أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية















المزيد.....

إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 15:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الزمن العراقي في خطر؛ البشر والطبيعة والثقافة والحضارة والمستقبل. كأن يداً شيطانية عابثة توغل في الفتك بكل ما هو عراقي.. لست أتحدث عن مؤامرة على الرغم من أنني بمعنى ما لا أستبعدها بالإطلاق.. العسكريون الراديكاليون العراقيون منهم والعرب من كثر تكرارهم السمج، بمناسبة ومن غير مناسبة، لهذه المفردة، جعلونا، في الحقبة الماضية نملّها، ونشكِّك بها. وهكذا صرنا ننعت من يعتقد بها بأنه مصاب بوسواس ( نظرية المؤامرة )، لكننا نُجبر اليوم على إعادة النظر بالأمر، ولكن من منظور مختلف. ومن مبدأ أولي مؤداه أن أبطال المؤامرات الحقيقيين أنفسهم ربما كانوا يريدون أن يقودونا إلى الاقتناع بعدم وجود مثل هذه النظرية. ومن فكرة أن القوى الكبرى والصغرى ( الذكية منها بطبيعة الحال ) لها ستراتيجياتها، التي تتعدى أفقها حدود بلدانهم.. وهذا ما يتفق عليه معظمنا.. هذه الستراتيجيات لها وجه معلن وآخر خفي.. وهذا ما يرفضه بعضنا.. هذا الوجه الخفي قد يكون أوسع وأعمق وأخطر مما نظن. وأعتقد أن هذا هو المعني باصطلاح المؤامرة في سياق حديثنا.. وإذن هل نقول إن ما أطلقنا عليه تسمية الزمن العراقي هو غاية ستراتيجيات خفية؟ لم لا، طالما هناك من يربح من ذلك؟
تحدّثنا طويلاً عمّا أصاب بشر العراق وثقافته وحضارته ومستقبله من كوارث وويلات، وإن لم يكن بالقدر الكافي حتى الآن، لأننا في الحقيقة نتحدث بذلك عن محنتنا العراقية ذات البعد التراجيدي، وعن مصيرنا. لكننا قلما ذكرنا الطبيعة العراقية التي تتعرض هي الأخرى لهجمة عنف وحشية شرسة في إطار ما يتعرض له الكيان العراقي من إرهاب منظّم يبغي تصفيته.
في العموم نقول إن أمّنا الطبيعة مريضة، وأنها غدت أقل سخاءً وجاذبية، ولم تعد تلهم الشعراء والفنانين مثلما كانت تلهمهم منذ فجر التاريخ. ولأنها ليست كأي أم تمرض وتموت وتُدفن ونبكي عليها ومن ثم تُوارى صفحة النسيان، فيما نستمر نحن؛ أبناؤها وأحبابها، في الحياة، يأخذنا صخبها وهمومها بعيداً، فإن أمنا الطبيعة ليست كذلك، فحياتنا ملتصقة بها، وجزء منها.. إنْ مرضت مرضنا، وإنْ ماتت، لا سمح الله، متنا.. بعد موت الطبيعة لا حياة، لا ضحك ولا لعب ولا حب ولا عمل ولا إنتاج، ولا حتى حب وكره.. ولا جدوى.
هناك من يحذرنا، لكننا لم نعد نصغي.. وفي أضعف الإيمان نهز رؤوسنا ولا نفعل شيئاً.
الطبيعة ليست معطى سلبياً جاهزاً ونهائياً.. ليست كتلة عظيمة صماء، فهي الأخرى لها حساسيتها ومنطقها، ونقاط قوتها ونقاط ضعفها.. وهي بقدر ما تكون رحيمة تكون قاسية.. بقدر ما تعطي من نعمها تستطيع، فيما إذا لم نحسن التصرف معها، أن تنتفض وتثور وتنكفئ وتتراجع لتنتقم.
ثمة نوعان من التدخل السيئ بشأن الطبيعة. الأول ناجم عن الجهل وعدم الاكتراث، وأحياناً عن الفقر أو سوء الإدارة، والثاني ناجم عن الحقد الأعمى وهو يمضي بالفعل التدميري الخسيس عن سابق تصميم.. الإرهاب هو من النوع الثاني.
لا يطول فعل الإرهاب البشرَ وحسب، بل مقصده الطبيعة أيضاً.. كره الحياة يقود إلى كره الطبيعة بعدِّها حاضنة الحياة، وبعدِّها صورة الحياة ومصدرها وجوهرها.. كما يطول ذلك الفعل الثقافة أيضاً. والثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي للاصطلاح هي ما يضيفه الإنسان إلى الطبيعة.. الطبيعة ها هنا لا تغيب.. على العكس أنها حاضرة وهي في حالة تحوّل.. نحن نغيّر صورة الطبيعة.. نترك عليها لمساتنا الإنسانية، نحاكيها ونخالفها ونعمل ونبدع من خلالها وبالاعتماد عليها، فلسنا كائنات معلّقة في سديم فارغ، وإنما نحن جزء من الطبيعة؛ بعضنا من أبنائها النجباء، وبعضنا من أبنائها العاقّين.
تبدو العلاقة عكسية بين سلامة الطبيعة وميل البشر إلى العنف.. حين تنكمش الطبيعة تنطلق الوحوش.. المتطرفون الوحوش لا يستطيعون إلا العيش في الخرائب، على الأنقاض، في مدن استحالت قاعاً صفصفاً.. من هنا إيغالهم في قتل كل ما هو جميل ونافع.. لا شيء يُشعرهم بالأمان والإنجاز أكثر من مشهد بيوت مهدّمة، وأشجار مقطوعة وحقول زراعية تحترق، ووجوه كئيبة.. هذا الحنين المرضي الشاذ إلى الصحراء القاحلة، إلى الجفاف، إلى الشحّ، هو الذي يغذّي سلوكهم العدواني.. إنه المكافئ لعقم نفوسهم وضحالتها.. يتوهمون مثالهم السامي هناك؛ جماعات تندفع من الأرض الخراب لتشيع الخراب في كل مكان.
