أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - سارتر في المرآة














المزيد.....

سارتر في المرآة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4776 - 2015 / 4 / 13 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


لا تكمن الهوية داخل المرآة، ولا تكمن الهوية حيث تعتقد في زاوية ما من حضورك، وإنما في تلك المسافة بينك وبين المرآة. وفي تلك المسافة التي لا سيطرة لك على شروطها وتقلباتها ومفاجآتها، تتكون بذور التراجيديا الخاصة بك، إذ يحضر الآخر/ آخرُ ( كَ ).. التراجيديا التي بقدر ما تُبكي، تسخر وتتهكم وتبعث على الضحك.
تتجلى الذات عينها، في السيرة الذاتية، كآخر.. الذات التي يتلبسها الآخر.. الذات التي لن تبقى نفسها بعد ذلك.. الذات المسكونة بالآخر.. تلك هي الذات في تجليها الوجودي.. الذات الواقفة على مبعدة من الآخر، ولكن بعد أن احتوته وتمثلته وتغيّرت عبره.
أقول هذا وأنا إزاء كتاب من إصدارات المشروع القومي للترجمة ( المصرية )/ 2011، عنوانه ( جان بول سارتر ) لكاثرين موريس بترجمة أحمد علي بدوي، وفي ضمن سلسلة ( عقول عظيمة ).. وهو كتاب سيرة حياة ممزوجة بسيرة فكر صدامي مثير وخلاق هو فكر هذا الفيلسوف الكبير الذي شغل الفضاء الثقافي الغربي والعالمي بعد الحرب العالمية الثانية وما يزال.. ويبدو أن كاتباً مثل سارتر لا يمكن استنفاده أو نسيانه، والعودة إليه، كما للعظام من أمثاله، باتت من طبائع الأشياء في دنيا الأدب والثقافة.
إنك تنظر من اللحظة التالية المتخطية.. تنظر إلى ما تركت.. ما ترككَ.. ما تُركَ هناك.. جسدك الصغير الفتي، وقد تغرّب عنك الآن، وقد تعديته في دورة الزمان.. الزمان الذي يولِّد الاغتراب.. في ذلك الشطر كنت متوافقاً مع جسدك وروحك.. كان الجسد والروح شيئاً واحداً.. لم تكن تتساءل عن المسافة بينك وبينه.. لم يكن من داعٍ للسؤال.. لم تكن ثمة من مسافة ترغم على التساؤل.. الآن تغيّر الأمر.. القوانين نفسها تغيّرت.. المرآة ليست ذاتها، ولا أنت..
أن تكتب سيرتك يعني أن تفتش عن المرآة القديمة المصقولة.. أن تمسح عنها الغبار، وأن تحدِّق، حيث لا ترى وجهك بل وجه كائن غريب كنته في يوم ما، يبدو اليوم وكأنه لم يكن.
تلك الآونة المنفصلة عن الآن.. الهائمة في سديم حلم انقضى.. تلك الآونة التي لن تطولها مرة أخرى أبداً فتستدعي الكتابة، أو هي التي تستدعيك لكرنفالها الحميمي المتطلب لتُشعرك بالخسران.. في الكتابة لا نبحث عن مغفرة أو عزاء.. لا نبحث عن حلم، بل عمّا يعين ضد الذاكرة.. الذاكرة المعذِّبة الطائشة الرعناء.
البدء في الكتابة لا يتجلى في نقطة الشروع، وإنما في لحظة التحوّل، حيث يتركب الزمان والمكان في سبيكة وجودية مشعة.. التحوّل هو أن نستأنف من نقطة جديدة، بمسار مغاير، نحو نقطة مجهولة، لكنها موجودة في صحيفة المستقبل.. التحوّل الأول في طفولة سارتر كان يوم تعلم الكتابة.. إذ حدس لحظتئذٍ بقدره، وإن على نحوٍ غامض؛ سيكون كاتباً.. جعلته النشوة طائشاً؛ "بدأت حياتي، مثلما سأنهيها ـ بلا شك ـ بين الكتب".. سيمتلك تلك الأصوات المحبوسة بين طيات الكتب.. الأصوات التي كان جدّه يبعث فيها الحياة؛ "غدت ملكاً لي" يقول.. كان ذلك مشروع حياته؛ "ما وُجدتُ إلا لأكتب.. ومتى قلت ( أنا ): كان المقصود بهذا الـ ( أنا ) الذي يكتب".
يظهر أن الشعور الذي تولاه كان صافياً، قدرياً، ملحاً، بما فيه الكفاية؛ "كنت قد اهتديت إلى عقيدتي: لم يبدُ لي أي شيء أهم من كتاب". وكانت محاولته الأولى في السابعة.. طفل في السابعة يجلس ليكتب رواية، يمنحها عنواناً وحبكةً وشخصيات.. ليس المهم كم مما فعل كان مقتبساً، طفولياً، ساذجاً.. الشيء الرائع هو أنه أدرك واختار.. أدرك أن العالم مبذول أمامه من أجل أن يُكتب، وقد نذر نفسه لهذه المهمة الجسيمة والخطيرة. واختار بحرية، مجيباً على السؤال الوجودي الضاغط؛ ماذا عليّ أن أفعل وكيف أحقق هذا؟.
سارتر يواجه ذاته كآخر، ولكن مع وجود الآخر الموضوعي.. إن الهلام الذي سيجمع الثلاثة في تكوينه اللزج هو الوعي؛ الوعي الذي مضمونه، ويا للغرابة؛ الخزي.. "أنا خزيان مما أنا إياه.. أنا خزيان من نفسي كما أبدو للآخر.. انا خزيان من نفسي أمام الآخر". وهكذا فإن وعي ( الخزي ) سيفضي بعدئذٍ إلى المسلِّمة المستفزة؛ "الآخرون هم الجحيم".. هم الجحيم لأنهم يرون موضعي المخزي في العالم.
ولأنه في مجال رؤية الآخر فإن الآخر يتشكل الآن ذاتاً ترى ( تراني ). إن هويتي تجد تبلورها في وعي الآخر.. يقول سارتر: "كوني موضع رؤية، يشكِّلني كوجود لا مقاومة له لحرية ليست هي حريتي.. أنا عبد إلى درجة أن وجودي متوقف على حرية ليست هي حريتي، وهي لوجودي الشرط بعينه".
يُكمل سارتر كوجيتو ديكارت.. الكوجيتو الثاني يطل بشأن الآخر؛ "إن لم يكن وجود الآخر تخميناً واهماً، خيالاً خالصاً، فهذا لأنه يوجد نوع من كوجيتو بشأنه".. تفكيري يثبت وجودي.. شعوري بالخزي يثبت وجود الآخر، وطالما كنت "استشعر الخزي، فمن الضروري كون الآخرين يوجدون".
موضعة الذات كآخر، واستدعاء الآخر كذات، ومن ثم إعادة صياغة نظرة الآخر المسببة للإحراج الوجودي الذي يسميه سارتر بالخزي يجعل الوعي يتركب في مستويات متحركة، معقدة، لن يعرف معها الطمأنينة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )
- المكان والهوية والاغتراب
- قصة قصيرة؛ مساء عاطل
- السردية التأسيسية للدولة وموقع المثقف
- أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- باتريك موديانو هل يستحق نوبل الآداب؟
- الاقتصاد السياسي للعنف
- موقع الهوية


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - سارتر في المرآة