أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم














المزيد.....

قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4788 - 2015 / 4 / 26 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


لن تحتاج إلى أكثر من قراءة بضع صفحات من (مراعي الصبار/ دار المدى.. بيروت/ 2015) لفوزي كريم حتى تدرك أنك وقعت على كتاب جيد، شاعري، ممتع، ومؤثر.. يستثمر ممكنات السرد في حقول (السيرة الذاتية، والمذكرات، واليوميات) ليشكِّل لوحات بالغة الرهافة والعمق والجمال عن وضع الذات وصراعها في مواجهة المقولات الكبرى للوجود؛ الحرية والحب والصداقة والخوف والمرض والموت. وهي لوحات انتقاها الكاتب من خزين ذاكرته، وأوراقه القديمة، وقدّمها عبر لغة ذات رنين إنساني مفعم بالشجن والحنين، ولستُ أعني أنه يصدر عن نوستالجيا حادة من ذلك النوع الذي غالباً ما يعاني من وطأته المنفيون العصابيون. (وأي منفي تفرغ شبكته النفسية من بعض أعراض العصاب؟). غير أن ما كان يحمي شاعراً كبيراً مثل فوزي كريم من آثار تلك النوستالجيا هو الوعي.. وعيه النفاذ إلى أعماق النفس والأشياء والأمكنة والأشخاص وهي تتأرجح على الحبل المتوتر للزمن، وربما كنت أقصد التاريخ؟
وفوزي كريم لا يعرض عالمه الذي شيدّه في (مراعي الصبار) بتكلّف مفرط، وإنما بهدوء وثقة، وصدق جارح (لا للآخرين وإنما للنفس) وذلك كله نتاج حكمة السنين وتجاربها. إذ يستدير نحو الماضي، القريب منه والبعيد، لاكتناه تلك المِزق من غيمة العمر المفتتة في دورة الزمان. ليقول الأشياء، كما هي، بصراحة دافئة، قاسية أحياناً، صادمة أحياناً، كاشفة في أغلب الأحايين. تلك التفاصيل الصغيرة الحميمة التي بمجموعها ترسم صورة للعالم كما خبره، وكما أحس به، وكما تمثله في الوعي.
الإيقاع بالغ الاتزان والخفة للكتاب دالة لثقافة المؤلف الموسيقية.. الموسيقى التي تسربت إلى حنايا روحه وعجنتها وأعادت صياغتها، بعدما عشقها مبكراً، وحاور آلهتها العظام، وجعلها قبلة العزاء، ورفيقته الأثيرة، في منفاه القصي.
يحكي أولا عن أزمته القلبية.. عن مأزق الجسد الفيزيقي في وقوفه وحيداً على شرفة القدر الغامضة، وإطلالته على ذلك الوادي الرمادي السحيق المعروف بكلمة؛ الموت.. هو المملوء بحب الحياة، وطاقة الشعر التي تديم زخم تلك الحياة.."قدرتي على الكتابة الشعرية انحسرت إلى درجة الصفر. مع أن إحساسي الفائض بما يعتمل في داخلي من شعر مجرد عن الكلمات، لم يُطفأ لحظة"ص23.. هذا وهو يتصدى لذينك القدرين الغامضين؛ المرض والغربة. وفي هذه الفاصلة ليس بمقدوره ادّعاء اليقين، فدوماً يضع أحكامه في سياق محيّر، يثير التساؤلات.
يجد القارئ نفسه، مع كتاب فوزي كريم مشاركاً، متفاعلاً، منفعلاً.. إنه هناك، معه، مع الكاتب، حيثما يكون.. ففي فصل"مراعي الصبار"(النص الذي عنون به كتابه) يتكلم مرة أخرى عن المرض والموت.. وفي هذه المرة من موقع الشاهد المنفعل، لا موقع الفاعل. عائشاً لحظة الموت؛ موت أحد أصدقائه (شريف الربيعي) بمرض السرطان، في المنفى.
من الصعب دوماً أن نألف الموت.. كل حالة موت مرويّة تخلق صدمتها، وتخلِّف صدى غريباً، كأنها تحدث للمرة الأولى.. الآخرون من حولنا يرحلون ونبقى لا نصدّق، كما لو كنا نحاول إبعاد شبح الموت المخيف عنّا. وهنا، ليس هو الشعور بالفقدان، فقط، ما يجعل الحزن يكسرنا، بل إدراكنا أولاً بأن الحياة هشة، وأن في الأمر ما هو مبهم ومريب.. يخبرنا موت الآخرين، في كل مرة، بتهكم مؤلم، قصة موتنا المؤجل.. تلك القصة التي تتركنا ساهمين، صامتين.
"كنت أخشى أن أكون قد خيبت أمله بفعل الإحباط والخرس اللذين ألما بي، وأقعداني أمامه دون تدفق ودعابة ومواساة. كان خيالي يسبقني مسافة لا قدرة لسطوة العقل على اجتيازها، واللحاق به. فكل حالة مرض تملك لغة احتيال خاصة على النفس، إلا هذا المرض"ص93.
في فصلي (حجي إسماعيل) و (الموعد المؤجل) يعرِّج الكاتب على موضوعة الخوف.. كيف تشكِّل خبرة الخوف بنيتنا النفسية والعقلية.. الخوف الذي يترصدنا ويفاجئنا ويغير مسار حياتنا. سواء أكان الخوف المصنوع في دوائر السياسة ومطابخ المخابرات، أو الخوف الطبيعي الذي يسكننا، ويرتع في لا وعينا، ويستحوذ علينا مع سيل من الهواجس المتخطية أحياناً لقوانين المنطق والواقع. كما لو أن الخوف، ها هنا، ليس الوليد وإنما الرحم.
وأيضاً إزاء المرض والموت يخبرنا فوزي كريم وهو يقلِّب على وجوهه، فحوى تلك النبوءة في العام 1997 التي أطلقها صديقه القاص عبد الستار ناصر، من أن أحدهما سيغادر قبل نهاية العام، وكيف أصيب بزيادة سرعة خفقان القلب في ليلة تلك السنة الأخيرة، في دمشق.. وها هو يقارن بين خوف النهارات وخوف الليل.."في النهار أشعر بالمشاركة حتى من قبل الأشجار. في الليل ينفرد بك شبح الخوف وحده. شبح الخوف لا من شيء بعينه. أحياناً لو اتضح الخوف أنه من الموت، لبدا شبح الخوف على شيء من الألفة. ولكن شبح الخوف الذي لا هوية له لا حدود لاستثارته"ص140.
إنه كتاب الغربة والمنفى والشعر.. كتاب الخوف والهرب.. كتاب الحب والموت.. مقارباته حول هذه الموضوعات الوجودية الكبرى تجري عبر لغة سردية دافقة، رائقة، وعذبة، لا لغة فلسفية مجردة، ومقعرة. وهي لا تخلو من روح مرحة خفيفة تضفي على كتابته مزيّة أنها عن الحياة والحب والحرية والفن حتى وهو يحكي في فصوله عن الخوف والرحيل والموت.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة
- نساء بوكوفسكي
- سارتر في المرآة
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )
- المكان والهوية والاغتراب
- قصة قصيرة؛ مساء عاطل
- السردية التأسيسية للدولة وموقع المثقف
- أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟
- ثلاث قصص قصيرة جداً


المزيد.....




- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم