أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الرفيق طه - خيتي نانا ...















المزيد.....

خيتي نانا ...


الرفيق طه

الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 01:59
المحور: الادب والفن
    


خيتي نانا ... الشجرة الام

خيتي نانا او لالة نانا، كما يحلو للبعض دعوتها، لا يشك احد في انوثتها ، كما لا يتفق الاثنان في تحديد قامتها او وصف طبيعتها . هناك من يدعي ان قامتها تتجاوز الرجال و اخرون يقولون انها ذات قامة متوسطة جدا ، كما يختلفون في وصف ملامح وجهها و بشرتها .
ليس هناك من يجزم في عدد الازواج الذين مروا في حياتها و كيف اختفوا ، بل ليس هناك من يمكنه اثبات زواجها من فلان او علان .
خيتي نانا تسكن ببيت في الزاوية الشمالية الشرقية للقصبة شرق الزغارية . معلوم انها تسكن فريدة . و ان بيتها لا يدخله رجل مهما كان و مهما اعتبر مقربا منها . اما النساء اللواتي تاتين بابنائهن المرضى فلا تتجاوزن المدخل المعروف ب " العلو .
السيدة تعالج الرضع من امراض متعددة معروفة لدى العامة في المنطقة ب" الخو " و "الطيرة " و " حيط " . كما تعالج الكبار نساء و رجالا من النخسة و الجروح و اخراج اشواك النخيل من الاطراف و اقتلاع الاسنان الموجعة . كما تعتبر اختصاصية في امراض النساء خاصة ما يسمى " الراقد" او ما يتعلق بالعادة الشهرية و غيرها .
ف" الخو" تقول خيتي نانا يعرف بعدم قدرة الرضيع على رفع عينيه للنظر فوقا ، و يتميز بالاسهال المفرط و الخروج بلون اصفر و الارتخاء الزائد للمريض . و تعالجه خيتي نانة بعملية ترويضية برفع الرضيع من رجليه و دلك ما بين السرة و الصدر و جعله يستنشق بقوة . كما تعطيه دواء تصنعه بنفسها و تقدمه للرضيع في المحارة . و عملية تتكرر مرتين في اليوم قبل الشروق و قبل الغروب و طيلة ثلاث ايام متتالية .
كما تعالج الاطفال من الشم ، او الطيرة التي يعتقد ان طائرا اسودا يصدر رائحة تسبب للاطفال امراضا قد تودي بحياتهم . كما يعتقد اخرون ان ما تحمله بعض العجائز من تمائم و ما تستعمله من روائح هي سبب مرض الشم . و خيتي نانا تعرف المصاب بهذا المرض او ذاك بالقياس . عملية تقوم بها خيتي نانا باستعمال خيط ، هي وحدها تعرف طوله و نوعه و حتى شكله ، لتحديد ما ان كان الطفل مصابا بالشم ام لا . و اغلب من عالجتهم خيتي نانا تعافوا بقدرة قادر .
اما الجروح و الاشواك و الاسنان فان خيتي نانا تعد بارعة في علاجها ، فهي المراة الصارمة و التي تفقد اي شفقة بصراخ المصاب او استعطافه . كم من رجل تهينه و تحتقره اذا لم يتحمل و قد تضطر لمساعدة رجال اخرين لاخضاعه .
و النسوة اللواتي يعانين من رقود الجنين في الرحم ، اي انه يتوقف عن الحركة او النمو فان خيتي نانا تؤكد ان سببه خوف يسكن الحامل . لذلك تقوم بطرد هذا الخوف بتنبيهات الكي بالمغرف الساخن ،او بترويض لا يثقنه احد غيرها .
النسوة وحدهن من ينقلن مواصفات بيت خيتي نانا من خلال سرقة النظر اثناء عملية علاج ابنائهن . و منهن تتناقل اوصاف البيت بين المسامع و الالسن حتى اصبح بيتها مثير للريبة و التعجب .
البيت الذي تسكنه امراة فريدة مصمم بشكل مثير للدهشة و مزخرف بشكل انيق و منظم بشكل يشبه القصور و نظافته تثير الاعجاب . هذا كله رغم ان الكل نساء و رجالا يشهدون انه بيت لم يسبق ان دخله بناء و لا صباغ و لا نجار و لا اي حرفي لا ليلا و لا نهارا .
باب البيت دائما نظيف و لم يسبق لاحد ان رائ خيتي نانا تقوم بتنظيفه بذلك . بالباب قدر كبير للماء الشروب ، و لو كان امام بيت غيرها للعب به الاطفال ، لكن الهيبة و الاحترام المنقطع النظير التي تحظى به السيدة وسط الكبار و الصغار لا يقربه الا العطشان . على السطح تسكن طيور الحمام لكنها من الفصيلة البلدية البيضاء فقط .
