وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 11 - 10:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( 1) :
رؤيتي النقدية لكتاب (الحداثة والقران ) للباحث سعيد ناشيد :
مع كل الكرم الذي تفضل به الباحث الصديق والزميل الاستاذ سعيد ناشيد
بالموافقة على استعراضي لكتابه والموافقة على تبيان وجهة نظري النقدية ,الا انني اتمنى عليه ان يتسع صدره للنقدالذي ساقوم به على بعض فصول كتابه وانا اعرف مقدار تواضعه وبساطته ودماثة اخلاقه ,ولااستهدف من النقد الا الى تطوير ابحاثة مستقبلا او تعديل كتابة بعض الفصول في الطبعات التالية من الكتاب بعد قراءته لورقتي النقدية هذه .
( 2 ):ربط القران بقيم الحداثة هي سمة كتاب ( الحداثة والقران )
هذا الربط يبدو واضحا وجليا من عنوان الكتاب (الحداثة والقران ) , لكنني لاهمية الفصول التي تحدث فيها الباحث سعيد ناشيدعن الحداثة الاخلاقية والسياسية اتمنى عليه ان يخصص كتابا مستقلا لهذا الموضوع ويقوم بتطوير بعض الفصول التي كتبها عن الحداثة لتصبح كتابا مستقلا بمنهجية اكاديمية كاي اطروحة جامعية وان يستند الى علم الانثروبولوجيا ( علم الاناسة – الانسان )وانثروبولوجيا اللغة وعلم النفس وعلم الاجتماع (السوسيولوجيا ) والمناهج النقدية الحديثة لدراسة القران والسيرة النبوية والتراث الاسلامي .
صحيح ان الباحث سعيد ناشيد دخل في منطقة الممنوعات والخطوط الحمراء , لكنني كنت اتمنى عليه ان يغوص عميقا جدا في تابوات الخطاب الاسلامي وان يبحث القران والسيرة النبوية والتراث الاسلامي وفق الاكتشافات الاثارية والمناهج النقدية الحديثة ليكمل ماتوقف عنده الباحث الفلسطيني الراحل الدكتور سليمان بشير في كتابه الثمين والمثير للجدل ( مقدمة في التاريخ الاخر : نحو قر اءة جديدة للرواية الاسلامية ) – اصدار دار الجمل – المانيا .
(3 ) :
من النقاط الايجابية والتي تحسب لصالح الباحث سعيد ناشيد هو جراته في رفع القداسة عن المدونة القرانية المغلقة , اي رفع القداسة عن مصحف عثمان , باعتباره نصا بشريا ونزع كل قيم وتشريعات المجتمع القديم واعتبار القران في الاخير هو كتاب تعبدي للمسلمين وليس كتابا للاكتشافات العلمية .
واشاراته الهامة جدا الى تحول المذاهب الاسلامية والخطاب الديني الاسلامي نحو الشرك بالله بدل التوحيدالقراني الخالص :
( اشهدان لااله الا الله ) بصيغه المتعددة في القران .
يكتب سعيد ناشيد في نص له من كتابه ( الحداثة والقران ):
(لقد اوصلنا تقديس النص الديني والعجز عن تخطي احكامه الى سبات العقل , وجمود الوجدان , وضمور الارادة .اوصلنا الى ايمان الجائز القائم على الخوف ).
وبالتالي يدعو سعيد ناشيد الى رفع القداسة عن مصحف عثمان وان نخلص فكرة الله من كل مفاهيم وقيم العالم القديم .
ان محاولة الباحث سعيد ناشيد نزع القداسة عن القران وربطه بقيم الحداثة سيعمل على اعادة القران الى موطنه الاصلي في قلب المؤمن المسلم , بعد ان اصبح المسلم يعاني الاغتراب بسبب غربة ( النص المقدس ). فنحن لم نعد نعيش في زمن السبي والفيء والجزية واهل الذمة , وفي زمن الجن والشياطين والنفاثات في العقد كما اعلن عنها في كتابه ( الحداثة والقران ).
( 4 ):
ساحاول كتابة مقال ثالث لنقد بعض الجوانب التي لم انقدها في مقالتي هذه من كتاب الباحث الاستاذ سعيد ناشيد ( الحداثة والقران )بسبب ظروفي الخاصة والتزاماتي وتعثر حالتي الصحية, وكمثال على ذلك مفهوم الجنة في القران :
في مقال بعنوان (جغرافية الجنة المحمدية )يقول الباحث سعيد ناشيد ان مخيال النبي كان يتفاوت بين القوة والفتور , والصفاء والضمور , بحسب الاحوال النفسية والمؤثرات الخارجية مما انعكس بدور ه على المستوى البلاغي للايات .
ان وصف الجنة في القران , بحسب كاتب المقال ,هو مثال على المخيال الخصب وغزارة الصور وعفويتها مما ينفي عنها صفة التلفيق.يختار سعيد ناشيد بدقةآيات معينة عن الجنة مثال ذلك :
( وانهار من خمر لذة للشاربين)سورة محمد – 18
( يطوف عليهم ولدان مخلدون , باكواب واباريق وكاس من معين , لايصدعون عنها ولا ينزفون ) سورة الواقعة – الايات 17و 18 و 19 . ويعلق الباحث سعيد ناشيد قائلا ( اليس مثل هذا المجاز الذي يسم خمريات القران هو عين الاعجاز البلاغي؟ ).
( فيها فاكهة ونخل ورمان ) سورة الرحمان -68 .
من الملاحظ ان الباحث سعيد ناشيد لم يتوسع في هذا الموضوع .ففي القران وصفا للجنة حيث انهار من لبن وعسل ومن خمور . وفاكهة مثل التين والزيتون والعنب واشجار النخيل وغيرها من الاوصاف .
الملاحظ ان الكثير من الباحثين امثال سليمان بشير وغيره من الباحثين يقولون وانا اتفق معهم بان هذه الاوصاف لاتمثل بيئة مكة الصحراوية , بل تمثل بيئة الشام . واعتقد جازما ان الباحث سعيد ناشيد لم يريد ان يتورط في الدخول الى مسالة نشؤ الاسلام , هل هو ظهر في مكة والمدينة ثم انتقل الى الشام ؟ ام ظهر في الشام اولا ثم انتقل الى مكة والمدينة ؟وربما لتخوفه من الفتاوى والتي يمكن ان تصدر بحقه من فقهاء التكفير بالردة عن الاسلام.
كنت اتمنى على الباحث القدير سعيد ناشيد ان يتوسع في اوصاف الجنة المحمدية والقرانية وفي بيئة القران ويجتهد ليعطي وجهة نظره النقدية حول نشؤ الاسلام وينجز ماتوقف عنده الباحث الفلسطيني الراحل الدكتور سليمان بشير في كتابه ( مقدمة في التاريخ الاخر ).
في مقالته المعنونة (فرضية حول الشهادة )ص163 من كتابه (الحداثة والقران )يكتب سعيد ناشيد عن شهادة التوحيد الربوبي
(لااله الا الله ) بان الشهادة في القران لاترد الا بشقها الاول (لااله الا الله ) وليس بصيغة الشهادتين .ويرد لنا عددا من الايات , مثال ذلك :
(انهم كانوا اذا قيل لهم لااله الا الله يستكبرون ) سورة الصافات – 35
( شهد الله ان لااله الا الله هو والملائكة واولو العلم ) سورةآل عمران – 18
يؤكد سعيد ناشيد (ان عدم اقتران الشهادة الاولى باسم الرسول محمد , هو ماجعل بعض القرانيين ينفي عن الاذان الشق الثاني من الشهادة ... والراجح ان هذا القول يوافق روح التوحيد الربوبي الذي جاء به الاسلام ).
ان الباحث سعيد ناشيد لم يعلن رايه بصراحة حول الشهادة والشهادتين في الاذان , انه يحاول على استحياء الاعلان بان الشهادة الثانية تجعل المسلم يتحول الى الاشراك بالله لانه وضع الى جانب الله وبموازاته الرسول محمد , وهذا يتعارض مع الايات الكثيرة في القران ( مصحف عثمان ) التي تنتقد النصارى على ايمانهم بالتثليث وبانهم يعبدون من دون الله .
بحسب علمي وقراءاتي فان الاكتشافات الاثاريةومنها العملا ت الاسلامية المكتشفة لاتحتوي على صيغة الشهادة الثانية الا بعد فترة طويلة من ظهور الاسلام .
يكتب الباحث المصري (هشام حتاتة ) وهو زميلنا في اسرة الحوار المتمدن مقالا بعنوان ( تزوير التاريخ: دور الامويين في الاسلام -2 ). ينقل حتاتة عن دراسة قام بها الباحث محمد كاليش بعنوان :
( لاهوت اسلامي بدون محمد تاريخي ) يقول فيه :
( ومن المثير للانتباه ان المسلمين استغرقوا زمنا طويلا حتى سكوا على عملتهم او نقوشهم صيغة ( محمد رسول الله )
http://www.civicegypt.org/?p=57384
لذا كنت اتمنى على الزميل العزيز الباحث سعيد ناشيد ان يمتلك الشجاعة ويعلن للقراء بان الاكتشافات الاثارية تثبت ان صيغة الشهادة الثانية هي صيغة تم استحداثها في فترة متاخرة من تاريخ الاسلام والدولة الاسلامية.
الاخطاء اللغوية والنحوية في مصحف عثمان
في الفصل المعنون ( ليس القران نحوا ) يؤكد الباحث سعيد ناشيد ان قدماء النحاة انفسهم هم اول من اصطدم بوجود اغلاط نحوية ولغوية في القران , اي في المصحف العثماني ,تعذر تقعيدها وامتنع تقويمها , بحسب الباحث سعيد ناشيد .
في هذا الفصل ساعرض لاستنتاجات الباحث سعيد ناشيد , لكنني ساختلف معه كثيرا حول الموضوع وساعرض لوجهة نظري النقدية موثقة بالادلة .
يعلل سعيد ناشيد الاخطاء اللغوية والنحوية في القران بقوله :
( فاننا نرى الامر دليلا على نقص اللغة الطبيعية نفسها ولا علاقة لها بمسالة الوحي لاسيما ان اللغة العربية وقتها كانت لاتزال في طور الانتقال من العصر الشفوي الى العصر الكتابي . فقد كتب المصحف بلغة عربية كانت لاتزال بلا قواعد ولم تكن التقاليد الكتابية قد ترسخت ( ضعوا تحت العبارة الف خط وساعود لمناقشتها لاحقا ) .
لذلك ليس غريبا ان توجد هنات كتابية , باعتراف علماء القران الاقدمين انفسهم ..فلا يجوز باي حال ان ننسى ان كتاب الوحي كانوا يكتبون الوحي قبل عشرات السنين من ظهور قواعد اللغة العربية .وان كان تقعيد اللغة العربية قد اعتمد اعتمادا كبيرا على لغة القران , الا ان القران ومثلما استعمل مفاهيم سياسية تنتمي الى مرحلة ماقبل الدولة , كما سبق ان اوضحناه فانه استعمل ايضا اساليب نحوية تنتمي الى مرحلة ماقبل قواعد اللغة . وهذا مايمثل اوجه الاختلال والاخطاء في النص المدون ...
علما بان الهفوات النحوية او ( حروف من اللحن ) , كما رآها البعض , في مصحف عثمان ,والتي ارهقت اعرابها المفسرين ,غير موجودة في بعض المصاحف الاخرى , مثلما يؤكد كل من الطبري والزمخشري في تفسيرهما للاية ( لاينال عهدي الظالمين )سورة البقرة , الاية 124 و ان بعض المصاحف الاخرى , التي احرقها عثمان , كانت العبارةالواردة هي :
( لاينال عهدي الظالمون ) ( انتهى الاقتباس ).
استميح القاريء الكريم عذرا على الاطالة في الاقتباسات , علما ان الباحث سعيد ناشيد قدم في هذا الفصل ( 18 ) فقرة للاخطاء في القران, مثل نصب الفاعل وتانيث العدد وجمع العدد ونصب المعطوف على المرفوع , وغيرها كثير .
اقول لكم الحقيقة انني صدمت بهذا التحليل الذي قدمه الباحث سعيد ناشيد وهو المتمرس باستخدام ادوات بحثه ولا استطيع ان اصف تبريره سوى انه تبرير غير منهجي وغير علمي ولا يستند الى علم الالسنيات والتاريخ وغيرها من العلوم . وساقدم الان وجهة نظري النقدية حول الموضوع ارجو من الاستاذ سعيد ناشيد ان يتقبلها برحابة صدر .
تنمووتتطور اللغة مثل الكائن الحي ,وتتعقد اللغة وقد تندثر بسبب اندثار المجتمع الذي ظهرت فيه لاسباب مختلفة منها الاستعمار الثقافي والاستيطاني ,او بسبب تغير ثقافة البلد ولغته .
تبدا اللغة شفاهية وتنتهي بالكتابة , وتكون الحاجة الى وضع قواعد اللغة عندما يتم تخليط اللغة بلغات اخرى فتصبح اللغة الام في منطقة ضبابية وتتغير معاني الكلمات وتتغير مباني الكلمات , حيث يتم بعدها وضع قواعد اللغة ويسير عليها الناس بعد ان كان الناس يتكلمون اللغة على الفطرة .
يحتاج وضع قواعد اللغة الى وجود لغة كتابية وليس شفاهية ومواد يتم تسجيل عليها النصوص كالورق مثلا .
لقد بدات صناعة الورق في بغداد العباسية بعد استيراد مصانع صناعة الورق من الصين .ومعلوم ان الدعوة ولثورة العباسية كان مقرها في خراسان في ايران القديمة وعاصمتها مرو , اي ان سكانها كانوا من الاعاجم من غير العرب , ماعدا ان الجيش العربي الذي فتح بلاد فارس استوطن اغلبهم مع عوائلهم في بلاد فارس .
وبعد مرور الاعوام بدات تظهر العجمة لدى الجيش العربي الفاتح , اقول كلامي هذا كاستنتاج طبيعي لكل الجيوش الفاتحة والمستوطنة .
وبالتالي فان العباسيين باغلبيتهم كانوا من الموالي من غير العرب .قام خلفاء بني العباس بالتزاوج من الجواري وكان اولاد الجواري لايعرفون العربية او يتكلمون العربية بلكنة اجنبية فارسية او غيرها من اللغات . لذا تم وضع قواعد اللغة العربية لتدريس اولاد وبنات عوائل الخلفاء للعربية . اي ان قواعد اللغة العربية وضعت للموالي الاعاجم وللعرب المستوطنين في بلاد فارس والذين اصاب عربيتهم العجمة .وللعجمة التي اصابت لغة قريش بسبب وجود اعداد كبيرة من العبيد الاحابيش في مكة .
كان دور الموالي كبيرا في الاسلام فكتاب الصحاح من امثال البخاري كان من الموالي وكذلك بعض اصحاب المذاهب ومفسري القران وجماع الاحاديث .
ان اغلب التراث الاسلامي وضع من قبل الموالي والذين طبعوا الاسلام بطابعهم واليكم القصة كاملة :
كتب رائد علم الاجتماع المعاصر في العراق الدكتور علي الوردي في كتابه ( اسطورة الادب الرفيع )انه لاتوجد اخطاء في القران , ولو كان هنالك اخطاء لغوية في القران لما سكتت قريش على محمد ولقامت بفضحه .وانما الاخطاء هي اخطاء علماء اللغة العربية الذين قاموا بوضع قواعد اللغة العربية بصورة مغلوطة ادت الى تعقيد اللغة العربية وتحجرها , حيث استندوا في وضع قواعد اللغة العربية على الشعر العربي , اي قصيدة الشطرين وليس على النثر او الخطابة .
معلوم ان قصيدة الشطرين تحتوي على الوزن والقافية , وعلى الشاعر الالتزام بهذين الشطرين . كان الشعراء يلقون قصائدهم على الفطرة لذا يضطر الشاعر , حفاظا على الوزن والقافية ,الى تقديم الخبر على المبتدا , او تقديم الفاعل على الفعل , او مخاطبة المراة بصيغة المذكر والعكس صحيح ايضا , او مخاطبة الجموع بصيغة المفرد . وهكذا دواليك ..
لذا وضع هؤلاء اللغويون قواعد للغة العربية معقدة جدا , بحسب علي الوردي , كانت السبب في تاخر اللغة العربية , بالاضافة الى ربط العلماء قواعد اللغة العربية بالقران مما زاد الطين بلة .علاوة على الاختلاف والصراع بين مدرستي النحويين في الكوفة والبصرة .
يقول الدكتور طه حسين ان علماء اللغة يعرفون بان عربية اليمن تختلف عن عربية الحجاز , لكنه لاحظ خلال دراسته للشعر الجاهلي ان الشعر الجاهلي لليمن والحجاز متشابهان ومكتوبان بنفس العربية . استنتج من ذلك ان الشعر العربي الجاهلي منحول وموضوع ومكتوب بعد الاسلام , في عصر التدوين , وهي كما سنعرض بعد قليل في مرحلة العصر العباسي .
كتب الباحث نادر قريط في مقالة له بعنوان ( لغة القران في نصه : هل ضيعت الامة ماامرت بحفظه ؟ ), يقول فيها ان هنالك عدة آيات في القران تؤكد انه انزل عربيا لغة ولسانا :
( انا انزلناه قرانا عربيا ..)-سورة يوسف ..
و(.. بلسان عربي مبين ) سورة الشعراء ..
ويكتب نادر قريط في نفس مقالته ( لكن وكما سنرى من خلال بعض الامثلة الواردة في مراجع المنظومة العقائدية الاسلامية ذاتها فان وضوحها البادي والقداسة التي تغلفها ليس سوى وهم يتعارض ويتناقض مع حقيقة تعدد لغات نص القران في حياة محمد ولفترة طويلة بعد موته ) .
ينقل الباحث نادر قريط في نفس مقالته عن الطبري في مقدمة تفسيره للقران ( ان كانت العرب , وان جمع جميعها اسم انهم عرب , فهم مختلفوا الالسن بالبيان , متباينو المنطق والكلام .. لم يكن لنا السبيل الى العلم بما عنى الله تعالى ذكره الا ببيان من جعل اليه بيان القران وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
ان الكثير من الاحاديث في صحيح البخاري ومسلم ومسند احمد وفي كتب التفاسير تثبت ان محمدا ذاته ,والكلام لنادر قريط ,يقر بوجود سبعة نصوص للقران وسبع لغات مختلفة , خلافا لما ورد في الايات وما يروج بخصوص وحدة لغة نص القران واستحالة فهمه خارج اللغة العربية التي انتهت الينا .
لقد اقر اغلب العلماء بان المراد بكلمة ( حرف ) هي ( اللغة ) وان ( السبعة احرف ) هي سبع لغات مختلفةفي الفاظها واعرابها . وقد استند اصحاب هذا الراي على الطبري في مقدمة تفسيره للقران .
يكتب الباحث نادر قريط في نفس مقالته :
(كيف اصبحت نصوص القران السبعة نصا واحدا وبلغة واحدة ؟ بل كيف اصبح القران لايؤدي مقاصد صاحبه الا اذا كان بلغة المصحف المتداول بعد ان كان بالامكان فهم مقاصده وهو مصاغ بسبع لغات مختلفة في الفاظها واعرابها ؟ ) .
يقول نادر قريط ان كتب السيرة والتفاسير لاتتطرق الى الاسلوب الذي اتبعه عثمان لتاسيس قدسية وحدة النص القراني ووحدة لغته , التي بدونها لايمكن فهم الاسلام . وهي من الاسباب التي كانت سببا في مقتله ومنع دفنه مع المسلمين حيث جعل القران كتابا واحدا بعد ان كان كتبا , كما كتب الطبري ( تاريخ الطبري : خطبة عثمان ) .
يتساءل نادر قريط : هل يعقل ان نصدق ان لغة قريش هي لغة كل العرب ؟ وهي اللغة ذاتها التي انتهت الينا ؟هل لنا ان نسلم بان جميع العرب كانوا يتكلمون لغة قريش وقد ثبت لدينا ان لغات العرب متباينة ؟ لقد كانت لغة قريش ,من اصحاب هذا المنطق ابن حسون والذي يقول ان لغة القران ليست سوى خليط غريب لالفاظ منقاة مما لايقل عن ( 33 ) لغة في كتابه ( اللغات في القران ).
يقول نادر قريط ان لغة نص القران هي العربية التي انتهت الينا كما كانت في مرحلة التدوين , اي في العصر العباسي ولا احد يمكنه ان ينكر هذه الحقيقة . ويتساءل نادر قريط :
( كيف يمكن لنا تفسير غياب اي اثر تاريخي يثبت لنا انهم كتبوا بلغتهم كبقية الشعوب سواء في حياة محمد او قبله او بعده بعشرات السنين ؟ . في الواقع اثبتت الحفريات .. ان من اصطلح المسلمون على تسميتهم ( عربا ) كتبوا وتركوا آثاركتاباتهم في جميع انحاء الجزيرة العربية ..لكن الغريب في الامر ان كل تلك الكتابات كانت بلغات ليست لها اية علاقة بعربيتنا ,عربية نص القران والشعر الجاهلي , ديوان العرب .
كما ان خطوطها لاتمت باية صلة بالحرف العربي الذي نعرف ..فقد تم العثور على كتابات بالخط النبطي والخط السرياني والمسند بتفرعاته والاختلافات المميزة لمراحل تطوره , بلغات متعددة مثل الحميرية والقبطية والسريانية واللحيانية وغيرها من اللغات . لكن الى حد هذا اليوم لم يجدوا اثرا واحدا بالخط العربي واللغة العربية . اليس غريبا ان يكتب العرب بشتى اللغات وبشتى الخطوط سوى لغتهم الفصيحة لغة ادبهم وسفرهم ؟ ) .
يصل الباحث نادر قريط الى تفجير قنبلته العنقودية بالقول :
(كما ثبت ان العربية التي انتهت الينا كانت نتيجة لمجهودات ( جمع ) مضنية قامت بها مجموعة من اللغويين والنحويين من الموالي والمولدين في العصر العباسي . مجموعة عجم بالفطرة ينطبق عليهم قول حسان بن ثابت :
( وكنتم قديما مابكم غير عجمة كلام . وكنتم كالبهائم في القفر ).ان مؤسسي اللغة العربية والتي لايشك احد في انها لغة القران المتداول كانوا ( اصحاب عجمة كالبهائم في القفر ). قبل ان يجمعوا العربية التي يبدو انها كانت في وقتهم منحلة ومتفرقة في العديد من لغات العرب ).
( 5 ): مسك الختام :
من خلال المصادر التي قدمناها, نستنتج انه لاتوجد عطالة في الوحي الالهي , كما لاتوجد عطالة واخطاء في القران المحمدي . لكن العطالة والاخطاء اللغوية والنحوية والا ملائية نجدها في مصحف عثمان والذي قام النساخ من الموالي , اي من الاعاجم , بنسخه عبر عشرات السنين وارتكبوا ما ارتكبوا من اخطاء نحوية واملائية تم نسبتها لاحقا الى القران .
ان من وضع قواعد اللغة العربية كسيبويه وغيره , ومن كتب كتب الصحاح والتفاسير وجماع الاحاديث وكتبة كتب التراث والفقه الاسلامي هم في غالبيتهم العظمى من الموالي المسلمين , اي من الاعاجم والذين قاموا بتعجيم الاسلام وتطويعه وتطويع نصوص القران بما يلائم بيئتهم وتراثهم وتقاليدهم وهي غير البيئة الصحراوية للعرب .
من هنا نجد ان التشيع الايراني يختلف عن التشيع العلوي العربي . كما نجد الفرق والمذاهب الصوفية والاسماعيلية , وغيرها من الفرق ,قامت بتطويع القران وتفاسيره ليتلائم مع بيئة هذه الفرق والتي يسكن بعضها في اذربيجان والاخرى في تركيا والاخرى في فارس واخرى في افغانستان وغيرها من البلدان .
ان كل حكاية الاسلام قائمة على جمع القران والسيرةالنبوية والاحاديث النبوية من قبل الموالي الاعاجم . كما تبين لنا ان من وضع قواعد اللغة العربية وفرض النسخة الاخيرة من العربية في العصر العباسي هم هؤلاء الاعاجم .
من هنا يتوضح لنا تعظيم دور سلمان الفارسي (المحمدي ) في الاسلام وظهوره المفاجي في غزوة الخندق , تماما كتعظيم دور الرسول بطرس في المسيحية وهو ممثل التيار اليهودي – المسيحي مقابل دور الرسول بولس , المعلم الثاني بعد يسوع , والمؤسس الحقيقي للمسيحية الكونية بعد يسوع الناصري , المعلم الجليلي الاول ومسيح الاناجيل .
لقد تم تعظيم دور خالد بن الوليد في الاسلام وهو القاتل الدموي والعربي القرشي لاظهار دور الامويين في الاسلام وسيطرتهم على شبه الجزيرة العربية من وراء ستار .. كما تم تعظيم دور قادة الفتوحات الاسلامية امثال طارق بن زياد وموسى بن نصير وهما من الامازيغ , اي من الموالي الاعاجم , والذي اسماهم العرب المسلمون الفاتحون باسم ( البربر ) في حين انهم كانوا اصحاب حضارة عريقة وكانت تحكمهم ملكات مشهورات عبر التاريخ .
قام طارق بن زياد وموسى بن نصير بفرض الاسلام والعربية عنوة على المغرب الكبير , لذا لانستغرب تعظيم دور الخلفاء العباسيين وتصغير دور الخلفاء الامويين , حيث تزوج الخلفاء العباسيين من الجواري من جنسيات مختلفة في مناطق ايران القديمة وتركيا وغيرها من البلدان , ان امهات الخلفاء العباسيين من الجواري قد ولدن اطفالا اصبحوا خلفاء بني العباس فيما بعد , حيث احتاجوا الى من يعلمهم العربية , فتم وضع قواعد اللغة العربية من قبل الموالي الاعاجم من النحاة واللغويين .
وهذا هو سبب تعقيد قواعد اللغة العربية . ان استنتاجي يتطابق مع كلام الدكتور علي الوردي في كتابه ( اسطورة الادب الرفيع) ومع أراء طه حسين في الادب الجاهلي .
مقالات ذات صلة:
مقالتنا ( الحداثة والقران:للباحث المغربي سعيد ناشيد –ج1 )وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=483728
مقال بعنوان (عودة الى كتاب مقدمة في التاريخ الاخر : نحو قراءة جديدة لنشاة الاسلام )للباحث موريس عايق وعلى الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=111651
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
