أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مديح الصادق - ( تالي الليل تسمع حِسّ العِياط )...














المزيد.....

( تالي الليل تسمع حِسّ العِياط )...


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 28 - 08:49
المحور: كتابات ساخرة
    




لا يُفرِح الراعي ويُثلِج صدره مثلما يسمع ثغاء حمل جديد أطلقته عاريا للتو أمُّهُ التي ضاقت به ذرعا؛ بل هو الذي نفذ الصبر منه فغادر السجن الذي رغما عنه قد قُيد به، ولا يُحزِنه إلا أن يغزو قطيعه الذي بات جزءا عزيزا ممن بهم تكفل من العيال؛ ذئبٌ تعوَّد أن يفوز برأس من الأغنام كل ليلة، على غفلة منه، أو تحديا لشجاعته، وهو قد لا يشغله كثيرا أن يواظب ابنه الصغير أو البنات على الدرس بقدر ما يشغله توفر المراعى لما بحوزته من باقي المخلوقات، وليس بمستعجل أن تتزوج كبرى البنات تحاشيا لسن العنوسة مادامت هي التي أخفت حنَّاءها تحت الوسادة لتقضي رحلة كل يوم من هزيع ليله الأخير حتى آخر أنفاس النهار راعية للأغنام، والأحلام لم يعد لها متسع من الوقت، فالسعادة ما هي إلا شعور نسبي، وهي عند ( شرهان ) حضيرة أغنام يزداد تعدادها عند أول خيط من خيوط الربيع، وامرأة تشاطره الفرشة وهي الولاَّدة التي له أنجبت فصيلا من الرعيان الصغار، ومضيف عامر بما نال من حكمة وتدبير عقل، حتى غدا مقصدا لمن التبست عليهم الشائكات.
للقرية أعرافها، ولها قوانين تخصها وثَّقتها علاقات دم واحد، أو مصاهرة، وأحيانا أحلاف لمن ابتعد قسرا عن قبيلته، ومنهم من حطَّ الرحال بحكم مهنة منها يعتاش وفيها نفع للناس؛ والكل تجمعهم محبة وإخاء وحسن جوار، ناديهم ليلا بعد عناء نهار طويل مضيف شرهان ما بين حديث ديني وموعظة، أو ما يحمله من أخبار المدينة اولئك الذين منها عادوا بعد أن قايضوا هناك ما كانوا معهم يحملون، لا تتعدى زواجا لواحد منهم، أو عزاء لمن غادر إذ لم يسعفه مضمد واحد في المستوصف لا يملك إلا الماء المُقطَّر ولفافة من القطن، وأبو زيد الهلالي والزناتي خليفة كل ليلة يرويها لهم شرهان ولا يقاطعه سوى دوي كلاب القرية التي تنبأت بأن الذئب قد نال نصيبه من قطعان المساكين، والمساكين لا يشغلهم غير الذئاب، والذئاب لا تستتر إلا بالظلام، واقتحام الظلام لقتل ذئب شرس بحاجة إلى شجاع قوي القلب، حسن التدبير، يجيد الحيلة للنيل من محتال سلاحه المخالب والأنياب؛ وليس من مُرشَّح لهذا الدور إلا شرهان الذي تبرع طوعا للقيام به، سلاحه عصا طويلة من نبات برِّي، وخنجر طويل، ومسحاة، وما غير النجوم دليله وقد أدرك البدرَ السِرارُ، والظلام خير ساتر له مختفيا بين القطيع.
البرد قارس أواخر تشرين، منتصف الليل، وسط الصحراء، مُمدَّدٌ شرهان على بطنه وسط الذين يحبهم كل الحب، ومن أجلهم يجازف الليلة كي يقاتل ذئبا عاث فسادا بهم وما جاورهم من قطعان، يرهف السمع بانتظار فريسته، يهيء نفسه للضربة الأولى، أبالخنجر، أم بالعصا، أم بالمسحاة؟ ولعل الأخيرة خير ما يُبتدأ به في القتال، تمنحه مناورة بها يتمكن من خصمه دون تضحيات.
السرحان قادم، أجفلت الأغنام وفي كل اتجاه فزعت لولا أن قيدتها داخل الحضيرة الأسلاك، وفي هروبها احتمال للخسارة إذ يتفرد بواحد منها لقمة سائغة بلا عناء، وينجو من الكمين المُدبَّر له، هاهو وجها لوجه، بدمه ولحمه السرحان المطلوب حيا أو ميتا، والقرية كاملة بانتظار أن تزف لها البشرى عند الصباح، فتعلو زغاريد النسوة، أو يرقص بعض من الرجال، وكم جميل هو الرقص للسلام! وما أجمل عيشا وأهنأ ليلا للعشاق بلا ذئاب، سيدخل اسم شرهان التأريخ وقد تتناقل فعلته إذ قتل الذئبَ الأجيالُ، توسَّط القطيع لينتقي منه السمين، الظلام دامس، تطاير الغبار من كل صوب، على طوله استقام شرهان، بكل ما حشَّد من قوة مُسدِّدا الضربة القاتلة في الرأس، وخير ما يُختار لضرب العدوالرأس، والرأس هو المُدبِّر الذي إن ضاع ضاعت معه كل التدابير، سقط الحيوان مُضرَّجا بدمه، بلا حراك سوى النفث.
زغاريدهن جاهزة بانتظار ساعة الصفر، أطلقنها احتفاء بالفارس العائد المُكلَّل بالنصر، شرهان، قاهر الذئب الذي فجع الرعاة أكثر من مرة، وعلى ما به يفرحون يعتاش، مهوال القرية قد هيَّأ ما سوف تدور عليه خلفيات الرجال وهم بأقدام مُشقَّقة حافية يرفسون الأرض فتمتلئ غدرانها بالصعيد، وتُنشر الرايات ذات الأجراس يهزها عملاق يطاول السماء، وكما يعدو الطاعون يسري خبر مثل هذا فيما جاور من قرى وقصبات، والناس ملهوفة لا تطيق الانتظار حتى الصباح، حملوا المشاعل كالزرافات قاصدين ساحة القتال، مُبشِّرين بنصر مبين، وكلٌّ يسابق جاره كي يحظى بالنظرة الأولى لذلك الوحش الذي سرق النوم من جفونهم، وفجعهم بأعز ما يملكون.
وصل الموكب مجتمعا، والرايات خفاقة تلوح، زغاريد النساء تسابق الريح، والمهوال يُنشد طول الطريق بما جادت به قريحته لمثل هذا اليوم، والمهاويل حيثما مالت الرياح يميلون، شقُّوا القطيع نصفين، الحيوان مُمدَّدٌ والدم الساخن ينضح من وجنتيه، لكن ...هناك في بطنها جنين يرفس حيَّاً يُصارع الموت، أمُّ الأشعث كانت من أحبِّ النعاج إلى قلبه، شرهان.



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبيبتي ووجهُ الوطن... نص شعري
- تراتيلُ الدماء.... نص شعري
- سلاماً، سلاماً، سلاما، للذكرى الحادية والثمانين لميلاد الحزب ...
- شباطُ الأسودُ في عَينَي صَبِي
- أبِلا أوتارِهِ يَعزِفُ العود؟... قصة قصيرة
- صدى المنافي
- تراتيل للوطن والحبيبة
- صديقتي .. نص شعري
- راحِلُون
- الحلقة العاشرة ( المشرح ) دماً ما زلتُ أنزفُ، يا عراق، مشاهد ...
- دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق.. مشاهد من رحلتي الأخيرة.. الحلقة ...
- الحلقة الثامنة.. دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق... مشاهد من رحلت ...
- دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق... مشاهد من رحلتي الأخيرة.. الحلق ...
- دماً مازلتُ انزفُ، يا عراق.... مشاهد من رحلتي الأخيرة... الح ...
- الحلقتان الثالثة والرابعة، دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق..... م ...
- نداء إغاثة، إلى كل الشرفاء في العالم
- دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق... مشاهد من رحلتي الأخيرة.... الح ...
- بُشراكَ يا أكيتو، لمناسة عيد رأس السنة الآشورية البابلية
- ثمانونَ وأنتَ تزهُو، للحزب الشيوعي العراقي في عيده الثمانين
- بطاقة تهنئة للحزب الشيوعي العراقي بعيده الثمانين


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مديح الصادق - ( تالي الليل تسمع حِسّ العِياط )...