أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد القصبي - بعد ربع قرن..كارثة غزو الكويت مازالت بدون توثيق















المزيد.....

بعد ربع قرن..كارثة غزو الكويت مازالت بدون توثيق


محمد القصبي

الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 12:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثيرة هي السراديب التي تتشح جدرانها بالسواد في الذاكرة العربية..
ومن صالح الأمة ألا يبهت هذا السواد ..خاصة ما يتعلق بخطايانا بل وحماقات أنظمتنا لتظل عالقة في الذاكرة تنضح بالعظة فلا ننزلق إليها مرة أخرى ..ومن هذه الخطايا إقدام أحد أنظمتنا على اقتحام حدود دولة شقيقة واحتلال جغرافيتها بالكامل وإقامة نظام موال له ..
عن احتلال قوات صدام حسين لدولة الكويت فجر 2أغسطس 1990أتحدث .
واخشى أن يكون الحدث قد بهتت تفاصيله على جدران الذاكرة الجمعية للأمة! لذا من الوارد جدا ان ترتكب أنظمتنا حماقات شبيهة أو على مسارات اخرى لأننا ببساطة نفرط عن عمد أو جهل بتضاريس تاريخ انكساراتنا وحماقاتنا رغم حتمية بقائها .. للدراسة والتحليل واستنتاج النتائج التي بها تستقيم خطانا في المستقبل .
حوار من ربع قرن
في أحد صباحات مطلع شهر مارس عام 1991 كنت أقود سيارتي متوجها إلى السفارة المصرية في حي السفارات بالعاصمة العمانية مسقط ..في تلك الساعة من الصباح عادة أضبط مؤشر الراديو على محطة البي بي سي لألم بمستجدات الأحداث إقليميا ودوليا من خلال نشرات الأخبار وما يتذيلها من تعليقات وحوارات.. ولفت انتباهي حديث شخص يتحدث بلكنة خليجية عن عمليات مقاومة شارك فيها مع مئات الكويتيين ضد القوات العراقية ..كان اسمه سعد !..سعد هذا كان يتحدث عن منزل في منطقة خيطان قام وآخرون بتهريب أدوية وزارة الصحة إليه عقب احتلال قوات صدام للكويت .. ليتم تحويله إلى مستوصف سري لعلاج المرضى والمصابين .
منذ أسبوعين التقيت مصادفة في فندق الفور سيزونز في القاهرة برجل كويتي في منتصف الآربعينيات عن طريق صديق مشترك ..هو الأستاذ شهاب العلكي مدير تحرير الأخبار المسائي ..وكان صديقنا المشترك يناديه : يا دكتور سعد ..
تطرق حديثنا إلى الأوضاع في الإقليم..وكان الدكتور سعد يرى أن المشيئة الأمريكية وراء كل ما يجري ..ليس الآن فقط ..بل منذ خمسينيات القرن الماضي..وساق مثلا ببلاده الكويت ..حيث قال جازما : اجتياح قوات صدام للكويت عام 90 وتحريرها ..كلاهما مشيئة أمريكية !
وأنا أنصت إليه قفز إلى الذاكرة برنامج البي بي سي .. قلت له :تذكرني بشاب اسمه سعد ..استمعت إليه في الإذاعة البريطانية منذ ربع قرن ..كان يتحدث عن عمليات مقاومة شارك فيها ضد القوات العراقية ..فسألني باهتمام :
- سعد ماذا ؟اعني هل تتذكر اسمه كاملا ؟
قلت :لا ..وما كان للذاكرة أن تحتفظ باسمه ربع قرن لولا ان هذا اسم خالي الذي أحبه كثيرا .. كان سعد هذا يتحدث للإذاعة البريطانية عن منزل تم تحويله إلى مستودع للأدوية ومستوصف سري لعلاج المصابين .
فقال مبتسما : أنا هو ..سعد الهملان الذي استمعت إليه في البي بي سي منذ 25 سنة !
هل يمزح ؟ يقينا لا ..إلا إذا كان ممثلا بقامة يوسف وهبي !ولاأظنه كذلك ..أكابد للانفلات من ذهولي لأسأل :وما حكاية المستودع ؟
-أي مستودع ؟
- مستودع الأدوية !
لم يكن في حاجة إلى جهد كبير لتجييش ذكرياته ..بل بدا كل شيء في الذاكرة في طزاجة أحداث اليوم ..حيث قال على الفور :
- حين اجتاح الجيش العراقي الكويت.. أدرك أفراد المقاومة اهمية أن يكون لدينا مكان لعلاج المصابين ..وبالفعل تم تجهيز منزل يعود لأسرة الفديع العدواني بمنطقة خيطان ..نقلنا إليه كميات كبيرة من الأدوية من مخازن وزارة الصحة ..لكنني اقترحت تجهيز منزل آخر لنفس الهدف تحسبا لاحتمال اكتشاف القوات العراقية المستوصف السري فيكون هذا بديلا له ..وبالفعل نقلنا كميات من الأدوية إلى منزل لوالدي كان تحت الإنشاء بنفس المنطقة .. منطقة خيطان.. ليكون مستوصفا بديلا..وبالفعل اكتشفت القوات العراقية مستوصف أسرة الفديع العدواني بعد شهر واحد من الغزو ..لكنهم لم يكتشفوا المستوصف الاحتياطي حتى تم تحرير الكويت في 26فبراير عام 1991.
-ومن قبل أن يعمل في هذا المستوصف في تلك الظروف الصعبة ؟
سألته ..وبدواخلي شوق لأن أعرف من أحد صناع الحدث أدق التفاصيل عن كارثة أوجعت الأمة ومازالت تدفع ثمن تداعياتها باهظا ..فقال :
