أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - الاقتصاد السياسي للعنف















المزيد.....

الاقتصاد السياسي للعنف


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غدا العنف جزءاً عضوياً من آليات عمل النظام العالمي الجديد الذي أعقب حقبة الحرب الباردة.. صحيح أن التاريخ البشري لم يمر طوال عمر الحضارة، منذ أقل من عشرة آلاف سنة، بمراحل سلام واستقرار طويلة جداً، إلا أن العنف الذي يتخذ لنفسه في كل مرة أشكالاً ومظاهر مختلفة ويصدر عن أسباب ومسوِّغات تقليدية، قديمة، وأخرى مستجدة بات اليوم وكأنه قدر البشرية الأبدي لاسيما إذا ما قرأنا حقيقته في ضوء حركة الرأسمال ودوافعه ومصالحه وآليات عمله المؤسسي العابر للحدود. وهي حركة لا يمكنها الاستمرار بإيقاع مثمر ربحياً، وضامن لمصالح القلة المنعمة بالرفاهية والثراء الفاحش، في أجواء يسودها السلام والعدالة والديمقراطية. فهي الحركة التي وقودها الفوضى والعنف والإرهاب والحروب الصغيرة منها والكبيرة.
لسنا هنا بصدد تفسير ظاهرة العنف بإرجاعها لقوة الإيديولوجيات والعقائد المتعصبة ضيقة الأفق والتكفيرية التي باتت تستحوذ على عقول جيل جديد من شباب المجتمعات المقهورة. أو حتى إلى العجز الأخلاقي لفئات من المجتمعات المعاصرة، وكلا السببين لا يمكن إنكار تأثيرهما. وإنما نرمي إلى البحث عن موجِّهات المصالح الخاصة بالطبقات المالكة والحاكمة والمتنفذة سواء في مراكز العالم الرأسمالي المتقدم، أو في الأطراف المتخلفة التابعة لها.
الإرهاب صنعة، وصناعة مؤسسية.. وبعد الحرب الباردة باتت هذه الحقيقة أكثر وضوحاً.. وهو إرهاب أريد، بعد تفسخ المنظومة الاشتراكية، أن تكون له لاحقة ( الإسلامي ). ذلك أن الرأسمالية المتغولة لا تستطيع ان تحيا وتستمر في عالم مستقر لذا عليها أن تواجه عدواً، وإذا لم يوجد مثل هذا العدو فعليها أن تختلقه وتمنحه الدعم والدعاية، وأن تجعل منه بعبعاً مخيفاً. وبها تحقق جملة غايات منها؛ تشغيل مصانع الأسلحة التي يعمل فيها ملايين العاملين، إذ توقفها سيفضي إلى بطالة واسعة، ناهيك عن انخفاض أرباح الطبقة المالكة التي هي ذاتها الطبقة الحاكمة. وإشغال المؤسسة العسكرية المتورِّمة بصراعات ومغامرات محسوبة الكلفة من الناحيتين المادية والبشرية، مع تحويل الأنظار من المشكلات الداخلية المتفاقمة الاجتماعية منها والاقتصادية إلى التهديد الذي يجري تضخيم صورته ودرجة خطورته.
فكر الإسلام المتطرف، وإن كانت السلطات الفقهية والمعاهد التعليمية الدينية وبدعم مالي واسع من حكومات دول ريعية متخمة بالمال هي من أخذت على عاتقها نشره والترويج له، حتى خارج حدودها الإقليمية، إلا أن الحركات الإرهابية جرى الإعداد لإنشائها في مطابخ الاستخبارات الغربية، لا سيما الأمريكية، منذ العام 1979، أي منذ التدخل السوفياتي في أفغانستان.. كانت المنظومة الشيوعية في طريقها إلى الانهيار، وكانت الظروف مؤاتية لإطلاق قوة عاتية جديدة ينبغي وصفها بالشريرة ليظهر العالم الرأسمالي بقيادة أميركا، في النهاية، في صورة الممثل لقوى الحرية والسلام، والمنقذ القادر على تخليص العالم من هذا الخطر المداهم.
بعد وقت قصير من انهيار الكتلة الشيوعية يكتب نعوم تشومسكي في كتابه ( إعاقة الديمقراطية )؛ "إن إزاحة الرادع السوفياتي المحدود يحرر الولايات المتحدة في ممارستها العنف". وهو على ثقة بأن الافتراض المعقول، الواجب عدم نسيانه، هو "أن سياسة الولايات المتحدة ستكون كما كانت عليه بعد أن انتهت الحرب الباردة". فيما المنظومة العالمية قائمة على التصادم بين مصلحة الرأسمالية العالمية وتطوّر العالم الثالث الذي يراد له، وبحسب تشومسكي أيضاً "أن يخضع لقوى التدمير الكامنة في رأسمالية السوق الحرة، وذلك لكي يمكن سرقته واستغلاله على نحو أكثر كفاءة من قبل الأقوياء". حيث يكون اللجوء إلى العنف جزءاً من الاستراتيجية الموجِّهة لهذه الغاية.
يتحدث كريستيان بارينتي في كتابه ( مدار الفوضى ) عما يسميه بالتجمع الكارثي للفقر والعنف والتغير المناخي.. حيث يفاقم ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الأنهار والبحار والجفاف والفيضانات المدمرة والتصحر من أزمة المعيشة في بلدان كثيرة في عالم الجنوب ( آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ) ويزيد من احتمالات العنف والإرهاب فيها. فيما الحلول التي توضع لمواجهة هذه الكوارث تكون غالباً قصيرة النظر وغير عقلانية. في الوقت الذي يأخذ فيه كيان الدولة الناظمة للحياة الاقتصادية والسياسية بالضعف والهزال.. ويرجع بارينتي أحد أسباب هذا الأمر إلى الحرب الباردة وما خلّفت من أزمات مستعصية وعدم استقرار في تلكم البلدان، بعدما "تركت حروبها ( القوى العظمى ) العديدة بالوكالة في الدول النامية تراثاً مكوّناً من مجموعات مسلحة وأسلحة رخيصة وشبكات تهريب. ودفعت السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة ـ الخصخصة المتطرفة ورفع التحكم الاقتصادي ـ التي فرضت من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على اقتصادات عديدة في العالم الثالث... نحو أزمة دائمة، وعدم مساواة شديدة". وهكذا تبرز "جغرافيا مكوّنة من حروب أهلية وتدفق لاجئين ومذابح جماعية وانهيار اجتماعي".
اليوم تعولم الإرهاب، وأسس لاقتصاد سياسي خاص به، ليغدو جزءاً من لعبة العولمة الرأسمالية واقتصادها السياسي. فالرأسمالية تستطيع المعايشة والتكيف مع ظروف مختلفة، ولا بأس ببعض الفوضى في أجزاء من العالم، والتي تعد عنصر ديمومة لها، لا عنصر تهديد.. ومن أجل تنشيط الرأسمالية لابد من وجود مناطق ساخنة وحروب محدودة التأثير ومسيطر عليها.. الدولة الرأسمالية بحاجة إلى وجود أعداء ظاهريين يمنحونها شرعية الحركة والفعل والتأثير.. وإرهاب القرن الواحد والعشرين غدا جزءاً من المنظومة الرأسمالية المعولمة. وها نرانا إزاء حقيقة مرعبة جديدة أسميها بـ ( نمو وتكامل الاقتصاد السياسي للإرهاب ) فمع انتشار المنظمات الإرهابية تكوّن لها فضاء اقتصادي ديناميكي مؤسسي ومستقل نسبياً، له موارده الواسعة، ومجالات استثماره وإن كان في ضمن ما يطلق عليه بالاقتصاد اللاشرعي. وهذه المنظمات تنتقل اليوم من حالة اعتمادها على التمويل الخارجي إلى حالة من الاستقلالية في التمويل والاكتفاء الذاتي والتي تحررها من سطوة القوى التي أوجدتها وتمنحها مزية اتخاذ القرارات المستقلة كي تفرض نفسها في النهاية أمراً واقعاً على الأرض لابد من التعامل معه. وهكذا تتسع قاعدة الإرهاب كلما استطاعت الاعتماد على موارد جديدة وإدارتها بما يخدم أهدافها ومخططاتها. فهي فضلاً عن الاعتماد على التبرعات وتمويل جهات سياسية واقتصادية واستخباراتية مختلفة، واللجوء إلى عمليات قرصنة وخطف وحصولها على الديات، وفرض الأتاوات على الأغنياء في مناطق نفوذها وسيطرتها، باتت تسيطر على حقول نفط وغاز، ومعامل وموانئ وطرق مواصلات ومطارات وبنوك في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول.
