أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - تحت جرس زجاجي














المزيد.....

تحت جرس زجاجي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


وحدها أناييس نن من تكتب بهذه العذوبة الأنثوية الفائضة.. لن تخطئ في اكتشافك وأنت تقرأ نصّها بأنه مكتوب بريشة امرأة مسكونة بعواطف قوية كما لو أنها التوأم الحقيقي للحياة.. فالمفردة تشعُّ بين أناملها، وتتعاشق الجمل بحميمية دافئة، وتتشكل القصة في فسيفساء لغوية باهرة، متقنة الصياغة.. طلاقة لغتها، بشفافيتها وطاقتها الشعرية، ونظرتها المدققة المهتمة بالتفاصيل، ومؤازرتها للكائن الإنساني المأزوم.. هذا كله يمنح نصها شكلاً خاصاً، وأسلوباً فريداً. وحيث يختلط الشعري بالسردي يغدو من الصعب تجنييس ذلك النص.. فروح الشعر حاضرة في نسيجه مثلما عناصر السرد وقواعده. فهي تبحث عن الوهج الإنساني في الكائن، وعن الجمال في الأشياء. موضوعتها الكبرى هي الحياة بسخائها وألمها وإحباطاتها، والإنسان العالق بشبكتها. وبطلها إلى جانب الإنسان هو المكان.. هنا أتكلم عن مجموعتها (تحت جرس زجاجي) بترجمة: ياسين طه حافظ، وإصدارات دار المدى/ بيروت 2014.
المكان في أغلب قصص هذه المجموعة هو ضفاف نهر السين. حتى ليبدو وكأن النهر هو النغمة الأصيلة التي توحِّد عوالم القصص جاعلةً منها تنويعات للحن ساحر حزين. فالنهر، ها هنا، ليس شيئاً حيادياً سلبياً.. إنه فاعل على طريقته.. في قصتها الأولى (البيت ـ الزورق) تكتب:"كان النهر يعاني كابوساً، قلق قفاه الوسيع كظهر الحوت، لقد خُدع بالانتحارات النهارية، النسوة اللائي أطعمن النهر أكثر من الرجال مطلوب المزيد منهن، ليمتن في الشتاء أكثر مما في الصيف".
إنسانها هو مزيج من الرغبات والهواجس والأحلام، يبحث عن الفرادة والحرية لكنه لا يطولهما دائماً، وقد يقع ضحية هذا المزيج المعقد من الأقانيم. ونن تسجل موقفها من القضايا الإنسانية الكبرى متجنبة المباشرة الفجة، ومن غير محمول إيديولوجي ثقيل، وبلا فخامة بلاغية رنانة.
تنتقي أبطالها من المهمشين الذين لهم حيوات استثنائية، وإن لم تكن بطولية بالمعنى التراجيدي. وهم وحيدون غالباً، يواجهون العالم بظهور عارية، مكشوفة.. يمضون قدماً حتى وإن لم يكونوا متأكدين من مآل مغامراتهم، وحتى وإن لم يتوقعوا الحصول على دعم من أي نوع، ومن أيٍّ كان.
كانت أناييس نن شاهدة على جمال العالم وبؤسه.. كانت ترى الألم والتعاسة والقسوة بعين إنسانية حانية.. كانت رسولة للجمال بمعنى ما.. رسولة عالم الفن الرفيع المتجولة بين المعزولين والمهزومين والمقصيين وسيئي الحظ.
تتداخل في هذه القصص اليوميات، وهي المغرمة بكتابتها ولها منها مجلدات ستة، مع السرد الخيالي، مع الرؤى الشعرية، مع شذرات من آراء في مسائل الصداقة والحب والجنس والحرية والشفقة والتسامح والتضحية والخوف والولادة والموت.. نقرأ في قصة (الموهيكي):"بدا وكأن الموت قد مرّ به تواً، وأنه قد مات أمام كل ملابسات الحياة وأفعالها. وأنه قد دُفن يتفخيم مع كل ممتلكاته، مرتدياً أحسن ثيابه. وهو الآن يمشي خلال المدينة ليحذرنا مما قد تجلبه أوروبا من فوضى".
لأناييس نن قدرة مذهلة على الوصف. وبالوصف المفعم بروح الشعر، المنقوع برهافة الأحاسيس تنفذ إلى أعماق الشخصيات والأشياء، وتخبر الانفعالات السرّية للكائن والكون وتقلّباتهما. تقول في قصة (من يرى كل شيء):"كانت غرفته تشبه مخبأ مكتشف، كانت وجاراً من فراء، كهف ساحر، لونها لون دم محتقن. فراء على السرير وسجاد على الجدران، في إحدى الزوايا وقفت مزلجة زرقاء كأنها مركب صغير يبحر نحو الكواكب، داخل المزلجة فراء ظبي من ظباء الرنة، وعلى الجدار عُلِّقت أقدام رنة وأظلافها، أصابع الحيوان لا تشير إلى الأرض، ولكن تبدو مخلوقات هوائية باتجاه مغامرات ومتاعب".
تمسك نن بتحوّلات الكائن، باضطرابات روحه، تلك اللحظات التي تشهد التماعاته وثوراته تارة، وخيباته وسقوطه تارة أخرى.. في قصة (رحلة العين) يتنقل هانز من الشعور بأنه فأر مرعوب عاجز أمام النظرات الثابتة لأفعى مفترسة، إلى الشعور بأنه الأفعى الذي يراقب الأشياء ويتهيأ للافتراس، إلى الحالة التي يفقد فيها عينه الزجاجية، حتى لن يعود فأراً ولا أفعى.
تتلاعب نن بزمن السرد وزمن الحكاية.. يتموج زمن السرد ويتقلب بحسب إيقاع يضبط كلية النص، فيما يمكن أن يتحدد الزمان الحكائي بساعات قليلة كما في قصة (ولادة)، كما يمكن أن تغطي سنوات طويلة كما في قصة (حجّة).. في ساعات ولادتها تعاني الراوية من أوجاع الولادة العسيرة"بقيت طوال الوقت أحاول أن أتذكر سبباً للعيش، لماذا أريد أن أعيش، وكلي ألم ولا ذكرى". وتنتهي القصة وهي ترى طفلتها الميتة"مكتملة الصنع وتلمع كلها بمياه الرحم". أما في قصة (حجّة) وهذا اسم الشخصية الرئيسة فيها فنلاحق تفاصيل حياة مديدة مختزلة بكثافة سيّالة.. من ساعة ولادة حجّة في الشرق إلى احترافها الرسم وحبها لمولنار، إلى مصيرها غير السار:
"هذان المنكمشان استحق أحدهما الآخر. التقى الصمتان والانسحابان". ذلك الحب المحصّن بالإيثار والتضحية والإيمان.. إيثارها وتضحيتها وإيمانها هي بموهبته، لكنه هو الذي سيتسبب، في النهاية، بحلول البؤس في المنزل ومراقبتها وهي تسقط.
كانت أناييس نن داعية نسوية، ولكن بلا صخب وادّعاءات استعراضية.. وقفت مبكراً وبشجاعة إلى جانب المستضعفات من بني جنسها، حالمة بعالم أكثر عدالة وحرية وجمالاً.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصبع الصغيرة
- -تمثّلات الحداثة- 3 المدينة والطبقة الوسطى ومشكلات التحديث
- بلاغة الجسد؛ السلطة، الثقافة، والعنف
- طفولة ناتالي ساروت
- تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغترا ...
- قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم
- تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة
- نساء بوكوفسكي
- سارتر في المرآة
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )


المزيد.....




- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...
- -الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج ...
- الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع ...
- رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو ...
- السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - تحت جرس زجاجي