أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - عساكر الفصل الحادي عشر















المزيد.....


عساكر الفصل الحادي عشر


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 12:27
المحور: الادب والفن
    


كانت رائحة الفاصوليا البيضاء تتسرب إلى كل مكان في قصر الإليزيه، في الأبهاء المهيبة، المكاتب الفخمة، الأجنحة الموشاة. كان اليوم الجمعة، اليوم الذي يقدم فيه الطبق المفضل للرئيس في كل الطوابق، والرئيس شيشي يحب أن يتناول طعامه في مكتبه، ككل موظفي القصر، لأنهم بذهابهم إلى المطعم يضيعون الكثير من الوقت، والوقت، وقته خاصة، بثقل الذهب. وهو يبلع فاصولياه البيضاء، كان يدرس مع رئيس وزرائه، رافارين، موقف فرنسا، قائدة ما يدعى "جبهة رفض" الحرب في العراق، بينما امتنع الآخر عن الأكل طالما لم تنته جلسة العمل. لكن هل من الصواب الحديث عن رفض؟ هو بالأحرى لا إقرار. وهل من الإمكان الحديث عن جبهة؟ جبهة ضد الحرب؟ لكن مقدَّمة ليست ضد من يقومون بالحرب، هي بالأحرى مؤخَّرة. غير أن أحد مظاهر الحرب أن تجد أمامها رجالاً لا جدوى من عدائهم، والفاصوليا البيضاء أحسن من كل العراق وكل العراقيين، الفاصوليا البيضاء والبط الناهي تحت أسنان الرئيس يساويان كل الجبهات.
- ما هو رأيك، رافارين؟
- في الحرب، سيد الرئيس؟
- في الفاصوليا البيضاء، رافارين تَبًا لك، ويا ماخور الخراء!
- شكلها لذيذة.
- إذن، جلسة عمل أو جلسة بصل، كُلْ.
- مع أنها جلسة عمل أو جلسة بصل...
- مع أنها ماذا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء وكل الباقي؟ ليس هناك ما هو أزكى من أن تغمس قطعة كبيرة من الخبز في المرق، هكذا، وتبلعها كلها، وأنت تملأ فمك كما يجب عليه الملء.
- نعم، لكني أنا لست فاصوليا بيضاء كثيرًا، أنا بالأحرى شُكْرُوت (كَرَنْب مملح ومخلل مع لحم الخنزير)، سيد الرئيس.
- لا تجيء من الألزاس، أنت! أبوك ليس "شتيمي"!
- ليس أبي، سيد الرئيس، أمي.
- آه! لو كنت أعلم.
- لو كنت تعلم ماذا؟
- لو كنت أعلم أنك بالأحرى شُكْرُوت، لما عينتك أبدًا رئيسًا للوزراء.
- ما أطيبه، ما أكثر ما أطيبه، طبق الشُّكْرُوت! ماذا لديك ضد الخنزير، سيد الرئيس؟
- أنا، لا شيء. البرهان: أنت هنا.
- لكنك لم تكن تعلم، سيد الرئيس.
- لم أكن أعلم ماذا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، أن أمك ألزاسية، وأنك شُكْرُوت بينما أنا فاصوليا؟
- هذا هو.
- سبق السيف العذل، رافارين. غير أنك تتدبر أمرك، كما أرى. لا سخط شعبي، لا إضراب، لا خرينات أخرى. أعرف، أعرف، رافارين: حتى هذه اللحظة. لكنك ثقيل وديماغوجي بشكل، وما يهمني من آجال لم يزل بعيدًا، وسيطول مجيء العاصفة. إذن ابق شُكْرُوت ما تشاء من الوقت، أنا أفضّل الفاصوليا البيضاء. من جهة أخرى، عندما أراك على التلفزيون، تذكرني بالخنازير التي كانت أمي تكرهها.
- والجانبون، سيد الرئيس؟
- كانت تكرهه كذلك.
