|
موسم القَنْص السٍّياسي
سيومي خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4886 - 2015 / 8 / 3 - 00:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تَكفي أَشهر ما قبل الإنتخابات ، ومدة الإنتخَابات ، كي نفهم طَريقة عمل السياسة عندنا ، وشُروط إنتاجها ، وبشكل أَكبر دَوافع المنتمين إليها ، والعَاملين عليها.
لِنَتخل قليلا عن التعريف المقتضب ، والنَّبيل للسياسة بكونها فن الممكن ، أَو فَن تَدبير الاختلاف ، ولنترك إلى حين الرَّبط النبيل أَيضا بَينها وبين الدوافع الأخلاقية ،لأن هَذا الربط لا يصمد كثيرا أمام شُروط إنتاجها عندنا .
مادون فَترتي ما قبل الإنتخابات بأشهر، ومدَّة الانتخابات ، لا أَظن أَنَّ هُناك شيء يُمكننا أن نسميه فعل سياسي اطلاقا ، حيث أنَّ الفعل يَتعلق بشكل كبير بالحكومة ، وبِبعض المؤسسات السِّياسية ،وببعض الأَفراد الذين يجدون أَنفسهم مشغولون بالهم السياسي ، أما مَادون ذلك فلا مظهر لهَا ، ولا وجود لها يفْرض نَفسه ، والأَكثر أنَّ هذا الوجود لها ينعدم حتى عند الهَيئات ، وبعض الأحزاب /التَّشكلات الميكروسكوبية التي تدعي الاهتمام بالهم الساسي .
من بين أبرز مَظاهر غياب الفعل السياسي على طول سنوات فترة حكومية نَجد :
-1-إنشغال واضح عن التأطير السِّياسي الذي من الواجب أن تقوم به الأَحزاب السياسية ،نحن نعرف أن بعض الأحزاب ليست لها مقرات فَرعية في الكثير من المدن ، ومن لهَا هذه المقرات غَالبا ما تكون مغلقة ، ومن لا تُغلق مقراتها لا تَحدث فيها أي تجَمعات ذات طبيعة سياسية مهمة ، هي فَقط تجمعات للدردَشة مع من يُسمون أنفسهم مُنَاضلين ، واحتسَاء على مهل لكوؤس شَاي ساخن .
-2- غِياب عن واقع حال الناس ، النَّاس يُسيرون أزماتهم في الغَالب بدون أَي بعد ساسي ، لأَنهم ببسَاطة لا يجدون المتكلم السياسي الذي يمكنه أَن يُقدم لهم المساعدة ، ونَحن نعرف أن الكثير من المحطات ، والانتهاكات الصارخة ، والتَّجاوزات ،عَالجها أصحابها إما باللجوء إلى الجمعيات الحقوقية ، أَوبالبحَث عن وسائط غير أخلاقية ، لكنهم أَبدا لم يجدوا الحزب الذي صوتُوا له ، أَو ذلك الشَّخص الذي كان يعدهم بتحسين ظروف حياتهم .
-3-مَا يُمكن أن نُّسميه الثقافة السياسية ، أَمر غَير قائم اطلاقا ، فَكل التشكيلات السياسية التي يجب أن تَنشر هذه الثقافة السياسية تكون في سبات عميق ، حيث لا نسمع إلا نَادرا بندوة سياسية ، أو بحَديث عن سجال مؤطر يُناقش قانونا ما ، أو يبحث في مفَاهيم سياسية معينة تقدم للعموم .
يَجب القيام بإبراز مَدى الإستخفاف الكبير للفاعل السياسي بالفعل السياسي نفسه ، فهُو حَصر الممارسة السياسية بالضبط في فترة مَا قبل الإنتخابات بأشهر ، وفَترة الإنتخابات ، إنَّها مدة لن تتجاوز ثَلاثة أشهر أو أربعة ، هذا بالضبط هو ما يقدمه الفَاعل السياسي للسياسة ، أو بالأحرى هذا ما يقَدمه الفاعل السياسي لنفسه ، بعيدا عن أي مشاركة فعلية في تحسين إنتاج شروط السياسة بالبلد .
لنُّسم الأَشهر التي يتحَرك فيها الفَاعل السياسي بشكل واضح بموسم القنص السياسي ؛ هَذا تشبيه مناسب حقا .
في مَوسم القنص السياسي ، يَتحرك الفاعل السياسي من سباته ، يَنفض الغبار عنه ، ويحمل بندقية القنص كَي يَتحرك جهة المَّشهد السياسي بالبلد ، والذي يمكننا أَن نُحوله إلى تَشبيه الغابة ، فَمادمنا اخترنا موسم القنص فيجب أنْ لا نحس بغضَاضة ونحن نتحدث عَن غَابة سياسية .
القنص السياسي لا شك أنَّه لا يهدف إلى القتل المادي للنَّاخب ، لكنه على أي حال يمارس قتلاً رمزيا جد خطير ، فهو يعيد انتَاج شروط سياسية مَعطوبة ، ويكرر نفس أدبيات العمل السياسي التي لم تُّقدم للبلد أي قيمَة تُذكر ، بل ويعمل على الإستغبَاء التام للمواطن /الناخب ،الذي مازال يتم مُعَاملته بنفس منطق التعامل مع نَاخب عاش بدون كهرباء ، وبدُون إنترنيت ، وبدون وعي سياسي .
يبدأَ التعامل في موسم القنص السياسي بفلسفة الطرائد ، فالمواطن ليس على كل حال إلاَّ طَريدة سياسية مفترضة ، ولا يتم التعامل معه في هذه الأَشهر إلا عَلى هذا الأَسَاس ، وإلا فما معنى الاقتراب منه بهذا الشَّكل الواضح في فترة الإنتخَابات ، والإبتعاد عنه فيما دون هذه الفترة .
تتوزع الطرائد التي من الواجب قنصها في موسم القنص السياسي إلى ست مجموعات ، لكل واحدة منها أَسَاليب قنص ، وأَدوات قَنص ، وهي كالتالي :
-الفئة الأُولى :هي فئة غير المشاركين في الانتخابات السياسية ، أَي تلك الفئة التي تعتبر أنَّ الفعل السياسي فعل لا طائل منه ، ولا يُمكن توقع منه أي تغيير . هذه الفئة هي فئة مناسبة للقنص الانتخَابي ، فالفاعل السياسي يُحاول ما أَمكن أَن يَميل إلى هذه الفئة ، ولاشك أنَّه لايميل إليها عبر شرحه لقيمة الفعل السياسي ، لا بل عَبر تقديم مجموعة من الإغراءات الآنية ، واللحظية .
- الفئة الثانية : هي الفئة التي لها بعض الإلمَام بقيمة التصويت الانتخابي ، وهذه الفئة سبق وشَاركت في عمليات انتخابية سابقة ، لكن دوافعها ليست إصلاحية أو تَغييرية ، بل إنَّ أهدافها منافع شخصية . هذه الفئة سهلة القَنص ، بل إنَّ غايتها أن يتم قنصها بكل سهولة ، حيث منها من يتم اقتناصه لأنه اختار أُسلوب ،وأَداة ،وحزب القنص ، ومنها من يَتنقل حسب منافع عَملية القنص التي سيتعرض لها .
-الفئة الثالثة: هي الفئة النَّشطة من المصوتين ، وهؤلاء حَدَّدوا مسبقا إلى أي صفٍّ ينتمون ،وهم تحديدا من يقومون بعمليات القنص المحلية ، فيشرعون في البحث عن نَاخبين يمكنهم أن يَكونوا عونا للحزب الذي ينتمون إليه .
- الفئة الرابعة :هي الفئة التي يُوكل لها التأثير في الجماهير ، أَو بمعنى آخر هي الفئة التي تُعرف عند الطرَائد ، وهذه الفئة هي الأخرى رقم مهم عند الأَحزاب ، فهم الذين يتكفلون بجمع الناس وإقناعهم ببما سيقدمه لهم فُلان ، وبما سيقوم بتغييره الحزب العلاّني .
- الفئة الخامسة :هي الفئة الفَاعلة ، أَي تلك الفئة التي تقدم صورها ، ومعلومَاتها كي تكون ضمن لائحة حزبية معينة ، وهي فِئة يمكن أَنْ تَكون طريدة وفي نفس الوقت قناصة .
-الفئة الأخيرة : هي فئة الكبار ، أو هِي فئة أُولائك الأَعيان ، و أولائك الذين يَنْغمسون في المشاركة السياسية بشكل واضح .
في كَلمة أَخيرة أود أَن أَقُول أَنَّه من الواجب أَن تَكون شروط اللعبة الانتخابية نزيهة ، كي نقوم بالقطع مع كل تلك المظَاهر التي سبق وشَوهت المشهد السياسي برمته ، السؤال المَّطروح ؛ هَل سنشهد مشهدا انتخَابيا يقنعنا بإعَادة النَّظر في مسألة امتنَاعنا المطلق عن التصويت ؟؟؟.
#سيومي_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطفئ التَّلفزَة
-
قَوادوا الدّين
-
طِينٌ لِعَدَم السُّؤال
-
الجنسيَّةُ النَّفسية والجنسيةُ الجَسَدية
-
حُب حُكُومي
-
بَحر حَليبي أبيض ُ
-
بصحبَة قرَاقُوش
-
عَزِيزي دونكِيشوط
-
مُر عليهم بقَصيدة ابن عَربي
-
حِكَايَةُ مُتْعَبْ مَع َالسَّيدَة ميم
-
ذِكْرَى
-
أحَدُ الرّفَقَاء
-
من السيسي إلى مُرسي ،تَغيير إتجاه البَوصلة .
-
كذب الحُكومة مُستَمِر
-
مَشروع ُ خُفَاش ٍ في الفصل
-
بَيْنَ الذَّاكرة وعَمليات الإدراك العقلية
-
دفَاعا عن أوزين
-
منطقة للكتابة
-
خطَل ُ الفُقَهاَء
-
بين الإِسْتصقَاء والإستصْحاءِ
المزيد.....
-
تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه
...
-
قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر
...
-
-تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ
...
-
البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا
...
-
اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر
...
-
-النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل
...
-
الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
-
شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة
...
-
بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
-
الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|