أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - التحريف النوعي للجماعة الداعشية















المزيد.....

التحريف النوعي للجماعة الداعشية


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 4895 - 2015 / 8 / 13 - 00:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ أن ظهرت حركة داعش الإسلامية الثورية المسلحة من موجة الانتفاضات العربية والتي تسمي نفسها (تنظيم الدولة الإسلامية) حتى شكلت ظاهرة سياسية واجتماعية ملفته، فقد استطاعت أن تسيطر على أراضي شاسعة من سوريا والعراق بعد هزيمتها للجيوش النظامية وتقيم حكما إسلاميا سلفيا صارما عابرا للحدود لإعادة الخلافة الإسلامية، وتقيم نظاما اقتصاديا بتصدير النفط من المصافي التي سيطروا عليها واخذ الجزية والإتاوات والتبرعات، وتجنيد واجتذاب الآلف الأتباع والمقاتلين من شتى أنحاء العالم العربي والأوربي والآسيوي، وتوظيف إعلامي بارع في الحرب والترويج لإيديولوجيتها وإرعاب الآخرين من قوتها وبطشها، كل هذا حققته بعامين ما لم تحققه أي جماعة مسلحة على مدى عقدين من الزمن، ما جعل بقية الفصائل الإسلامية المسلحة تعلن ولائها لداعش ومبايعتها لخليفتها (أبو بكر البغدادي) خليفة على المسلمين، هذا موجز مهم كمدخل لفهم الظاهرة الداعشية من منظور التحريف النوعي الذي في جعبته وجهة نظر خاصة بالموضوع، هذه الظاهرة التي شغلت المحللين السياسيين والاجتماعيين والأمنيين والخبراء في الجماعات المسلحة، الذي بعضهم أعطى تفسيرات سطحية حول دور الفقر في تجنيد الشباب أو دور الكبت الجنسي أو قلة الوعي والجهل أو أنها مؤامرة صهيونية أمريكية الخ من تفسيرات تنم عن مدى جهلنا بهذه الظاهرة الذي ينعكس على تعاملنا الخاطئ معها، وهذه التحليلات الخاطئة هي أيضا موضوع نفسي واجتماعي خصب تناولت جزء منه في مقال سابق(1)، ترى ما ألذي يمكن أن يقدمه التحريف النوعي من جديد في ظاهرة داعش؟ إن ما سأطرحه ليس نفيا للتفسيرات الأخرى الرصينة ولا بديلا عنها وإنما تفسيرا مضافا لها أو موازيا معها، والتحريف النوعي كفرضية اجتماعية لا علاقة له بالسياسة مطلقا لا من بعيد ولا من قريب ولأجل هذا كتبت الموضوع.
من أين نقطة البدء للدخول إلى الجماعة الداعشية؟ إن داعش هي من تعطينا البداية فالعنف والقسوة التي اشتهرت بها وروجت هي بنفسها لها بالأفلام المنزلة على الانترنيت وأعلانها مسؤوليتها عنها، هي خير مدخل للتحريف النوعي لتفسير سلوك الجماعة الداعشية، ومشاهدة هذه الأفلام البشعة مضرة إنسانيا لكنها مفيدة بحثيا للتحريف النوعي، فاستعمال السكين بذبح الرهائن والضحايا ووضعهم في أقفاص ودفنهم بحفر وبملابسهم فرديا أو جماعيا أو إلقائهم بالبحر أو المزابل أو حرقهم، واستخدام بعض الضحايا كقربان لله! وتسميتهم في بعض الأحيان (طليان)، كلها تدل على (حيونة) داعش للإنسان أي لخصومها، وهذه الفرضية الأولى بالتحريف النوعي عندما نعتبر إن الآخر (ليس بشر) حتى نقوم بانتهاكه جسديا أو معنويا فنقول عنه (ليس بني آدم، ليس بشر بل حشر) فنسميهم بناءا على ذلك بأسماء الحيوانات (طليان، خنازير، حمير، كلاب، جرذان) ثم نعتبرهم (أنجاس، حثالة، خيسة) فنستقذرهم بالأكل والشرب ونتنجس من ملامستهم، فنبيح لنا انتهاك حقوقهم بالضبط كما نعامل الحيوان فعليا فنأخذ إناثهم ونغتصبها نظير الاستفادة من إناث بعض الحيوانات من حليبها أو بيضها أو لحمها، وذبح الذكور بالسكين وتقديمه قربان لله هي دلالة صارخة للحيونة، وفي مجزرة قاعدة (سبايكر) الجوية كان الرهائن يحملون في ظهر الشاحنة (البدي) كما تحمل الحيوانات وكانوا يضربون الضحايا على القفا والمؤخرة كما تضرب البهائم على خلفيتها، علما انه كان باستطاعتهم (داعش) أخذهم بباصات لأنها أكثر أمانا لهم لتنفيذ جريمتهم، لكن دافع الحيونة النفسي والاجتماعي هو الذي دفعهم لذلك، وكانت الجثث تلقى بالحفر أو بالماء أو المزابل كما تلقى الحيوانات النافقة، هذا ما يفسره التحريف النوعي لسلوك داعش الذي يأخذ أوصاف العنف والقسوة والتشدد أما التحريف النوعي فيصفه بكلمة جوهرية تبدوا جميع الأوصاف الأخرى اشتقاقات عنها (أنها حيونة الإنسان الآخر) وهذه النقطة الجوهرية في الجماعة الداعشية. والسؤال كيف استطاعت داعش حيونت الإنسان بدون رادع ديني أو خلقي أو أنساني؟ وهل أي واحد منا يستطيع حيونة الإنسان بسهولة دون شعور بالذنب أو الندم أو تأنيب الضمير؟ نعم إن أي إنسان يستطيع حيونة نظيره يجيبنا التحريف النوعي لكن بعد اتخاذ خطوات نفسية هي التي سوف تتجاوز العقبات الأخلاقية والدينية الإنسانية التي تربينا على أن لا نتجاوزها بل نحافظ عليها ونحن نقترف أبشع الجرائم، وهذه الآلية النفسية اسميها التحريف النوعي الايجابي للانا، أي مثلما قمنا بحيونة تصنيف الآخر للنقيض الإنساني السلبي وهو الحيوان، فسنقوم نحن بتأليه الأنا الأعلى لنا وجعل الأنا رسوله أو ملاكه، وذلك بجعل المثال الأعلى للجماعة هو مقدس (الله، الوطن، الحرية، الدين، الأمة، العرق) الذي يلهمها أفعالها والذي يكون هو اناها الأعلى الجديد للأنا، أي أن الأنا لن تستطيع القيام بتأليه اناها الأعلى ما لم تتحد بأنوات أخرى مجتمعة تتخذ مقدسا مثالا لها، فتعتقد الجماعة أنها حزب الرب أو الله، أو شعب الله المختار أو الفرقة الناجية أو الجنس المتفوق الخ من أسماء تتسمى بها الجماعة فتنتقل إلى الأفراد فيعتقدون أنهم (يجاهدون ويستشهدون في سبيل الله ضد الشيطان) وان الأنا ظل الله على الأرض ورسوله في مواجهة الشيطان والكفرة، وهذا بالضبط ما تتصوره داعش، إذن فحيونة الإنسان تقتضي تأليه مثال الجماعة والانا الأعلى وجعل الأنا ملاك يسير على نهجها وتحت إلهامها، لهذا فإن أفراد داعش حين كانوا خارج الجماعة كانوا أناسا عاديين لديهم ضمير سوي ولم يكونوا عدائيين خصوصا الذين يعيشون في أوربا وبمجرد أن ينتمون يصبحون مجرمين مؤمنين، ولا توجد حالة واحدة رُصد فيها داعشي يرأف بضحيته لقناعته أما ما يقوم به هو الحق الإلهي، إن الجماعة في التحريف النوعي تفرض على أعضائها الطهارة كي يتواصلوا بينهم وأي فرد يتنجس بارتكاب الحرام وهو الممنوع الذي فرضته الجماعة يطرد منها أو يعاقب لأنه أصبح نجس وملعون ولا يسمح التواصل أو الاتصال به لان اختراق الحرام يجعل الإنسان حيوان أو يكون نجس فقط في نظر الجماعة والعقوبة هي من تعيد له الطهارة، لكن الجماعة حين تحلل بنفسها الحرام وهي من حرمته، فماذا يكون الرادع للفرد هنا وقد زال من قبل الجماعة؟ عندها سيرتكب الفرد كل المحرمات مع الحفاظ على طهارته كاملة لان الجماعة ببساطة هي طاهرة دوما ولا تتنجس فهي التي تحلل الحرام وهي من تحرمه، ولهذا ان كلمة (حرام) لها معنى مزدوج يدل على المقدس والمدنس، والفرد وحده يفقد طهارته بأمر من الجماعة عندما يرتكب الحرام، وعليه فالجماعة الداعشية مهما فعلت من شرور وحيونة هي طاهرة بأفرادها وهذا الطهر هو مشرّع حيونة الآخرين لأنهم أنجاس، والطهارة هي الفاصل بين الإنسان والحيوان الذي يمثل النجاسة في منظور الجماعة التي وضعت هذا التمييز منذ فجر التاريخ كما يفترض التحريف النوعي.
لكن الجماعة حين تحيون الآخر فإنها تمارس عليه جزاءا حيوانيا، أي أنها تتحيون أيضا مع احتفاظها بطهارتها وبملائكيتها، وداعش رفعت التصنيف ما بين الإنسان والحيوان عن نفسها وعن الآخرين، وهذا الرفع حين تمارسه الجماعة على نفسها فهي تبيح لها انتهاك كل المحرمات التي هي من نهت عنها، وعلى رأسها الجزاء الاجتماعي الذي تعذب أو تقتل فيه كل من يتنجس بالحرام من أفرادها ويتحيون، لكن الفرد أيضا يقوم بنفسه برفع التصنيف عنه لينتهك المحرمات فما الفرق بين الحالتين؟ والفرق بين أن يرفع الفرد التصنيف عن نفسه وبين أن ترفعه الجماعة عنه، الأولى يكون هو المُنتهِك والثانية يكون هو المُنتهَك، وهذا ما فعلته داعش بالإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1_انظر مقالي المنشور على الحوار المتمدن (العراقي وأمريكا).



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية اجتماعية لزنا المحارم
- مفهوم الروح في المجتمع العراقي
- موجز الدراسات الإنسانية للظاهرة الدينية
- التفسير الاجتماعي للإلحاد والإيمان
- مفهوم الموت في المجتمع العراقي
- القوى الغيبية في المجتمع العراقي (الحظ، البخت، الكرفه)
- العلاقة العلم بالدين
- العراقي وامريكا
- الفرق بين الطائفة والطائفية
- ملاحظات اجتماعية على الحشد الشعبي
- سلاّب الأموات العراقي
- العلاقة بين العنف والحق
- مدخل نفسي وانثربولوجي لأصل فكرة الله الشعبية
- صورة المرأة في المجتمع العراقي
- مدخل إلى فهم علاقة العلم بالدين
- التحريف النفسي للحرب الأهلية الطائفية بالعراق
- العراقي والطعام
- مدخل لدراسة علمية إنسانية للدين
- صورة الله الشعبية
- مدخل نفسي وانثروبولوجي لفرضية الله


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - التحريف النوعي للجماعة الداعشية