- أنا الخنزير، الفرنسيون يحبونني، وأحيانًا أكثر منك. اقرأ استبارات الرأي العام، وسترى.
- أنا لا أفهم. كانت أمي شعبية في منطقة الكوريز، ومع ذلك، أبدًا لم تحب الخنزير. والشعب يحبك، أحيانًا، أقول أحيانًا، أكثر مني. أعتقد أنه يرى فيك كذلك هذا الحيوان المنفر، ورغم ذلك هو معجب بك. أعتقد أنني حسنًا فعلت عندما عينتك في هذا المنصب، وكنت سأبقيك في منصبك ولو أنك "شتيمي".
غَرَفَ أيضًا وأيضًا، ورئيس وزرائه يحمل بين ذراعيه الملف الكبير للحرب بانتظار أن ينتهي الرئيس من الأكل مثرثرًا، ومن الثرثرة آكلاً: وقته بثقل الذهب.
- لا تريد الأكل، لا تريد الحديث عن ملفك، إذن رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، أنت تضيع لي وقتًا ثمينًا. واصل.
- الشُّكْرُوت الذي تطبخه أمي هو الأطيب من كل الشُّكْرُوتات، رئيس. سأدعوك عندها ذات يوم لتذوقه، وستبدل رأيك.
- إذا كان شُكْرُوت بالبط، أو عند الاقتضاء بالوز، أذوقه بكل سرور.
- لكن...
- ليس هناك لكن، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء! واصل. قل لماذا على فرنسا معارضة الأمريكان. فسر، يلعن دين، الوقت بثقل الذهب.
أوضح رافارين لماذا تمتنع فرنسا لمرة عن اتباع حليفها الأمريكي بعماء. أولاً لأن بعد حرب الخليج عام 1991، التهمت الشركات الأمريكية معظم العقود، ولم يبق منها لفرنسا شيء أو يكاد. وضعوا يدهم على بترول المنطقة، وأيضًا ودومًا لا شيء أو يكاد لفرنسا. سيكون بالتالي الشيء نفسه هذه المرة كذلك. ثم لأن الفرنسيين في غالبيتهم معادون لهذه الحرب. كل أتباع السلام، من اليسار أو من اليمين، يتجمعون خلف الرئيس، كما حصل خلال الانتخابات الرئاسية التي أثبت فيها شيشي أنه سياسي محنك، نعم، عن حق، لم يقل رافارين ذلك بدافع الديماغوجية، عندما عمل كل ما في وسعه ليجد نفسه أمام المتطرف لوبين.
- لكن لم أكن أنا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، قاطعه، وهو يغرف لنفسه مرة أخرى. هذه الفكرة العبقرية فكرة بيبي، زوجتي!
- إذن فهي بيبي! هتف رئيس الوزراء الفرنسي. كنت أقول لنفسي...
- كنت تقول لنفسك ماذا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء؟
- إن هذه الفكرة العبقرية فكرتك، سيد الرئيس.
- أنت تعتبرني مغفلاً أم ماذا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء؟ أنا لست جزءًا من الرعاع. أقول لك إن هذه الفكرة فكرة بيبي، زوجتي.
- إذن كوكتيلها كان مقدرًا على التمام. قبعتي، مدام الرئيسة. لقد تجاوزتِ الرئيس السابق، الذي لا أريد أن أسميه خوفًا من أن تسبب الفاصوليا البيضاء لكَ وجعًا في البطن. "المهم هو الوردة"، هذا شعاره، أليس كذلك؟ عَمِلَ رئيس الوزراء ليهيجه.
- رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء! أنا لا أفهم. لا شيء غير سماعي الحديث عن الورد، وبفاصوليا أو بلا فاصوليا، أشعر بمغص في معدتي!
- لقد عمل كل شيء ليقوّي هذا الحزب المتطرف اليميني كي يقسمنا، سيد الرئيس.
نهض الرئيس، وبدأ ينطنط، ضاغطًا يديه الاثنتين على بطنه.
- من هنا، قال رافارين، مشيرًا إلى المراحيض، ومواصلاً في ظهره. لكن بفضلك، أريد القول بفضل زوجتك، خصومك الأوائل نادوا بالتصويت لك.
والرئيس يصرخ ضاغطًا دومًا بطنه:
- آيييي...
ظهر بعد عشر دقائق، طلق المحيا، نديًا كوردة.
- أين كنا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء؟ سأل.
- كنا نقارن زوجتك بالرئيس السا...
- قف، قف، قف! حدثني عن الحرب التي يعدون لها، لأنها ستقع على أي حال، سواء كنا ضدها أو معها. ولا تنس أنني مع الموقف الذي سأتخذه بعد مشاورة زوجتي، التي هي ضد بالطبع، أُعِدُّ فترتي الثالثة.
- فترتك الثالثة؟
- أعني فترة رئيس وزرائي، أردت الكلام عنك، رافارين. إنها الفاصوليا التي تجعل معدتي مضطربة.
- رأسك، سيد الرئيس.
واستشاط رافارين على طريقة رئيسه دفعة واحدة:
- لكن سأكون هنا، تَبًا لك ويا ماخور الخراء وكل الباقي! إياك أن تقلق، يا صديقي. عندما أكون رئيسًا، سأمنعهم من إخراج قضية تذاكر الطائرات والنفقات الباهظة نقدًا لإطعامك. لقد بدأت بكتابة بعض الملاحظات لأشرح أن شهيتك فوق العادة، إلى درجة التهام أربعة آلاف فرنك فاصوليا بيضاء يوميًا، وأطعمة أخرى بنوعية لا تقارن، بهذا الثمن، هذا شيء عادي.
عاد للرئيس مغصه.
- حسنًا رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء! يجب أن تعلم أن تذاكر الطائرات المدفوعة نقدًا، كانت فكرتي، اعْتَرَفَ. كانت بيبي ضد، وللمرة الأولى لم أسمع لها. لا، للمرة الثانية. المناصب الوهمية، كانت أنا أيضًا. لم أكن أريد لابنتي أن تعمل ككل الناس، فهي ابنتي الوحيدة. لم أكن أريدها أن تتعب، والإعانات العائلية ليست كافية لحياة اللوكس التي كنا نحياها. فقلت لجوجوب، عبقريّ الثاني بعد زوجتي، أن يأخذ القضية بيده، وهذا ما فعل، أخذها بيده. زد على ذلك، إنها القضية الوحيدة التي عالجها كما يجب، حتى…
وعاد إلى الرقص بقدم على قدم، ضاغطًا بطنه، باحثًا عن طريقه إلى المراحيض.
- أعرف، سيد الرئيس، إنهم ورثة "المهم هو الوردة" الذين...
وعاد شيشي إلى الصراخ، قبل أن يعيد غلق باب المراحيض من ورائه.
خرج مرة أخرى طلق المحيا، ممشوط الشعر كما يجب، لامِعَهُ تحت ضوء الثريات.
- إذن، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، كنا نقول... نعم، نعم، هذه الحرب الخرقاء التي تخريني كثيرًا.
- إذن، ثالثًا، عاد الآخر إلى القول، باتخاذك موقفًا ضد مهاجمة بلد عربي وإسلامي، ستتحاشى انتشار الإسلامية الراديكالية في فرنسا بين الطائفة المغاربية، لأن شبح تفجيرات فترتك الأولى لم يزل يحلق. ووووو... ووووو... عَمِلَ مقلدًا طائرة.
- هذه الووووو... ووووو... أليسها ووووو 11 سبتمبر، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء؟
- هي كهي... الإشارة المنبئة للعصر، سيد الرئيس. وقلت ذلك لعبقريّك الثاني، جوجوبك، لكنه لم يسمع لي. كان عليه أن يعيد ما قلت له على الأمريكيين، ويتحاشى كارثة كهذه.
- لهذا أنت مفضلي، رافارين.
- شكرًا، سيد الرئيس.
- ورابعًا؟ رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، وقتي بثقل الذهب.
- رابعًا، ستُبدي للعالم أجمع أن أوروبا مستقلة رغم هذا الخائن بليرو، وأن فرنسا هي قائدتها. لهذا من اللازم إنزال إلى مرتبة دنيا، الموقف الألماني ضد الحرب هو كذلك.
- هذا لأنهم شُكْرُوت مثلك، رافارين تًبًا لك ويا ماخور الخراء، أم هذا لأنهم خراء، اغفر لي زلة اللسان، أم هذا لأن لديهم خراء؟
- هم شُكْرُوت وبيرة، أنا شُكْرُوت ونبيذ أحمر، لكن ليس من بوردو.
- أعرف، أعرف، لأن جوجوب رئيس بلدية بوردو، ولأنه لم يسمع لك... هذر وثرثرة، هذر وثرثرة، هذر وثرثرة... و ووووو... ووووو...
- ولأنه يَحْوَلُ بعينه نحو الرئاسة هو كذلك.
- لديه الحق بما أنه توحيدي لا تقسيمي، شيراكي لا دوجولي، تفريغي لا تعبيئي! أكرر، لديه الحق.
- وأنا، هل تنساني؟
- أنا لا أنساك، رافارين، أنا لا أنساك. أريد أن تكونا أنتما الاثنان على رأس الدولة.
- نحن الاثنان رئيسان؟
- نعم. أنا أساوي رجلين. على الأقل هو فاصوليا بيضاء. هكذا يخلفني الشُّكْرُوت والفاصوليا بشكل عادل.
- لكن هذا لا يصير، سيد الرئيس. إما أنا، وإما هو. هل تنسى قضية تذاكر الطائرات؟ ال 14 مليون التي أنفقتها أنت وبيبي لما كنتَ رئيسًا للبلدية؟ نعم، لنفقاتكم البولوش، أعني البوش (الفم). معه الغوص في الرمل، بينما معي الحماية مدى الحياة.
- ستكون أنت، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء. لا تقلق. ما دام جوجوب ليس هنا...
- لكن...
- ليس هناك لكن، فلتعد إلى هذه الحرب الخرقاء التي تخريني كثيرًا.
بينما كان الرئيس ورئيس وزرائه منهمكيْن في الحديث، دخل وزير الداخلية السوبرماني، ستارسكي، المكتب. كان يرتدي لباسًا عسكريًا، وعلى رأسه يضع وشاحًا إسلاميًا. كان يتعمد فعله، لأنه يعرف مسبقًا أن أمره سينفضح على أي حال.
- آه! هذا أنت، ستارس، قال رافارين.
- ستارس كي (من)؟ طلب بمكر الوزير السوبرماني.
- نعم، هذا أنت ستارسكي، قال الرئيس. أنا لا أفهم. لماذا ترتدي هذا الوشاح، هل فقدت عقلك؟
- لا، سيد الرئيس. هذا فقط لأريك، بوشاح أو بلا وشاح، أمري منفضح كشرطي سوبرماني. إذن قضية الوشاح الإسلامي حُلت، وأنا أثبت أنه لا يشوه الشخصية التي تضعه، ولا يسبب أي ضرر للعلمانية. هذا كي أقول لك، سيد الرئيس، إنك تستطيع المشاركة في الحرب إلى جانب حلفائنا التقليديين الأمريكان. مع السماح بارتداء الحجاب، لن تعاديك الطائفة الإسلامية أي عداء.
كان رافارين مفتتنًا، وكان يتابع كلام وزيره السوبرماني بكبير الإعجاب.
- هذا لا يكفي، ستارسكي، رد شيشي. الحل هو إنشاء مجلس يجمع كل أئمة فرنسا، ويمنع الشبان المسلمين، العاطلين عن العمل أبًا عن جد، من الانحراف عن طريق الإسلام القويم الذي ننادي به. إسلام على الطريقة الفرنسية، إسلام أزرق أبيض أحمر دون أن يكون أحمر بالفعل. هؤلاء الأئمة المدفوع أجرهم من الضرائب، عليهم وحدهم تحييد الإسلاميين أو الذين لديهم حساسية أكثر من غيرهم ليكونوا. وهذا المجلس، ليس منشأ بعد، يا شرطي!
- شرطي سوبرماني، صحح ستارسكي.
- نعم، شرطي سوبرماني، قال رافارين مخيبًا بعض الشيء، وهو ينحاز إلى حجة الرئيس. إذن، ستارسكي، أخفقتَ هذه المرة.
سحب ستارسكي وشاحه بمرارة، وفي الحال أضاف:
- هذا المجلس، سيد الرئيس، سيتم إنشاؤه خلال ال 24 ساعة القادمة.
من جديد ابتسم رافارين ابتسامة الإعجاب.
- هذا سوبر ! هتف الرئيس.
- شرطي سوبر، صحح ستارسكي.
- أعني إنشاء هذا المجلس في 24 ساعة، هذا سوبر، هذا إكسترا!
- شرطي إكسترا.
- لا، أنا لا أتكلم عنك، لكن عن المجلس، هذا عظيم!
- شرطي عظيم.
كان رافارين في قمة سعادته.
- هل ستخرس، ستارسكي أم أنادي الشرطة؟ قال الرئيس مغتاظًا، ماحيًا الابتسامة المعجبة لرئيس وزرائه.
- الشرطة أنا، سيد الرئيس.
- كفى. على أي حال ليس هناك من عبقري بيننا إلا بيبي، و... جوجوب، قذف في وجهيْ محدثيْه. مع ذلك رفض الحقيبة التي في حوزتك، المضحك.
- مضحك سوبر.
نتش الرئيس شعره، وتوجه بالكلام إلى رئيس وزرائه:
- مره بالتوقف عن ترداد "سوبر" أو أطردك، وللفترة الثالثة سيكون جوجوب، أريد القول... يختلط عليّ الأمر.
أراد الرئيس تفادي أن يعرف ستارسكي خططه بخصوص خَلَفِهِ، لأنه هو أيضًا يطمع في هذا المنصب. لكن الآخر:
- جوجوب سوبر.
- أنا لا أفهم، أنا لا أفهم، صرخ الرئيس.
- أنا أفهم، قال رافارين. إنها الفاصوليا البيضاء التي يضطرب منها...
- معدتي.
- رأسك.
- رأس سوبر.
- رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء وكل الباقي، افعل شيئًا أو أضربك بقدمي في قفاك ضربة لن تَبِلَّ منها أبدًا.
- قفا سوبر.
- لنعد إلى أئمتك، ستارسكي، ولا تُعِدْ خاصة "سوبر"، كن سوبر لطيف، قال رافارين لوزير داخليته.
- لا "سوبر"، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء وكل الباقي! واصل الرئيس الصراخ.
ثم هدأ قليلاً:
- ستارسكي، تعال هنا، قال مومئًا إصبعه. اقترب، اقترب، اقترب. خدك، خدك، خدك.
اقترب الآخر، مد خده، وصفعه شيشي.
- صفعة سوبر.
ضرب الرئيس جبهته على الجدار مرددًا: "أنا لا أفهم... أنا لا أفهم..." بينما عاد ستارسكي إلى خطابه، كما لو لم يجر شيء:
- إذن، سيد الرئيس، المجلس الذي تريد إنشاءه سيتم في 24 ساعة. بكل بساطة: سأعين الأئمة الذين أعرفهم.
- سوبر، أفلت الرئيس قبل أن يستدرك، لكن ربما شُنت الحرب في أقل من 24 ساعة.
- لا تقلق، سيد الرئيس، واعتبر أن هذا المجلس الأخرق قد تم إنشاؤه.
أخرج رئيس الوزراء ابتسامته المعجبة من جيبه قبل أن يتدخل:
- مع ستارسكي، كل شيء ممكن، كل شيء معجز! إن لم يستطع تأجيل الحرب، عمل كل شيء ليكون قبلها.
- الحرب كالانتخابات الرئاسية القادمة، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء.
سَر ستارسكي سماع ذلك من فم الرئيس، فامحت ابتسامة الإعجاب عن فم رئيس الوزراء، وقام بهجوم عنيف على وزيره السوبر:
- وشاح إسلامي أم لا، مجلس إسلامي أم لا، من اللازم ألا نتيح الفرصة لبنات محجبات ليفرضن سياسة إسلاموية أو متأسلمة على فرنسا، ستارسكي. إنها فرنسا، ستارسكي، إنها فرنسا! ليست العراق، ولا موريتانيا!
- من يتكلم عن موريتانيا، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء؟! اغتاظ الرئيس.
أحس ستارسكي أن الأمور تدور في صالحه، فألصق على فمه ابتسامة منتقمة ومَعيبة: منظور الانتخابات الرئاسية يتضمن تنافسًا بين الرجلين، السوبر شرطي والسوبر ديماغوجي. ثبت رافارين على رأيه، وأعطى مثلاً تلك البنات اللاتي يرفضن عند الامتحان معلمين رجالاً يشرفون على ذلك، ويعتبرن كافرًا المعلم غير المسلم، المدرس للقرآن.
- ومع ذلك، بعض الاحترام لقيم الجمهورية، ستارسكي، قال حَرِدًا.
الآن، تبدى شيشي للدفاع عن رئيس وزرائه:
- أنا لا أفهم. رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، أنت الأفضل.
فهي الطريقة التي اختارها الرئيس ليخضع رجاله ويتلاعب بهم.
- لكن...
- لكن ما لكن، سيد الرئيس، احتج الوزير السوبرماني متفاديًا رافارين بنظرته، تلميذات الخراء تلك، ليس أنا.
- ستارسكي، ضرب رئيس الوزراء كلماته بعنف، أعرف جيدًا ما تطبخ على نار خفيفة، أعرف جيدًا أن حملتك الانتخابية كل يوم، وأعرف جيدًا أنك تريد رأسي.
- أريد رأسك، أنا؟ احتج ستارسكي مرة ثانية. أنت تنسى أن رأسك، أنا من فبركه. هذا الأنف المعقوف الذي يجعلك تشبه ملاكمًا مبتدئًا، أليسه نتيجة ضربة مطرق من واحد من شرطيي في 68؟
- لا، إنه كوهن-بنديت.
- كوهن-بنديت!
- أي نعم.
- كنتُ أعتقدُ...
- كنتُ دومًا يمين وأنا يسار، لكن يسار اليسار، يعني يمين.
نظر شيشي إلى رئيس وزرائه بغرابة: رئيس وزراء يساري على رأس حكومة يمينية!
- أنا لا أفهم، قذف، رافارين تَبًا لك ويا ماخور الخراء، أنت تخرج عن الموضوع.
تلعثم رافارين، همهم عدة مرات "الشباب الجيسكاردي"، وصمت. ابتسم الشرطي السوبرماني، ابتسامة طفلية هذه المرة، تذكر بالولد ستارسكي الذي كان في المدرسة الابتدائية للمدينة البورجوازية نيي-سور-سين، عندما كان يختطف حبة ملبس من صديقته الشقراء. حبة الملبس اليوم هي قصر الإليزيه. أعطى رأيه في غزو الأصوات، لأنه هو، بصفته سوبر وزير للأمن، له حق اللجوء إلى كل الوسائل، بما فيها العنف "الشرعي"، هو مع الحرب.
- يا للمفارقة، أنت مع الحرب، بينما بيبي ضدها!
- والحال هذه، أعتقد أن من اللازم بدء الحرب ضد العراق قبل الأمريكان، وعلى الأراضي الفرنسية، سيد الرئيس.
- أنا لا أفهم. الحرب هنا، في فرنسا؟
- سيلتف الفرنسيون في غالبيتهم من حولي، أوضح ستارسكي.
قَمَعَ رافارين ابتسامة معجبة.
- أريد القول من حول الرئيس، لكن بما أن الرئيس لن يعمل فترة ثالثة، زلة اللسان هذه في محلها. ماذا كنت أقول؟ سيلتف الفرنسيون حول المرشح القادم للرئاسة، قال ضاربًا صدره متفاديًا النظرة الساخطة لرافارين، ضد فرنسيين آخرين، مغاربة ومجرمين.
شجب الرئيس هذه الفكرة التي ستؤدي إلى إراقة الدم الفرنسي، فأثار إعجاب رئيس وزرائه، مما جعل ستارسكي يعزم على الدفاع عن فكرته حتى النهاية:
- فيما يخص صورة فرنسا كقائدة لأوروبا، أوضح، أقترح أن ندعم الأمريكان، الإنجليز، والآخرين الذين هم مع الحرب، طليان، إسبان، بلدان أوروبا الشرقية، التكتيك يفرض ذلك. هكذا لن تَثبت عظمة فرنسا في أوروبا فقط بل وفي العالم أجمع، مستبقة بولوش وإدارته.
صفق رافارين لوزيره السوبرماني، والدموع في عينيه، إلا أن الرئيس وضع حدُا لكثرة الكلام، معارضًا للمرة الألف سوبرمانه، وملوحًا بشبح الانتخابات الرئيسية، دون أن يتوقف عن ترداد: "أنا لا أفهم، أنا لا أفهم...".
- أنا أفهم، وعلى أكمل وجه، سيد الرئيس. لقد فهمت أخيرًا، طيب، سأذهب، قذف ستارسكي.
- إلى أين، ستارس؟ سأل رئيس الوزراء. انتظر المشروب الفاتح للشهية. أنت لم تتغد بعد على الأقل؟ لا تقل لي إنك أنت أيضًا فاصوليا بيضاء! استنى شوي، الوقت الذي أنتهي فيه مع الرئيس وآتي. سامعني، ستارس؟ المشهّي.
- ستارس... كي (من)...، نادى الرئيس دون أن يريد سؤال الآخر.
- أنا، السوبر شرطي.
- نعم، أعرف، أعرف، لكن لم أكن أريد أن...
- روحك مضطربة هذه الأيام، سيد الرئيس. هذا بسبب الحر...
كان يعني الحرب، غير أن رافارين:
- الفاصوليا البيضاء.
- نعم، أعرف، أعرف، عَمِلَ شيشي، وهو يجسّ معدته بدل رأسه، لكن لم أكن أريد أن...
- لكن، إلى أين أنت ذاهب، ستارس؟ سأل رافارين من جديد.
والآخر يواصل:
- ...كي.
- ستارسكي. إلى أين أنت ذاهب؟ والمشهّي.
- سأذهب لأرى السيدة الرئيسة.
- لأي سبب؟ سأل الرئيس بتخوف.
- إنها الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يجعلك تبدل رأيك، سيد الرئيس.


يتبع الفصل الثاني عشر



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عساكر الفصل العاشر
- عساكر الفصل التاسع
- عساكر الفصل الثامن
- عساكر الفصل السابع
- عساكر الفصل السادس
- عساكر الفصل الخامس
- عساكر الفصل الرابع
- عساكر الفصل الثالث
- عساكر الفصل الثاني
- عساكر الفصل الأول
- عساكر تقديم الناشر الفرنسي
- فندق شارون الفصل العاشر والأخير
- فندق شارون الفصل التاسع
- فندق شارون الفصل الثامن
- فندق شارون الفصل السابع
- فندق شارون الفصل السادس
- فندق شارون الفصل الخامس
- فندق شارون الفصل الرابع
- فندق شارون الفصل الثالث
- فندق شارون الفصل الثاني


المزيد.....




- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة
- كيف حال قرار بريطاني دون أن تصبح دبي جزءاً من الهند؟
- يجتمعان في فيلم -Avengers: Doomsday-.. روبرت داوني جونيور يش ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - عساكر الفصل الحادي عشر