|
أريد أن أصوت ولكن .. حلفت ألا أبيع الدين بالتين
أحمد هيهات
الحوار المتمدن-العدد: 4904 - 2015 / 8 / 22 - 21:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أريد أن أصوت ولكن .. حلفت ألا أبيع الدين بالتين ذكرني بيع بعض المواطنين أصواتهم الانتخابية بثمن بخس ودراهم معدودة ، زاهدين في هذه الأصوات منقصين من قيمتها ، مستخفين بأثرها على الأمة وعلى مستقبلها لأنها تسلم مصائر الملايين من المواطنين إلى أياد غير أمينة وغير قوية وأصحابها من غير ذوي المروءات الذين يؤنس منهم العقل والرأي ، بل على العكس من ذلك فأغلب هذه الأيادي من ورائها نوايا ومقاصد خبيثة تحركها المصلحة الشخصية ، والمتاجرة بتفويض المواطنين لهم ، واستثمار الأصوات التي اقترفوها بوعود عرقوبية ، وأكاذيب بواح صريحة تنفطر لهولها القلوب والأكباد ، وادعاءات مكشوفة مفضوحة بالقوة والأمانة والقدرة على التغيير والإصلاح ، وهم يبيّتون في قرارات أنفسهم النية والعزم على تحقيق المكاسب الخاصة ، وخدمة النفس والمقرّبين والمستحقين بما قرّبوا من مقابلات ، ممتطين صهوات أصوات المواطنين . ومما يحزّ في النفس ويثير الغضب والشفقة أن المواطنين يصدقون الكذب المكرور وخصوصا الكذب الجديد أو النابع من أفواه جديدة ، ويكتفون من تجار الانتخابات بالاستقسام والأيمان المغلّظة ، ودموع التماسيح والذئاب ، والخطب العاطفية والدعاء على النفس والأهل والولد بالويل والتّبور في حالة الإخلاف بالوعود ، وإثارة النزعات والنعرات العصبية والقبلية والقرابات الدموية ، وإذا ما راجعت أحدهم أن فلانا بريء من حس المسؤولية براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام أجابك جواب أبي طالب " جاء ( محمد ) بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن " . قلت ذكّرني بيع الأصوات بقصة التابعي الجليل مالك بن دينار الذي كان " يمشي في سوق البصرة فرأى التين فاشتهاه ولم يكن معه نقود يشتري بها ، فخلع نعله وأعطاه لبائع التين ، فقال لا يساوي شيئا ، فأخذ مالك نعله وانصرف ، فقيل للرجل إنه مالك بن دينار ، فملأ الرجل طبقا من التين وأعطاه لغلامه ثم قال : الحق بمالك بن دينار فإن قبله منك فأنت حر ... قال (الغلام لمالك ) اقبل فإن فيه تحريري ، فقال مالك : إن كان فيه تحريرك فإن فيه تعذيبي ، فألحّ الغلام عليه ، فقال: حلفت ألا أبيع الدّين بالتين ، ولا آكل التين إلى يوم الدين ..." ( أحمد عيسى عاشق ، غرائب الأخبار .. ،مكتبة القرآن ، القاهرة ، 1987 ، ص 305 ). أما نحن فنبيع ديننا وذممنا ونعطّل قيمنا ونوهن هممنا بشهادة الزور التي نوقّع عليها من خلال التصويت لفلان أو علّان كل موسم انتخابي وذلك بتزكية مرشحين أغلبهم لا يتّسمون بصفات الصلاح الدّيني والخلقي والوظيفي ، فكيف يصلح لهذا الأمر ويتصدّى لهذه المسؤوليات من كان أميا لا يحسن القراءة والكتابة ، أو من ثبت انعدام أمانته ،وافتقاره للكفاءة المهنية والوظيفية ، وسوء نيته وقصده وإيثاره مصالحه الشخصية على خدمة الوطن والمواطنين ، وغيرها من النقائص والقدائح التي هي أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر . إن التصويت في مثل هذه الظروف والملابسات التي تشوب العملية الانتخابية في بلدنا العزيز ، والتي ينقص من صدقيتها ومشروعيتها ونزاهتها وشفافيتها غياب هيئة مستقلّة للإشراف على الانتخابات واضطلاع وزارة الداخلية بذلك وهي تمثل جزءا من الجهاز التنفيذي في الدولة ، و أنها من أهم ركائز المخزن (الحكومة الفعلية ) ، فهذه الخاصية وحدها كافية لوضع الانتخابات المغربية في مرمى الهمز واللمز والغمز ، ولإحاطتها بالريبة والشك والامتراء . كل ما سلف يجعل هذه الانتخابات مجرد مرهم لتشحيم آلة الديمقراطية الكسيحة المهترئة التي يعمل النظام السياسي على تزيينها وتنميقها من الخارج والظاهر بألوان ساطعة لامعة فاقعة تسر الناظرين وتخلب أبصارهم ، خصوصا من المغاربة الذين لا تسمح ظروفهم الفكرية والثقافية والمعيشية من الوقوف على حقيقة الاوضاع الكارثية التي أنتجت هذه الانتخابات ونتجت عنها ، ومن غير المغاربة الذين لم يخبروا حقيقة ديمقراطيتنا المزعومة ، والذين لا يكترثون إلا لمدى تبعيتنا لهم وتنفيد الإملاءات بالحرف والنقطة والفاصلة . صحيح أن الانتخابات مظهر أساسي من مظاهر الديمقراطية ، غير أن الانتخابات والديمقراطية والتعددية الحزبية ليست غايات وأهداف في حد ذاتها ، بل هي مجرد وسائل ومطايا لغايات أهم وأعظم وأجل كالعدالة والحرية والانصاف والعيش الكريم ، والادعاء بامتلاك الديمقراطية والتّرقّي الحثيث في مدارجها لا يغير من الحقيقة والواقع شيئا ، فما زال المغرب تقريبا كما هو منذ عشرات السنين فما زال المسؤولون كذابين غير محاسبين ، والأصوات والذمم تشترى ، والحملات الانتخابية السابقة لأوانها سيدة الموقف ، والترحال السياسي سمة مميزة للسياسة المغربية ، واختيار الحزب السياسي آخر هم المترشح للانتخابات. وأبلغ من ذلك ما زالت الأحزاب غير قادرة يمنعها الدستور من تطبيق برامجها لعدم قدرتها على تحقيق الأغلبية المطلقة ، وما زالت الحكومة غير قادرة على تسيير البلاد حقيقة نظرا للهامش الضيق الذي أتيح لها من الناحية التقريرية والسيادية . فالانتخابات في بلادنا تشبه إلى حد بعيد قطعة أثرية قديمة أو جثة محنطة لمخلوق عزيز غال ، نعود إليه كل موسم لنطمئن أنفسنا بأنه مازال على قيد الوجود ، ثم نقوم بتلميعه وتخليصه من بعض العوالق وعوادي الدهر ، ثم نغير بعض الأسمال البالية التي اعترته بقطع قماش أوغيار من النوع نفسه ، وإذا ما تحصّل الاطمئنان عليها منّا وممن يهمه أمرنا أعدنا انتخاباتنا إلى سردابها ، وأحكمنا الأقفال على أمل فتحها في الموسم المقبل . أحمد هيهات
#أحمد_هيهات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات المغربية : لا جديد يذكر
-
لماذا ضحّى السيسي بالنائب العام ؟
-
الحكام العرب وفتنة المال
-
هل ينهي الإعدام أسطورة الإخوان المسلمين ؟
-
التّسْفيه عنوان جديد للعنف السياسي
-
النكتة السياسية :غضب منضبط أم تطبيع مع لاستبداد؟ (22/)
-
النكتة السياسية :غضب منضبط أم تطبيع مع لاستبداد؟ (1)
-
لماذا ينتخب المغاربة العزوف والمقاطعة ؟
-
جائحة إيبولا تجرف -الكان-
-
-شارلي-: الإساءة بين الحماقة والإحسان
-
عام الحزن 2014
-
هل يحكم -الاسلاميون- في المغرب
-
- الاسلام ديانة حرب -
-
بداية الحكم الشمولي في الإسلام
-
حسن التوقع وحسن الظن
-
من الثورة إلى التغيير
-
الآكلون على كل الموائد
-
أهل الكهف الجدد
-
معاناة أبي نواس مع المنهج النفسي - العقاد -
-
حج الفقراء
المزيد.....
-
العراق.. المحكمة الاتحادية ترد طلبا للبرلمان يخص تواجد القوا
...
-
الكويت.. القبض على تشكيل عصابي من السوريين والمصريين
-
قادة رابطة الدول المستقلة يدعون لعدم إشعال حرب عالمية ثالثة
...
-
متى ستنتج إيران قنبلتها النووية؟
-
قيس سعيد يفوز بولاية رئاسية ثانية وسط مخاوف على الحريات
-
مبادرة -حدد هويتي-.. الإنتربول يطلب المساعدة لحل 46 قضية لنس
...
-
رائدا الذكاء الاصطناعي هينتون وهوبفيلد يفوزان بجائزة نوبل في
...
-
استنكار إيطالي واسع لملاحقة روسيا صحفيي -راي- بعد تغطيتهما ل
...
-
السعودية.. ولي العهد يكشف عن حالة الملك سلمان الصحية بعد الإ
...
-
-حزب الله- يوجه رسالة غير مباشرة إلى إسرائيل عبر الفيديو
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|