاول
-
بكارة شرف و انوثة عائشة الجزء الرابع
-
بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثالث )
-
بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثاني )
-
بكارة شرف و انوثة عائشة
-
التالية ...
-
الجزيرة تتخلى عن الاخوان و تشفع للشيطان
-
خيتي نانا ...
-
حادة ...و اخواتها
-
- داعش - و - ديفس - وجه البربرية السادية الحديثة
-
عايدة ... الظلم ارث
-
حوار العيون الحلقة التاسعة
-
كارثة بوركون كاشفة عرائنا
-
حوار العيون الحلقة الثامنة
-
حوار العيون الحلقة السابعة
-
اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
-
ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
-
توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
-
حوار العيون الحلقة السادسة
المزيد.....
-
وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني -
...
-
-لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق
...
-
أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
-
شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر
...
-
قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل
...
-
وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال
...
-
أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا
...
-
آلهة الحرب
المزيد.....
-
الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي
/ حسقيل قوجمان
-
ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية
/ صالح الطائي
المزيد.....
|