أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسين محمود التلاوي - الطِّيبَة... عن أسوان نتكلم...














المزيد.....

الطِّيبَة... عن أسوان نتكلم...


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 21:49
المحور: سيرة ذاتية
    


الطِّيبَة...
عن أسوان نتكلم...

احترت كثيرا في اختيار نقطة البداية، إلا أن الحيرة توقفت فجأة عندما وجدت الإجابة تتدفق إلى ذهني، وكأنها دفق نوراني جاء ليخرجني من دوامة الحيرة. كانت الإجابة هي أسوان.
لماذا تحتل أسوان هذه المكانة المتميزة في قلبي؟! ربما لأنها المكان الأصل كما يحلو للكثيرين أن يقولوه، باعتبار أن الصعيد كما يقال هو موطن السلالة الجيزاوية التي شكلت أصل الفراعنة، كما أن أسوان لعبت دورا كبيرا في تحرير مصر من الكثير من الغزاة وبخاصة من الهكسوس، حيث كانت المكان الذي انطلقت منه جيوش التحرير لتعبر مصر من أقصاها لأقصاها حتى تصل إلى سيناء — تلك البقعة السحرية الأخرى من أرض مصر — لتطردهم بعيدا عن أرض مصر الطاهرة.
ولكن إذا أردنا أن نتكلم عن أسوان؛ فمن أين نبدأ؟! فلنقل إن البداية المناسبة تكون من مراسم الزواج. إذن، عن الطِّيبَة سوف نتكلم، وعن أسوان سنحكي.

يجلس الجد عويس متكئا على الأريكة خارج منزله الريفي البسيط الذي يحلو أن يطلق عليه تعبير "الدار" تمييزا له عن سائر المنازل في القرية التي يقطن فيها.
أي قرية تلك؟! لا يهم، فكل قرى مصر مسكن للجد عويس؛ فهو يعيش في كل مكان من أرض مصر الطِّيبَة.
يجلس الجد عويس على الأريكة وقد ثنى ساقه اليسرى في وضع رأسي ليمد فوقها ذراعه الأيسر، فيما ثنى ساقه اليمنى وحمل في ذراعه الأيمن كوب الشاي الثقيل، الذي راحت الأبخرة ترتفع منه وتتمايل مع هواء العصر الرقيق، في تماوج مع تمايل جلباب الجد ناصع البياض، مما أكمل اللوحة البارعة التي رسمتها أعواد البرسيم الخضراء التي ازدانت بها الحقول الممتدة أمام "دار الجد عويس".
راح الجد يتطلع إلى شمس العصر، وكأنه يجري معها حوارا صامتا بدأ منذ آلاف السنين ولم ينته للآن. ثم نظر إليّ، وقال في صوت منخفض لكنه متماسك: "الأفراح يا ولدي. لا بد من البداية بالأفراح. ما نبدأ فيه بالأفراح، يستمر فيه الفرح". احترمت رغبته لسببين، وأولهما قوة المبرر، والثاني أنها اتفقت مع رغبتي في ذلك.
عاد يقول بصوته المنخفض: "إنها الأفراح. تبدأ بداية تقليدية بأن يخبر أحدهم والده أو أخاه الأكبر أو عمه أو ولي أمره برغبته في الاقتران. فيقوم ولي الأمر هذا بعرض الأمر على عائلة العروس. ولما تحدث الموافقة. تبدأ الطِّيبَة، التي تساوي الخطوبة في البندر". وقبل أن ألقي السؤال الذي تفجر في عينيّ، وجدته يقول: "هذه طبيعة المصريين. هناك خيط عام يربط بين الجميع، ولكن لكل حبة من حبات العقد بريقها المميز لها عن الحبات الأخرى. إنه التنوع في إطار الوحدة يا ولدي"، ومط شفتيه في حسرة فيما يبدو على ما تؤول إليه الأمور في مصر.
صمت الجد عويس كثيرا، ربما كان يمتص ما شعر به، فاحترمت صمته، الذي قطعه بعد أن رشف رشفة من كوب الشاي، الذي يبدو وكأنه بلا نهاية، وقال: "الاختلاف يبدأ من هنا"، ويصمت قليلا، قبل أن يتابع قائلا: "عندما يحدث رد إيجابي، يتم الاتفاق على عقد جلسة في منزل العروس لا يحضرها العريس، ولكن يحضرها أهله وأقرباؤه والجيران".
وعند تعبير الجيران، التمع السؤال في عيني، ولكن الجد عويس بادرني قائلا في هدوء: "في قرى الصعيد، يسكن أفراد كل قبيلة في منطقة متجاورة، وأحيانا ما تسيطر قبيلة واحدة على قرية بأكملها، إذا كان العدد كبيرا". يأخذ رشفة من كوب الشاي الذي لا يزال البخار ينبعث منه، ويتابع قائلا: "لذلك، الجيران هنا هم من أبناء عمومة العريس وأهله".
بعد ذلك، يهز يده اليسرى في إشارة إلى أن هذه النقطة نالت ما يكفي، ثم يقول: "يأخذ أهل العريس وأهل العروس في استقبال المهنئين الذين يحضرون صناديق المياه الغازية، فيقوم رب الدار بحصر أسماء من تقدموا له بهذه الهدية لكي يقوم بردها، عندما يحين أوان الرد".
ثم ماذا بعد؟!
يذهب أهل العريس وأقرباؤه إلى منزل العروس، ويكون العدد في أقل الأحوال ثلاثين شخصا، ولكنه قد يتجاوز المائة في بعض الأحيان. يجلس والد العريس ووالدته أو أولياء أمره في حجرة تسمى "المندرة" وهي حجرة الضيوف في منزل العروس، بينما يتم فرش حصر بلاستيكية على جانبي شارع منزل العروس، وهي الحصر التي تعرف بـ"البورشة"، فيجلس الجميع في انتظار إعلان الموافقة"
"نعم يا ولدي. إن الشوارع في أسوان فسيحة، وتسع الجميع أن يجلسوا على جانبيها".
"يتم إعلان الموافقة، وهنا... يحين دور المهر"، قالها الجد عويس بلهجة خاصة، وعيناه تلتمعان بضحكة سرعان ما تفجرت على شفتيه فاهتز معها كوب الشاي في يده.
ما سر الضحك؟!
يقول الجد عويس في إشفاق: "دوما عجول أنت يا ولدي، ولا تنتظر الإجابة"، ثم يتابع قائلا: "المهر عادة ما يتراوح بين سبعة آلاف وعشرة آلاف جنيه. وهناك من يقدمه في هدوء في مظروف لولي أمر العروس. ولكن هناك...". يعود الضحك من جديد قبل أن يتابع وصوته الواهن لا يزال يحمل أثر الضحك: "هناك من يحب أن يتباهى بالمهر، فيقوم بإعطائه لولي أمر العروس ورقة بعد أخرى، على أن يتولى شخص يقف على باب المندرة تبليغ الحاضرين في الخارج بالمبلغ!".
انفجرت في الضحك، وأنا أفكر في مقدار ما يمكن أن تشعر به العروس من حرج بسبب هذا الأمر! لا ريب أنه يبدو محرجا، ولكن ربما العادات والتقاليد تجعل منه أمر تقليديا ومقبولا ولا حرج منه! إنه التنوع يا صديق!
يخرجني صوت الجد عويس من خواطري بأن يقول: "ينتقل الحضور بعد ذلك إلى بيت العريس ليقدموا له التهنئة بهذه المناسبة"، وينظر لي نظرة ذات مغزى ويقول: "وبذلك تنتهي ليلة الطِّيبَة".
والزواج؟!
لذلك قصة أخرى، ولأسوان أيضا حلقة أخرى!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمير المستنقعات (قصة كاملة)
- أزمة الفيفا... السبب فلسطين؟!
- روسيا والثورة الشيوعية... سرد تأملي مختصر... ما قبل الثورة ( ...
- 15 مايو... عيد الاستقلال... من سمع بالنكبة؟!
- روسيا والثورة الشيوعية... سرد تأملي مختصر... ما قبل الثورة ( ...
- نوادر جحا... انتصار ل-العادي-؟! أم حيلة دفاعية؟!
- داعش باليرموك... لا أمل...
- عاصفة الحزم... الكثير من الأمور والغبار...
- آتشيبي وأشياؤه... طبول أفريقيا تقرع مجددًا...
- عن الأشياء الصغيرة التي تتوه في الزحام...
- في الإلحاد...
- انتحار
- المصري وحيرة الجن... أشر أريد بأهل مصر؟!
- أصداء
- كلمات
- من أورويل إلى أبو زيد... حرب تبوير العقول...
- إلى أين قادتني القطة؟؟!! (3)
- إلى أين قادتني القطة؟؟!! (2)
- إلى أين قادتني القطة؟؟!! (1)
- ليرحل الطاغية... حملة -تطهير- لإسقاط الفساد من حكم مصر...


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسين محمود التلاوي - الطِّيبَة... عن أسوان نتكلم...