أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - عساكر الفصل الرابع عشر















المزيد.....

عساكر الفصل الرابع عشر


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4863 - 2015 / 7 / 11 - 14:09
المحور: الادب والفن
    


قرعت الساعة منتصف الليل في مُصَلَّى البيت الأبيض. كان الرئيس يصلي بصحبة بليرو، ديك دوكر، بووي-بووي، رومستيك، مس رز، وهم يضعون لحية اصطناعية مماثلة للحية لاد-لاد. جرفت الرئيس الحمية، فركع أمام الصليب، وصلى على طريقة المسلمين. مستغربين، تبادل الآخرون نظرات حائرة قبل أن يقلدوه، وهم يتلون عند قدمي المسيح مزيجًا هجينًا من الآيات الإنجيلية والقرآنية. راحت مس رز حتى صراخ "الله أكبر"، لكن سرعان ما وبخها الرئيس:
- رز ولحم وتوابل، نحن لسنا في المسجد، تَبًا لكِ!
تداركت دافعة واحدة "هلليلويا" حادة.
في الجناح الأزرق، استقبل لاد-لاد وصهره، وهما يلصقان لحية اصطناعية، ولي العهد الأمير العجوز السعودي، الملك الصغير، الرئيس بركة في جبة بيضاء ومِسبحة باليد، الرئيس عر-عر، وكل شيوخ الخليج الممسوخين أقزامًا. قام لاد-لاد بدور الإمام، فركعوا كلهم: الله أكبر، الله أكبر...
وعن شوشو، لم يجد كنيسًا في البيت الأبيض، فقرر أن يحدث بذلك اللوبي اليهودي في الكونجرس. قطع المُصَلَّى، وعجل في الهرب من "هلليلويا" مس رز. كان يفضل الله أكبر، لأنه فكر: "نحن الآخرون، على الأقل، أبناء عم". عندما وجد نفسه بين المصلين، ردد: "شالوم عليخا، شالوم عليخا...".
بعد الصلاة، تمددوا جميعًا على السجادة، وبدأوا يتمازحون ما بينهم كما يفعل الرجال المؤمنون.
- سأدعوكم كلكم، ذات يوم، إلى مكة، أعلن الأمير العجوز عبدولدول.
- وأنا إلى القدس، أضاف عر-عر بلا تردد.
- ونحن إلى القدس، صحح شوشو.
- سامحني، يا أخي، عاد عر-عر إلى القول. ونحن إلى القدس.
- أنا سأدعوكم إلى القاهرة للصلاة في مسجد سيدي الحسين، قال بركة.
- أنا سأدعوكم إلى عمان للصلاة في الجامع الكبير، قال الملك الصغير. إنه ليس كبيرًا بقدر نوتر دام دو باري، لكنه يكفينا كلنا.
- نوتر دام دو باري! كما لو كنا مسيحيين! قذف الشيخ العُمَرِي متوجهًا بالكلام إلى لاد-لاد.
- اعذره، يا صهري، إنه ملك صغير جدًا، لا يفرق بين مسجد وكنيسة.
- ولا بين مسجد وكنيس، واصل شوشو.
- نعم، شوشو، أجاب لاد-لاد. هذا لأن ليس له ما لنا من تجربة، نحن الذين عشنا ما عشنا. اعذره أنت كذلك. زد على ذلك، ليس هناك فرقٌ بين أماكن العبادة الثلاثة بقدر ما الأديان الثلاثة تتشابه.
- بلى، يا حبيبي، تدخل بركة، هناك فرق.
- ما هو؟ سأل لاد-لاد.
لم يكن بركة يعرف ما هو، وليخرج من المأزق الذي حشر فيه نفسه، أشار بإصبعه إلى زملائه الأقزام:
- اسأل الأمراء الصغار يقولوا لك.
ثَبَّتَ لاد-لاد النظر في الشيوخ الصغار، وانتظر، فلم يفوهوا بكلمة واحدة. عاد يُثَبِّت النظر فيهم، فلم يتحركوا. ثَبَّتَ فيهم النظر أيضًا وأيضًا، فأخذوا يتبادلون النظرات المتضايقة. أخيرًا تنحنح أحدهم، كان أكبرهم، ولم يكن معروفًا لشد مسخه. قدم نفسه أميرًا للكويت، المشهور بحكمته.
- الفرق في رموزها: صليب، هلال، ونجمة، بدأ أمير الكويت.
- أنا لا أفهم، قال لاد-لاد.
- سأشرح لك، يا حبيبي، قذف الأمير الصغير تحت العينين المبحلقتين لبركة. الهلال والنجمة رمزان سماويان، والصليب رمز أرضي، رمز آبار النفط. هل فهمت، يا حبيبي؟
- لالالالالا!
- ولا أنا!
وكلهم انفجروا ضاحكين.
ابتعدت الحرب، السلطة، الثروة... ابتسم عر-عر وشوشو لبعضهما، طبطب الأمير العجوز ولي العهد على ظهر لاد-لاد والعكس بالعكس، تقاسم الملك الصغير همبرجره مع بركة، الذي قدم له مقابل ذلك تفاحة سرقها من المطبخ، حكى الشيخ العُمَرِي نكتة للشيوخ الأقزام، الذين ضحكوا كالأطفال.
لم يتأخر الرئيس وكل فريقه عن الالتحاق بهم، فلم تُقبل مس رز لأنها المرأة الوحيدة بينهم. أبدت لحيتها، لكنهم قالوا هذه اللحية اصطناعية. طبعًا، أخفى لاد-لاد وصهره بصعوبة تزوير لحيتهما، وأرادت مس رز أن تبرهن على رجولتها بكل الوسائل، على أنها رجل ممسوخ في امرأة، كهؤلاء الأمراء الصغار الذين تحولوا إلى أقزام. كررت أن عليهم من المظاهر الحذر، وتحت دهشة الجميع، رفعت تنورتها، وأنزلت بنطالها. في تلك اللحظة، صاح الجميع رضى، وحتى إعجابًا. شَعْر حقيقي لرجل! في النهاية، قبلوها. كانوا يتفاهمون كلهم كما يجب عليه التفاهم، حتى اللحظة التي أخذت فيها ساعة البيت الأبيض فجأة بالمشي. تجاوزت منتصف الليل، جارة إياهم كلهم إلى عالم الحقيقة. حقيقة قاسية، على صورة حقيقة ساندريللا، لما يتخلى المرء عن كل الأعذار الكاذبة. سقطت اللحى الزائفة، واختفت الابتسامات، وانطفأ وهم التفاهم الكامل.
- إنه اليوم الذي انتظرناه طوال حياتنا، صاح الرئيس بالألمانية كمن فيه مس، اليوم الذي حلمنا به، اليوم الذي دللناه. اليوم الذي ستخفق فيه رايتنا الحبيبة على كل مكان في العالم، حتى ولو كان ذلك بثمن بحار من الدم، محيطات من الدمع، حتى ولو كان ذلك بعقر ثلثي الأمم، لأن من أحشاء جنودنا ستولد طليعة الأجيال التي ستصنع من العالم بيتًا كبيرًا. سندفأ فيه في الشتاء، تاركين جزماتنا أمام الباب، وكل الإنسانية ستسقط على أقدامنا لتشكرنا على تحريرها... هايل هتلر!
وكلهم في جوقة:
- هايل هتلر!
طار ديك دوكر في الحال حيث سيختبئ، تحت حجة حفظ عبقرية السلطة وضمان استمرارية سلطات الدولة الأمريكية. ارتدى كل الآخرين، الرئيس على رأسهم، ملابسهم العسكرية، وتجمعوا في البهو الكبير. أعلن رئيس البيت الأبيض بداية الحرب أمام كاميرات العالم أجمع، والتحقت به النساء الأُوُلَيات الخمس في لباسهن العسكري، تبعًا لرتبتهن. أجاب الرئيس الصحفيين على أسئلتهم بمفردات مناصرة للروح العسكرية، وكذب رئيس الوزراء البريطاني كما يتنفس. احتفظ بهذه العادة من مهنة المحامي القديمة التي كانت له: كان يكذب، وكان يكسب كل قضاياه. لواحد عمالي، كان عارًا لكل العمال. كذب عند كل أزمة داخلية: البقرة المجنونة، الحمى القُلاعية، البطالة، الفقر... وها هو يكذب أيضًا ليكسب الملف العراقي. كان عذره الأسلحة الكيماوية والدمار الشامل التي يملكها صد-صد، فقدمه كمجرم، كدكتاتور. لم يقل إن الغربيين هم الذين فبركوه قطعة قطعة، ليتدخلوا ذات يوم، ويحرروا بتروله. تحرير الشعب العراقي، صحح الرئيس، باستعماله من جديد مفردات مناصرة للروح العسكرية. بناء على نصائح مس رز، كان عليه إظهار أنه جندي شجاع، مستعد للذهاب إلى أرض القتال. عبقرية هذه المس رز! على عكس أبيه الذي ربح المعركة وخسر الانتخابات، سيربح الرئيس الاثنتين، بفضلها.
سيهزم خصومه الديمقراطيين القذرين، الذين بدافع الجبن يصمتون بخصوص الحرب، ويكتفون بانتقاد التقشف في سياسته الاقتصادية. والبلد، رغم الركود، سيدعم حتى الانتخابات القادمة رئيسه المغوار، الذاهب إلى الحرب كأسد يركض من وراء فريسته. من يقل عراقًا يقل ذهبًا أسود، ومن يقل ذهبًا أسود يقل رخاء! حمل الرئيس خوذته تحت ذراعه، فبدا له شكل بطل. كان مبسوطًا من نفسه، وكلهم خلفه منفعلين حتى ذرف دمعهم. دوى التصفيق إيذانًا بانتهاء مؤتمره الصحفي، في نفس اللحظة التي ضربت فيها الصواريخ العابرة للقارات العراق، فانهارت عشرة آلاف عام من عمر الحضارة.

يتبع الفصل الخامس عشر





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عساكر الفصل الثالث عشر
- عساكر الفصل الثاني عشر
- عساكر الفصل الحادي عشر
- عساكر الفصل العاشر
- عساكر الفصل التاسع
- عساكر الفصل الثامن
- عساكر الفصل السابع
- عساكر الفصل السادس
- عساكر الفصل الخامس
- عساكر الفصل الرابع
- عساكر الفصل الثالث
- عساكر الفصل الثاني
- عساكر الفصل الأول
- عساكر تقديم الناشر الفرنسي
- فندق شارون الفصل العاشر والأخير
- فندق شارون الفصل التاسع
- فندق شارون الفصل الثامن
- فندق شارون الفصل السابع
- فندق شارون الفصل السادس
- فندق شارون الفصل الخامس


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - عساكر الفصل الرابع عشر