|
بكارة شرف و انوثة عائشة الجزء الرابع
الرفيق طه
الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 21:29
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
تداخل الزمان في المكان و تشابه الكون و العدم ، و اختلط الحب بالالم . كل العالم تركز هنا و في هذه اللحظة . لم يعد هنا شيء غيرهما على الارض و السماء . و سرعان ما نزل منطادهما دون ربان ، وحدها الاحاسيس قادته الى حيث عاد . وجد الواحد منهما نفسه وحده امام عشيقه . احست عائشة في منصف بذكورة الرجال و رجولة الذكور كما لمس منصف في عائشة انوثة النساء و انسانية الانوثة استعاد ابو عائشة شهامته بين الرجال ، و استعادت الزاهية احترامها بين النساء . اما مي رقية فقد انتصرت على الذين يكذبون ثقتها في براءة عائشة . عائشة التي لم تقاوم فرحتها حين قبلت يد ابيها و اجابها ب " يرضي عليك يا بنيتي " . رفعت عياناها تنظر لوجه ابيها غير مصدقة اذنيها و ما سمعت . اكتشفت انه يبتسم بصدق و ان قوله صادر من اعماقه . منذ سنوات لم تلتفت عيناه لها ، و لم ينطق بحرف لها . و اليوم يضع يده على كتفها و يدعو لها بالرضى !!! . لم تذكر في اي لحظة ارتمت بين احضانه و دموعها تنهمر على وجنتيها و تبلل ملابسه على صدره . تبكي فرحا و تنسط لنبض قلب ابيها الذي عاد من حيث لم تعلم اين غاب منذ سنين . بصوت مبحوح و بغيظ اللظى المشتعل في اعماقه يقول ، و شعرها يلف يديه و جزءا من وجهه ، ظلموك يا ابنتي و ظلموني فيك ، انت النقية العفيفة . دموع الاب تبلل شعر عائشة ، تحس بها تسقط على قفى عنقها باردة . رفعت وجهها نحوه و عيناها غارقتان في الدموع و قالت "انا ابنتك يا ابي ، انا ابنتك " . عائشة تفور حرارة بين احضان ابيها و العرق بللها كاملة و هو يجيبها " انت كبدي ، انت قلبي ، انت وحدك في كفة و الدنيا كلها في كفة ، حقك علي و ذنبي لا يكفره الا غفرانك يا عائشة " . الفتاة ترتخي بين يدي الاب . عائشة في غيبوبة تامة . الشعر الاسود الطويل غطى عنقها و جزءا من وجهها . وجنتيها الورديتين تبللت بالدموع و التصقت عليها شعيرات . العرق يبلل ملابسها و حرارة جسدها ارتفعت . بعد لحظت صاحت باعلى صوتها " انا مظلومة ، انا مظلومة ، انا بريئة ، " ، نوبة من الصراخ و الاهات . عائشة الصامتة الوديعة التي تبكي و تصرخ و تندب . الكل يهرول تجاه عائشة ، هرج و مرج حول الاب و ابنته . بعضهم يضع المفاتيح في يدها و الاخر يعصر البصل على انفها و هي مرتخية و في غيبوبة تامة ، اما رقية فقد اتت بالجمر و البخور و تعاويذها المبهمة لا تتوقف . اما الزاهية فقد عجنت الحناء و تمسح بها عرق عائشة و هي تولول لحظ ابنتها . في لحظة دخل منصف رزينا كعادته . وضع يده في يد عائشة و شابك اصابعهما . اخذ يلامس صدرها ، نزع المفاتيح من يدها و رمى بها بعيدا . في لحظة فتحت عيناها و ابتسمت . قال كل المتابعين قالوا ها هي استيقظت .لكنها عادت لغيبوبتها ثانية . قال احدهم من ياتينا بالفقيه يقرا عليها ، و قال اخر اتوا ببخور السودان لابعاد الشياطين . لكن منصف رفض كل هذا و قال لهم اتركوها تتنفس و ستعود ليقظتها بعد قليل ، انها حالة عادية . بعد حين بدات عائشة تتنفس بعمق . يسالها منصف و تجيب دون ان تفتح عينيها . حوار طويل بين الزوجين كحوار بين الطبيب و المريض. مضمون كلام عائشة حبها لابيها . لما احس منصف انها اقتربت من اليقظة امر الكل بالانصراف و ان يتركوه وحده مع زوجته . فتحت عينيها و نظرت في وجه منصف مليا و هي تبتسم و قالت " اين بابا ؟" . قبل ان يجيب منصف ارتمى الاب على ابنته محتضنا اياها " ها انا يا بنيتي " . ابتسمت و قبلت يداه و وجهه ، وضعت خدها الايسر على على كف ابيها ومتكاة على ركبته و هي تقبض بيدها على يد منصف . احست بالارتياح و ارتخاء في العضلات . الزاهية جالسة القرفصاء تعد المرارة التي عانتها مع عائشة ، و تقول ان ابنتها لا حظ لها ، و ان يدا ما هي سبب ماساتها . اما مي رقية فتشعر بحرقة و الم لان الفتاة بين الاب و الزوج . و تمنت لو تركوها وحدها وسط النساء و سيرى الجميع قدرتها على معالجة كل الافات . . بعد هنيهة طلب منصف من عائشة الانتقال من غرفة الضيوف .سارت متكاة على كتفي ابيها و منصف نحو غرف نومها . قبل دخول الغرفة سمع صوت مي رقية تهرول و تقول " عملوها ابناء الحرام ، سحرهم ابليسي ، لن يهدا لي بال حتى تتعافى ابنتي عائشة و تنجب الرجال " . قال لها منصف اهدئي يامي رقية ليس هناك سحر و لا شيء . عائشة ارتاحت ، ارتاحت . منذ تلك اللحظة و عائشة تشعر تلك النوبة هي انتقال من حال الياس و الحزن الى الفرح و الامال، و ان زواجها من منصف اعاد لها انسانيتها و كرامتها، كما احس منصف بلذة حبه لاجمل لاجمل فتاة بالقرية . اما ابو عائشة فكلما نظر لابنته مبتسمة مبتهجة و جميلة كلما احس و كانه ولد من جديد . جرت الدماء حارة في عروقه ، منذ زمان لم يشعر بالوهج الذي يحسه . الان قوة خارقة تسكنه ويسكنها . شباب عاد شمسا ساطعة بعد افول عمر طويلا . هكذا شعر او بالاحرى هكذا احس وعاش ويعيش لحظات الانتصار . عاد اخيرا موسم الفرح . ايتها العصافير زقزقي و غردي ليس هناك مايخيفك . انتهى موسم العتمة وزمن خفافيش الظلام ، جاء الربيع اخيرا . صحيح انه جاء متاخرا بعد سنوات من الضياع و الغبن و الخوف . هكذا هو ابو عائشة الان ، هكذا اصبح ، بعث من جديد . حتى جواده الذي ورثه عن ابيه ، والذي يعتبر مفخرة العائلة ، نسيه او تناساه . اليوم فقط تصالح مع نفسه ومع اشياء كانت تؤنسه . اصدقاء كثر لم يزرهم منذ زمن بعيد . بعد اليوم لن تقرع طبول الحزن و لن تجف ينابع الفرح ، ستسيل وديانا و انهارا و تعيد الحياة للحياة .ابو عائشة يتذوق لذة الانتصار على شماتة الشامتين . حتى بعض الاصدقاء و المقربين كانوا يستعرون منه ، يهربون منه ، و يفتعلوا لذلك الاسباب ويختلقوا الاعذار . كان في نظرهم عارا و وباء . و البعض نصحه بشكل غير مباشر بالرحيل لارض الله الواسعة . اليوم يتوددون له لعله ينس اقاويلهم . حلق دقنه ولبس جلبابه الابيض و برنوسه الاسود الثمين و وضع على راسه . اصبح كالراقص رشاقة ، و كالعريس اناقة . استيقظ باكرا وتناول فطوره و بجانبه الزاهية . هي الزاهية التي كادت تطير فرحا هذا الصباح . اعوام من الغبن عاشتها كزوجة . فقدت فيها حقوقها كزوجة لابا عائشة .كان يقاطعها قولا و فعلا . ا لليلة الفائتة فقط استرجعت حقها الطبيعي . استيقظت الزاهية با كرا و اغتسلت و كحلت عينيها ، بدت وكانها ابنة العشرين . كانت تتابع مشاغل زوجها من تهيئ الفطور و احضار ملابسه البيضاء . اليوم سيركب جواده ويضع العمامة على راسه . " اليوم فقط يحق لي ان اركب الجواد واضع العمامة واسرح وامرح في الارض . اليوم فقط يحق لي ان ارفع راسي عاليا بين القبائل اليوم فقط يحق لي ان اذهب للسوق كبقية الخلق والتقي الناس" .كان ابو عائشة يخاطب الزاهية زوجته وكانه يحدث نفسه . ابحار في الذات ، غوص في الاعماق بحثا عن المحار والمرجان . اغرورقت عيني الزاهية دموعا وفاضت في ارجاء المنزل فاخضرت الارض وانصرمت السنوات العجاف . وضع السرج المرصع على فرسه الذي لا يركبه احد سواه . سار يتجول بين القرى و القبائل . يزور اصدقاءه الذين قاطعهم منذ زمن دون داع . طاف الضفة اليمنى للواد هبوطا و جال ضفته اليسرى صعودا . قال احدهم ان ابا عائشة في عز شهامته التي استعادها بعدما ضاعت منه . و قال اخرون ان قبيلة يوسف مرغت وجه ابو عائشة في الطين و هاهو اليوم غسله و عاد قويا كما كان بل انه يظهر اليوم اقوى . و علق اخرون ان ابا عائشة اصبح كالذي خرج من السجن و نصب ملكا على اهله ، كيف لا و قد نفض الظلم عنه و عن بنته و اهله و راح يصول و يجول بين القبائل التي استقبلته كما يستقبل الوجهاء . كان مولوعا بقول الشعر و الغناء . الاعراس التي لم يحضرها ابو عائشة لا طعم للفرح فيها . و كذلك كانت كل الاعراس منذ سنوات . حاول الكثير ممن ينتسبون للغناء البدوي اداء اغانيه و اشعاره لكنهم لم يفلحوا . اذا غنى ابو عائشة في عمق الليل تنسط له كل الاحياء . حتى العصافير ترتعد في اعشاشها من شدة الشدى . اما النسوة فيتاسابقن بزغاريدهن لرد صدى الحانه و عمق اشعاره . على جواده و بباب كل قرية كان يرفع صوته عاليا بمواويله الشجية و يختم صيحاته بتفجير البارود من كابوسه . يخرج الرجال و النساء و الاطفال مهللين به فرحا . الرجال يقولون " مرحبا مرحبا بسيد الناس ابو عائشة " و يجيبهم هو لم يعد اسمها " عائشة " ، انا اليوم جئت لاذبح كبشا لاعيد تسميتها ب " العذراء " . و في جو الفرح وسط زغاريد النساء و ترحيب الرجال يترجل ابو عائشة جواده و ينحر كبشا ، غالبا ما يكون هدية من احد اصدقائه ، و يدعو القبيلة لوجبة عرس جديد . سينايو يعيده ابو عائشة او ابو العذراء كما اصبح يلقب نفسه بباب كل قرية و دوار بدون كلل و لا ملل و هو ملء سعادته . في السوق الاسبوعي لم يترك ركنا و لا مجموعة من الناس لم يسلم عليهم بابتسامته العريضة . كانت فرحته بادية ، كان كالطفل يوم العيد . كان يود لو صعد لاعلى بناية في السوق و صاح في الناس " عائشة عذراء " " عائشة عفيفة ابنة العفيفة " . لما عاد من السوق محملا بجوده و زاده استقبلته الزاهية مسرورة بهياته و شموخه ، و قالت له " كنت اقول لك ان رحمي لا تنجب الا من يرفع من شهامتك يا ابو عائشة " . اجابها بابتسامته العريضة " رضى الوالدين كانت معي ، و جدي كان يدعو لي و يقول ان سلالتنا لا تنجب الا الصالحين و الصالحات ". و انت يام العذراء تاج على راسي لن اضعه الا اذا وضعت خدي على التراب . و حقك علي ان اغني بحبي لك في كل مجمع . فخري بك كفخري بامي و بالعذراء سيدة النساء " . عائشة اصبحت مزارا لكل فتيات القرية و نسائها ، بعضهن يردن سرقة نظرة منها و من زوجها . و اخريات يتمنين التكفير عن ذنبهن لما صدر منهن في حقها قبل بزوغ الحقيقة . في منتصف الليل من يوم ربيعي احست عائشة بمغص وحريق في البطن . اخبر منصف امه بوجع عائشة الحامل في شهرها التاسع . استنجدت ام منصف بمي رقية . هذه التي اكدت انه وجع المخاض . كان المخاض عسيرا . من الوهلة الاولى حاول منصف الاستنجاد بمدير المدرسة . هو وحده يملك سيارة . يريد نقل عائشة للمستوصف الذي يبعد بحوالي عشرة كلومترات . لكن اصرار مي رقية الشديد ومساندة امه الزاهية لها ، جعله يتريث قليلا . نهرته مي رقية قائلة " هذه امور نسائية لاتتدخل فيها ، وعندما ا كون في حاجة لمساعدة الرجال لن اتردد في طلبها منك . و اردفت ، يجب ا ن تكون رجلا قويا ، وان تثق بي ، و لا تنس انني من اخرجك من بطن امك . و ها انت الان رجلا . اذهب واطمئن وسيكون خيرا . ".كان ينسط لها و يبتسم بخبث مبطن . كانت كلماتها قوية و واضحة . الامور النسائية من الافضل ان لايحشر الرجال فيها انوفهم . ثم ان مي رقية هي من ولد جميع نساء القرية . و لكن منصف بقدر احترامه و تقديره لامي رقية بالقدر نفسه يجد نفسه في مواجهة افكارها البالية . اقترب من ابيه وجلسا يتسامران . كان الاب لاتظهر عليه اية علامة التوتر او القلق . كان يضحك وثارة يقهقه عكس منصف . كان الاب يتحدث عن تلقيح بعض الاشجار في هذا الوقت بالذات ، وانه سيجلب بعض الانواع الجيدة من الفواكه لغرسها . كما ذكر منصف بضرورة الاسراع بمشروع شراء بعض الابقار الهولندية لبيع الحليب للتعاونية وتسمين الخرفان لبيعها في عيد الاضحى . و اردف قائلا لقد اتممت بناء الحظيرة وهيات ما يلزم لذلك اتمنى ان ترزق بابن ذكر يستمر في رفع همتنا وسط القبيلة كما انت يا بني . كان منصف شاردا حائرا مترددا . لو لم تستفزه كلمة مولودا ذكرا . لذلك اجابه و ان كانت انثى نرميها للكلاب ؟؟ . اجابه الاب ان الذكر يعني استمرارية العائلة يا بني . انتفض منصف على ابيه و قال " اتمنى ان يكون المولود بنتا ساعيد لها ما ضاع لكل النساء من حقوق و اخلصها من كل قهر و اضطهاد شعرت به كل النساء . " كان منصف يصطنع الانصات لابيه اما اذناه فتتلقفان عويلا وصراخا حادا يقطع القلوب . كانت عائشة تستغيث ، و مي رقية تعنفها احيانا وتهددها بالضرب . و احيانا اخرى تلعنها واصفة اياها بنصف امراة . وانها شهدت ولادات كثيرة ولم تر نحسا يطارد مثل هذا المخاض من قبل . بدات مي رقية تثني على العديد من النساء الائي ولدتهن ، و كيف استجبن لنصائحها في عملية الدفع كما نوهت بصبرهن . لقد طالت مدة المخاض ، قالها منصف وكانه يحدث نفسه . اجاب الاب ، لا تقلق فالبعض يستغرق عندهن اكثر من يوم وفي الاخير يضعن احمالهن ، واشار له بيده ان يشرب كاسه من الشاي وان يترك الامر . بعد اربع ساعات من الصراخ والعويل اصر منصف بايقاض السيد المدير لنقل عائشة للمستوصف على سيارته . عدل الاب من جلسته ورفع يديه في الهواء وضرب كفا باخرى ، و قال مع من ستتكلم ، يابني في هذا الوقت ؟ فالطبيب الوحيد لايحضر الا ناذرا وان حضر ، فبعد الساعة العاشرة صباحا . اما الممرضة فبدون حيلة . مي رقية افضل منها بكثير وبمرارة اردف الاب ، المبارك المسعود لا يصل للمستشفى في المدن فكيف بالقرى .المستشفى لا خدمة و لا دواء و لا معاملة . الساعة التاسعة صباحا نقلت عائشة الى المستوصف بعدما استعصى الامر على مي ارقية ، التي احست بالخجل الشديد . فقد اهينت عندما لم تستطع توليد عائشة . كانت كل مرة تحاول ابعاد فكرة الطبيب . كيف يعقل ان تكون هي ويفكر احد في الطبيب . بل سمعت اكثر من مرة تلعن الطبيب و الاطباء . و تضيف ذات يوم ،من لها ذرة كرامة و تحتفظ بسرها بعيدا على الفضيحة لن تعرف الطبيب و لن يطل على جسدها . و تدعو لنفسها بالبقاء مستورةحتى الممات . اليوم وجدت نفسها مغلوبة باصرار من منصف . في السيارة كانت تتمتم ، وتتفوه بكلام غير مفهوم ، و تتحسر على الايام الخوالي ، حين كان الرجال رجال ، و النساء نساء . احس منصف انه بدون قصد قد اقلق مي رقية . لذلك انحنى عليها وقبل راسها ودعا لها بطول العمر .و لكي يجاريها حفاظا على كرامتها اردف القول ،" ابنات اليوم ابحال الميكا ، ضعيفات لا يصبرن " . انفرجت اسارير مي رقية قليلا لهذا القول . و انتفضت من مكانها رافعة سبابتها للاعلى . و قالت لمنصف ،اشتد الوجع على امك ثلاثة ايام بنهارها ولياليها ، و رافقتها كل تلك المدة ، و كانت صبورة صبر الجمل . و كان ابوك يذهب للحقل يزاول عمله تاركا لي المهمة . وتضيف زافرة ، الايام الجميلة ولت . اما عائشة فالمها يشتد ماسكة باسفل بطنها . كانت تحس ببطنها يكاد ينفجر، خصوصا عندما تتعثر السيارة في الحفر ، او المتاريس الترابية . كان صراخها يعلو و ينخفض تبعا لدرجة الالم و ايقاع السيارة . " رباه ، رباه ، هذا موت " . وفي مرات عديدة تقبض بقوة بيد مي رقية وتعتصر الالم وتكظمه ، خصوصا بعدما نبهتها مي رقية بضرورة الصبر والحشمة بالهمس في اذنها ، اصبري فنحن مع رجال غرباء ، قاصدة السيد المدير. هذا الاخير الذي لم ينطق بكلمة . ينظر امامه فقط و هو يقود سيارته . يحرك راسه ، ويقلص اسارير وجهه كلما صادف الحفر في الطريق غير المعبدة . واذا سعل فيردد كلاما غير مفهوم . اما اذا سئل فيكتفي بكلمة او كلمتين . بعض الظرفاء من الاساتذة ا طلقو عليه " المختصر " كناية . كان بحق مديرا مصوابا طيبا ينحدر من الشمال . اما ابو منصف فبمجرد ركوبه في السيارة غرق في سبات عميق . حتى انه راى في منامه اشياء واشياء . و لا يستفيق الا اثناء مرور السيارة في حفرة معينة . اثناء ذلك كان يلعن رئيس الجماعة واصفا اياه ب -الشفار - . بعد مدة وصلت السيارة للمستشفى . بين ذراعيه حمل منصف زوجته من السيارة الى الداخل . هناك وجدوا الممرضة تصرخ و تزمجر في وجوه الجموع المكدسة . ليس لديها حيلة لكل الحالات . المراة تموت ، هكذا خاطب منصف السيدة الممرضة . على سرير ابيض وفي قاعة مليئة بالذباب ، باشرت الممرضة المعروفة برحمة عملها ، طالبة من الجميع الخروج من القاعة والانتظار خارجا . اما مي رقية فقد حاولت التسلل الى القاعة . غير ان الممرضة نهرتها فما كان منها الا ان اذعنت للامر مكرهة ، وهي تلعن وتسب تشتم و تشكو الجميع و ما الت اليه الامور. تغير الناس وكيف اصبحو ا لايحترمون احدا . بعد دقائق قليلة خرجت المولدة رحمة من القاعة وعلامات الدهشة و الفزع على محياها . بصوت مليء بالحسرة والاستنكار تسال عمن مع الفتاة ؟! اجاب منصف بثبات وثقة " انا سيدتي " . قالت " بلا حشمة و لا حياء اتيت بها الى هنا ؟؟" اجابها "انها زوجتي" . تجمدت اللعنات التي كانت ستكيلها له و تحولت الى غصة سكنت اعماقها. وتساءلت في دواخلها و بتعجب كيف لمتزوجة حامل ان تبق بكرا ...؟؟؟!!! قطع منصف حبل التفكير لديها عندما قدم بين يديها عقد الزواج . طيلة عشرين عاما من عملها لم تصادف حالة مثل هذه .صحيح انها صادفت العديد من الحوامل ابكارا و لكنهن غير متزوجات . وغالبا ما يلجان للاجهاظ في وقت مبكر من الحمل خوفا من العار. اما ان ايكون الامر متعلق بمتزوجة تعاشر زوجها بشكل طبيعي ، تحمل و هي بكر ، فهذا امر لم تسمعه ولم تره . في تلك الاثناء دخل الطبيب وبعدما حكت له له الممرضة الامر فحص عائشة و لم يستغرب الامر . خرج و طمان منصف بان الامور ستكون على احسن مايرام . و اخبره انه صادف عدة حالات مثل هذه في مستشفى جامعي بالدار البيضاء شبيهة بهذه الحالة ، عندما كان طبيبا مساعدا لاستاذ في طب النساء . عدد من النساء لا تفض بكارتهن الا عند الوضع او بالجراحة . و لهذا لا يستدعي الامر نقل الحامل الى المستشفى الاقليمي . بعد اربعين دقيقة من الانتظار خرجت رحمة لتبشر الجميع بنجاة الام وبازدياد ملك صغير. عادت عائشة للقرية حاملة ابنتها في يدها و منصف زوجها الى جانبها و مي رقية و ابو منصف برفقتهم . استقبلهم اهل القبيلة بالهتافات و الزغاريد . اما ابو عائشة فقد جهز نفسه لزفاف اخر لعائشة و امها الزاهية . كما جرت مراسيم عقيقة المولودة الجديدة اختاروا لها اسم " الحياة " ... سي محمد طه -الدار البيضاء- 03/03/2015
#الرفيق_طه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثالث )
-
بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثاني )
-
بكارة شرف و انوثة عائشة
-
التالية ...
-
الجزيرة تتخلى عن الاخوان و تشفع للشيطان
-
خيتي نانا ...
-
حادة ...و اخواتها
-
- داعش - و - ديفس - وجه البربرية السادية الحديثة
-
عايدة ... الظلم ارث
-
حوار العيون الحلقة التاسعة
-
كارثة بوركون كاشفة عرائنا
-
حوار العيون الحلقة الثامنة
-
حوار العيون الحلقة السابعة
-
اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
-
ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
-
توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
-
حوار العيون الحلقة السادسة
-
حوار العيون الحلقة الخامسة
-
حوار العيون الحلقات الاربع
-
حوار العيون الحلقة الرابعة
المزيد.....
-
عُمان: اعتقال 3 أشخاص وعشرات السيدات بينهن مصريات وإيرانيات
...
-
اجمل اغاني الاطفال.. تردد قناة كراميش الجديد بجودة مميزة.. ا
...
-
من بيتك.. خطوات وشروط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت
...
-
بريطانيا: تعيين أول امرأة على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية-
...
-
شروط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر وكيفية ا
...
-
طهران: العدوان الصهيوني أسفر عن استشهاد 45 امرأة وطفلا حتى ا
...
-
الخارجية الروسية تحتفي بمرور 62 عاما على إنجاز فالنتينا تيري
...
-
صفقة بيع “البدون” برعاية كويتية.. من الترحيل إلى الاتجار بال
...
-
للمرة الأولى..امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني
...
-
مخطوفات ما بعد ميرا.. مسلسل “الهروب مع الحبيب”
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|