أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - الرفيق طه - عايدة ... الظلم ارث















المزيد.....

عايدة ... الظلم ارث


الرفيق طه

الحوار المتمدن-العدد: 4628 - 2014 / 11 / 9 - 10:53
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



السيدة عايدة لا ينسبها احد الى حومة او عائلة في مدينة الدار البيضاء ، اغلب الذين تعرفت عليهم و عرفوها لهم صلة بالحي الراقي الذي تعيش فيه العائلة التي تستخدمها .
منذ طفولتها و هي بين اركان فيلا بالمعاريف و خادمة فيها . لا تعرف احدا من جيران اسرتها الذين كانت امها و ابيها يقاسمونهم الشقة التي يكتريان فيها غرفة بحي كرلوطي .
علمت ان اباها اتى الى الدار البيضاء في ثلاثينات القرن العشرين من الجنوب . و لم تكن له هناك تركة تذكر ، و لا عائلة . علمت انه من العبيد الذين اشتروا رقبتهم او فك رقبته من كان يملكه لما اصبح عالة عليه لقلة الاشغال و الحيف الذي سببته سنوات الجفاف . يقول انه عبر جبال الاطلس الكبير من وادي درعة الى منطقة بني مسكين و منها الى مرسى الدار البيضاء التي استقر بها . عمل حارسا باحد المعامل .
لم يكن بحاجة لبيت او مسكن لانه يعمل بوابا و اشياء اخرى ليل نهار . لم يكن لتحديد ساعات العمل معنى ، كان الاهم ان يجده الباطرون عند الطلب .
لما بلغ الاربعين تزوج من خادمة لدى الباطرون . كانت الخادمة تاتيه بما تبقى من الطعام . مع توالي الايام تكونت الفة بينهما تولد عنها حمل الخادمة بعد الزواج بشهور قليلة .
ولدت الطفلة في غرفة اكتراها الاب بعشرة دراهم شهريا . اصيب الاب بمرض الزمه الفراش و اضطرت الام ملازمته في البيت . و لم يكن لديهم سبيل للعيش غير ان يقدموا طفلتهم الوحيدة خادمة .
لم تعرف عايدة طريقا للمدرسة و لا للنادي . منذ طفولتها الاولى و هي خادمة . من السخرة الى التنظيف فالطبخ الى ان اصبحت تثقن كل شيء يهم خدمة الاسرة .
لم يعد لعايدة رابط بدرب كرلوطي سوى امها التي تعد الايام المرة بالغرفة التي يشم بها الزائر كل اشكال القهر و الظلم و الفقر و الصبر ، خاصة بعد رحيل الاب الى متواه الاخير .لم يكن لديهاطموح غير ان تجد زوجا يملا الفراغ في حياتها الحميمية . لكنها لا ترى في نفسها اية مؤهلات ليقبل عنها اي رجل .
السيدة عايدة ترى ان سواد بشرتها و قصر قامتها و عينيها الحمراوتان وسط السواد اسباب كافية لان لا تثير اهتمام اي رجل . كما تقنع نفسها ان تقلل من طموحها لان الفقراء لا يقبلون النساء اللواتي يحملن صفاتها في الشكل الا اذا كن غنيات ليعوضن نواقصهم . لذلك اشترت عايدة بيتا عشوائيا بضواحي الدار البيضاء . بيت لا يتوفر لا على ماء و لا كهرباء . و كانت تنقل اليه كل الاواني و الافرشة و حتى الملابس التي تخلصت منها الاسرة التي تعمل لديها .
لاحظت عايدة احد المتشردين يتردد على مكان القمامة . كان شخصا يتميز عن المتشردين الاخرين بتحاشيه لكل من اقترب منه . كان يهرب من الناس . ينتظر حتى يفرغ الشخص من المكان ليبحث عن البقايا لياكلها . يحاول الا يزعج الاخرين . تكرر تصرفه مع عايدة لمرات عديدة و لمدة طويلة . اصبحت تهتم به و بتصرفاته و تراقبه من النوافذ . لم يسبق ان راته يعاكس احدا امراة او رجلا و لا طفلا . حتى بحثه في القمامة كان بهدوء حتى لا يزعج احدا ، بل كان يخلي المكان ان راى احدا اتى بقمامته للمكان .اصبحت تترك له نصيبه من الاكل و تضعه في اوان نظيفة .
مع توالي الايام ، اصبح الاثنان يعرفان مواعيد لقائهما . و اذا تاخر الواحد منهما انتظره الاخر .
اصبح المتشرد مع الايام يسيطر على تفكير عايدة و على احلامها . كانت تقول لنفسها انه لو لم يكن عاقلا ما تصرف باسلوبه ذاك . ربما ظروفه جعلته متسكعا و متشردا .
عن قصد و اصرار وضعت القمامة و اخذت ما كانت تخصه به من اكل معها . و ما ان وصل المكان طلبت منه الانتظار . جلس ارضا و انحنى على وجهه هائما و صامتا . يرتجف من الخوف ككلب مبلل بالمطر في البرد القارس .
سالته عايدة ان كان بامكانه السكن في بيت و الاستقرار به . اجابها بكلام لا ينم عن فاقد للعقل او مدمن على المخدرات ، بل كان جواب عاقل كامل الاهلية .
قالت له انها وفرت له السكن و اللباس و ما عليه الا ان يتخلى عن حياة التشرد . وافق على اقتراحها .
بعد يومين ، رتبت كل شيء . اتفقت مع شخص يعمل بالحمام القريب ( كسال ) ان يهتم به و ينظفه . ذهبت معه عند حلاق و البسته ثيابا جميلة . ركبت معه حافلة و اتجهت به الى بيتها بالضاحية . قالت له هذا بيتك و ما لك الا ان تثبت رجولتك و ان تعود الى جادة الصواب .
اشترت ماكولات ، طعاما و فواكه، وعلبة سجائر . حكت له عن وضعها و حياتها ، سمعت شيئا من حياته . اقترحت عليه الزواج منها ان رضي بهذا الواقع . ابان عن سعادته و فرحته بذلك .
قامت بكل الاجراءات اللازمة و الممكنة للحصول على امضاء عقد قرانهما . امضى معها كل ما طلب منه . اجتمعا تحت سقف واحد . لم تشاركهم في بيت الضاحية غير امها العجوز .
تخرج عايدة من الفجر و لا تعود الا ليلا . حافظت على عملها لدى الاسرة التي تربت لديها خادمة . اما الزوج فقد كان يحتل بيت النوم حتى جزء مهم من النهار ليخرج للبحر و لا يعود الا حين يجوع او ينتظر الزوجة تعود ليحصل منها على علبة السجائر .
لمدة فاقت العشر سنوات و السيدة عايدة تتلذذ بوجوده ببيتها زوجا . كانت تفتخر بنفسها سيدة متزوجة رغم انها لم تنجب من يؤنس وحدتهما و ان زوجها لم يكن الرجل الذي يبحث عن شغل او يشتغل اي شيء يلهيه عن التسكع . الى ان تبين انه اصبح يرافق بعضا من عمال المرسى و يذهب معهم للمدينة . كان لا يعود الا بعد ايام للمنزل . يعود و بيده سمك و قليل من المال .
فرحت عايدة بالتطور الحاصل في حياة زوجها رغم غيابه عن البيت ، و يسرها القليل الذي اصبح ياتي به . لم يكن يهمها مدخوله و لكن يهمها ان يدق بابها كزوج يوفر الطمئنينة و الامان .
من اجل ان تخفف عنه اعباء التنقل اليومي للعودة للبيت ، سلمته مفاتيح الغرفة التي تركها ابوها و احتفظت عليها تؤدي ثمن كريتها شهريا .
بعد مدة لم يعد يزور بيتها في الضاحية . خوفا عليه من اي باس ذهبت للاطمئنان عليه في درب كرلوطي بدرب السلطان ، هناك وجدته متزوجا من اخرى حديثا .
عادت عايدة ادراجها و ندمت على اليوم الذي اخرجته فيه من القمامة و الاوساخ و نظفته ليعود لانسانيته ...
سي محمد طه
الدار البيضاء 9/11/2014



#الرفيق_طه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار العيون الحلقة التاسعة
- كارثة بوركون كاشفة عرائنا
- حوار العيون الحلقة الثامنة
- حوار العيون الحلقة السابعة
- اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
- ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
- توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
- حوار العيون الحلقة السادسة
- حوار العيون الحلقة الخامسة
- حوار العيون الحلقات الاربع
- حوار العيون الحلقة الرابعة
- الالحاد السياسي
- حوار العيون الحلقة الثالثة
- حوار العيون الحلقة الثانية
- حوار العيون
- لقاء صامت
- اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان . ...
- اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان . ...
- مصر بعد سوريا و العراق ... امريكا تدمر المنطقة 2 ( ذرائع الت ...
- مصر بعد العراق و سوريا .. امريكا تدمر المنطقة 1


المزيد.....




- مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء سلسلة غارات إسرائيلية على مناطق ...
- تواصل العصابات تجنيد الاطفال رغم الأساليب الجديدة للشرطة
- المرأة التي ترعى 98 طفلا من ذوي الإعاقة
- “رابط فعال” خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت 2025 ...
- سحر دليجاني المعارضة الإيرانية: الحرب على إيران ليست دفاعًا ...
- أهم تدخلات وزارة شؤون المرأة خلال العام الأول لتولي حكومة د ...
- النساء لا يتملّكن.. مصريات محرومات من حيازة الأراضي الزراعية ...
- فارسين أغابكيان.. أول امرأة تقود الدبلوماسية الفلسطينية
- دراسة: تدمير آثار الملكة حتشبسوت لم يكن بسبب كونها امرأة
- الناشطتان الإيرانيتان نرجس محمدي وشيرين عبادي تطالبان بوقف ف ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - الرفيق طه - عايدة ... الظلم ارث