أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - الإصبع الصغيرة














المزيد.....

الإصبع الصغيرة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 08:39
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


سعد محمد رحيم
قد لا يدرك كثر من الناس مدى عمق التغييرات الحاصلة في مسار التطور البشري خلال العقود الثلاثة الأخيرة.. وربما هناك من لا يهمهم أن يعرفوا شيئاً عن ذلك، طالما أن تلك التغييرات لم تمس وضعهم المعيشي والاجتماعي بشكل إيجابي..
إلا أن مئات الملايين من سكان الأرض، حتى في الدول التي تنعت بالنامية، وإنْ بدرجات متفاوتة، شهدوا انقلابات في نمط حياتهم وطرق تفكيرهم، والتي معها باتوا في فضاء إنساني مختلف عما كان من قبل، حيث تحوّلت علاقات البشر بالزمان والمكان والأشياء وببعضهم بعضاً، وكذلك رؤيتهم لأنفسهم وللعالم. ولم تعد المفاهيم والمعارف والأساليب وأشكال الإدارة والمؤسسات ووسائل التعليم تشبه ما كان سائداً منذ فجر التاريخ وحتى ثمانينيات القرن الماضي.. وأن العتبة الجديدة للعالم لمن يرى بوضوح تطل على أفق للمستقبل مدهش ومهيب، له نذره المقلقة، وله وعوده العظيمة، في الوقت عينه.. هذا ما يريد الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشال سار أن يخبرنا به في كتابه الصغير الحجم والمثير بتساؤلاته ومقارباته النفاذة (الإصبع الصغيرة/ كتاب مجلة الدوحة.. يونيو 2014.. ترجمة: د. عبد الرحمن بوعلي).
والإصبع الصغيرة كناية عن الإنسان الحديث الذي أضحى يتعامل مع الشاشة، ومع الكون المعرفي، من خلال إصبعه التي تفتح له شبابيك واسعة على العلوم والمعارف، على العالم والكون، وعلى جوانيته أيضاً. وإن كان لهذا أثمانه المخيبة أحياناً.
يخاطب المؤلف التلميذ الجديد والتلميذة الشابة اللذان يدرسان اليوم في مجموعات"تتجاور فيها، جنبا إلى جنب، العديد من الديانات، واللغات، والأصول، والأعراف"ص8. أي في فضاء تغلب عليه التعددية الثقافية.. وعلى الرغم من أن تقنيات الاتصال الحديثة قربت المسافات وخلقت منافذ للاختلاط والهجنة والتفاعل فإنها خلقت أيضاً الإنسان الفرد المعزول مع جهازه.. يجمع الأطفال العالم الافتراضي، لكن"العلوم المعرفية بينت أن استخدام الانترنت، وقراءة الرسائل أو كتابتها بالإصبع، واستخدام الويكيبيديا، أو الفيسبوك، لا تثير الخلايا العصبية نفسها، ولا المناطق القشرية، مثل استخدام الكتاب أو اللوح، أو الدفتر. هما يمكنهما التعامل مع معلومات متعددة في الوقت نفسه. ولا يعرفان، ولا يدمجان أو يجمعان كما كان يفعل أسلافهم.. إنهما لا يملكان الرأس نفسه"ص11.. وكذلك هما"لا يعيشان في المساحة نفسها"ص11.
قديما كان الجسد/ الرأس حامل المعرفة، وبتعبير ميشيل سار كان جسد العالِم أو الشاعر مكتبة حية، قبل اكتشاف الكتابة ونقل المعرفة بالقراطيس. واليوم تهيمن الإصبع الصغيرة على مشهد التعليم. ومع تغير التقنيات"يتحول الجسد، وتتغير الولادة، ويتغير الموت، الألم والشفاء، المهن، الفضاء، السكن، وجود الإنسان في العالم"ص19.