الصلة بالطبيعة هي صلة بالحياة، وإدامتها نوع من الطقس اليومي، شيء يشبه الصلاة، أو العادة المبهجة؛ قراءة الشعر مثلاً، أو الاستماع إلى الموسيقى.. هي كناية عن ( أعراس ) مثلما عند ألبير كامو؛ احتفاء بالوجود المحسوس ساعة يحتويك، ساعة يغدو موضوع شغف وسمو.
الصلة بالطبيعة هي أن تؤمن بأن للموجودات الأخرى ( غير ذاتك ) الحق، كما لك، بالحرية والعدالة والكرامة والاستمرار.. في النظر إلى الطبيعة يبدأ حس العدالة وحس الحرية.. حماة البيئة من ربّوا مثل هذا الحس السليم في أنفسهم.. النباتيون ربما كذلك.
لا أتخيل ابداً أن يكون القتلة والإرهابيون نباتيين.. ربما كنت على خطأ، ربما كنت أعتمد معياراً غير مناسب. ولكن منطقياً، كيف يستسيغ من يأنف عن تناول لحم الحيوانات التي تشرِّعها مقدساته من أن يطيح بلحم كائن حي من جنسه ويمزِّقه إرباً؟
منذ العام 1980 تعرّضت الطبيعة العراقية إلى تدمير منظّم، وغير منظّم.. كانت الحرب العراقية الإيرانية محرقة حقيقية لبساتين النخيل والفاكهة حيث قطِّعت أو احترقت عشرات الملايين من الأشجار على طول الحدود مع إيران، إلى جانب الدمار الذي أصاب مساحات واسعة من الغابات الطبيعية في جبال إقليم كردستان وأوديته. وجاءت حرب العام 1991 مع هجمة التحالف الدولي على العراق، بعد غزو الكويت، لتقضي على جزء آخر من البساتين وتلوث الأنهار والبحيرات، ومساحات شاسعة من الأرض. وتلتها حرب العام 2003 التي أسقطت حكم صدام وجعلت العراق لسنوات دولة محتلة. أما ما حصل بعد ذلك فكان أمرّ وأدهى. وبرز الإرهاب ليكمل فصول مأساة الطبيعة العراقية، التي معها تغيّرت الجغرافية الزراعية والسكانية في مناطق عديدة، وتمزقت قطعة، ليست صغيرة، من النسيج الاجتماعي العراقي.
الإرهاب يترصد الطبيعة، كما يترصد الثقافة ورموزها، كما يترصد البشر.. الإرهابي هو الشخص الذي ينكر على الآخرين الحرية وحب الحياة، ويرغب في، ويعمل على، سلبهم ثقافتهم وفرصهم وأرواحهم.. تتسمم الحياة حالما يظهر من يفرض على الآخرين أن يكونوا ما ليسوا عليه.. يفرض عليهم معتقداته ورؤاه، وطريقته في العيش، وشكل مظهره وسلوكه. هنا على وجه التحديد، منبع التكفير وممارسة العنف.
الإرهابيون، والمتطرفون الذين هم مشاريع إرهاب، يفتكون بالطبيعة، وبما أضافه الإنسان إلى الطبيعة، وبالإنسان نفسه.. إنهم يمسخون الماضي ويزيلون آثاره القيّمة من أجل ماضٍ موهوم غير قائم إلا في تصوّراتهم، مستلهمين أسوأ ما في ذلك الماضي، لا جانبه الخيّر المشرق.. وهم يعادون الحاضر ،لأنه يجسِّد تطوراً تجاوز بكثير ما يريدون الرجوع إليه والمكوث في كهفه المظلم. ويسعون لجعل المستقبل قاحلاً كالحاً كأرواحهم الحاقدة السقيمة.
علينا، مثلما ندافع عن حيواتنا وثقافتنا وحضارتنا، أن ندافع عن الطبيعة/ طبيعتنا العراقية التي نعيش في كنفها أيضاً.. الاستخفاف بما يجري من هدر لقوى الطبيعة وقتلها هو استخفاف بمستقبل أبنائنا وأحفادنا.. وإذن ليكن دفاعنا مركّباً عن زمننا العراقي؛ بشراً وطبيعةً وثقافةً وحضارةً ومستقبلاً.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )
- المكان والهوية والاغتراب
- قصة قصيرة؛ مساء عاطل
- السردية التأسيسية للدولة وموقع المثقف
- أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- باتريك موديانو هل يستحق نوبل الآداب؟
- الاقتصاد السياسي للعنف
- موقع الهوية
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 2 2 )
- الهجرات الداخلية وهوية الأمكنة ( 1 2 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 3 3 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 2 3 )
- المكان العراقي: السلطة والثقافة والهوية ( 1 3 )
- الجسد العراقي: التاريخ، الهوية، والعنف
- لماذا يرتد بعضهم إلى الطائفية؟


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد محمد رحيم - إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية