أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - ولادة ثانية 2 2















المزيد.....

ولادة ثانية 2 2


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4864 - 2015 / 7 / 12 - 01:43
المحور: الادب والفن
    


ظلت سوزان سونتاج تكتب يومياتها منذ سني مراهقتها وحتى قبيل وفاتها، بشكل مستمر حيناً، ومتقطع حيناً آخر.. وإذن كيف كانت تفهم كتابة اليوميات؟ وما الذي ابتغته من وراء كتابتها.. أكانت تلك لعبتها ضد النسيان، ضد تلك الآلية القدرية المخففِّة من غلواء الواقع وضغوطاته وقسوته.. أم أنها قصدت تحقيق نوع من التطهّر مقابل الراسب من مشاعر الذنب والإثم، في دخيلتها، والتي ربما ما عرفت منشأها وعلّتها؟ أم أرادت العثور على نفسها: «في اليوميات، أنا لا أعبِّر عن نفسي بصراحة أكثر مما يمكن أن أفعله مع أي شخص آخر؛ أنا ابدع نفسي».. هذا ما تكتبه في اليوم الأخير من العام 1957. وتبقى في ريب من معضلة الحقيقة، فيما إذا كانت اللغة/ لغتها تعينها في إدراك ذاتها، ناهيك عن الإمساك بمغزى الحياة، وجوهر العالم.
« اليوميات هي وسيلة لنقل إحساسي عن الشخصية الذاتية. إنها تصوِّرني شخصاً مستقلاً على نحوٍ عاطفي وروحي. لذلك ( واأسفاه ) هي لا تسجل ببساطة حياتي الفعلية، لكنها بالأحرى ـ في حالات كثيرة ـ تقدِّم بديلاً عنها».
وتخبرنا أنها لا تكتب لتسلية الآخرين، مثلما سيقول غابريل غارسيا ماركيز، بعد سنوات من هذا.. ولم ترد من الكتابة أن تكون أداة للذاكرة، «حيث يمكنني تذكّر أني في تاريخ هذا اليوم أو ذاك رأيت فيلماً لبونويل، أو كم كنت تعيسة حول جي، أو أن قادش بدت جميلة لكن مدريد لم تكن كذلك».
تنظر سونتاج إلى العالم بعين الطائر الأسطوري المحلق في أعلى نقطة من الكون، لذا ترى كل شيء بلا حدود.. إنها قوة الشعر التي تسكنها، وتدفعها لتخطي التخوم إلى الأعماق. فالفكر عندها «ليست له حدود طبيعية»، والعالم «شيء فريد ـ هو بهذا المعنى ليس له حد». بيد أنها تعي حدودها الخاصة أيضاً، النفسية منها والجسمانية والإبداعية.. فالولع لا يعبر خط الممكن دوماً، والرغبة تصطدم بحيطان المستحيل.. على الرغم من أنها تتجرأ على الممكن، وقد تزعزع حيطان المستحيل أحياناً، في لحظات جنونها الخلاقة، ودون هوادة.
وكما تأثرت بكافكا، تأثرت برواية ( مارتن آيدن ) لجاك لندن أكثر، وإنْ كانت تعترف بأن هذه الرواية ضعيفة فنياً، لكنها علّمتها ما سيحدد قناعاتها الراسخة لما تبقّى من عمرها، تقول؛ «الكثير من أفكاري تغذت بشكل مباشر من هذه الرواية ـ إلحادي + القيمة التي أسبغتها على الطاقة الجسدية + التعبير عنها، الإبداع، النوم والموت، إمكانية أن أكون سعيدة..». غير أن الأمر لم يكن بهذا اليسر.. فهي تذوقت طعم الحرية ووجدته مرّاً أحياناً.. فالمرء في المجال الحر قد يتوه، وقد يتعثر؛ وكما تدوِّن فإن «ثمن الحرية هو التعاسة. ينبغي عليّ أن أشوِّه روحي كي أكتب، كي أكون حرّة».. وكانت خيبتها الكبيرة في الحب.. الحب المثلي المحرّم، وفي ثنائيتها الجنسية التي أذلّتها، لاسيما في قصتها مع تلك التي تسمّيها، في دفاتر يومياتها، إتش: «تعتقد إتش أنها منحطة لأنها دخلت في علاقة لا تثير اهتمامها لا جسدياً ولا عاطفياً. إلى أي حدٍّ أنا منحطة إذن، إذ أعرف كيف تشعر هي بالفعل، مع هذا ما زلت أريدها».
وتستأنف كتابة يومياتها، كأنها فيها توصي نفسها، تضع خارطة طريق لسلوكها القادم وعلاقاتها، ولكن هل تستطيع الالتزام بها.. ما نلزم به أنفسنا قد تتمرد عليه طبائعنا العميقة، وأجسادنا برغباتها المتقلبة وأهوائها المنفلتة وأفكارها التي لا تستقر على حال.. في واحد من دروسها تؤكد: «لا تسلّم قلبك حيث لا يكون مرغوباً فيه». فيما الحب يتركها محبطة ويائسة ومهانة. وكانت إتش تضربها، ولا تعجز عن الرد: «الحياة مع إتش تعني الحياة خلال هجوم شامل على شخصيتي، إحساسي ذكائي، كل شيء عدا مظهري، الذي لا يتعرض للنقد بل للامتعاض». وكان عليها من أجل أن تحافظ على سلامة عقلها أن تبلِّد إحساسها، وكان هذا صعباً للغاية.
والحل في الهرب إلى الكتابة، والكتابة في عرف من هم مثل سوزان سونتاج انتهاك، وعرض للذات وتاريخها عاريين أمام الملأ، ويحصل في هذا الخضم شيء من العنف، في تقريع الذات ولومها، وفي إعلان الفشل في أن تعرف من تكون حقاً في العالم: «أنا متعطشة للكتابة. حدوث ذروة اللذة هو ليس الخلاص لكن أكثر، ولادة الأنا خاصتي. أنا لا أستطيع أن أكتب حتى أجد أناي. النوع الوحيد من الكاتب [ أنا ] الذي أستطيع أن أكونه هو النوع الذي يفضح نفسه».
لكل نص سردي مطعّم بشذرات ذاتية صدمته.. صدمة تُصيب قارئاً بعينه يعثر على نفسه هناك، محشوراً رغماً عنه، ومفتضَحاً بهذا القدر أو ذاك.. فكيف يكون رد الفعل حين يكون ذلك القارئ مقصوداً بشخصه.. تقع سوزان سونتاج على يوميات صديقتها الحميمة إتش وتُباغت بوصف تلك الصديقة لها، «ذلك التقييم المقتضب على نحوٍ فظ، غير المنصف، غير المتلطف عنّي، الذي ينتهي بقولها أنني لا أعجبها حقاً، لكن هيامي بها مقبول وملائم لها. الله يعلم كم كان هذا مؤلماً، وأنا أشعر بالسخط والإهانة».
اطلاعها على تلك اليوميات لا يجعلها تشعر بالذنب، فهي ترى أن «واحدة من وظائف اجتماعية اليوميات أو المذكرات هي أن تكون بالضبط مقروءة بشكل مختلس من قبل الآخرين، مثل الوالدين + الأحباء، الذين لا يكتب المرء عنهم بصراحة قاسية إلا في اليوميات. هل ستقرأ إتش هذا يوماً؟».
وفي هذا إيماءة لثأر خفي لا واعي، ومتأخر لرد الأذى، وإعادة الاعتبار للنفس وكرامتها.
ولأن الحاضر متخم بالإحباطات ترتد سونتاج إلى الماضي، إلى الطفولة..
الطفولة هي جنتنا الضائعة في سديم الزمان.. تأتأتنا البليغة وهي تواجه عقم لغة الحاضر، شقاوتنا الحرة وهي تتصدى لأغلالنا الحريرية والحديدية المعوِّقة. لكن سونتاج ستخفق هنا كذلك.. تتذكر، كيف أنها لم تكن طفلة أمها، وكيف حاولت ألاّ تبلغ سن النضج «كما لو أني بالنضج أتخلى عن حقي الوحيد بأن لا أكون مهجورة، بأن لا أكون مهملة». ويخطر لها أنها لهذا السبب لا تقدر أن تمنح نفسها تماماً وباستمرار «للجنس، العمل، لأكون أماً، الخ، لأني إن فعلت سأدعو نفسي بالغة.
لكني لم أكن يوماً طفلة بالفعل».
وتبقى خائضة، أبداً، في دوامة البحث عن ذاتها، التي تزوغ منها بعناد، في كل مرة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولادة ثانية
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 2 2 )
- قراءة في رواية ( جحيم الراهب ) لشاكر نوري
- ازدهار الأدب يتصل بتنمية المجتمع
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 1 2 )
- الشعر ونهاية القرن
- الحب أصل الحياة
- صراع الدولة والجماعات في العراق
- الأمية: سيرة الكاتبة
- إذا كنت تحب
- الراهن العراقي: السياق الواقعي والأسئلة المحيّرة
- قراءة في رواية ( سانتا إيفيتا )
- إبريل قاسٍ
- -تمثّلات الحداثة- 4 الحداثة والمثاقفة.. الآداب والفنون والب ...
- تحت جرس زجاجي
- الإصبع الصغيرة
- -تمثّلات الحداثة- 3 المدينة والطبقة الوسطى ومشكلات التحديث
- بلاغة الجسد؛ السلطة، الثقافة، والعنف
- طفولة ناتالي ساروت
- تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغترا ...


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - ولادة ثانية 2 2