يتساءل ميشيل سار:"هل نحن محكومون بأن نصبح أذكياء؟". فيتحدث عن هذا (الصندوق المعرفي المجسّد) الذي يحمل ذاكرة عجيبة أقوى من ذاكرتنا ألف مرة، وقادر على حل مجموعة من المشكلات المعقدة دفعة واحدة.. وفي هذه الحالة فإن الاقتصاد هو الآخر يتعرض للتغيير"إنه اقتصاد جديد، اقتصاد جذري هذه المرة"ص23. وسنعرف أن رأس المال لن يعني فقط مركزة المال"بل، يعني مركزة المياه أيضاً، في السدود، ومركزة خام المعادن تحت الأرض، ومركزة الذكاء في بنك الهندسة، بعيداً عن أولئك الذين ينفذون"ص45. وكذلك الأمر مع المعرفة من ناحية المحتوى، والوسائل الناقلة، والعلاقات بين أطراف العملية التعليمية."فرأس الإصبع الصغيرة المقطوعة تختلف عن الرؤوس القديمة، المصنوعة جيداً، والمملوءة جيداً"ص24.. إنها المعرفة شبه المجانية المتاحة والموصولة والجماعية والممتعة، لكن، ويا للأسف، من الصعب الإمساك بها.."فهل تحتفي الإصبع الصغيرة بنهاية عصر المعرفة"ص24.
هذا الفراغ، الانفصال، بين الإصبع الصغيرة والمحتوى المعرفي يصيب فكرة الكوجيتو بالتصدع.. ستتبدل موقع الذات المفكرة، إلى جانب تبدلها هي في الجوهر؛"لن تتعرفوا إليَّ من رأسي، أو من كثافة ما تحتويه، أو من المحتوى المعرفي الفريد من نوعه لها، ولكن من غيابها اللامادي، زمن الضوء الشفاف المنبثق عن الانفصال؛ أي هذا اللاشيء"ص28. وستخبر الإصبع الصغيرة أيضاً، أو تكاد، وهي تلج عالم السياسة بنهاية عصر الخبراء، مثلما أعلنت نهاية عصر المعرفة بالمعنى التقليدي الذي عرفه أسلافنا.
يقرأ ميشيل سار الفضاء المعرفي والاقتصادي والسياسي الغربي وهو ينحني أمام سطوة الإصبع الصغيرة التي ستعلن، في احتفال النهايات هذا، نهاية عصر صانع القرار."فلا كهنة في مكان المعبد؛ فالمعبد قد امتلأ بالمتعبدين، ولا وجود للمعلمين في المدرجات، هناك، وحيثما وليت وجهك ستجد الأساتذة.. ونستطيع أن نقول: لا وجود للأقوياء فوق الساحة السياسية التي أصبح يحتلها المأمورون"ص35.
تغير موضوع المعرفة، ولسنا بحاجة، كما عند أسلافنا، إلى المفهوم والوضوح، بل إلى السرعة، فيما محرّك البحث يحل محل التجريد.. وهذه المعرفة الجديدة"عملياً ونظرياً، تعيد إعطاء الكرامة إلى معارف الوصف والفردي. في الوقت نفسه، تمنح المعرفة كرامتها إلى صيغ الممكن، والاحتمال، والخصوصيات"ص40.
ستطرأ تغيرات على السوق، على فكرة العمل، على مفهوم الانتماء والهوية، والزمن والمكان، على العلاقات، وأشكال السياسة، والرموز، والأجناس، حتى أن"العقود الأخيرة شهدت انتصار النساء الأكثر عملاً، والأكثر جدية في المدارس، وفي المستشفيات، وفي المؤسسات"ص56. وهذا مثل من بين أمثال لا تحصى.
كتاب (الإصبع الصغيرة) مكثف، حاد، يخترق جلد العالم القديم ويمزقه، كاشفاً عن جلده الجديد. وهو كتاب مكتوب بلغة، ربما لا تبدو مألوفة، وتنطوي على شيء من الإبهام أحياناً، لكنها توصلنا إلى الحقيقة التي علينا أن نتقبلها جيداً ونتكيف معها: لم نعد نوجد في العالم الذي عاش فيه أجدادنا.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -تمثّلات الحداثة- 3 المدينة والطبقة الوسطى ومشكلات التحديث
- بلاغة الجسد؛ السلطة، الثقافة، والعنف
- طفولة ناتالي ساروت
- تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغترا ...
- قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم
- تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة
- نساء بوكوفسكي
- سارتر في المرآة
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - الإصبع الصغيرة