أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد لفته محل - علم اجتماع انتفاضة التحرير العراقية















المزيد.....


علم اجتماع انتفاضة التحرير العراقية


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 27 - 20:18
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لا يجب أن تمر انتفاضة التحرير الإصلاحية العراقية دون دراسة علمية اجتماعية، فهذه الانتفاضة الاجتماعية ظاهرة ملفته تستحق البحث، دون انفعالات وتحيز لندرسها بموضوعية، فالثورات لا تحدث صدفة أو عفوية، إنما لها قوانين اجتماعية كرس علماء الاجتماع أنفسهم لدراستها وخصصوا فرعا من علم اجتماع لها سمي (علم اجتماع الثورة)، فالثورة ظاهرة اجتماعية بالاساس، حيث اتفقوا على أن لكل ثورة أسباب اجتماعية، وان هناك قرائن تسبق الثورة، وان كل ثورة تمر بمراحل ويكون لها قادة وأتباع، وان لأي ثورة أهداف ونتائج، وان هناك أنواع للثورات، لهذا سأستخدم علم اجتماع الثورة في فهم انتفاضة التحرير الإصلاحية بعد أن استعرض نظرياتهم.
اتفق علماء اجتماع الثورة أن لكل ثورة أسباب لكنهم يختلفون في تحديد هذه الأسباب ما بين اتجاهات مثالية تعزوها للأفكار الجديدة أو الشخصيات الموهوبة وبين اتجاهات اجتماعية تعزوها للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وسأركز على الاتجاهات الاجتماعية متجاهلا الاتجاهات المثالية، إذ يرى بعض الباحثين أن أسباب الثورات هو الاحتكاك الحضاري بين شعوب راقية و شعوب متخلفة، فتتسرب قيم وأفكار وأنماط سلوكية جديدة إلى الشعب الذي كان معزولا فيحفزه على التغيير الاجتماعي، فإذا وقف الكيان الاجتماعي حائلا دون هذا التغير انفجرت ثورة(1) أما (لينين) فانه يرى أن الثورات تحدث عندما لا تستطيع الطبقة العليا في المجتمع المحافظة على ديمومة النظام القائم، وعندما لا ترغب الطبقات الدنيا في بقاء النظام(2) أما (وليم اوكبرن) صاحب نظرية (التخلف الحضاري) الذي يرى أن سبب كل ثورة هو التخلف الذي يحدث بين التقدم العلمي الآلي من الحضارة وبين الجزء غير المادي منها كالدين والعقائد والطقوس والمراسيم والآداب العامة والعادات الاجتماعية والتقاليد، فتتسع الهوة بينهما حتى تنبثق الثورة، لكن (سوركن) يرى أن عامل الثورة هو انحطاط وتناقص أفراد الطبقة الارستقراطية حيث تبذل الفئات الحاكمة المستأثرة بالسلطة جهود بالغة لتثبيت المجتمع وتحجيره وعرقلة تغيره، من اجل مصالحها واستمرارها بالحكم(3)، وذلك عن طريق استيلائها على المؤسسات السياسية مع أذنابها، وهذا ما يولد التوتر النفسي بين الناس ويفوت عليهم الفرص في استغلال مواهبهم وهواياتهم، وما يزيد هذه الحالة من العيش هو التغير المستمر في الحياة الحضرية. ما يؤدي بالنهاية نتيجة الصد والكبح للرغبات إلى كراهية النظام وتكون دوافع التمرد عليه، أن محاولة تثبيت المجتمع وتجميده تنطوي على آثار بعيدة المدى في طبيعة العلاقات الاجتماعية بين فئات الشعب المختلفة تجعله ينقسم إلى طوائف اجتماعية مغلقة، فتتباعد الجماعات التي يتكون منها المجتمع تباعدا اجتماعيا، وتتباين على مر الزمن تمايزا من شأنه أن يؤدي إلى تكوين طوائف اجتماعية، فتكون علاقة الطبقة الحاكمة بالمجتمع أشبه بالفئة الفاتحة المتغلبة(4) مفروضة على الناس فرضا، ومن مظاهر التمايز هو أن يجعل التزاوج بين الفئات محرما أو عارا، كذلك تتميز كل فئة بأساليب سلوكية وأنماط حياتية معينة وتكوين جمعيات ونوادي خاصة بهم وحدهم، (ان من طبيعة هذا التمايز أن يزداد بتميز حدود هذه الفئة وتبلورها فيشمل كل ما يسمى في عرف علماء الاجتماع ب"رموز النفوذ" كالسكنى في منطقة معينة وارتداء ملابس خاصة وحمل بعض الشعارات)(وارتياد مؤسسات خاصة والتزام طقوس ومراسيم يتميزون بها وأخيرا تكون عبادات تميزها والهة تختص بها. وهكذا تصبح فوارق ومميزات المنزلة الاجتماعية في النهاية مضمونة بالتقاليد والاعراف الاجتماعية والقوانين والمراسيم)(5) فيطغى التعصب الذي مهمته الحفاظ على البعد الاجتماعي بين الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة(6). إلا أن هناك فريق من الباحثين يضع أهمية على الحاجات الأساسية والجديدة في حدوث الثورات من بينهم (مالينوفسكي و ديفيس) اللذان يران أن كل حركة اجتماعية هي نتيجة وجود سوء تكيف في المجتمع أو جماعة منه لعدم إشباع حاجة أساسية عند الناس، والثورة هي محاولة لتحقيق التكيف والتوازن بعد اختلاله من عدم إشباع الحاجات الملحة والأساسية للناس(7) وكثير من الباحثين يتفقون مع هذا التوجه حيث يرون أن الخيبة وعدم إمكانية إشباع الحاجات الأساسية عند الناس سببا في اندفاعهم في هذا السلوك الجمعي(8) وأخيرا فإن (بلومر) يطرح تحليل شامل لنشوء الثورة، فهو يرى أن البدايات تنشأ تحت ظروف القلق والاضطراب والخلل فيما اعتاده الناس وتعودا عليه من الحياة الروتينية، فعندما كانت هذه الحياة الاجتماعية جارية وفق قواعد معروفة شائعة، يكون الناس مطمئنين قانعين عندما تكون رغباتهم وحاجاتهم وميولهم مشبعة مكتفية قانعة بالفعاليات المعتادة، أما إذا حدث خلل اضطربت هذه الطرق التي يتبعها الناس في إشباع حاجاتهم ورغباتهم، أو إذا ظهرت ميول جديدة لا يمكن إشباعها بالطرق المألوفة المتعارف عليها، فعندها تظهر بوادر الثورة(9) وما يؤجج غليان حالة الناس الذين يعانون ويشعرون بدافع قوي للتنفيس عن تلك الرغبات والميول هو وجود عراقيل وموانع تمنعهم من القيام بمثل هذه الاشباعات، حتى إذا أصبح عدم الاستقرار الفردي معديا وأصبح اجتماعيا يشترك فيه الناس قوي واشتد بتأثير المشاطرة والعدوى في نفس الوقت حيث يتحول القلق الثوري إلى هياج جمعي، فيكتسب تنظيما وشكلا(10).
بعد استعراض ابرز نظريات علم اجتماع الثورة ترى ماذا يمكن أن تقدمه لانتفاضة التحرير؟ أنها تعطينا بتصوري المدخل لدراسة هذه الانتفاضة، فبما أن لكل ثورة سبب، فالسؤال سيكون لماذا قامت انتفاضة التحرير؟ معروف للكل أن سبب قيامها هو سوء الخدمات، وسوء الأمن، والفساد السياسي، والطائفية السياسية، والإرهاب. أي انها قامت على الحاجات الاساسية، وهنا يستطيع القارئ أن يرد علي معترضا بأن هذه الأوضاع كانت متوفرة وسائدة منذ عشرة سنين دون أن تدفع الشعب للانتفاضة؟ وهذا سؤال وجيه جدا والرد عليه بتصوري تجيب عليه نظرية (التخلف الحضاري) لان انعزالنا الحضاري على مدى الحقبة البعثية كان له اثر بالغ في عدم شيوع ثقافة المجتمع المدني كالإضرابات والاعتصامات والعصيان المدني، وانه خلال هذه السنين العشرة تطور المجتمع المدني بفعل الاحتكاك الحضاري عبر تقنيات الستالايت والانترنيت والهواتف الذكية وقيام نظام سياسي ديمقراطي الذي اثر في بنية المجتمع، وهذا ما تؤيده نظرية (الحرمان النسبي) للباحث (stouffer) التي انطلقت من حقيقة ان الحرمان لايؤدي دائما الى اثارة مشاعر الاستياء والغضب والاحتجاج لدى الناس، والذي يدفعهم لذلك هو الشعور بالحرمان نسبة الى مقايسات يجرونها مع أوضاع جماعات أخرى(11) فبعض المحرومين لايعرفون انهم كذلك، اذ جرى اقناعهم ان تلك سنّة الحياة وان التمرد لاجدوى منه، ولا سبيل الا الاستسلام والشكر(12) وهناك عوامل وسيطة تساهم في سلوك الاحتجاج منها ادراك الظلم، وتوقعات النجاح، والكلف والمنافع المُدركة التي ينطوي عليها الاحتجاج(13) كذلك أن الحكومة كانت في بداياتها وتحت سيطرة احتلال وكان إعطائها فرصة منطقيا جدا خصوصا بعدما نجحت في استعادة الأمن عام 2008، وأخيرا هناك سبب آخر مهم يمهد للثورات وهو الكوارث كما يشير علماء اجتماع الثورة، وهذه الأسباب ذاتها هي السبب في فشل انتفاضة عام 2011 التي كانت مستوردة من تونس ومصر ولم تكن محلية عراقية. ولعل نظرية (سوركن) عن أساليب التثبيت والتجميد للمجتمع التي تمارسها الفئة الحاكمة وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية الذي كان واضحا في في مجتمعنا العراقي بتفشي الطائفية الاجتماعية المنسوخة من الطائفية السياسية وتمثل هذا بوضوح في التهجير والاغتيال وعدم الثقة والحرب أهلية، كلها ساهمت بانقسام المجتمع إلى طوائف متناحرة لكل منها ميزاتها، ساهمت كلها بتثبيت النظام السياسي وتقويته الذي أصبح حاميا للطوائف وليس للمجتمع وحال ذلك دون حدوث أي انتفاضة، أما الآن وبرغم الحرب مع داعش والتوتر الطائفي السياسي إقليما وانعكاسه على المجتمع العراقي، فإن ذلك لم ينجح في قيام حرب أهلية، وقيام انتفاضة التحرير هي حرب مضادة للطائفية بعدما فهم قطاع واسع من الشعب لعبة الطائفية السياسية.
يتفق علماء الاجتماع على وجود معالم للفترة التي تسبق الثورة حيث تتميز ببعض الظواهر الاجتماعية كالقلق والاضطراب الاجتماعي وارتباك الناس وعدم استقرارهم وإخلال النظام والخروج عليه، والتشهير بفساد النظام والتحريض ضده، فتشتد التوترات النفسية والانقباض، وهذه كلها مظاهر تلقائية لاشعورية لتلمس العمل الجمعي للمهتاجين هياجا جمعيا(14) ويتزايد عدم رغبة الطبقات الدنيا والناقمة في استمرارية النظام القائم وتزايد عجز وضعف النظام الحاكم في المحافظة على بقائه. فتتسع الشقة بينهما وتزداد المعارضة، ويرافق هذا انتشار تيارات فكرية جديدة ومهاجمة للرجعية والاستبداد(15) وتحدث في الفترة التي تسبق الثورة في معظم الأحيان كوارث وأزمات اجتماعية تهز المجتمع بقوة فتزيد هياجه، وهذه الكوارث والأزمات كالقحط والمجاعات والحروب(16) والفيضانات. وهذا الكلام ينطبق تماما على معالم انتفاضة التحرير حيث كان القلق والاضطراب والارتباك وعدم الاستقرار واضحا على الناس، فهي كانت متشائمة من المستقبل وكل مواطن يقول (اليوم أحسن من باجر، العراق ما تصيرله جاره، العراق أندمر، البلد انباع) وكل شاب ينوي السفر تهريبا حالما تتوفر له الفرصة، وكل مواطن منشغل بالتعيين لان العمل الحر غير مستقر الدخل بسبب الأزمات السياسية وسوء الأمن، وكل عراقي لا يأمن حياته من انفجار أو اغتيال أو اعتقال، والكل كان يخرق النظام ولا يحترمه سواء بالرشوة أو التجاوز لأنه فقد شرعيته بفساده وكما يقال بالعراقي (راس السمجة خايس) أما التشهير بالنظام فقد كان واضحا بعبارات يتداولها العراقيون (كلهم حرامية، ماكو واحد بيهم شريف، ماحد يريدلنا الخير، كلهم ساقطين يضحكون علينا) ويتكلمون عن صفقات الغش مع الشركات والمقاولين في بناء المدارس والمستشفيات وتعبيد الطرق والأرصفة التي يرونها أمام أعينهم تتلف بعد عام من انجازها، أما الكوارث التي تسبق الثورة التي تحدث عنها العلماء فهي واضحة في حالتنا، فسقوط الموصل وتكريت وتهجير المسيح والايزيديين ومجزرة سبايكر والحويجة وبهرز وغرق بغداد بالأمطار وإفلاس الميزانية كلها كوارث مهدت لانتفاضة التحرير العراقية.
بعد مرحلة معالم الثورة يهتم علماء الاجتماع بمرحلة تليها تسمى مراحل الحركة الثورية، فالثورة تمر بمراحل قد تستغرق سنة أو جيلا أو عدة أجيال أو قد لا تستكمل الثورة نتيجة قوى مضادة لها أو فشلها، ويقسم الباحثون الحركة الثورية في دورتها الحياتية إلى قسمين: تكون الحركة سيالة رجراجة تلقائية لا تتميز إلا بالتنظيم البسيط في مراحلها الأولى، أما الأهداف التي تبتغيها الحركة والأدوار التي يتكون منها السلوك الجمعي في هذه المرحلة فهي غير موجودة بوضوح إنما موجودة بصورة جنينية لم تتبلور كاملة. أما المرحلة الثانية من حياة الحركة الثورية فتتميز بالتنظيم الواضح(17) في تقسيم العمل وتبلور الأهداف والوسائل والأساليب، وفي ظهور القيادة في الحركة، وفي تفرع الأدوار وتكّون أيديولوجي واضح. وهناك باحثين آخرين يقسم المراحل الثورية إلى وجود حاجة محسوسة لدى الأفراد يعبرون عنها أمام بعضهم البعض ثم التحريض والتحضيض والإثارة والدعاية فالشعور الاجتماعي بالحاجة ومن ثم التنظيم فالمرحلة المؤسسية(18) ويرى (داوسون وكتيز) إن الحركة تمر بأربع مراحل تبدأ بالقلق الاجتماعي والاضطراب وعدم الاستقرار، ثم تمر بمرحلة الهياج الجمعي، ثم المرحلة الشكلية وأخيرا المرحلة المؤسسية، أما (بلومر) فيضع أهمية بالغة على العوامل الفعالة في تكوين الحركة وتنميتها في مراحلها فيؤكد على دور ما يسميه "بالرجع الدائري" الذي يشتد(19) كلما استمر التفاعل بين المشتركين في هذا السلوك الجمعي حتى يبلغ أشده في عملية العدوى الاجتماعية ومن ثم في الهياج الجمعي حيث يصبح المشتركون في هذا الجزء من الحركة كتلة واحدة تتميز بحالة شعورية نفسانية واحدة، وتصبح مهيأة للعمل المشترك الواحد، ثم يؤكد (بلومر) على عوامل أخرى في الجزء الثاني من حياة الحركة وهذه العوامل هي التهيج، ونمو روح الجماعة، ونمو الثقة بالحركة والعزم على السير في ركابها لتحقيق أهدافها، وتكون أيديولوجي خاص بها، ثم خطة عمل لتحقيق أهدافها(20). وهذه مراحل لم تصل إليها بعد انتفاضة التحرير فهي ما زالت في مراحلها الأولى وأتمنى من قادة الانتفاضة الاستفادة من دروس علم اجتماع الثورة في مراحلها التالية.
