أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - صنم الشعب














المزيد.....

صنم الشعب


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 4898 - 2015 / 8 / 16 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أخطر ما يعوق التغيير الإيجابي في مصر، أن الناس يسندون بؤس حياتهم، لا إلى فشلهم وفسادهم الشخصي سلوكياً وفكرياُ وقيمياً، ولكن إلى فساد الحكام وعدم عدالتهم، أو أي أسباب غيبية خرافية، على رأسها بالطبع نظرية المؤامرة ووسوسة الشيطان والحظ العاثر، أو حتى القدر وإرادة الإله.
في بلاد الجهل والتخلف تتكاثر الأصنام المقدسة، المحرم الاقتراب منها ونقدها. ولعل أخطر وأسوأ هذه الأصنام هو "صنم الشعب"، الذي نكيل له صفات البطولة والعبقرية والمظلومية، دون أن نجرؤ على مواجهته بالحقائق، التي بدون مواجهتها سنظل إلى الأبد نبكي ونولول على بؤس حياتنا وحظنا العاثر!!
من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر. . من منكم غير فاسد فليندد بالفاسدين. . من منكم كفء في عمله فليندد بعديمي الكفاءة. . من منكم يحترم نفسه فليندد بمن لا يحترمون أنفسهم. . من منكم صادق فليندد بالكذابين. . من منكم عادل فليندد بالظالمين. . من منكم ديموقراطي فليندد بالمستبدين.
سوف تستمر هذه الشعوب في السقوط والتردي، طالما نعيب الزمن والمسؤولين والكل كليلة، فيما أس البلاء ومنبعه فينا نحن.
العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة جدلية تبادلية، يؤثر كل طرف فيها على الآخر، ويوجه سلوكه بطريقة مباشرة وغير مباشرة. يحدث هذا باختلاف أنظمة الحكم، بين ديكتاتورية وديموقراطية وما بينهما. في غير الأنظمة النموذجية في ديموقراطيها، لا يكون تأثير الشعب على الحاكم كاملاً مطلقاً. لكن حتى في الأنظمة النموذجية في ديكتاتوريتها، لا يمكن أن تكون سيطرة الحاكم على مجريات حياة الشعب كاملة. هذا يجعل نوعية الشعب وطبيعته، هي القاعدة الأكثر ثباتاً نسبياً. نعم يتأثر الشعب سلبياً وإيجابياً بأداء الحاكم ونظامه، لكن تبقى للشعب إرادته في نوعية الحياة التي يحياها، وفي سلوكياته العامة والخاصة، التي لا يمكن أن تطال يد الحاكم سائر مناحيها. هذا الهامش الذي يحتفظ به الشعب لنفسه حتى في أقسى الظروف، هو الذي يؤهل الشعوب للثورة على الحاكم وتغيير نظم الحكم التي لا تتوافق معه. وهذا الهامش ذاته هو الذي يجعل بعض الشعوب عصية على الإصلاح والتنوير الذي قد يتبناه الحاكم. يعني هذا أن الشعب وليس الحاكم مهما بلغ استبداده، هو المسؤول الأول وإن لم يكن الأوحد، عن نوعية الحياة التي يحياها.
لو نزلنا في جولة بالشارع المصري، لن نحتاج لذكاء أو عبقرية، لنكتشف الطرف المستبد من الطرف الذليل المقهور. سنكتشف للوهلة الأولى عبقرية الإنسان المصري في التحايل على القوانين، وجرأته في تحديها، وتذليل كافة ما يعترض طريقه هذا من عقبات، تارة بالرشوة إفساداً لموظفي الدولة المؤهلين ابتداء للفساد، وتارة بالاستجرام وفرض الأمر الواقع. سنجد من يحلو لنا تلقيبه بالمواطن "البسيط" يفترش الأرصفة، بل ومتن الشوارع بمختلف أنواع البضاعة. وأصحاب المقاهي والمتاجر يضمون الأرصفة والشوارع إلى ممتلكاتهم. ونجد السيارات تسير في كل الاتجاهات الصحيحة والمعاكسة. وآلاف العمارات الشاهقة تعلو مخالفة للقوانين، أو بدون ترخيص من الأساس. نجد "البسطاء الأبرياء" كما نسميهم يرمون بقاذوراتهم في أي مكان وكل مكان، لكي يندد المتاجرين المزايدين بعدها بعجز المسؤولين وإهمالهم في جمع القمامة. نسير في الشوارع لنسمع أقذر الألفاظ يطلقها "البسطاء" بكرم حاتمي وتلقائية، ونشهد التحرش الذي يباركه سراً وعلانية مجتمع ذكوري مكبوت الشهوات بدائي همجي الفكر والثقافة. . على وجه العموم سنجد المسيطر المستبد هو "صنم الشعب"، فيما الحاكم مهيض الجناح، بلا حول ولا قوة أمام الطوفان الشعبي الكاسح.
يتبدد نهر العلم والنور في وادي النيل، ويستحيل إلى مستنقعات تتكاثر فيها الطفيليات والديدان. مع تكاثر الجامعات المصرية، وتقيؤها لخريجين بالملايين، مازلنا نجد جحافل من هؤلاء يثقون في الاستشفاء بالرقى والتعاويذ، وفي فاعلية بول البعير والزيوت المقدسة، وعلى أحسن الفروض يتعاطون متى مرضوا الأدوية المصرية منخفضة الفاعلية، في حين يهرع أصحاب الفضيلة والقداسة الذين يباركون ويقدمون لهم هذه الوصفات المقدسة إلى عالم العلم والعلماء لأقل نزلة برد، ليتلقوا علاجاً حقيقياً. . الأمر فيما يبدو ليس أمر علم وجهل، إنما هي سيكولوجية استمراء الاستنطاع والبلادة. . وفقاً لما يقول الفيلسوف الألماني "كانط"، فإن عقل الإنسان مؤهل فقط لتناول الماديات، ولا قبل له بالتعامل مع الماورائيات (الميتافيزيقا)، وبالتالي فالعقل غير قادر على إثبات أو نفي أي من القضايا الميتافيزيقية.
هذا القول ذو حدين، فهو يحمي الميتافيزيقا من نقد العقل، لكنه أيضاً يضع صاحب العقل في حرج، حيث لا ينبغي عليه قبول قضايا، تفتقد تماماً لأي إثبات منطقي عقلاني.
يرى البعض أن ما يروج له ويبثه خطاب الكنيسة القبطية، إن كان بالفعل محض خرافات، فهو غير ضار بأحد، خاصة إذا تم مقارنته بالخطاب التكفيري الإرهابي الذي يهدد العالم الآن. هذا صحيح إلى حد ما، خاصة أنه على المستوى العملي (وليس الكلامي) لا تأخذ الناس ما يلوكونه ليل نهار من خرافات دينية مأخذ الجد. لكن الإشكالية أكبر وأعمق من هذا. فلن نستطيع تقسيم "الخرافات" إلى نوعين، نوع "طيب" وآخر "شرير"، وعليه "نحترم الطيب" منها، و"نقاوم الشرير". الحل الذي بدونه سيظل الشعب المصري يزحف على بطنه في أوحال التخلف، هو أن نعتمد جميعاً على العقل والعقلانية، في رؤيتنا لأنفسنا وللعالم والوجود، وأن نكف عن السير مغمضي العيون مسلوبي الإرادة، خلف من يدعون أنهم نواباً لإله على الأرض.
لا تنوير ولا توعية يمكن أن تجدي، ما لم يتململ الناس، ويفقدون ثقتهم فيما يعتقدون فيه ويمارسونه منذ عصور.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الثورة أم الفوضى؟
- نحن وإيران غير النووية
- الليبرالية في زمن الغوغائية
- الإرهاب والضباب
- الليبرالية ومأزق المثلية
- البحث عن معادلة جديدة
- المسيحي الملحد
- القاعدة وداعش وأمريكا
- هو الخيار الداعشي
- نبضات علمانية
- مع خطاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
- في غبار عاصفة الحزم
- العبث باليمن العبوس
- الرقص على أنغام حوثية
- على هامش مؤتمر شرم الشيخ
- الإخوان والسيسي وأنا
- عندما يلعب أوباما دور الداعية
- نهضة مصر السيساوية
- دواعش بلا حدود
- تراجع لابد منه


المزيد.....




- بعيدًا عن حشود السياح.. هذه 6 من أفضل الجزر الأمريكية لزيارت ...
- كان واقفًا بجانبها.. تيار كهربائي ينتقل إلى رجل بعد ضرب صاعق ...
- خريطة لنطاق سيطرة إسرائيل وأوامر الإخلاء في غزة.. كيف تبدو؟ ...
- لماذا تحدث الزلازل في تركيا؟
- مقتل أنس الشريف ومحمد قريقع وعدد من الصحفيين في قصف إسرائيلي ...
- برلين تنتقد مقتل صحفيين في غزة وتطالب بتوضيحات
- مباشر: ماكرون يحذر من -كارثة غير مسبوقة- في غزة وسط إدانات د ...
- حذف الطماطم من البيتزا يكلف سبّاحة إيطالية رسوما إضافية!
- مسؤولة أممية: استهداف إسرائيل للصحفيين ليس مصادفة وأنس لا ين ...
- قواعد الشفافية الجديدة للذكاء الاصطناعي تدخل حيز التنفيذ في ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - صنم الشعب