أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - الفتى العاشق .. الذاهب إلى الحرب














المزيد.....

الفتى العاشق .. الذاهب إلى الحرب


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 4843 - 2015 / 6 / 20 - 22:52
المحور: سيرة ذاتية
    


الفتى العاشق .. الذاهب إلى الحرب

في بدايات الحرب العراقيّة – الإيرانيّة .. كانت القطارات النازلة من بغداد إلى البصرة ، تنطلِقُ مساء كلّ يوم ، بحمولتها من الجنود الذاهبينَ إلى جبهات الحرب الجنوبيّة ، من " المحطّة العالميّة " في "عَلاوي الحِلّة ".
وعلى أحد مقاعد هذه القطارات كان رفيق احدى رحلاتي جنديٌ صغيرٌ في السن . كان كلّ شيءٍ يرتديه من مستلزمات قيافته العسكريّة واسِعاً جداً عليه ، بسببِ نحافتهِ ، ورقتّهِ ، وصغر سنّه . كان يبدو محصوراً في " ذلك الحيّز الحقير بين البيريّة و البسطال " .. كما كان ينصُّ عليه تعريفٌ شائعٌ لـ " مفهوم " الجنديّ ، ابتدَعَهُ ، وقامَ بترويجهِ ، الجنودُ " المثقّفّون " آنذاك .
و ما ان تتحرك هذه القطارات ، حتّى يتم إطفاء جميع مصابيح العربات ، خوفاً من التعرّض لغارةٍ جويّةٍ معاديّة .
وعندما يعمُّ الظلامُ العربات ، تبدأُ عمليّة بيعٍ واسعة ، سريّة وسريعة ، لشتى انواع المشروبات " الممنوعة " . كان مزاج الجنود الكئيب يسمح لبعض الركاب بممارسة ذلك النشاط التجاري " المريب " . وهكذا كنتَ تشعرُ وأنتَ جالس في مقعدك ، بـ فَمِ " شبَحٍ " يقتربُ من أذنكَ ، ويهمسُ فيها بعجالَة : " زحلاوي .عصريّة . أسود . أبيض . مَسْتَكي ".
كان بعضُ الجنود يشترون ، ويشربون . وآخرون يرفضون ذلك بغضب : " عمّي إحنه بيا حال .والله إنته بطران . دروح .. وجفّيني شَرّكْ " .
كلّ ركّاب تلك القطارات كانوا يعرفون بأنّ نصفهم ( على الأقل ) لن يعودوا إلى بيوتهم أبداً . وسيموتون هناك .. في جبهات الحرب الممتدّة من الفاو ، إلى " الأحواز " ، إلى " بسيتين " ، إلى " الشِيب " ، إلى " الفَكّة ".
بعد ان عبّ الجنديّ الفتى " مَجْعَتَينِ " من الزحلاوي "السادة " .. مدّ يدَهُ إلى " قمصلته " الرومانيّة الضخمة . وأخْرَجَ من واحدٍ من جيوبها الكثيرة مجموعةً من الصور الفوتوغرافيّة المرزومة بعنايةٍ شديدة .
قام الفتى بفتح الرزمة ببطء . تصفّحَها بوجوم .. صورةً بعد صورة ، ثم دفعها نحوي قائلاً : - هذه " صُوَري " انا وحبيبتي .. في " الزوراء " .. في هذه " الإجازة " .
كان عدد الصُوَر كبيراً جداً ، ومُكْلِفاً بالطبع . خاصةً وأنَ المصورّين الجوّالين هُم من كانوا يقومون بالتقاطها في الأماكن العامة . ولم يكن هناك يومها ، لا كاميرات " ديجتال " .. ولا موبايلات .. ولا " سلفي " .
تصفّحْتُ تلكَ الصُوَر بدوري . كان الضوءُ المتسرّبُ من نوافذ العربات شحيحاً ، ومُتقَطِّعاً . لذا لم أكن أتبيّنُ ملامحَ الوجوه الشاخصة فيها بوضوح .
- حلوة . إنشاء الله تصير من نصيبك . قلتُ ذلكَ وانا أعيدُ اليهِ رزمة الصُوَر .. فأخذَها منّي .. وبدأ يبكي .
- لا يمعَوّدْ . لتِبْجي . هوّه كلّه شهر واحد ، وتِرجَع مُجاز ، وتشوف حبيبتك بالزوراء ،وتاخُذْ ويّاها 100صورة.
قلتُ لهُ ذلك .. فتوقّف عن البكاء . ثم التفَتَ نحوي قائلاً : - استاد ( كنت في الثلاثينيّات من عمري ، وارتدي نظّارات طبيّة سميكة ) . إنته صحيح بمقام أخوية الجبير ، والله شاهِد . بس آني هذا السوّيته غلَطْ ، وأبد مو صحيح . وعيب . وجان المفروض ما أشوفَك الصُوَر .
أجبتْ : - لا يمعوّدْ . ليش غَلَط . إحنه بدرب " الصَدْ ما رَدْ " . وإنته بمقام أخويه الصغير ، والله شاهِدْ . وهاي طَلِعتَك كلّش خوش طلعة .. وما بيه هشي .
قال : - زين خوية . لنفترِضْ هاي حبيبتي ، وبالصدفة ، طِلْعَتْ أختك لو كَرايبَكْ .. جان اشلون ؟؟؟ .
أجَبْتُ على الفور : - و لايهمّك خويه . إذا هاي حبيبتك طِلْعَتْ أختي . ورايحه ويّاك للزوراء . وماخذه ويّاك 100 صورة . وبطَلعه وِحدَه .. فبالعافية عليك خواتي كُلْهِن .. لا وكل نسوان العائلة بعد .
ضحكَ الفتى الجنديّ بحبورٍ .. ونام .
والآن .. أكادُ اجزمُ أنّ هذا الفتى ، لم يَعُدْ حيّاً من الحرب .
ولم يذهب إلى متنزّه الزوراء مرّةً أخرى .. لا مع " أختي " .. ولا مع " خواتْ " غيري من الناس .
ولم يلتقِط بعد تلك الرحلة .. صورةً اضافيةً للحبيبة .
وأنّ كل تلك الصُوَر ، التي احتفينا بها في القطار ، قد تركها " المأمور " ملطّخةً بالدم . هُناك .. في تلك " القمصلة " الرومانيّة العريضة ، المتعدّدة الجيوب . وعادَ بهِ وحده .. في تابوتٍ مربوطٍ على سقف التاكسي " الكراون " .. ملفوفاً بالعَلَم " الوطنيّ " .. إلى أهله .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو نؤاس ، ومدفع الأفطار .. تحت جسر الجمهوريّة
- إمامُ الجامع .. و رمضان .. و برشلونة
- الحدّ الأدنى من اللغة
- الليلة الكبيرة .. التي نحنُ فيها الآن
- جاسميّة أمّ الكَيمر .. والدولار .. وقانون تناقص الغلّة
- صورة شخصيّة
- عصرُ النبوّاتِ .. ولّى
- مطرقة الرئيس أوباما .. والمشاكل التي ليست مسامير
- تمثالٌ .. لأمّي
- عشائر .. عشاير
- ِأمثليّة باريتو .. ومتلازمة الفساد وانعدام الكفاءة في الدولة ...
- أميرتي الصغيرة .. التي تقرأ الأقتصاد
- امتحانات الطلبة .. وامتحان المصير
- لأنَ هُناك الكثير من الأشياء
- في أحد الأيام
- بغداد .. شيءٌ من تاريخ السُلطة ، و تاريخ الرجال
- أعيشُ طوال اليوم
- في هذا البلد الفارغ
- العُطَل العظيمة .. في العراق العظيم
- عطلة .. ورة .. عطلة


المزيد.....




- الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الان ...
- الولايات المتحدة غيّرت مسار المواجهة - كيف سترد إيران؟
- خاص يورونيوز: إسرائيل ترفض تقرير الاتحاد الأوروبي حول غزة وت ...
- خبير إسرائيلي: تل أبيب لا تريد التصعيد والكرة في الملعب الإي ...
- هل فشلت -أم القنابل- في تدمير -درة تاج- برنامج إيران النووي؟ ...
- أحداث تاريخية هزت العالم بالأسبوع الرابع من يونيو
- الرأسمالية نظام -غير ديمقراطي- يستنزف جنوب العالم ليرفّه عن ...
- هل يطلب المرشد الإيراني وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟
- كيف نُفذت الضربة الأميركية على إيران؟ وما الأسلحة المستخدمة؟ ...
- كيف يرد الحوثيون بعد هجمات واشنطن على إيران؟


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - الفتى العاشق .. الذاهب إلى الحرب