أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - العلاقة بين العنف والحق















المزيد.....

العلاقة بين العنف والحق


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 4763 - 2015 / 3 / 30 - 22:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد يبدو العنوان إشكاليا من البداية بربطه بين العنف والحق، وهذا شيء يدعوا للدهشة والتساؤل فمن أين جاءت العلاقة بين العنف والحق؟ رغم الاختلاف الظاهر بينهما بحيث يبدوا الدمج بينهما نوعا من التناقض المنطقي والتفكير المغلوط؟ فهو كسر للبديهيات التي اعتدنا عليها التي كثير منها هي عادات فكرية غير خاضعة للتساؤل والنقد والمحاكمة لذلك سوف نتفحص هذه العلاقة المفترضة. يقول عالم النفس (سيغموند فرويد) (إن الحق والعنف يبدوان لنا اليوم كنقيضين. وعلى ذلك فانه يمكن أن نتبين بسهولة إن الواحدة منهما نشأت عن الأخرى)(1) وهناك مقولة أخرى في نفس السياق (إن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة هو مصدر كل قمع) ويبدوا أن العنف يثير التقزز والاشمئزاز والاستياء ويترك آثار نفسية سلبية على الإنسان ومرفوض من الجميع، ولا يتجرأ احد على إعلانه قول (أنا أحب العنف) وهو رديف الوحشية والهمجية والبربرية والجهل بينما الحق الكل يعلن انه يحبه ويريد تحقيقه ومستعد للتضحية من اجله، وهو رديف الجمال والعقل والاتزان والعدل، لكن للأسف إن العنف مستمر إلى الآن رغم الإدانة الأخلاقية والقانونية والدينية له؟! فلماذا هذا التناقض ما بين الإدانة والممارسة له؟ فهل الناس تحب العنف بسرها وتدينه بعلنها؟ إن الناس صادقة في إدانة العنف وليست كاذبة أبدا كما يتصور البعض لكن الذي يعطي الشرعية لممارسة العنف هو اعتقاد الشخص أو الجماعة أنها تستخدم العنف من اجل (الحق) أو صاحبة الحق، وهذا يترتب عليه أن الآخر هو الباطل، إذا كنت أنا صاحب الحق، ما يزيد من تبرير العنف وشرعيته، فلا يشعر الإنسان بالذنب عندها ولا بمخالفة الضمير الجمعي، لان هذه القيم الأخلاقية مغروسة في ضمير الفرد والجماعة بالتربية والتلقين والتطبع وليس من السهل كسرها ما لم يكن هناك مبرر يشرّع كسرها، فيستقيم العنف والحق لديه بل إن مسمى (العنف) يعد مرفوضا ويستبدله بتسمية (اخذ الحق، دفاعا عن النفس، تحقيق العدالة، من اجل القيم الإنسانية، ثأرا على اعتداء، انتقام للشرف الخ) وهنا يكون توظيف الحق هو (المبرر) و (المشرّع) في استخدام العنف، فأمريكا تبرر عنفها باسم (الأمن القومي، مبادئ الحرية، قيم العالم الحر، مصالحها الخاصة) والمستعمر قديما كان يرفع شعار (الفاتح أو المحرر) في احتلال البلدان واغتصابها لنقل (التحضر) أو (الدين الحق) لها! وفي الصراع المذهبي بين السنة والشيعة كان كل طرف يعتقد إن الحق من جانبه بالتالي فان الباطل والظلال من جانب الآخر الذي يقف ضد هذا (الحق)! والجناة في مجزرة قاعدة (سبايكر) كانوا يرددون عبارة (الثأر لشهدائنا) أثناء تنفيذ القتل على الرهائن، وهكذا يغدوا الحق والعنف وجهان لعملة واحدة، فهل من الممكن فهم الآلية التي يبرر فيها الأنا العنف بالحق على الأنا الأعلى؟ إن الأنا الأعلى يمثل القيم الخلقية التي اكتسبها من المجتمع والتي أصبحت قوة نفسية ضاغطة تضبط سلوك الإنسان حتى لو كان بعيدا عن رقابة المجتمع المباشرة، وبهذا يضبط المجتمع سلوك الأفراد ورغباتهم التي تتعارض مع إرادة ومصلحة المجتمع، لكن للانا له رغبات فردية أنانية تريد الإشباع والتحقق عندها تلجأ إلى التبرير لإقناع الأنا الأعلى بأنها مازالت على منهج الأخلاق والقيم الاجتماعية فيعطيها الأنا الأعلى الضوء الأخضر فتتحقق الرغبات والدوافع تحت ستار الحق والحقيقة بالقيم الخلقية والنبيلة. إن للحق قوة تجعله يخرق القواعد والمحظورات الأخلاقية وكأن له طبيعة مقدسه ولا عجب فهو احد أسماء الله، وبه نستطيع أن نبيح العنف والقتل، ما يجعل منزلة الحق فوق البشر والقوانين، حتى يغدوا كأن مفهوم الحق كل ما هو مبرر في انتهاك المحظور، دون أن يعني تعطل المحظور دائما بل تعطله في حالة الحق فقط، كذلك للحق جاذبية روحية فهو رديف الله والعدل والعقل والجمال، لكن كيف يكون الحق رديف للجمال والعدل والله وهو ينتهك أقدس القواعد الأخلاقية (لا تقتل، لا تعتدي، لا تؤذي احد)؟ ويبيح لنا انتهاك كل هذه المحظورات؟ لابد أن لجاذبية الحق من سبب آخر غير عقلي بل نفسي، ربما لأنه يبيح لنا انتهاك القواعد القاهرة التي تقيد رغباتنا ومصالحنا، فيتحقق الإشباع بانتهاك هذه القيود باسم الحق الذي يعطل الجزاء ويشرعن الفعل. وبما أن العنف الذي يستخدم لأجل الحق هو عادة جزاء على انتهاك أو اعتداء فهو بالمقابل يبيح لنا انتهاك واعتداء مماثل لما قام به الجاني وقد انتبه (سيغموند فرويد) لذلك (وكثيرا ما يتفق أن يتيح العقاب لأولئك الذين يتولون تنفيذه الفرصة ليقترفوا بدورهم، تحت غطاء التكفير، الفعل المحرم نفسه. وذلك هو أحد المبادئ الأساسية لنظام العقوبات البشري، وهو ينبع بطبيعة الحال من تطابق الرغبات المكبوتة لدى المجرم ولدى أولئك الذين توكل إليهم مهمة الثأر للمجتمع الطعين)(2) وإذا حاولنا أن نفسر العلاقة بين العنف والحق بفرضيات التحليل النفسي، فإن مصدر الحق هو الأنا الأعلى الحامل للقيم الاجتماعية والأبوية، وهذا الأنا الأعلى على صلة وثيقة ب(الهذا) الحمل للرغبات والميراث البشري، فهو يستمد منه دوافع الهدم والموت التي تتيح له التسلط والإيلام وإشعار الأنا بالذنب(3) إذا لم يجد هذا الأخير مسوغ لتحويل هذه الدوافع إلى الخارج وليس أفضل من (الحق) لتحويل هذه الدوافع الهدمية إلى الخارج.
لكن من أين جائت مصادر قوة الحق التي جعلت باسمه يبرر العنف ويباح المحظور؟ إن المجتمع يلقن أفراده القيم والعادات والأفكار والسلوكيات على أنها حقائق فطرية وبديهية ليتطبعُ بها، فتغدوا بمرور الوقت برتبة الحق لكل فرد، والمجتمع يستخدم العنف ضد أي انتهاك لهذه القيم بالجزاء الاجتماعي، فيكون المعلم الأول للفرد لاستخدام العنف باسم الحق، فيصبح الإنسان مستعدا لاستخدام العنف إذا اعتقد بأمر على انه حق! وكل مستخدم للعنف لابد أن يعتقد انه على حق، وكلما زادت قسوة العنف كان على يقين انه صاحب حق، فنحن لا نستطيع قتل شخص بدون سبب لكن هذا الشخص حين يسطوا علينا أو يهددنا بالسلاح أو حين يكون غازيا يغدوا مبررا قتله! بل يتحول قتله من جرم إلى حق طبيعي! بحجة الدفاع عن النفس أو الوطن أو العقيدة، فإذا كان كل شيء يعتقد الإنسان بأحقيته وحقيقته مستعد لاستخدام العنف من اجله، فهذا يقودنا إلى حتمية العنف إذ أن كثير من القضايا النبيلة كالوطن والحرية والعقيدة والعدالة لا تكتسب أهميتها والإيمان بها إلا إذا اعتقد الإنسان بأحقيتها وحقيقتها بالتالي يكون مستعدا لاستخدام العنف (دفاعا عنها، ومن اجلها) وبذلك دخلنا في موقف تشاؤمي ونفق مغلق من الطرف الآخر، فهل هذا نهاية المطاف؟ أن التلاقح بين الثقافات عمل على التخفيف من هذه الحتمية فساهم هذا التلاقح في نشوء مبدأ الاعتراف بالآخر، ومبدأ التعايش والتسامح، ثم ُطرح مبدأ الحقيقة النسبية في العلوم الطبيعية والإنسانية، مع ذلك لازالت أمور عالمية يعتقد الإنسان بحقيقتها وأحقيتها يستخدم العنف من اجلها وباسمها، وعليه لابد من بقاء نسبة من العنف لان المبادئ لا تكتسب قيمتها إلا بالاعتقاد بأحقيتها، وهنا ندخل مأزق مزدوج مابين الحفاظ على المبادئ وعلى العنف، أو ما بين التخلص من العنف والمبادئ معا! وهل ثمة وسيلة ندافع بها عن المبادئ النبيلة بطريقة سلمية أو بالقوة الناعمة؟ لعل وسائل الضغط السلمية التي ابتكرتها الليبرالية كالإضراب والتظاهر والعصيان كانت هي حل نسبي لهذه الإشكالية المزدوجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_سيغموند فرويد، أفكار لأزمنة الحرب والموت، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص44.
2_سيغموند فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص97.
3_سيغموند فرويد، الأنا والهَذا، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص57.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل نفسي وانثربولوجي لأصل فكرة الله الشعبية
- صورة المرأة في المجتمع العراقي
- مدخل إلى فهم علاقة العلم بالدين
- التحريف النفسي للحرب الأهلية الطائفية بالعراق
- العراقي والطعام
- مدخل لدراسة علمية إنسانية للدين
- صورة الله الشعبية
- مدخل نفسي وانثروبولوجي لفرضية الله
- مدخل نفسي للفاسد في المجتمع العراقي*
- العراقي والكذب
- المالكي وخصومه
- انطباعات عن سقوط الموصل؟
- ظاهرة داعش بالعراق
- العراقي والتنبؤ
- نقد أسطورة الجنة والنار في الإسلام
- العراقي والخوف
- التحريف النفسي للعنف البشري
- نقد الديمقراطية العراقية
- مقتدى الصدر ماله وما عليه
- نظرية المؤامرة في المجتمع العربي


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - العلاقة بين العنف والحق