خيتي نانا سيدة ترتدي جلباب الرجال و تجالسهم بباب القرية . هي الوحيدة من النساء التي تخاطب الرجال عينا في عين ، بل تجلس كما يجلس الرجال جنبا الى جنب او متقابلة معا مخاطبها . و ان كانوا في مجلسهم متكئين فانها تاخذ وضعها على جنبها ككل الرجال .
لم يسبق ان اوكلت خيتي نانا رجلا مكانها في قسمة او معاينة او مهمة . بل ان خيتي نانا كانت لها الكلمة النهائية في قضايا القبيلة ، و اذا ما استنبطت ان احد اعيان القبيلة اراد احتقارها استعملت اساليبها الخبيثة و نبزت له بسر عن زوجته ، او امه ، او اخته . لذلك كان كل الرجال يتجاوزون عيبها و يقبلون بقراراتها .
كل النساء تخص خيتي نانا بالاحترام اللائق بكرامتها ، ليس خوفا من سلاطة لسانها و لكن لانها حامية لحقوقهن من قهر الرجال . انها السيدة الوحيدة التي لا تاكل اللحم او اي لذيذ دون ان تاخذ منه نصيبا للمراة الحامل او المرضعة او المريضة من نساء القرية . لا تخجل ان تدق بيت المحتاجة من النساء في وقت من الليل لتمدها بما امكن تحصيله من طيب الغذاء و الفاكهة .
كم من امراة في القرية لم يكن في علمها ان زوجها على وشك طلاقها و لكن خيتي نانا طردته مذلولا امام العدول في مكتبهم ، دون ان يدري من اخبرها بقراره، ففاجاته و خرج مهرولا و تاركا العدول امام سب و شتم خيتي نانا . بل ان العدول لم يعودوا يكتبون طلاقا لاهل القرية الا بعد حضور خيتي نانا او بموافقتها .
خيتي نانا المراة الوحيدة التي تسافر بلا محرم . بل ان الرجال كانوا يسافرون برفقتها ، كما انها الحاضنة لكل امراة ليس لها رفيق في السفر .
حكاياتها و مغامراتها عن السفر ، عديدة منذ ان كانت تسافر الى الدار البيضاء على الدواب ، الى ان اصبحت الشاحنات و الحافلات وسائل للنقل من درعة صوب كل الاتجاهات .
في جلساتها مع الرجال بمدخل القصبة و اثناء الكلام عن السفر لا حق لاحد في مجادلتها . هي الوحيدة التي تمتلك تجربة كبيرة و طويلة في ذلك .
تقول ان الرحلة على الدواب و الاقدام تعرف محطات عديدة و اولاها بمزكيطة و الثانية بسكورة و الثالثة بتلوات فسيدي عبد الله غيات و مراكش و من هناك الرحامنة و الشاوية .
في كل مرة تؤكد خيتي نانا و بصوت عال ان القايد الكلاوي بتلوات ليس هو الباشا الكلاوي بمراكش . و ان مبيتها في كل الرحلات بتلوات عرفتها عن قرب على الكلاوي كقائد و وقوفها بمراكش عرفتها على الباشا الكلاوي و هما شخصان مختلفان .
كما تقول ان الرحامنة و الشاوية ما كانتا ليختلفان لولا النهر الذي فصلهما .حكاياتها اصبح الاطفال يحفظونها و يرسمونها في مخيلاتهم كما يجسدون حكايات امهاتهم ليلا على ضوء القمر.
خيتي نانا في الدار البيضاء يعرفها كل ابناء المنطقة . فهي تنقل الاخبار و الاسرار الخاصة و العامة . هي التي تبحث عن الذين سافروا و انغمسوا وسط اهوال المدينة و نسوا اسرهم بدون معيل . و كثيرا ما تنزع منهم الاموال لتنقلها لوالديهم او اولادهم . كما تحمل اسرار المتزوجات في البادية لوالديهن في البيضاء ، و العكس كذلك . هي التي ترسم الفرحة على وجوه الامهات و الزوجات و الاخوات حين تمدهم بدريهمات تقول انها من احد اقربهن.
منذ اليوم الاول لوصول خيتي نانا للدار البيضاء و حركة الذين تربطهم بالقصبة علاقة تتغير ، حيث ينتقلون الى البيت الذي تحط فيه الرحال بدرب السلطان من اجل دعوتها ضيفة عندهم خوفا من لومها او نقمة الاهل ، او من اجل الحصول على اخبار او وضع ودائع تؤمنها خيتي نانا للاهل .
