أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )














المزيد.....

الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 5 - 03:33
المحور: الادب والفن
    


في رواية (سابرجيون/ دار فضاءات 2014عمّان) لعامر حمزة يسترجع الراوي نتفاً من تاريخ مكان ما، زاهر، ومدهش بألوانه، حيث الطفولة الصاعدة إلى سفح المراهقة والشباب تبدو عيداً مديداً زاهياً. فذلك الزمن الفردوسي الضائع يتوامض بين صفحات الكتاب كنجوم قديمة لم تعد كائنة الآن بعد أن سار ضوؤها في سديم الحياة مدةً من العسير حصرها بالحساب النفسي. وإلى الحد الذي لم نعد نستطيع أن نصنِّف النص القابع بين دفتي الكتاب، بثقة، في خانة النوع الروائي.. وهل نقول أنه المثال للسيرة/ الرواية إن صح لنا اجتراح مثل هذا الاصطلاح المركّب؟!.
ليست هناك حبكة لقصة واحدة متماسكة.. ليس هناك من راوٍ بضمير المتكلم فاعل، بوضوح، في الرواية.. إننا نسمع صوته طوال الوقت غير أننا لا نراه.. فهو المتحدث بضمير الجمع (نحن).. وكأنه ضمير تاريخ مكان وزمان أثيرين تبدد في غفلة منه ومنهم. فهو مع الآخرين، ذائب فيهم، والناطق باسمهم، والمكلف بتدوين شظايا من سيرهم.
ثمة تداعيات لذكريات لا تنتهي، وإسهاب في إيراد التفاصيل الصغيرة الحميمة، وحتى بعض الإنشاء الزائد أحياناً. وأحسب أن هذا متأتٍ من حماس الراوي للإمساك بأكبر قدر ممكن من عالمه ذاك، بعاطفة مفعمة بالشجن والألم.. فالراوي الذي لا نعرف اسمه والذي لا يفصح عن سنّه وملامحه وأفراد عائلته وحتى مغامراته الشخصية يسرد بحنين مرّ، يائس، بعدما رحل من رحل وغابت الأشياء اليانعة الحلوة عن الأنظار. وتلكم الأحداث تتجلى له كما لو أنها آتية من العدم.. فهو يأسى لأن الحياة لم ترتقِ كما رسمت أحلام أبطالها.
الآن وبعد أن ذهبت نضارة العالم نجد شخصيات عامر حمزة التائهة في الزمان تعيش في الضفة الثانية؛ الضفة المبهمة والكئيبة؛ في المنافي أو في مهاوي الموت، أو في مطاوي المجهول، فهي لم تترك أثراً إلا في ذاكرة الراوي.. إن قسوة الوقائع التالية محت كل شيء، ولم يتبق إلا هذه الشذرات المختلجة في ذهنه، والذي لا نعلم، أين يقف، على وجه التحديد، وهو يخاطبنا.. وهو يروي الحكاية بعدما تلاشى كل شيء، وأخذته الريح الكالحة، وضاع في الغبار.. لا ذكر يقينياً دقيقاً عن المصائر، فقط تلك الرحلة التي تجتاز معها الشخصيات برزخاً مؤلماً لتلوذ بالأقاصي، أو ليكتسحها موج النسيان. بالمقابل ثمة استثناءات قليلة، تجسِّدُ صوراً من الفاجعة.. في سبيل المثال؛"ومن قهرنا نحن هنا وهناك، لما عرفنا من شاشات الفضائيات خبر قتل أبينا (توما) بتلك الطريقة البشعة.. مذبوحاً هناك في صحارى الموصل البعيدة".. أو "نعرف حكاية وصول مشاكسنا (جوكي) إلى أمريكا البعيدة بعد ذلك الفجر الشتائي الممطر".
تجري الأحداث على خلفية مشهد سياسي متقلب مضطرب عنيف وقاتم... إذ كانت نذر الهول تتجمع، هناك، في أفق النظر.. في البدء لم يأبه أحد، وكأن سلام الدنيا وجمالها مصانان بقوة علوية غامضة.. وكأن كل شيء يسير على وفق المنطق الإنساني السليم.. لم يتنبه معظم الناس لما يحدث تحت الجلد الرقيق للواقع، وكيف تنخر دودة صغيرة، لئيمة في قلب العالم، تتكاثر بالانشطار، تسد الشرايين، وتهدد الحياة.
يقدّم الراوي الشخصيات غالباً بصيغة الجمع، أو في حالة تجاور وتعاضد، وكأن لا معنى لوجود أي منها إلا في ظلال الآخرين."حياة وجدنا فيها (روميل) بعينيه الصفراوين الباهرتين بنظارته البيضاء بإطارها الأسود برائحة أحاديثه و (ميري) بأغنيتها الأثيرة دمعي شهودي، و (ريمون) بزغب جسده المذهَّب وحركة يديه العازفتين، والخياط بأولجيه المرقّم ومقصِّه الضخم ومرايا الحياة التي أمامه.. حياة وجدنا فيها (أوسي) بنزقه ونضجه.. حياة وجدنا فيها (كاكا خالد) و (كاكا سردار) يفرّان من بيت إلى بيت، ومن شارع إلى شارع، مالئين جرارهم الفضية بعشق ذلك العيد الكبير".
تختصر الرواية/ السيرة (سابرجيون) الزمن العراقي المتعرج والمتداخل، والحلم العراقي، والمحنة العراقية، من غير مواقف طنانة مفتعلة.. إنها بانوراما عريضة لذلك التنوع الأثني الوطني المتعايش الذي فتكت به السياسة وألاعيبها.. أو أنها ترنيمة حزينة في رثاء ما اختفى، ولكن ليس من غير بصيص أمل في النهاية.. فها هو محمد (شخصية في الرواية) يتلقى إيميلاً من (ديانا)، وللأسماء هنا دلالاتها الاجتماعية،"هل تذكرني أنا من أطلقت عليها اسم البرنسيسة". هذه الرسالة التي ستجعله يخرج من عزلته صارخاً في ظلام الحي الطويل؛"إيشا معي، البرنسيسة معي، ذاهباً حتى الطرف الآخر من الحي عند كنيسة المار كوركيس... مارا بالشوارع الواحد تلو الآخر، غير عارف بما يفعله بنوره الخاص، بفرحه الخاص.. فرحه اللذيذ.. فرحه الذي لن يقدر على إخفائه مرددا لمرات ومرات أغنيته.. أغنية ضيائه وعذابه.. أغنية حياته الأولى والأخيرة (سابرجيون كخدرين بنوشي.. جوالاً أروح وأجيء لوحدي)".



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )
- المكان والهوية والاغتراب
- قصة قصيرة؛ مساء عاطل
- السردية التأسيسية للدولة وموقع المثقف
- أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- باتريك موديانو هل يستحق نوبل الآداب؟
- الاقتصاد السياسي للعنف
- موقع الهوية
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 2 2 )
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 1 2 )


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )