أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - رؤية اجتماعية لزنا المحارم















المزيد.....

رؤية اجتماعية لزنا المحارم


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 22:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


زنا المحارم من أكثر الأمور المسكوت عنها في المجتمع العربي والعراقي المحاطة بالمحظور والحرام والمستور ومجرد الكلام عن هذا الموضوع يثير حساسية نفسية واجتماعية، والتأمل في هذه المسالة اجتماعيا يثير كثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة بدءا من الاسم الذي يدين ولا يوضح، إذ يدين شيء واضح دون أن يسميه؟ ذلك إن مجرد اللفظ الصريح فيه رمزية الفعل الواقعي وعلى هذا مُنع الوصف الصريح في الاسم الذي أصبح يلّمح ولا يصّرح حتى لو تغيرت التسميات للفعل نفسه فمثلا (سفاح، غشيان، انتهاك) تبقى مقرونة بكلمة (المحارم)! ولو استبدلت بأسماء أخرى تبقى تلمح ولا تصرح كقولنا (نام أو فعل بأمه أو أخته أو بنته) والنوم ليس فعلا جنسيا والفعل هو نشاط عام لا يدل على شيء ولا أحد يجرؤ على القول الصريح إلا ويظهر التقزز والاشمئزاز والتعوذ بالله، وهذا ما نجده في بعض المجتمعات البدائية التي تحرم لفظ بعض أسماء الأشياء المحرمة جدا. مع كل هذا التلميح بالاسم، الكل على الإطلاق يفهم معنى اللفظ بمجرد سماعه! فماذا يعني هذا؟ أليس يعني إن الكل عاش الرغبة أو عرف الحضر. فلماذا حاز هذا الموضوع هذه الخاصية من التحريم دون سواه؟ حيث أصبح جرما يفوق القتل اجتماعيا؟ ولماذا التحريم يطال أسرة الأب (العمة) وأسرة الأم (الخالة) ويطال مجرد الرضع من ثدي واحد؟ ويحرم حتى لفظ التسمية الصريحة وكتابتها؟ كل هذه الأسئلة دفعتني للكتابة عن الموضوع.
إن الناس في حديثها عن الموضوع يظهرون التقزز على الوجه والاحتقار للفعل ويعتبرون الفاعل ينتهك اكبر معصية لمحرمات الله، وفي السجون فان المدان بزنا المحارم هو الشخص الأكثر احتقارا والمعرض للضرب والاهانة من الحراس دون غيره، لذلك يقوم المدانون بإخفاء تهمهم وادعاء دعوة كاذبة غيرها، والحكومة دائما تستثني زنا المحارم من العفو العام فيما تشمل بالعفو القتلة؟ وهذا يعني إن هذا الجرم يفوق القتل اجتماعيا، وزنا المحارم هو أفضل تهمة لتسقيط الآخر والطعن بشرفه وسمعته ومصداقيته، فقد كان سلاحا طائفيا في الصراع المذهبي الطائفي بالعراق، فقد اتهم السنة والشيعة بعضهم البعض بجواز زنا المحارم دينيا وسميت بفتوى (المفاخذه) أو إباحة الزنا بالمحارم أثناء الحرب الخ وكذلك استخدم هذا السلاح ضد الشيوعيين عندما أشاع الملالي عنهم بجواز الزنا بالأم والأخت، والملحد أول ما ُيتهم بأنه يبيح زنا المحارم لكونه لا يؤمن بدين، فلماذا يكون هذا الاتهام الأول للشخص الذي لا يعتنق دين؟ في الغرب الدين ضعيف جدا مع ذلك لا يوجد زنا محارم بينهم، ذلك إن الحضر ليس ديني بل اجتماعي، أليس يعني هذا الاتهام نفسيا إن هذه الرغبة هي الأكثر كبتا والأقوى دون سواها؟ بحيث إنها تنفلت بمجرد رفع الوازع الديني عنها؟ لماذا لم يُتهم الملحد بتجويز سرقة الأموال وممارسة الجنس مع الغريبات وإشباع بطنه بالطعام والشراب وحيازته الممتلكات ما شاء؟ أليس هذا التحريم الاجتماعي القوي يدل على وجود رغبة فيه قوية كما يقول عالم النفس (سيغموند فرويد) أليس الفصل بين الأم وابنها والأخ وأخته والأب وبنته بالفراش يدل على وجود رغبة جنسية بينهم؟ أليس فلم تابو (taboo) ومعناه (المحرم) الذي سمي تحريفا لمعناه (العائلة القذرة) له شعبية واسعة في مجتمعنا العربي بدليل صدرت منه عدة أجزاء ولا زالت تصدر الآلف النسخ منه؟ والاسم الشعبي (العائلة القذرة) له دلاله نفسية بالتحريف النوعي، فلأن العائلة قذرة أصبح مباحا لها انتهاك المحظور، والقذارة رديف النجاسة التي يملكها الشيطان والحيوان،(سأشرح ذلك فيما بعد) وكم من حالات التحرش الجنسي بالمحارم تحدث يتم إخفاءها حفاظا على سمعة العائلة؟ أليس هناك أحاديث بالمزاح عن الزنا بالعمة والخالة؟ ولماذا يذكر عضو المحارم التناسلي في شتائمنا فقط كقولنا (ك-;-"حرف السين محذوف" عمتك، خالتك، أمك، أختك)؟ ولماذا نلفظها في مزاحنا بمرح وفرح وحرية؟ وهناك مثل شعبي واحد فيه تلميح لزنا المحارم يستعمل للسخرية من المتعجب (شاف ما شاف شاف ك-;-. أمه واخترع) والطفل لديه فضول وتعجب تجاه الأعضاء الجنسية؟ والمزاح بالتحليل النفسي يعبر عن رغبة مكبوتة؟ إن الطفل لديه فضول بالأعضاء التناسلية التي يراها من أسرته وإذا نطق بها أو لامسها تعرض للزجر والتوبيخ، وعندما تنبثق الأنا الأعلى خلفا لعقدة اوديب تكبت هذه الرغبات باللاشعور عندها تكون الشتائم هي المتنفس الوحيد بالشجار حيث نلفظ أعضاء التناسل المحرمة على المشتوم حتى النطق بها، فيشعر بالغضب خوفا من رغباته المكبوتة أو لأنها كسرت (التابو) لديه، ونحن أيضا ساعة الغضب نشتم أنفسنا بأعضاء المحارم (ك"حرف السين" أمي، أختي، عمتي، خالتي) وهي حيلة تشبع الرغبة جزئيا تحت مبرر الغضب الذي لا حرج عليه، وهذه الشتائم الذي تثير غضبنا بالشجار نجدها على العكس بالمزاح أنها تثير فينا الفرح والمرح تحت مبرر عدم الجدية! عندما نشتم أنفسنا أو عندما يشتمنا أصدقائنا، ترى من أين مصدر هذا الفرح إن لم يكن أشباع رغبة جزئي لاشعوري؟ مع ملاحظة عدم ذكر عضو الزوجة والبنت في مزاحنا لكون الأول محلل والثاني لم يكن موضع فضول بالطفولة، وهناك تصور شعبي أن اتصال أخ بأخته جنسيا يحولهما إلى حجرين أو جمرتين وهما في التحريف النفسي تحريف نوعي للنقيض السلبي فما داما قد انتهكا المحظور أصبحا غير بشريين، ونحن نلاحظ بسهولة غيرة بعض الأمهات الجنسية من زوجات أبنائهن باختلاق المشاكل معهن وبالتلميح بالشتائم الجنسية كلما استحمت أو وضعت المكياج (الكنه) لزوجها، وغالبا ما تحّمل المرأة مسؤولية إغواء الرجل أو التساهل معه بالزنا.
إذا كانت الرغبة في زنا المحارم قوية فما سبب التحريم الاجتماعي إذن الذي يحظر حتى اللفظ الصريح للتسمية؟ الناس تعتقد إن التحريم الهي وهو يشمل ليس الأقربون بل كل اثنين رضعا من ثدي واحد، وهذا الاعتقاد نابع من تصورنا أن الإنسان يرث من الحليب كل صفاته الحسنه أو السيئة، والتشارك فيه مع احد (ذكر أو أنثى) يرث نفس الصفات في المستقبل ما يجعلهما من أصل واحد وهذا سبب التحريم، وهو واضح في المثل (المايسوكه مرضه، ضرب العصا ما ينفعه) ونختصر فعل الإنسان بعبارة (كلمن يرده حليبه) فنشكر الطيب (ألف رحمة على الديس الرضعته)، ونلعن الشخص السيئ (نعله على مرضعك) ويلاحظ الانتروبولوجي (كلود ليفي شتراوس) إن زنا المحارم ظاهرة عالمية، وانه لا يوجد شعب لم يضع حظرا لهذه العلاقات، بحيث أن الخوف من هذا الفعل ينتمي لطبيعة الأشياء(1) ويرى عالم النفس (سيغموند فرويد) إن زنا المحارم (هو سمة طفليه في جوهرها)(2) (لان الاختيار الجنسي للصبي يكون من طبيعة محرمية) (يتمثل بأمه أو بأخته)(3) ويجب على كل إنسان أن يتحرر من هذه الرغبة تماشيا مع نموه النفسي، فيستبدل عقدة اوديب بالأنا الأعلى، وهي العملية التي ينتقل بها الإنسان من معصوب إلى سوي، وتجسد حضر المحارم في الطوطمية بصورة واضحة وهي من أقدم الديانات البدائية حيث يحضر الاتصال الجنسي مع كل من يحمل نفس الطوطم ليشمل القبيلة كلها ذات الطوطم الواحد، ولا مجال إلا للزواج الخارجي، وبها فسر عالم الاجتماع (أميل دوركايم) سبب الحضر، لكن فرويد يلاحظ أن الطوطمية في المجتمع ألذكوري تبيح للابن الاتصال بأمه كونها من طوطم غير طوطمه (الذي ورثه من أبيه) أما الطوطمية في المجتمع الامومي فإنها تبيح للأب الاتصال ببناته جنسيا كونهن من طوطم أمهن المختلف عن طوطمه(4) فحضر زنا المحارم غير دموي في المجتمع الطوطمي، ويرد فرويد على لسان (جيمس فريزر) على الذين يفسرون الحضر بالنفور الفطري من الفعل متسائلا عن سبب وجود قانون لتجريم فعل يكرهه البشر بالفطرة؟ (فليس ثمة قانون يأمر الإنسان بأن يأكل ويشرب أو يحذره من وضع يديه في النار. فالناس تأكل وتشرب وتبقى أيديها بعيدة عن النار غريزيا) (وعليه نستطيع التسليم بغير تردد بأن الجرائم المحظورة هي حقا جرائم قد يقدم الكثير من الناس على اقترافها بسهولة بنازعة طبيعية. ولولا النوازع الفاسدة لما وجدت جرائم، وإذا لم توجد جرائم، فما الحاجة إلى حضرها؟ وهكذا وبدلا من أن نستنتج من التحضير القانوني لزنا المحارم انه يوجد نفور طبيعي من زنا المحارم، علينا بالأحرى أن نستنتج منه وجود غريزة طبيعية تدفع باتجاه زنى المحارم)(5) وتاريخيا كان زنا المحارم مباحا بل مقدسا لدى الفراعنة القدامى ولدى الانكا في البيرو ولدى الآلهة كما تصوره الاسطورة(6) فهو (كان امتيازا موقوفا على الملوك، ممثلي الآلهة على الأرض، ومحظرا على عامة الناس. أضف إلى ذلك أن علاقات الحب بين المحارم لم تكن مستكرهة لا في العالم الإغريقي ولا في العالم الجرماني كما تصورهما لنا الأساطير والخرافات)(7) والغريب إن الحضر لا يركز على اللواط بين الأخوين أو