أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - ولادة ثانية














المزيد.....

ولادة ثانية


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4857 - 2015 / 7 / 5 - 01:31
المحور: الادب والفن
    


تنتمي كتابة اليوميات للعائلة السردية.. وقد تبدو، من الانطباع الأول عنها، كما لو أنها السرد بشكله الخام، بيد أنها حين تتوافر على عناصر فنية ناضجة يمكن وضعها في خانة الوثيقة التاريخية أو الأدب الرصين، أو كليهما معاً، لاسيما إذا ما كتبتها شخصية إبداعية أو تاريخية عامة.. أو كانت تنقل تجربة إنسانية عميقة ومثيرة ولافتة للنظر.
ما الذي يدفع المرء لكتابة يومياته؟ أيبغي تنظيم حياته؟ محاولة فهمها؟ التخفف من عبء نوازلها؟ احتواء أخطائها؟ التطهر من خطاياها؟ الإمساك بتفاصيلها قبل أن يلتهمها وحش النسيان؟ أما السؤال الذي يعقب هذه الحزمة من الأسئلة المترابطة فهي؛ لمن تُكتب اليوميات؟ من هم المتلقين الذين يتوجه إليهم ( خطاب ) اليوميات إذا ما عددنا اليوميات خطاباً يفترض مرسلاً إليه، أي قارئاً مهتماً.
لم تكن سوزان سونتاج ( 1933 ـ 2004 ) قد تعدّت الخامسة عشرة من عمرها حين شرعت بكتابة يومياتها، مفصحة من الصفحة الأولى عن موهبتها الإبداعية ورؤيتها النفاذة وثقتها بنفسها، هي التي ستتبوأ مكانة مائزة في الوسط الثقافي الأميركي والعالمي كروائية وباحثة ومخرجة وناشطة سياسية. يومياتها التي تركتها في عشرات الكراسات أشرف ابنها ديفيد ريف على تنظيمها ونشرها. وبجزئها الأول الذي يغطي السنوات ( 1947 ـ 1963 ) [ ولادة ثانية: اليوميات المبكرة.. ترجمة؛ عباس المفرجي.. دار المدى ط1/ 2014 ] نقع على تلك المرحلة الحرجة من حياتها، إذ تفتحت وردة مراهقتها القلقة، ومعها راح وعيها ينضج على نار رغباتها المستعرة، واستكشافها لمفاجآت جسدها ذي الميول المتناقضة، وشغفها بعوالم الفن والمعرفة، وأحلامها المتسعة على إيقاع استعداداتها الروحية والنفسية والبدنية والفكرية. كانت في السادسة عشرة لمّا كتبت: "سأعرف حقاً ما عليّ فعله في شيكاغو، عندما أحطُّ فيها ـ سأبدأ مباشرة بالذهاب خارجاً وانتزاع التجربة، لا أن انتظر أن تأتي هي إليّ ـ بمقدوري فعل ذلك الآن".
سونتاج لم تنشر، خلال سني حياتها، شيئاً من يومياتها التي وزّعتها على أكثر من مئة دفتر، ولم تترك وصية بصددها، غير أنها قالت لابنها وهي تحتضر؛ "أنت تعرف أين أضع يومياتي". فبدت وكأنها تحملِّه مسؤولية ماذا يجب أن يفعل بها.. واليوميات تخص الآخرين أيضاً؛ تاريخ العائلة، أسرار الأصدقاء والمعارف، لذا لم يكن من اليسير عليه اتخاذ قرار نشرها.. يقول: "حين قررت أن أنشر يومياتها، لم أتردد في استبعاد مقاطع، كانت ستضع أمي في ضوء معين، أو تبرز صراحتها الجنسية، أو قسوتها إزاء بعض الذين وردوا في اليوميات، على الرغم من أنني عمدت إلى إغفال الأسماء الحقيقية لبعضهم". وعلى الرغم من هذه الملاحظة الواردة في مقدمة الكتاب نجد إشارات واضحة لميولها الثنائية الجنس، وإشاراتها اللاذعة لكثر ممن التقتهم وتعرّفت عليهم، وغدوا أصدقاءها.
يوجز ابنها في مقدمته رحلة والدتها المضنية والشائقة في العالم:
"أكثر ما استوقفني في يومياتها، كان الانطباع بأنها من الشباب حتى الشيخوخة، كانت تخوض نفس المعركة، ضد العالم وضدّ نفسها. إحساسها بالتفوق في الفنون، ثقتها الكبيرة بصواب أحكامها الخاصة، ضمأها غير العادي للمعرفة ـ الإحساس الذي كانت بحاجة إليه كي تسمع كل قطعة موسيقى، وترى كل عمل فني، وتلم بكل الأعمال العظيمة في الأدب ـ كان موجوداً منذ البداية.... كان هذا نفسه يجري أيضاً على إحساسها بأنها غير جديرة بالحب، وحتى في الجنس، وأنها فشلت فيهما. كانت غير مرتاحة من جسدها، بعكس ما كانت رائقة حول عقلها. تلك الملاحظة، بعثت فيَّ حزناً لا نهائياً".
الفراغات في يوميات سوزان سونتاج واسعة.. ثمة بقع دكناء ورمادية في كل صفحة، بقع تثير الفضول وتستفز المخيّلة.. الشخصيات تقدّم من غير وصف كافٍ، الحوادث تومئ إليها وكأن القارئ على علم مسبق بها، القارئ الذي يجب أن يمتلك خيالاً حاداً ليكمل في ذهنه الصور، فهذه اليوميات أشبه ما تكون بقصائد نثر مبعثرة تحت تواريخ مؤشرة، وربما اعتباطية.. تقول في العام 1957:
"لو أحصل على زمالة أوكسفورد فقط! حينئذ سأعلم فقط إن كنت شيئاً ما خارج الطور المنزلي، العش المريّش.
أنا أعرف أنني لست نفسي مع الناس، حتى ولا مع فيليب ـ من ذلك، منشأ الإحساس الدائم بالمضايقة، معه، مع نفسي. لكن هل أنا نفسي وأنا وحيدة؟ يبدو هذا بعيد الاحتمال أيضاً.
مشاريع نامية:
ملاحظات عن الزواج.
ملاحظات عن التفسير".
نهمها لقراءة نتاجات الكتّاب الكبار منذ سن مبكرة أعطتها حق أن تحكم عليهم بصراحة وجرأة.. جيد وجويس وتولستوي وديستويفسكي وكافكا وفوكنر وعشرات غيرهم من الروائيين والشعراء والفلاسفة.. في 19/ 1/ 1953 تقول عن كافكا وهي تقارنه بالآخرين:
"كمال نثره أشبه بالصفعة على الوجه، واقع نقي، لا شيء متكلف أو باهت. كم أنا معجبة به، أكثر من كل الكتّاب! بجانبه، يبدو جويس أبلهَ جداً، وكذلك أندريه جيد ـ أجل ـ عَذِب، مان جداً أجوف + طنان. فقط بروست مثير للاهتمام مثله ـ تقريباً. لكن كافكا يملك سحر الواقع حتى في أكثر التعابير تشوشاً، سحر لا يملكه اي كاتب حديث، نوع من ارتعاش + ألم طاحن في الأسنان"
وعيها مستقل، واثق أحياناً من إشعاعه، وحائر أحياناً.. أفكارها في طور التشكّل، لا شيء متبلور تماماً، فهي تتساءل، تختبر نتفاً من أفكار.. تقدّم خلاصات مبتورة.. تسعى لاستيعاب ما يدور حولها، لترتيب أفكارها.. تمضي أياماً رتيبة إلى حد ما، وقليل منها غاية في الإثارة. لكنها لا تمنحها الأهمية الكافية بقدر ما تمنح لفرادة شخصيتها وأفكارها.. قد تكون تكتب لنفسها وحسب، ففي ذلك الوقت المبكر من حياتها ربما ما كان يخطر على بالها أن هذه اليوميات ستُنشر في ما بعد، وتُقرأ.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 2 2 )
- قراءة في رواية ( جحيم الراهب ) لشاكر نوري
- ازدهار الأدب يتصل بتنمية المجتمع
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 1 2 )
- الشعر ونهاية القرن
- الحب أصل الحياة
- صراع الدولة والجماعات في العراق
- الأمية: سيرة الكاتبة
- إذا كنت تحب
- الراهن العراقي: السياق الواقعي والأسئلة المحيّرة
- قراءة في رواية ( سانتا إيفيتا )
- إبريل قاسٍ
- -تمثّلات الحداثة- 4 الحداثة والمثاقفة.. الآداب والفنون والب ...
- تحت جرس زجاجي
- الإصبع الصغيرة
- -تمثّلات الحداثة- 3 المدينة والطبقة الوسطى ومشكلات التحديث
- بلاغة الجسد؛ السلطة، الثقافة، والعنف
- طفولة ناتالي ساروت
- تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغترا ...
- قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - ولادة ثانية