وفي استراتيجيات الدول الرأسمالية المتقدمة يجري اللجوء إلى نوع من التكيف السياسي والعسكري لإدامة السيطرة، والتحكم بمسارات الأحداث وتداعياتها المقلقة.. ويلاحظ بارينتي أن البنتاغون يخطط "مع حلفائه الغربيين بشكل نشط لتكيف مسلح، يؤكد على احتواء بعيد الأمد ومفتوح لدول فاشلة أو في سبيلها إلى الفشل ـ أي مكافحة تمرد مستمرة للأبد". غير أن وجود فجوة مخيفة بين دول مستقرة، مستويات المعيشة فيها عالية، وأخرى تعاني من الاستبداد السياسي والفقر والنزاعات الداخلية، سيفضي في النهاية إلى تعميم للفوضى والعنف والأزمات التي يصعب حلها. فدول الاقتصادات المتطورة تتحول إلى جزر للفاشية الجديدة كما يؤكد بارينتي "تقوم على كره الأجانب والعنصرية والقمع البوليسي والمراقبة والعسكرة" وحتى تمتعها باستقرار نسبي سيكون في بحر من الفوضى.. فعالم "في حالة انهيار مناخي ـ يتميز بالجوع والمرض والجريمة والتعصب والانهيار الاجتماعي العنيف ـ سوف يقهر قارب نجاة مسلحاً. وأخيراً سيغرق الجميع في المستنقع نفسه".
ثمة عوامل مديمة ومسرِّعة لتقوية الإرهاب وانتشاره إلى الحد الذي يجعلنا نقترب من حالة الكارثة، والتي غالباً ما يتم إغفالها وعدم التفكير فيها بعمق وجدية ومنها؛
1ـ تطوّر تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات فائقة السرعة ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية والتي أصبحت متاحة للجميع. والغريب أن أكثر القوى رجعية وتخلفاً وتطرفاً ( بالمعايير الثقافية والحضارية التنويرية ) وظفت تكنولوجيا المعلومات والإعلام والتواصل الاجتماعي بتطبيقاتها وبرامجها بشكل أكثر فعالية بكثير مما فعلت النخب الثقافية والسياسية المتنورة، وقوى المجتمع المدني.. هذه المفارقة كانت لها نتائجها السيئة في ساحة الصراع الثقافي والإعلامي.
2ـ انتشار الأسلحة، لاسيما الخفيفة والمتوسطة منها، على نطاق واسع، وبأسعار رخيصة نسبياً. بفضل تجارة الأسلحة وتهريبها. وبات من اليسير على مجموعات صغيرة الاحتياز على قوة نارية هائلة من خلال صنع العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات والبنايات. كما تتوافر اليوم أسرار صناعة الأسلحة وموادها الأولية وتكنولوجيتها للمجموعات الإرهابية والتي تعمل خارج سيطرة الدول وتقدر على بناء مصانع صغيرة للأسلحة تحت الأرض أو في أماكن نائية.
3ـ توسع وانتشار الإعلام الحر الذي يمكن الاعتماد على دعمه ومساندته أو الاستفادة منه ـ وهو إعلام أكثر جاذبية وتأثيراً من الإعلام الرسمي ـ من قبل المنظمات المتطرفة والمجموعات الإرهابية.
لم يستنفد الإرهاب المتأسلم ضرورات استمراره ومبررات بقائه بعد، وحين يحصل ذلك سينتهي كل شيء بسرعة قياسية. عندها تكون الرأسمالية العالمية قد أعدت العدة لمواجهة جديدة، مع عدو آخر، مبتكر من مادة الواقع والتاريخ جزئياً، وبقوة التخييل الاستراتيجي إلى حد بعيد. وسيوصف أيضاً بالشرير والخطير.. وستظهر نظريات جديدة مكمِّلة أو ناسخة أو مناظرة لنظريات نهاية التاريخ، والصدام الحضاري، والفوضى الخلاقة. وسيستمر مسلسل الآلام، لاسيما في المجتمعات الفقيرة. ومقابل بضع مئات من المتخمين بالمال والسلطة والجاه والنفوذ ستبقى هناك مليارات من البشر، في نصف الكرة الجنوبي، تعاني.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقع الهوية
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 2 2 )
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 1 2 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 3 3 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 2 3 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 1 3 )
- الجسد العراقي: التاريخ، الهوية، والعنف
- لماذا يرتد بعضهم إلى الطائفية؟
- الجسد العراقي: السلطة، الثقافة، الهوية
- المثقفون: الحلم العراقي وهوية الدولة
- السلطة، الجسد المعولم، والمجتمع الاستهلاكي
- الهوية وغربة الإنسان في عالم معولم
- الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة: تحديا ...
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 3 جنسنة الشرق
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 2 الاستعمار والجسد
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 1 الفاشية والجسد
- جدل الهوية الطبقية والهوية الوطنية
- الجماعات والهوية الطبقية
- الاقتصاد الريعي وتعثر نمو المجتمع المدني
- المجتمع السياسي بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - الاقتصاد السياسي للعنف