المسألة الأخرى التي يهتم بها علماء اجتماع الثورة هي قادة الحركة وأتباعها فبعضهم يؤكد على دور الزعيم في مراحلها الأولى كمهيج ومحرض حيث يأخذ في مرحلة الهياج الجمعي عندما تصبح الأهداف واضحة دور المصلح أو النبي(21)، أما من يشارك في الحركة فيجيب كل الباحثين أن الذين يشاركون بها هم المحرومون والمظلومون والذين لا يرضيهم النظام السياسي القائم، فالثوار هم من الطبقات الدنيا المهظومة الحقوق(22) لكن الماركسيون فإنهم يؤكدون أن الثوار هم من الطبقات العاملة(23) أما دور المثقفين في الحركات الثورية فيشير العلماء إلى أهميته حيث يلعب المثقفون دورا هاما في تنمية الحركة الاجتماعية(24) بصورة عامة وتوجيهها ونشرها وإرساء قواعدها بين الناس والدفاع عنها ضد خصومها وإنجاحها بتطعيمها بالعنصر الطوبائي(25) ويركز (جوزيف شمبير) على دور المثقفين لان الناس مهما وقع عليها الظلم وكرهت النظام فان ذلك لا يكفي لتحفيزها على الثورة عليه، فلا بد من تهيئة الناس نفسيا واجتماعيا للنقمة وتغذيتها بالكراهية، لان الجمهور غير قادر لوحده على تكوين الآراء وتحويلها إلى مواقف ثابتة منسجمة وأعمال، فعلى المثقفين تقع مسؤولية إثارة النقمة بين الناس على النظام(26). وهذا الكلام عن دور المثقفين لا يصح على انتفاضة التحرير كونها بدأت من الشعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن للمثقف أي دور بها سوى تأييدها والمساهمة بالشعارات فقط.
المسالة الأخرى التي شغلت علم اجتماع الثورة هو ما تتوخاه الحركة الثورية وهو تغيير النظام السياسي أو الاجتماعي، فيؤكد بعضهم على تحرير العمال من سيطرة البرجوازية ويؤكد آخرون على تحرير الطبقات المحرومة من الظلم والاستغلال، ويذهب آخرون إلى انتزاع السلطة السياسية من الفئة الحاكمة الفاسدة التي تسيء استعمال السلطة مهددة مصالح الأكثرية من المجتمع، وقد يكون ما تتوخاه الحركة لا يكون معدا من البداية، أو ليس هدفا ثابتا لا يتغير بتغير الحركة، فقد يكون الهدف يتبلور أثناء التفاعل الاجتماعي الذي يحدث بين المشاركين بالثورة وبين بيئتها وظروفها المحيطة(27) كذلك هناك مرحلة مهمة في الثورة ففي مراحل اندلاعها تتوحد الجماهير كأنهم كتلة واحدة متراصة تحصنها من الحركات المعارضة داخلها(28) وبعد نجاحها تحصل انشقاقات تفرق الجمع إلى فئات مختلفة كل منها له نهج خاص به يحارب الفئة الأخرى فيستغل الرجعيون هذه الفرصة للإيقاع بالثورة، فيحتاج الجميع في هذه المرحلة من التنازع ما يسميه علماء الاجتماع "الإجماع في الآراء"(29) وإذا حدث أن فشلت الثورة فان قليلا ممن أثاروها يعترفون بذلك بينما الأكثرية تتهرب من مسؤوليتها بالثورة، في حين كان الكل يدعي أهميته في نجاحها أثناء انتصار الثورة(30) وعلى كل حال تواجه أي ثورة بعد نجاحها مشاكل وصعوبات يسميها (جوزيف شمبير) "تخلف الأفكار" كجمود المؤسسات الاجتماعية وعدم مطاوعتها لمقتضيات الثورة، أو رسوخ العقائد المناقضة لمبادئ الثورة، أو رجعية العادات الاجتماعية المتحجرة والتقاليد، أو أساليب التفكير وعاداته أو تخلف القيم والمعايير والآثار الخلقية، فالثورة قد لا تحقق أهدافها كاملة إلا بعد زمن يقدره بعضهم بجيل أو ثلاثة أجيال تكون عاداته الفكرية متوافقة مع الظروف والأوضاع الجديدة التي أوجدتها الثورة(31). وانتفاضة التحرير تستهدف الطبقات المحرومة جميعها وتبتغي الإصلاح السياسي لتحقيق العدالة في الحقوق والمساواة والنزاهة، أما مستقبل الانتفاضة متروك للمستقبل الذي أتمنى فيه أن تنجح الانتفاضة وتحقق أهدافها.
وأخير فإن علماء اجتماع الثورة يهتمون بأنواع الثورات فيقسمها الماركسيون إلى ثورة القصر الملكي، وثورة ضد الاستعمار، وثورة برجوازية، وثورة العمال، وثورة مضادة، أما فريق آخر فيقسمها إلى ثورة مسلحة وأخرى غير مسلحة، ويذهب فريق ثالث إلى أن الثورة تتوقف على المجتمع الذي تحدث فيه كالثورة الحضارية و الثورة الصناعية والثورة السياسية، ويرى فريق آخر أن الثورات تنقسم إلى نوعين: حركات ثورية جذرية، وحركات ثورية إصلاحية(32) الحركات الإصلاحية تبدأ سعيها ونشاطها مستندة إلى الشريعة الخلقية للمجتمع وهذا ما يجعلها اقل عرضة للنقد والمعارضة فتحضى باحترام الناس(33) لذلك لها القدرة على تكوين رأي عام يساندها بعد أن تشيع بين الناس وتثير النقاشات بينهم بخصوص أهدافها، فهي وجدت من اجل الجماعات المهظومة أو المستغلة(34) فالمهمة الأساسية للحركة الإصلاحية ليست تغيير المجتمع بل التأكيد على القيم المثالية في المجتمع وتدعيمها(35). وهذه المضامين كلها موجودة في انتفاضة التحرير، فهي ترفع شعار النزاهة والمساواة والمؤاخاة والعدل والمدنية وتنبذ الفساد والطائفية والإرهاب والاستبداد.
وأخير فإني اهدي هذه المقالة لشباب انتفاضة التحرير علها تساهم في صنع الإصلاح المنتظر. وتحية إجلال وتقدير لكم يا صناع المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1_الدكتور حاتم الكعبي، في علم اجتماع الثورة، مطبعة الزهراء_بغداد_شارع المتنبي، 1959، ص20.
2_نفس المصدر، ص21.
3_ نفس المصدر، ص24.
4_ نفس المصدر، ص25.
5_ نفس المصدر، ص26.
6_ نفس المصدر، ص27.
7_ نفس المصدر، ص29.
8_ نفس المصدر، ص30.
9_ نفس المصدر، ص31.
10_ نفس المصدر، ص32.
11_الدكتور فارس كمال نظمي، المحرومون في العراق، هويتهم الوطنية واحتجاجاتهم الجمعية، دراسة في سيكولوجية الظلم، المركز العلمي العراقي_بغداد، ص11.
12_نفس المصدر، ص21.
13_نفس المصدر، ص11.
14_ الدكتور حاتم الكعبي، في علم اجتماع الثورة، ص33.
15_ نفس المصدر، ص34.
16_ نفس المصدر، ص35.
17_ نفس المصدر، ص37.
18_ نفس المصدر، ص38.
19_ نفس المصدر، ص39.
20_ نفس المصدر، ص40.
21_ نفس المصدر، ص40.
22_ نفس المصدر، ص43.
23_ نفس المصدر، ص44.
24_ نفس المصدر، ص44.
25_ نفس المصدر، ص45.
26_ نفس المصدر، ص48.
27_ نفس المصدر، ص53.
28_ نفس المصدر، ص56.
29_ نفس المصدر، ص59.
30_ نفس المصدر، ص57.
31_ نفس المصدر، ص61.
32_ نفس المصدر، ص63.
33_ نفس المصدر، ص67.
34_ نفس المصدر، ص68.
35_ نفس المصدر، ص69.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحريف النوعي للجماعة الداعشية
- رؤية اجتماعية لزنا المحارم
- مفهوم الروح في المجتمع العراقي
- موجز الدراسات الإنسانية للظاهرة الدينية
- التفسير الاجتماعي للإلحاد والإيمان
- مفهوم الموت في المجتمع العراقي
- القوى الغيبية في المجتمع العراقي (الحظ، البخت، الكرفه)
- العلاقة العلم بالدين
- العراقي وامريكا
- الفرق بين الطائفة والطائفية
- ملاحظات اجتماعية على الحشد الشعبي
- سلاّب الأموات العراقي
- العلاقة بين العنف والحق
- مدخل نفسي وانثربولوجي لأصل فكرة الله الشعبية
- صورة المرأة في المجتمع العراقي
- مدخل إلى فهم علاقة العلم بالدين
- التحريف النفسي للحرب الأهلية الطائفية بالعراق
- العراقي والطعام
- مدخل لدراسة علمية إنسانية للدين
- صورة الله الشعبية


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد لفته محل - علم اجتماع انتفاضة التحرير العراقية