استمرت الوضعية على حالها حتى حين اصبح السفر عبر الحافلة التي تسمى انذك البريد او البوسطة ثم توسع لنقل المقاومة و النقل المدني (سيفيل) او حافلة الشلوح ... بقيت خيتي نانا الامين الوحيد في هذه المهمات .
و لكن في السنوات الاخيرة قررت خيتي نانا التوقف عن الرحيل و السفر . استقرت بشكل نهائي و اصبح المقيمون في الدار البيضاء يزورونها في القصبة دون ان يدخلوا بيتها . الذين يزورونها ليسوا فقط ممن يعرفهم اهل القصبة او الذين ينتسبون للمنطقة ، اناس مجهولون و مختلفون في الاوصاف و اللهجات .يقول عنهم الاهالي انهم اناس منضبطون و متخلقون ، سريعون في مشيهم و نظيفوا الخلقة . لباسهم يختلف عن الاهالي و لكنه جد متواضع و منسجم في اللون و الشكل مع اوصافهم . لا يطيلون النظر في الاماكن و الاشياء ، و يزورون خيتي نانا و يختفون كمن يؤدي احدى الشعائر .
في احد الايام شوهدت خيتي نانا تحمل فاسا و معولا و اتجهت جنوبا . هناك من يقول انه راها قبل العصر بقليل ، كما يؤكد اخرون ان ذلك كان قبل الغروب بقليل ، و البعض ادعى انها ظلت طوال اليوم تتجول باطراف القصبة . الا ان شيخا طاعنا في السن اخبر الناس ان خيتي نانا كانت بالمقبرة تحفر ، و قد اكدت هذا نساء كن في زيارة لقبور اقارب لهن .
بعد المغرب و قبل العشاء بقليل قامت خيتي نانا بجولة لكل الاسر في القصبة تودع النساء و الرجال و تخبرهم انها ستموت غدا. و كان رد الجميع لها " بطول عمرك يا خيتي نانا ، لا تقولي هذا فان القصبة خالية بدونك " .
في الصباح وجدت خيتي نانا ميتة ، مكفنة و محنطة بمدخل بيتها . اجتمع الكل من اجل التابين و ذهب رجلان لحفر القبر و فوجئا به محفورا و عادا و اخبرا الحضور بذلك .
اثناء وضع جثمان خيتي نانا بمثواه الاخير شعر الناس بظل بارد و لطيف احدثته اسراب كبيرة و متعددة من الحمام الابيض التي تقي الناس من حر الشمس . كما حضر التابين اناس اغلبهم لا يعرفهم اهل القصبة و لا المنطقة .
عاد الناس من المقبرة و تكلفت مجموعة بالدخول لبيت خيتي نانا الذي لا يعرف احد داخلة . فوجئ الناس بما يحتويه هذا البيت من لوحات فنية ، منها التي رسمت على الخشب و اخرى على الحيطان و اخرى على الثوب . كما ان الزخارف و النقوش جعلت منه متحفا بلا منازع . لكن الاهم هو ما كانت تخطه خيتي نانا عن عملياتها في خلايا المقاومة ضد المستعمر .
كل اسماء المقاومين الذين كانوا تحت امرتها و كل رؤساء الخلايا الذين تعرفت عليهم كتبت اسماءهم بمداد ذهبي . كما انها كتبت اسماء من قتلتهم من المستعمرين و العملاء و الخونة و من سرقوا المقاومة بمداد اسود .

سي محمد طه
10/12/2014



#الرفيق_طه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حادة ...و اخواتها
- - داعش - و - ديفس - وجه البربرية السادية الحديثة
- عايدة ... الظلم ارث
- حوار العيون الحلقة التاسعة
- كارثة بوركون كاشفة عرائنا
- حوار العيون الحلقة الثامنة
- حوار العيون الحلقة السابعة
- اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
- ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
- توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
- حوار العيون الحلقة السادسة
- حوار العيون الحلقة الخامسة
- حوار العيون الحلقات الاربع
- حوار العيون الحلقة الرابعة
- الالحاد السياسي
- حوار العيون الحلقة الثالثة
- حوار العيون الحلقة الثانية
- حوار العيون
- لقاء صامت
- اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان . ...


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الرفيق طه - خيتي نانا ...