أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - وجيهة الحويدر - مدننا -الآمنة-














المزيد.....

مدننا -الآمنة-


وجيهة الحويدر

الحوار المتمدن-العدد: 1027 - 2004 / 11 / 24 - 10:13
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


قبل فاجعة نيويورك، وقبل دخول العالم تلك الأقبية الموحشة لحرب الارهاب، ليس مبالغة في الطرح اذا قلنا انه في البلدان العربية كانت الأجهزة الأمنية بكوادرها الاشاوس، وطاقمها الشرس من زوار الفجر، هي اقل القطاعات الحكومية عملا ومثابرة. والسبب بسيط ومبرر لتلك الحالة، وهو أن المخابرات العربية "قمعت فأمنت فنامت". فقد ظلت لعقود طويلة تُرهب الشعوب بشتى السبل. كممت الافواه، وبترت الايدي، وفقأت الأعين، واقتلعت الأظافر، وقضمت الأذان والألسن، وهجّرت العقول، وقطّعت الرؤوس اليانعة والتي لم تينع بعد. كانت ومازالت مدننا "آمنة" حتى النخاع في البلادة والخنوع والذل والمهانة. يعيش عامة الناس فيها بخوف معشش في النفوس لدرجة انهم يخشون ظلهم اذا أحسّوا بتلصصه خلفهم. المثقف العربي يلازمه ليل نهار، هاجس مرعب متأصل في الذهن، يحذره دائما بخطر مفخخ ينتظره في مكان ما. فكلما أمسك بقلمه في يد، وتحركت حروفه على الورق، ارتبك وتلعثم وهو يتحسس عنقه باليد الاخرى. شوراع المدن العربية بدت لسنين مديدة خجولة ومحرجة من شدة الانكسار الذي تلمسه على وجوه مرتاديها، وصار حالها أسوأ بعد ان اصبحت مواطن لتفريخ الإرهاب وموانيء لتصديره. فمنذ ان خيّم ظلام القهر بسدوله على الناس، واستأنس الخوف الأزقة والحواري العربية، لم يعد هناك نَفَس أو همس، فالتجمع "لأكثر من شخص واحد" على حسب رأي دريد لحام، صار ظاهرة مثيرة للشك والتحري. الإعتقالات واحيانا الاغتيالات مصير كل من تسول له نفسه "بالسوء"، ويغرد خارج سرب القطعان بنغمة مختلفة.

لكن للأمانة، والحق يقال، ان مدننا العربية حافظت على تميزها بجدارة وسيشهد لها التاريخ بذلك، كمدنن "آمنة" للقتلة والسفاحين الذين اجرموا في حق شعوبهم، وللصوص والمرتَشين الكبار الذين نهبوا اموال بلدانهم، او كما يقول الخليجيون "الهوامير العودة"، الذين يتأبطون القانون تحت عباءتهم ومشالحهم، ويسيّرونه على حسب اهواءهم، وبما يتماشى مع مصالحهم. مدننا "آمنة" لكل من عاث في ارضه فسادا، وإلتهم الاخضر واليابس، وبطش بالناس وأزهق ارواح العديد منهم، ثم فرّ هاربا باحثا عن مكان يأويه ليتنعم بما اغتصب ونهب من شعبه. فمدننا "الآمنة" قد احتضنت اطغى طغاة هذا الزمان عيدي أمين، ودكتاتور العصر المتجبر الشاه محمد رضا بهلوي، والحاكم بالنار والحديد جعفر نميري، ورائدة فضائح الاختلاسات والاغتيالات السياسية بناظير علي بوتو، وتاجر ثقافة الموت اسامة بن لادن، وسافك الدماء سليم خان يندرباييف، ومسيلمة العراق الصحاف والقائمة تطول. حتى بعد سقوط النظام الفاشي في العراق، لم تخجل عدة مدن عربية من فتح باب الضيافة والشهامة والكرم العربي لسفاح الأرض صدام حسين ولذويه واعوانه "الموقرين". ولو لم ينتحر مجرم الحروب ادولف هتلر، لربما كان في قائمة ضيوفنا المحببين والمقربين لقاداتنا. ولعاش بيننا هنيء البال، مطمئن القلب، ولمات وهو مسجى على فراش فاخر، قرير العين مرتاح الخاطر.

مدننا "الآمنة الحميمة"، ماهي سوى مزبلة نتنة يُلم فيها اقذر الناس وابشعهم. مدننا طُوعت على ان تلفظ كل ما هو مستنير ومشّع من بني البشر. بعكس معظم مدن العالم المتطور. حيث يوجد فيها شتى اصناف البرامج الانسانية التي تستقطب العقول الجميلة، والقلوب الطيبة، والنفوس النضرة، وتكفل ملجأ مريحا ناعما لكل انسان صادرت حكومته حقه في العيش أو التعبير، واجبرته على الرحيل. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، في الدول الاسكندنافية هناك برنامج يُطلق عليه "مدن آمنة" خاص للكتاب والصحفيين المصادرة حقوقهم في الكتابة والنشر. يُوفر لهم لمدة عام كامل، سكن راق نظيف، ويسندون بكل مستلزمات الحياة من مصروف شهري، وعناية صحية، وبيئة ثقافية، بالاضافة الى ارشادات مجانية لكيفية الحصول على عمل جيد، والتنعم بعيش كريم، في دول مختلفة من اوروبا. لذلك في الدول المبتلاة بأنظمة دكتاتورية كالتي في الوطن العربي، لجأ معظم شرفاءها ومفكريها لتلك المدن وقطنوا فيها، بينما مدننا العربية ظلت وكرا آمنا، وقمامة التاريخ لكل حثالات العالم ومجرميه.



#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انا سوسنك يا والدي
- مناجاة بين طهران والظهران
- سُخف واستخفاف حتى الثمالة
- من اجل ذاك القنديل
- العالم يقطر انسانية
- رغد وعائشة ورانيا..حالات عَرَضية أم عاهات مستديمة؟
- إن كيدهم أعظم
- الى متى سيظل تاريخ الحضارة الإنسانية يُلقن مبتورا؟
- هل توجد هناك علاقة بين تناسق الجوارب وإزهاق الروح؟
- قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري
- لاستاذ حيّان نيّوف.. الاحتضار هو حين تسكن روحك جسد انثى عربي ...
- خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
- وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك ...
- العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
- لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا ...


المزيد.....




- قرش يهاجم شابًا ويتركه ليهاجمه آخر بينما يحاول الهرب.. شاهد ...
- اكتشاف شكل جيني جديد لمرض ألزهايمر يظهر في سن مبكرة
- نتنياهو: إسرائيل يمكنها -الصمود بمفردها- إذا أوقفت الولايات ...
- شاهد: إجلاء مرضى الغسيل الكلوي من مستشفى رفح إلى خان يونس
- دراسة: الألمان يهتمون بتقليل الهجرة أكثر من التغيّر المناخي! ...
- رغم الاحتجاجات.. إسرائيل تتأهل لنهائي مسابقة الأغنية الأوروب ...
- البنتاغون قلق من اختراق روسيا لمحطات -ستارلينك- واستغلالها ف ...
- الدفاعات الروسية تسقط صاروخين أوكرانيين استهدفا بيلغورود غرب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صواريخ أطلقت من رفح باتجاه إسرا ...
- العراق يدعو 60 دولة إلى استعادة مواطنيها من ذوي عناصر -داعش- ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - وجيهة الحويدر - مدننا -الآمنة-