السحاق بين الأختين والسبب ربما لعدم وجود الرغبة القوية بذلك فلا يتم التطرق إليه وهذا دليل آخر على وجود الرغبة بين المحارم على أساس اختلاف الجنس. ثم يطرح فرويد نظريته عن الموضوع حيث يعتمد على فرضيات (دارون) عن الشكل الأول للحالة الاجتماعية البدائية حين كان الإنسان يعيش في مجاميع أو حشود مترحلة(8) يتزعمها ذكر يستولي على عدة إناث ويمنع سائر الذكور من الاتصال بهن، ويطرد أي منافس له ليشكل المطرودون مجموعة مترحلة جديدة(9) بالزواج الخارجي، وذات يوم (اجتمع الإخوة المطرودون وقتلوا الأب واكلوه، ما وضع حدا لوجود النقيل الأبوي)(10) وبعد نشوة النصر والإحساس بالقوة من التهام جسد أبيهم ساورهم الشعور بالذنب والندم، فحرموا على أنفسهم ما حرمه أبيهم عليهم(11) وكان هناك سبب عملي آخر للحضر هو أن (كل واحدا منهم كان يود، على منوال الأب، لو يستأثر بهن جميعا، والصراع الذي كان سينشب من جراء ذلك كان سيؤدي إلى دمار المجتمع. وما كان في مستطاع أي رجل أن يجاوز باقي الرجال في قوته ويضطلع بدور الأب)(12) ولم يكن أمام الإخوة سوى حظر زنا المحارم على أنفسهم(13) وإذا أردت تطبيق التحريف النوعي على نظرية فرويد فإنها ستختلف في رؤيتها للواقعة المفترضة في جزء منها، فالتحريف سيتصور أن الأخوة اغتصبوا نساء أبيهم لأنهم فعلوا وأكلوا الحرام أي جسد أبيهم عندها أصبحوا نجسين كالحيوانات لأنهم أكلوا أبيهم بطريقة الحيوانات عندما تتكالب على الفريسة، ولم يشعروا بالذنب إلا بعد إشباع رغباتهم، وشعورهم بالندم والذي تمثل بحظر قتل الأب وانتهاك نسائه ونسله هو الذي أوحى لهم الحضر الذي طهرهم وأعاد لهم إنسانيتهم، لكن لعلم الأحياء رأي في زنا المحارم مفاده أن التزاوج بين المحارم يؤدي إلى توارث الجينات السلفية من الأجداد تنتقل معها كل الأمراض والصفات السلبية ذاتها ما يؤدي بمرور الأجيال إلى جيل ضعيف جينيا ليس له قدرة على مقاومة الأمراض ولا التكيف مع البيئة، كذلك لوحظ أن بعض الثدييات تقوم بطرد الذكور عند بلوغهم من المجموعة، فهل هذا السبب البايلوجي هو سبب التحريم الاجتماعي؟ لا شك أن الإنسان حضر زنا المحارم منذ فجر التاريخ قبل أي معرفة بعلم الأحياء، وكيف تأتى للحيوانات أن تحضر زنا المحارم هل بدافع الغريزة؟ لو كانت الغريزة هي السبب لذهبت الذكور طوعا من القطيع تلبية لغريزتها، لكنها تفعل ذلك تحت ضغط ذكور المجموعة فهل هذا يعني إن للحيوانات خبرة اكتسبتها بالموضوع؟ إذن ما هي خبرة البشر التي جعلته يحضر زنا المحارم من فجر التاريخ؟ اعتقد إن الجواب اجتماعي ذلك إن زنا المحارم لا يضعف الإنسان بايلوجيا بل نفسيا واجتماعيا، حيث يبقى نفسيا مثبتا على مراحله الطفولية الأولى (اطوار النمو) أو في حالة نكوص كما يقول التحليل النفسي، أما اجتماعيا فسيكون الفرد ضعيف التكيف والتواصل اجتماعيا بفعل قلة احتكاكه الاجتماعي لكفايته العاطفية والجنسية من الأسرة، ويكون منغلق حتى معرفيا لمحدودية خبرته بالأسرة فيكون كالطائر الذي لا يغادر البيضة خوفا من العالم الغريب، فيبقى نفسيا طفلا مهما تقدم بالعمر، يخشى كل ما هو غريب وجديد ومجهول ولا يحتك بالعالم إلا لضرورات العيش، ويفشل عاطفيا في إقامة أي علاقة مع آخر بسبب تثبت عاطفته الطفولية على الأسرة، هذا التعلق بالأسرة يكون العائق الأول أمام نشوء أي مجتمع سليم وإنسان متكيف اجتماعيا ناجح في التواصل مع الآخرين، إن إباحة زنا المحرم ينتهي بفناء المجتمع بايلوجيا والى تفكك الجماعة إلى اسر منفصلة نفسيا في بقعة جغرافية واحدة، وهذا ما لمسه الإنسان منذ فجر التاريخ، ليكون هذا الحضر هو السبب في خلق إنسان اجتماعي صالح للتكيف والتواصل مع الآخرين منفتح معرفيا وثقافيا، وسليم وبالغ نفسيا وعاطفيا، وهذا الحضر هو الوريث لعقدة اوديب كما سماه (سيغموند فرويد) (الأنا الأعلى) الذي يكون رادعا داخليا في نفس الإنسان، والعقدة الاودبية كما يعبر عنها الدكتور (علي اسعد وطفة) وفق معطيات التحليل النفسي تكون المانع دون تأكيد المرء لذاته (على نحو مستقل ومسؤول) (ولن يكون قادرا في المستقبل على أن يثبت نفسه ويعبر عن ذاته ككائن سوي، ولا سيما فيما يتعلق بدوره الجنسي المتمثل بالأنوثة أو الذكورة. وتأسسا على هذه الرؤية يمكن القول بأن الطفل الاوديبي لن يكون قادرا على أن يكون رجلا حقيقيا في المستقبل) (وكذلك هي حال الطفلة الاوديبية.)(14) وفرويد طرح نظرية مشابهة لهذا الطرح قبل أن يغيرها بنظرية قتل الأب البدائي وهي كما كتب (فالمجتمع هو الذي يفرض هذا التقييد، اضطراراً منه إلى الحؤول دون استيعاب الأسرة لجميع القوى التي هو بحاجة إليها لبناء تنظيمات اجتماعية أعلى؛ ولذلك يلجأ المجتمع إلى جميع الوسائل التي من شأنها أن تؤدي لدى كل عضو من أعضائه، وعلى الأخص لدى المراهقين، إلى تراخي الروابط العائلية التي ما كان ثمة روابط غيرها تشد الفرد في طفولته)(15) فالزواج الخارجي هو بذرة التلاقح الثقافي بين المجتمعات وهو احد وسائل التغير والحراك الاجتماعي، فالحضر لتكوين فرد سوي ومجتمع متماسك. والسؤال لماذا لم يلغي التطور هذه الرغبة في المحارم بل ويمنع عملية التلاقح بينهما حفاظا على جنس الإنسان؟ ربما أبقاها التطور أيضا كي يستعملها الإنسان في حالة تعرضه للانقراض مثلما بدأت البشرية من زنا المحارم كما تقول أسطورة آدم وحواء؟ دون أن تثير هذه الأسطورة أي تقزز واستنكار من كل المعتقدين بها! الجواب على هذا القبول العالمي للأسطورة لدى التحريف النوعي ونقطة البدء يراها في أكل الفاكهة المحرمة التي على أساسها طرد من الجنة، أن أكل هذه الفاكهة المحرمة نقلت الحرام لجسد آدم وذريته، فأصبح أبناءه نجسين ملعونين، فأكل الحرام يورث الحرام للأبناء كقولنا (ابن حرام) على الشخص السيء، وعندما يصبح الإنسان نجسا ملعوناً يبيح لنفسه انتهاك المحرم المكبوت، فتضعف سلطة الأنا الأعلى لان الأنا أصبح حيوان أو شيطان وليس إنسان، ليكون الأنا خارج دائرة النواهي البشرية، وعلى ضوء هذا التفسير ارتكب أبناء آدم محرمين هما قتل الأخ وزنا المحارم، ولو لم يأكل آدم من الشجرة المحرمة لتغيرت القصة تماما(16). الموضوع معقد وحساس ويحتاج لجهود الآخرين الجريئة والصريحة لبحثه أكثر.
ـــــــــــــــ
1_الدكتور مهنا يوسف حداد، الانثربولوجيا الدينية أو العلاقة التبادلية بين ظاهرتي الحضارة والديانة، الطبعة الأولى (2011)، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع، دار اليازوري، ص256.
2_سيغموند فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص29.
3_نفس المصدر ص29.
4_نفس المصدر ص13.
5_نفس المصدر ص162.
6_ سيغموند فرويد، النظرية العامة للامراض العصابية، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص119.
7_ سيغموند فرويد، موسى والتوحيد، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص167.
8_سيغموند فرويد، الطوطم والحرام، ص164.
9_نفس المصدر ص165.
10_نفس المصدر ص185.
11_ نفس المصدر ص187.
12_ نفس المصدر ص188.
13_ نفس المصدر ص188.
14_د.علي اسعد وطفة، الأسس الرمزية ولأسطورية لنشأة الأخلاق في سيكولوجية فرويد، مجلة المعرفة، الدراسات والبحوث، ص68.
15_سيغموند فرويد، ثلاثة مباحث في نظرية الجنس، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص98.
16_ ومن المفارقات المثيرة انه يوجد نصب تاريخي بابلي في بغداد (أسد بابل) تعتقد الناس انه قصة أخ حاول أن يغتصب أخته فحوله الله إلى أسد حجري، وهذا التصور الخاطئ عن النصب مهما نفسيا رغم انه مخطئ تاريخيا فالنصب له دلالة أخرى، المهم أن هذا التصور المشاع بين الناس دون أن يشكل هذا النصب أي تقزز واستفزاز عاطفي؟! فلماذا لم يحطمه الناس وهو ينتهك المحارم؟ إن التحريف النوعي هو من لديه الجواب، فألانا حينما تمارس التحريف النوعي السلبي على نفسها تصبح غير مسؤولة أخلاقيا وشرعيا حالها حال الحيوان الغير مسؤول أخلاقيا، فتحول الأخ من إنسان إلى حيوان نفسيا، لكي ينتهك المحظور بدون اعتراض الأنا الأعلى، ولو كان الأخ مازال بشرا لما بقي النصب لحظة في مكانه دون أن يٌحطم، لكن لماذا الأسد كان الاختيار؟ وهو له قيمة رمزية ايجابية في مجتمعنا؟ هل هو حيلة لتعبير الرغبة عن نفسها، أي هل أننا نحسد هذا الأخ/ الأسد على فعله لاشعوريا؟ فنحن نطلق كلمة (أسد، أو ذئب) على المباح له انتهاك المحظور (القتل) في الحرب.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الروح في المجتمع العراقي
- موجز الدراسات الإنسانية للظاهرة الدينية
- التفسير الاجتماعي للإلحاد والإيمان
- مفهوم الموت في المجتمع العراقي
- القوى الغيبية في المجتمع العراقي (الحظ، البخت، الكرفه)
- العلاقة العلم بالدين
- العراقي وامريكا
- الفرق بين الطائفة والطائفية
- ملاحظات اجتماعية على الحشد الشعبي
- سلاّب الأموات العراقي
- العلاقة بين العنف والحق
- مدخل نفسي وانثربولوجي لأصل فكرة الله الشعبية
- صورة المرأة في المجتمع العراقي
- مدخل إلى فهم علاقة العلم بالدين
- التحريف النفسي للحرب الأهلية الطائفية بالعراق
- العراقي والطعام
- مدخل لدراسة علمية إنسانية للدين
- صورة الله الشعبية
- مدخل نفسي وانثروبولوجي لفرضية الله
- مدخل نفسي للفاسد في المجتمع العراقي*


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - رؤية اجتماعية لزنا المحارم