أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وجيهة الحويدر - حين يتحول الوَهم الى حقيقة مطلقة














المزيد.....

حين يتحول الوَهم الى حقيقة مطلقة


وجيهة الحويدر

الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أجمل الأفلام الروائية التي أنتجتها سينما هليوود في منتصف السبعينيات فيلم "تحليق فوق عش كوكو" للكاتب "كين كيزي"، حيث أخرجه "ميلوس فورمان" وقام ببطولته الممثل المبدع "جاك نيكلسن". الفيلم يصّور حكاية نزلاء في مأوى أو مصّحة لمرضى نفسيين كانوا يعيشون حياة المعتوهين المهشمين بيد سلطة مركزية صارمة متمثلة في الممرضة المسئولة. كانوا يتحركون كالآلات تحت قوانين قاسية، لكن لم يستمر الحال على ما هو عليه بعد أن ضُم إليهم "مايك مورفي" بطل الرواية والذي قام بدوره " جاك نيكلسن"،حيث جُلب إلى المصّحة من سجن جنائي بسبب سلوكياته غير اللائقة هناك. بعد أن حلَّ "مايك" في المصحة بدأ يخرق القواعد والأنظمة فيها، وصار يحاول أن يُخرج النزلاء من دائرة رعب الممرضة المستبِدة، وينبههم إلى أن هناك عالما جميل خارج الأسوار، وان أحضان الحرية تنتظرهم. ومع محاولات التحريض المتعددة يكتشف "مايك" في نهاية المطاف أن لا أحد من النزلاء كان مُجبرا على البقاء في المأوى، لكن خوفهم الشديد من نزع أغلالهم لتذوق حياة لم يعتادوها جعلهم يخشَون العالم الخارجي، ويبقون طوع إرادتهم سجناء تحت سلطة متجبرة. أيضا تيقن "مايك" أن أسوار ذاك المأوى العالية وبواباته الفولاذية الرصينة، لم تكن المانع لهروب أولئك الرجال، وإنما السبب الحقيقي لعزوفهم عن الفرار كان علاقة التبعية التي تربطهم بشدة من أعناقهم مع تلك الممرضة الشرسة، والتي كانت توهمهم بأنها هي المصدر الوحيد للأمن والآمان، وأنه لا حياة لهم بدونها. هذا الوَهم عشش في أذهان نزلاء المصّحة فاعتادوا عليه، وصار يكبر يوما بعد يوم الى أن تحولَ إلى حقيقة مطلقة وواقع لا لُبسَ فيه. ذاك الصنف من الوهم المرير المسيّج بالخوف موجود ونراه كل يوم في علاقات كثير من النساء برجالهن، والأفراد بمؤسساتهم، والحكومات الشمولية بشعوبها، وحتى في علاقات الدول الضعيفة بالدول العظمى. الشعور بالتبعية وَهم يحول الناس إلى أجساد تدور حول محور واحد وهو نيل رضا السلطة المركزية والتقرب منها، لكن ليس ذاك الوَهم هو الوحيد الذي يلوكه الناس بين بعضهم البعض، هناك أيضا وَهم مسيّج بالشعور بالحاجة. اعتاد الانسان ان يلهث وراء تلبية حاجاته بشتى السبل لكي يجني الغبطة النفسية من الداخل. قد يتجسد الوَهم في شخص أو فكر أو مادة، فعلى سبيل المثال احتياج "رميو" "لجوليت" أو قيس لليلى، جسّد وَهم الاحتياج في صورة شخص، "فـرميو" وقيس آمنا انه لا معنى لوجدهما ولا جدوى من العيش بعد وفاة حبيباتهما، لذلك اختارا أن يفارقا الحياة بمحض إرادتهما، وكأن هاتان المرأتان هما منبع الحياة ومن خلقهما لم يخلق غيرهما. هاتان الحكايتان ربما يعتقد البعض أن مشاعر الاحتياج مبالغ فيها مع أن مثيلاتها تحدث كل يوم، فالواقع اشد من ذلك، فمثلا بعد انتحار الفنان الهولندي العظيم "فان كاخ" توفي أخيه بعده مباشرة، لأن علاقته بأخيه والتصاقه به كان عجيبا جدا، اعتاد على وجوده لدرجة انه لم يحتمل البقاء من بعده، أيضا رأينا كيف انتحرن الصبايا في مصر حين مات العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وفي أمريكا حدثت التراجيدية نفسها بعد وفاة ملك الروك "الفس بروسلي"، وكان في اليابان المحاربين القدامى "السموراي" يبقرون بطونهم بسيوفهم حين يسقط قائدهم مهزوما، لأنهم يترَبون على وَهم أنه لا امتداد لحياتهم سوى بوجود ذاك الإنسان الذي يهبهم المعنى. هذه نماذج من الأوهام المرتبطة بوجود أشخاص بغض النظر عن نوعية العلاقة المتبادلة. أيضا وهم الشهرة والنضارة الذي يصيب المشاهير وكثير من نجوم السينما، وربما سعاد حسني هي آخر مثل بيّن مدى بشاعته. عاشت سعاد حسني حياتها في وَهم أن أيدي الزمن غير قادرة على العبث بوجهها الجميل وبشرتها المشرقة وقدها الآخّاذ، لكنها اكتشفت في عمر متأخر أن ما جرى على غيرها سيجري عليها، ولم تجد أمامها سوى خيارا واحدا وهو مغادرة الحياة بأكملها.



المحزن اليوم هو أن العالم يكابد ويلات مريرة من صنف آخر من الموهمين الذين يحملون فكر خَرِب تفرزه مختلف الثقافات. هناك أناس موهمون اعتادوا أن ينظروا لأنفسهم على انهم صفوة البشر، وان رسالتهم في الدنيا هي إصلاح الجميع شاء من شاء وأبى من أبى، فبعضهم يمارس جميع سُبل العنف من اجل تحقيق ذاك الوَهم، وربما اكبر ظاهرة معروفة وبشكل واضح نجدها بين الجماعات الدينية المتشددة، ايضا في نهج الحكومات التي تسيطر عليها الأجنحة اليمينية، حيث تظهر حملاتهم في منتهى القسوة، وفي صور لا تمت للدين ولا للإنسانية بصلة.



الأوهام التي تتحول إلى حقائق مطلقة في أذهان البشر مازالت تلعب دورا كبيرا في حياتهم، فكثير منها تُدمر علاقتهم بأنفسهم، وغالبا تسبب أضرارا جمة لهم وللآخرين، فمعظم تلك الأوهام أساسها القصور الذاتي للإنسان، لأنهم لا يُحسنون مخاطبة أنفسهم خارج الخطوط التي رُسمت لهم واعتادوا على اجترارها. من منا اليوم يقف ليصغي لتقاسيم الزهور، أو يحاكي جماليات الحياة، أو يقرأ ما تمليه عليه تحركات الساعة لا أرقامها؟؟ تلك أمور نعجز عن القيام بها، لأنها خارج المألوف، ومخالفة لما اعتدنا عليه وتدربت عليه حواسنا القاصرة. تلك الحواس التي تُحول لنا كل شيء نراه أو نسمعه أو نلمسه إلى حقيقة مطلقة، الاعتياد آفة العقول وسبب خرابها، وقد يكون أحد اهم عوامل تضليل البشر وإهدار لطاقاتهم وتبديد لقدراتهم، فكما قال مكتشف النظرية النسبية "الفرد اينشتاين" في إحدى محاضراته " إن مشكلة العقل البشري هي انه يريد ان يخضع الكون كله للمقاييس التي اعتاد عليها في دنياه هذه، والمصيبة ان الإنسان مؤمن بأن هذه المقاييس النسبية مطلقة وخالدة ويُعدها من البديهيات التي لا يجوز الشك فيها، فهو اعتاد على رؤيتها تتكرر يوما بعد يوم فدفعه الاعتقاد بأنها قوانين عامة تنطبق على كل جزء من اجزاء الكون. جاء هذا الاعتقاد من العادة التي اعتادها وهو يظن انه جاء بها من الحقيقة ذاتها."



#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شــــــوق
- ربما تعود زهرة!
- أين الخمسة في المائة في مجتمعاتنا العربية؟
- الحياة لغز مؤلم جدا
- لماذا نحن شعوب لا تقرأ؟
- فضّوها سيرة!
- يا علي...
- استمطار السماء بدون صلاة استسقاء
- ماتت ليلى العراق...فهنيئا لكم ياعرب بإنسانيتكم
- لقاء بين سؤال واجابة
- سيدتان ثائرتان وبراكين تنتظر!
- خصوصية أم إرهاب مرضي عنه؟؟؟
- كفوا عن هذا الردح المبتذل..فقضايا النساء العربيات حقوقية
- متى بدأت الدائرة؟
- من أين تبدأ الدائرة؟
- ليلى في العراق مريضة ..فأين المداوي؟
- ما مدى بشاعة قهر الذكور للذكور!؟
- مَن سيكن بشجاعة هذا الرجل يا ترى؟
- مدننا -الآمنة-
- انا سوسنك يا والدي


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وجيهة الحويدر - حين يتحول الوَهم الى حقيقة مطلقة