-العديد من الأطباء والطبيبات الكويتيات تطوعوا للعمل في المستوصف السري..أتذكر منهم الدكتور موسى الجويسر.. الدكتور إبراهيم الحجي.. الدكتور إبراهيم الانصاري.. الدكتور بدر العتيبي الدكتوره فوزيه العمير.. الدكتوره هدى رجب الفيلكاوي.. الدكتوره هدى الصفار.. الدكتوره فاطمه الصفران.. ومن الممرضين والصيادله فهد عبدالرحمن العصيمي و سالم بوهندي والاداريين جاسم بوهندي.. فهد السيد.. وإبراهيم الفيلكاوي. وأخوته، وليد الربيعان وسهيل الذيب وأخوته، ومحمد صالح العلي وأخوته وأبناء النومان، والحيدر.
وما قصة الأدوية والمستودع والمستوصف سوى جزئية من مئات ..بل ألاف القصص التي مازالت تفاصيلها بكل جزئياتها وكافة الأسماء - حتى الذين ظهروا في مشهد المقاومة بشكل عارض - طازجة في ذاكرة الدكتور سعد الهملان أستاذ القانون بكلية الامن الوطني التابعة لاكاديمية الشرطة الكويتية كما فهمت من صديقي شهاب -وكأنه حدث الثاني من أغسطس 2015 وليس أغسطس بعيد مضى عليه ربع قرن ..بل يؤكد محدثي أن غيره .. العشرات ممن شاركوا في عمليات المقاومة أو ممن عانوا من بشاعة الغزو لديهم مثل ما لديه من وقائع وتفاصيل الكثير منها لم ينشر بعد .
سألته :
-وما مصير المستوصف ؟
كنت مهيأ لاستقبال إجابة واحدة ..تحويله إلى معلم ..مزار يجله الكويتيون ..
لكنه فاجأني :
- تم هدمه في إطار إعادة تعمير المنطقة !
- هل قلت فاجأني ؟ الحقيقة أنه أفجعني..
هذاالمستوصف كان ينبغي أن يظل باقيا.. مزارا..شاهدا على إحدى حماقات تاريخنا المعاصر..يصفعنا كل لحظة بكل ما تبقى من مأساة الثاني من أغسطس.
وكما علمت .. يوجد متحف في منطقة القرين ..أنشأه البعض تخليدا لذكرى معركة دامية استشهد فيها العشرات من المواطنين الكويتيين ..لكن هذا المتحف لايفي بالهدف المنشود .. الكويت ..بل كل العرب في حاجة إلى متحف كبير . توثق مقتنياته المأساة التي راح ضحيتها 4200شهيد وجريح كويتي.. ..مقتنيات شهداء ..مقتنيات غزاة ..سيارات استخدمت في نقل الأسلحة أو الأدوية ..صور من وثائق تتعلق بالغزو ..ملابس معبقة بدم ضحايا سقطوا بفعل رصاص حماقات أنظمتنا ..أسلحة استخدمها أفراد المقاومة أو خلفها الجنود العراقيون وراءهم ..
هل تعلمنا من إسرائيل ؟
وليتنا نتعلم من أعدائنا..!في عام 1953أصدر الكنيست الإسرائيلي قرارا بإنشاء مؤسسة ياد فاشيم كمركز أبحاث متخصص في كل ما يتعلق بالهولوكوست ..أي المحرقة التي راح ضحيتها ستة ملايين يهودي في أفران الغاز النازية " الرقم محاط بشكوك العديد من الباحثين " ..وقد أقيم المركز على جبل هرتسل بالقدس ,,المجمع – وهو الأكبر على مستوى المنطقة - يضم متحفا يحتوي على صور وأفلام وثائقية لشهادات أناس حول الهولوكست ..كما يضم أرشيفا يحتشد ب62مليون وثيقة تاريخية و300ألف صورة متعلقة بالمحرقة ..ومكتبة تضم 112ألف كتاب ومجلة حول الهولوكست بالعديد من اللغات ..بالأضافة إلى مدرسة خاصة لتعليم أحداث الهولوكوست وتداعياته ..معهد أبحاث دولي.. دار لنشر أبحاث حول جرائم النازي ضد اليهود ..
مجمع ياد فاشيم هذا يستقبل مئات الآلاف من الزوار سنويا .. وتحرص الحكومة الإسرائيلية وأيضا المؤسسات السياحية أن يتضمن برنامج أي زائر للدولة العبرية جولة بين أجنحة المجمع مسئولية الجامعة العربية
..فإن كان الهدف من وراء مركز ياد فاشيم أن يظل مشهد المحرقة ناصعا في الذاكرة.. موجعا للضمير العالمي ..فلايجرؤ أحد أن يقول لإسرائيل لا ..وإلا سيق إلى المحاكم بتهمة الإنكار ومعاداة السامية كما فعلوا مع المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي ..فإننا في حاجة إلى مركز مشابه في الكويت ليس سوطا لجلد الذات ..بل عظة وعبرة ..ليدرك كل زائر عربي له أنه مسئول بصمته العاجز عن مواجهة حماقات أنظمته ..والتي كبدت الأمة خسائر هائلة في الجغرافيا والمال والموارد والبشر..
بل دعونا نبسط للحلم فضاءات أرحب ..ونقول أنه إن كان على الأشقاء الكويتيين الإسراع بإنشاء مركز لتوثيق الغزو العراقي ..فعلى الجامعة العربية أن تسعى ..لتأسيس مجمع شبيه بمجمع المحرقة بالقدس ..يضم مركز دراسات وأبحاث حول تاريخنا المعاصر. بانتصاراته وانكساراته ..بل ينبغي ان يبدأ بالغزو العثماني الذي يعد بكل معطياته نسخة أخرى من الكونيالية الغربية .. وحتى الحرب العالمية التي نخوضها الآن ضد الإرهاب..
بالإضافة أيضا إلى مكتبة تحتشد أرففها بألاف الكتب التي سطرها المؤرخون بدماء أجدادنا وابائنا ..
مع إنشاء متحف يضم مخلفات الحروب والأحداث الكبرى ..
مثل هذا المجمع التوثيقي ليس سوطا كما قلت لجلد الذات على ما اقترفته من حماقات ولالجلد الآخر على ما ارتكبه ضد شعوبنا من جرائم "رغم أننا والآخر جديران بالجلد ! "..بل للدراسة والعظة واستخلاص النتائج فنهتدي إلى الطريق الصحيح في رحلة الألف ميل الشاقة نحو إعادة بناء الأمة .



