أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟















المزيد.....

أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 13:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من البديهي أن الحزب السياسي الذي يفتقر إلى تقاليد الممارسة الديمقراطية في إطار تنظيمها الداخلي، ويركب الموجة الديمقراطية اضطراراً لدواعي مصلحية ( براغماتية ) في علاقتها مع الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، لا يمكنها إنشاء علاقات صحّية في المناخ الديمقراطي، لاسيما إذا كانت إيديولوجيتها ذات طابع شمولي، وعقلية قادتها وأعضائها مسكونة بنظرية المؤامرة.. وللأسف فإن الأغلب الأعم من أحزابنا وحركاتنا السياسية العراقية لم تنج من واحدة أو أكثر من هذه الأمراض المستعصية والمزمنة، إن لم نقل كلها، والتي ما برحت تنعكس في مواقفها وممارساتها على أرض الواقع. ويبدو أن بعضاً من تلكم الأحزاب والحركات ما يزال يستعير وسائل وأساليب الأنظمة الفاشية والأحزاب الشمولية، معتقداً أنها الأجدى في مواجهة منافسيه. والأخطر أن فكرة المنافسة، في وعي كثر من النخب والحركات، لا تقوم على طرح البرنامج السياسي الأفضل بل تنطلق من قناعة أن الحياة السياسية ما هي إلا ميدان صراع ضارٍ، وعليك أن تقاتل باستماتة من أجل الكعكة كلها.
لنعد صياغة موضوعتنا عبر السؤال الآتي؛ لماذا تعثرت الممارسة الديمقراطية في عراق ما بعد 9/ 4/ 2003؟..
سؤال مباشر وواضح، طُرح مئات المرات، وتباينت الإجابات عنها واتسعت وتشعبت، ولم يكن أكثرها بعيداً عن وجه من وجوه الحقيقة، المتعددة والملتبسة. وأعتقد أن السبب الأول، وليس الوحيد، الذي حال دون أن ننعم بنظام سياسي ديمقراطي فعال ومنتج هو غياب القدرة على التسامح عند معظم النخب السياسية التي تصدت لبناء دولة ما بعد سقوط نظام صدام حسين.
التسامح هو أن تسمح للآخر/ المختلف بالوجود والحياة الحرة الكريمة إلى جانبك متمتعاً بالحقوق الإنسانية الطبيعية كلها التي تتمتع بها، حتى وإن كنت في موقع قوة وسلطة.. وما يعضِّد التسامح، أو يعكس وجهه الآخر مبادئ من قبيل الرحمة، والمروءة والعفو عند المقدرة، وهذه كلها تشكِّل جزءاً واضحاً من إرثنا الثقافي ومنه يمكن أن نقرأ تاريخ التسامح في سياقه العربي والإسلامي، ولنا شواهد عظيمة في ذلك.
والتسامح قيمة إنسانية عليا، وخيار صعب، ورهان حضاري، لا يتحول إلى آلية سلوكية من غير مبدأي الإيثار والتضحية. والثقافة بوصفها طريقة حياة هي قيم وممارسات سلوكية تتسق مع ظرفها الحضاري، وبذا لابد من أن يكون التسامح، الآن، في القلب منها.
ربط مفكرو عصر التنوير الأوروبي مبدأ التسامح بالعلمانية، أي بالمجتمع المدني القائم في إدارته على فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية مع ضمان حرية الضمير. وعلى الرغم من أن بعضهم انطلق من ثقافة دينية إلا أن تأويلهم للنصوص المقدسة كان يصب غالباً في تعزيز قيمة التسامح وتأكيدها بالتوسل ببراهين منطقية، عقلانية. وها هو بيير بيل يكتب في العام 1681 بأنه "عدوان أكيد على حقوق الله أن يريد الإنسان إكراه الضمير". وقبل ذلك يكتب جون لوك في العام 1667 بحثاً في التسامح ناكراً أن يكون للحاكم المدني أية سلطة على الرعية فيما يتصل بالدين، قائلاً: "ليس من المعقول أن يكل الناس إلى الحاكم المدني سلطة أن يختار لهم الطريق إلى النجاة، إنها مسألة خطيرة لا يمكن التسليم فيها". ومؤكداً أن "عدم التسامح يتنافى مع الفضائل المسيحية"، وفي المقدمة منها؛ المحبة. ليصل إلى نتيجة غاية في الأهمية وهي أن الكنيسة حتى لو طردت عضواً أصر على هتك قوانينها فهذا "ينبغي ألا يتضمن حرمانه من أي حق من حقوقه المدنية".
يتصل سلوك التسامح بالبناء النفسي للإنسان، وبتجربته الاجتماعية ورؤيته إلى نفسه والآخرين، أي بثقافته. فالتسامح ليس خياراً أخلاقياً فحسب، وإنما هو ثقافة، ومفردة سلوك، ولابد من أن يكون متجذراً في الوعي الفردي، وفي الضمير. ولذا فالتسامح استعداد وجداني لا يملكه إلا الأرواح الخالية من الرضوض والقيح والعطب.
نعلم أن هناك بعداً أخلاقياً جليّاً في الفكر الأنسني أطرافه الثلاثة؛ التفهم، المحبة والتسامح.. ويمثل التسامح الذروة في ارتقاء المبدأ الإنساني.. ولا تتحقق المحبة من غير التسامح، لكن التسامح بحاجة إلى التفهم؛ أن تضع كل شيء في مساره الواقعي، وليس أن تزيل ما مضى بجرة قلم.. فبدءاً عليك أن تضع نفسك موضع الآخر وأن تدرك موجِّهات ومغزى سلوكه وقناعاته في سياقه الصحيح. أي أن التسامح لا يعني إلغاء التاريخ من حيث كونه مسرحاً للتجربة الإنسانية بعظمتها وانتكاساتها وتناقضاتها وصراعاتها وخطاياها. ولا يُقصد به النسيان، لأن ذلك مستحيل.. بل التفهم.
لا يمكن فصل قيمة التسامح عن قيمة العدالة. وإذا كان التسامح موقفاً اختيارياً للمرء فإن تحقق العدالة يمنح ذلك الموقف حصانة نفسية ـ معنوية أكثر.. ونحن نعرف أن من معاني التسامح الرحمة والغفران. لكن ضمان حقوق الضحية يمنح التسامح دلالته الإنسانية ومغزاه الوجودي. وأقل مستويات تلك الحقوق هي الاعتذار؛ اعتذار الجاني أو المسيء للضحية. والنزوع إلى الاعتذار ثقافة تُكتسب.. ثقافة تترشح من نمط التربية السائد في المجتمع ومؤسساته التعليمية والثقافية والدينية، ومن القيم الاجتماعية الموروثة.
إن الحزب السياسي الذي لا يستطيع أن يطرح مثالاً متقدماً يتجاوز من خلاله الأمراض الاجتماعية السائدة، والذي يبني سياساته على توافر مناخ الأزمة والبيئة الصراعية الخانقة. وحين يستمد قيمه وتقاليده من أسوأ إفرازات عهود التدهور والظلام، فإنه يغدو لا جزءاً من الأزمة القائمة فقط، وإنما عنصر إعاقة مضاف لأي خطوة جادة باتجاه الحل. وقد استعار كثر من الحركات السياسية من ذلك الجزء الأكثر تخلفاً في البيئة الاجتماعية قيم نبذ الآخر وكراهيته والعمل على إقصائه والانتقام منه.
يغيب عندنا مبدأ التسامح بعدِّه أساساً في السلوك الفردي والجماعي المتحضر، لا عند النخب السياسية وحسب وإنما عند شرائح اجتماعية لا يستهان بعددها.. فالتسامح لم يصبح، في ثقافتنا جزءاً من مسلّمات ودوافع السلوك في العلاقة مع الآخرين المختلفين. وغالباً ما تتقاطع قيمة التسامح مع قيم اجتماعية ـ ثقافية متجذرة في منظومتنا السلوكية، ومنها الكبرياء والكرامة والشجاعة، بسبب الفهم القاصر والمشوّه لماهيات هذه القيم الكبرى. على الرغم من أن التسامح، في رأيي المتواضع، هي أعلى مراحل الشجاعة الإنسانية.
نعرف أن منظومات القيم المتشكلة تحت ضغط نزعات الثأر والانتقام والتشفي لا يمكن تغييرها بسهولة. فمن الصعب أن يمتلك الإنسان الإرادة الكافية والقناعة الرضية كي يتخذ قراراته، ويسلك بدافع التسامح. فما يعيق هذا يكون قد ترسّخ في تلك المنطقة المعتمة، الشائكة، الهائجة من النفس. أي أن ما ترسّب في مرحلة الطفولة واليفاعة يتجذر عميقاً في اللاوعي، واقتلاع ما هو سيء فيه بحاجة إلى واقع ثقافي وتعليمي حديث، ومناخ سياسي اجتماعي سليم، واستراتيجيات واقعية تتبناها مؤسسات فعالة.
لا يمكن أن يكون الإنسان حرّاً، والجماعة الواحدة حرّة، من غير أن يكون الإنسان الآخر حرّاً، والجماعة المختلفة حرّة.. والمناخ السياسي العام الملائم، وتبدل نظام الحكم، وتشريع القوانين الجديدة، لا يحقق وحده الحرية.. الحرية التي هي بحاجة إلى تلك الإرادة الخلاقة التي تجعل الإنسان يتحرر من مخاوفه، ومن أوهامه، ومن عُقده المتراكمة التي تشل حركته وتشوش ذهنه.
لا معنى للحرية من غير أن يعي الإنسان معنى وجوده ودوره في العالم، ومن غير أن يشعر في دخيلته بأنه حرّ حقاً، مع آخرين من بني جنسه ينبغي أن يكونوا أحراراً أيضاً، فيتخذ قراراته بطاقة الشعور هذا.
وإذن لا يمكن بناء حياة ديمقراطية حقيقية مع الكراهية والشك المرضي والتنافس غير الشريف على المناصب والمكاسب. هذه العلل الاجتماعية/ السياسية ذات المنشأ والبعد النفسيين/ الثقافيين تتنافر مع مبدأ التسامح الذي عددناه شرطاً أولياً للتطبيق الديمقراطي، على الرغم من أن الديمقراطية أوسع مدى بكثير من حدود التسامح التي تكتفي بتجنب اضطهاد المختلفين واحترام آرائهم ومعتقداتهم وحمايتهم.. ومع تطور آليات الممارسة الديمقراطية دخلت مفاهيم جديدة أضحت بمرور الوقت الأركان الرئيسة للديمقراطية ومنها الاعتراف بالتنوع، والتعددية، وإقامة المجتمع المدني على أساس مبدأ المواطنة، وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، وتكافؤ الفرص. هذه المفاهيم/ المبادئ التي يعد التسامح النسغ الذي يمنحها مصداقيتها وحيويتها.
والتسامح الذي هو قيمة ثقافية/ حضارية لا يستقيم، قطعاً، مع التعصب.. التعصب بأشكاله كافة ( الإيديولوجي والحزبي، الديني والطائفي، العرقي والعشائري، الخ ). حيث يبدأ الالتزام بقيمة التسامح من التحرر من الرؤية الأحادية الضيقة.
وإذ بدأنا مقاربتنا لمفهومي التسامح والديمقراطية بسؤال، فعلينا أن ننتهي بأسئلة مكمِّلة:
كيف لنا أن نؤسس لثقافة التسامح في بلادنا؟ كيف نجعل من هذا المبدأ مفردة متداولة في الإعلام والخطاب السياسي والنقاش العام؟ كيف نوضّح ماهية ومغزى وأهمية هذا المبدأ الذي هو خطوة لا غنى عنها إطلاقاً في تكريس السلم الأهلي، وتشغيل الماكنة الديمقراطية بسلاسة مثمرة؟. كيف يمكننا أن نجعل من التسامح جزءاً من منظومة القيم الأخلاقية للأفراد بانتماءاتهم المتباينة؟ كيف نقنع الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة أن التسامح يصب في المصلحة العليا للجميع؟.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- باتريك موديانو هل يستحق نوبل الآداب؟
- الاقتصاد السياسي للعنف
- موقع الهوية
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 2 2 )
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 1 2 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 3 3 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 2 3 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 1 3 )
- الجسد العراقي: التاريخ، الهوية، والعنف
- لماذا يرتد بعضهم إلى الطائفية؟
- الجسد العراقي: السلطة، الثقافة، الهوية
- المثقفون: الحلم العراقي وهوية الدولة
- السلطة، الجسد المعولم، والمجتمع الاستهلاكي
- الهوية وغربة الإنسان في عالم معولم
- الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة: تحديا ...
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 3 جنسنة الشرق
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 2 الاستعمار والجسد
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 1 الفاشية والجسد
- جدل الهوية الطبقية والهوية الوطنية


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