برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 1340 - 2005 / 10 / 7 - 11:12
المحور:
القضية الفلسطينية
حاول الاعلام الاسرائيلي في اليوم التالي لنجاح رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، في اللجنة المركزية لحزبه الليكود، في رفض مشروع يطيح به من رئاسة الحزب، ان يبرز معالم الانفراج والارتياح في الرأي العام الاسرائيلي، الذي انعكس مباشرة على سوق المال الاسرائيلية (البورصة) التي سجلت ارتفاعا، كما ان سعر صرف الشيكل سجل تحسنا امام الدولار واليورو وباقي العملات الاجنبية، بزعم ان بقاء شارون في السلطة اصبح من مؤشرات الانفراج السياسي في اسرائيل والمنطقة!.
وكان شارون قد عبر في السادس والعشرين من الشهر الماضي، ايلول/ سبتمبر، امتحانا صعبا في اللجنة المركزية لحزبه التي تضم 3050 عضوا حين صوتت على اقتراح معارضيه لتقديم موعد الانتخابات لرئاسة الحزب الى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، بدلا من شهر نيسان/ ابريل القادم، وهو اقتراح يعني حجب الثقة عن شارون كرئيس لحزب الليكود الحاكم، إلا ان شارون تغلب على منافسيه بفارق ضيئل، إذ حظي بنسبة 51,5% رفضت الاقتراح، وهذا بعد سلسلة كبيرة من استطلاعات الرأي، التي ظهرت في الاسابيع الأخيرة، والتي اشارت الى ان شارون سيخسر المعركة.
وكان المشهد العام في اسرائيل، وحتى في اوساط عالمية رسمية، وكأن الجميع يضبط انفاسه لسماع النتيجة، وكأن هزّة سياسية على الابواب، وما أن ظهرت النتيجة التي اشارت الى فوز شارون، بدأت ردود الفعل تتوارد وكأن انفراجا ما حصل على الساحة السياسية.
لا خلاف سياسي
ولكن السؤال الأهم الذي يطرح في هذه القضية، يجب ان يدور حول ما إذا هناك تباينات سياسية بين طرفي النزاع في داخل الليكود، وكل الدلائل تؤكد ان لا خلاف سياسي جوهري بين الطرفين، طرف شارون من جهة ومعارضيه بزعامة رئيس الحكومة الاسبق بنيامين نتنياهو، وعضو الكنيست المتشدد عوزي لنداو من جهة أخرى.
فصحيح ان معارضي شارون في داخل الليكود عارضوا خطة فك الارتباط بتفاوت، فمثلا بنيامين نتنياهو ايد الخطة اربع مرات في الحكومة وفي البرلمان الاسرائيلي، وقرر معارضتها فقط لحسابات حزبية انتخابية له، في اطار منافسته لشارون على زعامة الليكود، أما عوزي لنداو الذي قرر "التضحية" بمنصبه الوزاري منذ خريف العام الماضي حين صوت ضد اخلاء داخل قطاع غزة، فإنه كان يعلن ان معارضته ليست من باب "عدم التنازل عن ارض اسرائيل الكاملة" وانما كان يريد "تقديم مثل هذا التنازل" فقط في اطار المفاوضات مع الفلسطينيين لكي لا يطالبوا اسرائيل مستقبلا بأكثر.
كما ان نتنياهو نفسه، وحين رئس الحكومة الاسرائيلية بين العام 1996 وحتى العام 1999، سار ايضا في مسارات اوسلو، ولكن بتوجه يميني وكثف الاستيطان وحوّل الكثير من المشاريع الاستيطانية الى قرارات حكومية وضعها امام الحكومة التي خلفته برئاسة ايهود براك، ولهذا فإن اليمين المتطرف لا يرى في نتنياهو بديلا لشارون الذي "سلّم اقليم غزة"، فاليمين الاسرائيلي لا يستعمل مصطلح قطاع، وانما اقليم، بمعنى انه جزء مما يسمى بـ "ارض اسرائيل".
أما شارون فقد اعلن وجهة نظره السياسية جهارة، في خطابه التوراتي امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الشهر الماضي، حين قال للعالم ان كل "ارض اسرائيل" هي حق "للشعب" اليهودي، وعلى هذا الأساس ستبني اسرائيل كل ما سيأتي في اطار "تقاسمها أرض اسرائيل" مع "الشعب الآخر"، وفق المصطلح الذي استخدمه بداية اريئيل شارون في ذلك الخطاب عن الشعب الفلسطيني.
لقد اراد شارون اولا تثبيت هذه المقولة امام العالم، ليقول إن اسرائيل لا تنسحب من الأراضي بل "تتنازل" عنها، وهو يشدد على مصلح "التنازل" وليس استحقاق الانسحاب، ويقول في خطابه، "إن كل تنازل عن أي شبر أو جبل أو صخرة من أرض اسرائيل هو تنازل مؤلم للشعب اليهودي، الذي ترتبط ذاكرته بكل قطعة من هذه الأرض"، بمعنى انه إذا الخروج من داخل قطاع غزة هو "مؤلم جدا"، فكيف سيكون الحال في الخروج "من مملكة يهودا"، وفق المعتقدات اليهودية، وهي الضفة الغربية.
ولا يتوقف شارون عند هذا الحد، فعلى اجندته في رئاسته للحكومة لا يوجد سوى الاستيطان، وهذا ما عالجناه في العدد الماضي من الطريق، ولكن خلال الشهر الماضي عاد شارون مرارا على مشاريعه الاستيطانية، فقد صرح في مقابلات صحفية لكبريات الصحف الامريكية، إن اسرائيل ماضية في مشاريعها الاستيطانية، وايضا مشروع مستوطنة معاليه ادوميم التي تنوي اسرائيل ضمها الى القدس المحتلة، وقال، "نحن نعرف ان الادارة الامريكية لا ترضى بهذا ولكن ليس امامنا سوى ننفذ هذه المشاريع".
وشارون لا يخدع احدا في مشاريعه الاستيطانية فهو أشار بوضوح لنواياه هذه مع طرحه لما يسمى بـ "خطة فك الارتباط"، وأكد انه يتوجه "للتخلي عن القليل" من اجل الاحتفاظ بما هو "اكبر"، الضفة الغربية، وهذا واضح حتى في نص الخطة التي عرضها على الكنيست الاسرائيلي وصوت عليها اليسار الصهيوني و"غيره"، فهناك من اراد تجاهل هذا البند الاساسي في الخطة، بزعم ان اخلاء قطاع غزة هو خطوة نحو الانفراج، ولهذا فمن أيد شارون في "فك الارتباط" لا يستطيع ان يلومه بمشاريعه الاستيطانية الجديدة التي تنهش بالضفة الغربية.
يختلفون على اسلوب التطبيق
بمعنى آخر فإن الخلاف الدائر في الليكود يدور بين طرفين وثالث انتهازي، فطرف المعارض الحقيقي لشارون يعتقد ان استمرار الوضع القائم قبل اخلاء قطاع غزة لا يسبب ضررا لاسرائيل ولهذا يجب ان يستمر، وفقط بعد ان ينهك الفلسطينيون "سيأتون زاحفين للمفاوضات ولن يحصلوا إلا على القليل"، حسب عقليتهم.
أما شارون فقد رأى الصورة بشكل أوسع، وهو يعرف ان العام لن يسكت وسيضغط عليه، خاصة بعد بدء ظهور مبادرات سياسية ومنها "وثيقة تفاهمات جنيف" ولهذا اراد تجنب هذا الضغط، وان لا يقدم سوى "القليل فقط"، ولكن بشكل يجعل العالم يتجند الى جانبه ويدعمه، كما نرى الآن من خلال خطة فك الارتباط.
وعلى ما يبدو فإن كوادر الليكود التي لا تعكس حقيقة جمهور مصوتي الحزب في الانتخابات الأخيرة، باتت تدرك اكثر مخطط شارون، الى جانب ان قطاعات الانتهازيين والساعين الى الوظائف والمناصب لا يريدون التوجه الى انتخابات مبكرة قد تفقدهم غنائمهم الوظائفية في عهد الليكود، وهذا ما ضمن لشارون الاغلبية في لجنة حزبه المركزية.
أما الطرف الانتهازي فالمقصود به نتنياهو ومعسكره، الذي من الممكن ان يتقلب سياسيا حسب الظروف وامامه هدف واحد وهو ايصال نتنياهو الى الحكم.
شارون يرفض انسحابات أخرى
وردت في الاسبوعين الأخيرين سلسلة من التصريحات التي خلقت شعورا وكأن اريئيل شارون عازم على تنفيذ خطة أخرى احادية الجانب، تفرض واقعا جديدا في الضفة الغربية يهدف الى رسم حدود من جانب واحد.
ويرى محللون اسرائيليون إن قادة جيش الاحتلال الاسرائيلي يدفعون باتجاه الشروع بخطوات احادية الجانب لتحديد الحدود مع الضفة الغربية، ايضا بشكل احادي الجانب ومن دون مفاوضات، وقيل ان جهاز الاستخبارات العسكرية، وقسم التخطيط في الجيش ينظران الى المخططات احادية الجانب كالبديل الأفضل، وان على اسرائيل ان تحدد بنسفها حدودها مع الضفة الغربية، وقد ظهرت هذه التوجهات من خلال تصريحات لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي اهارون زئيف فركش، ورئيس قسم التخطيط في الجيش، العميد تودي ديكل.
وحسب ديكل، فإن البدائل السياسية امام اسرائيل هي ثلاثة: البديل الأول تجميد العملية السياسية الى حين فحص نوايا وامكانيات السلطة الوطنية الفلسطينية، "التي من الصعب رؤية نجاحها"، كما يزعم، والبديل الثاني هو الالتزام بخطة خارطة الطريق التي تسعى لاقامة دولة فلسطينية ضمن عملية تدريجية، حتى الوصول الى الحل الثابت.
اما البديل الثالث حسب ديكل، فهو ان تشرع اسرائيل بخطوات احادية الجانب، لأنه حتى عندما حاولت اسرائيل تنسيق انسحابها من قطاع غزة فقد دخلت في "مسار ممل" على حد تعبيره. ويقول "إن الخطوات احادية الجانب هي الافضل لاسرائيل"، ولكن مثل هذه الخطط لا يمكن الشروع بها قريبا بسبب الانتخابات التشريعية القريبة في السلطة الفلسطينية واسرائيل.
وسارع شارون الى نفي ان تكون لديه مخططات أخرى كخطة "فك الارتباط" احادية الجانب، واعلن ان اسرائيل لن يكون امامها منذ الآن سوى خطة "خارطة الطريق"، وان اسرائيل ستتوجه اليها "بعد ان ينفذ الفلسطينيون التزاماتهم الأمنية فيها" على حد تعبيره.
وكان شارون يرد بذلك على "الشائعات" التي ترددت في الأيام الفترة الأخيرة، التي زعمت ان لاسرائيل مخططات أخرى كخطة "فك الارتباط" عن قطاع غزة، وقال شارون: "لا يوجد أي اساس لهذه الشائعات، وكأن اسرائيل بصدد دراسة مخططات جديدة، إن اسرائيل لن تفحص أي مخطط جديد، لدينا خطة واحدة وهي خطة خارطة الطريق، واتفقنا عليها مع الولايات المتحدة، وواشنطن تدافع عنها، هذه هي الخطة الوحيدة القائمة، ولا يوجد افضل منها لمستقبل اسرائيل"، على حد تعبير شارون.
وعلى الرغم من هذا النفي إلا ان محللين اسرائيليين يدّعون ان نفي شارون ليس جديا، وان الحديث عن مخططات احادية الجانب جديدة بات الحديث عنها على ألسن مستشاري شارون انفسهم، مما يعني ان شيئا ما يدور من تحت السطح، ولكن مهما تكن من مخططات فإنها لن تشذ عن خطاب شارون التوراتي الذي صفق له العالم عليه دون ان يلتفت لجوهره الخطير.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