#محمد_القصبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويكليكس ..موقع إعلامي ..أم جهاز مخابرات ؟
- سألت نزار عن سعاد الصباح وسألني عن أدونيس
- هل قرأ النجار وثابت تاريخ الصحافة العالمية ؟
- تحية لسلماوي ..المثقف الدور
- خمس دقائق ..الريشة والقلم ..ونشوة الانستولوجيا !
- ألهذا كثرت معارك أبي همام ..ألهذا كان حظه من الشهرة قليلا ؟!
- هل يترشح الكاتب العماني سعيد العيسائي في انتخابات البرلمان ا ...
- الأوبرا المصرية تبدأ مبكرا احتفالاتها برأس السنة بحفل تحييه ...
- رسالة بين العواطف و العواصف نحوا...
- المماثل والمغاير لمؤتمراتنا الثقافية في مؤتمر المنصورة
- بروليتاري آخر من مهمشي جمهورية الأدب يسقط ولاأحد يدري.
- ربع قرن على زلزال صاحب الآيات الشيطانية..هل يحصل على نوبل ؟!
- موروثات فذ السؤال....
- لن أحب إسرائيل حتى لوكنت أكره حماس !
- الجرف الصامد ليست اختبارا للسيسي
- فابية عبد الناصر وطريق السيسي الثالث
- في مصر ينتشر دين المشايخ وليس دين الله !
- الكلمة العليا في الإخوان الآن لسيد قطب !
- مايحدث في العراق صراع قوميات تحت عباءة مذهبية
- كل مصائب مصر سببها وزارة التلقين


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد القصبي - بعد ربع قرن..كارثة غزو الكويت مازالت بدون توثيق