أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رحلتي للسماء














المزيد.....

رحلتي للسماء


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4841 - 2015 / 6 / 18 - 19:49
المحور: الادب والفن
    


ممرٌّ طويلٌ وضيّق. عليّ أن أخطوَه ببطء وحذر؛ لكيلا أفقد توازني، وأقع، مهشمةً أشلاءَ ونُثاراتٍ في إحدى الهُوّتين السحيقتين على اليمين وعلى اليسار. هذه هي المرة الأولى التي عليّ فيها أن أتعلمَ المشيَ ببطء، منذ نبتَ لي جناحان وطِرتُ إلى حيث أنا الآن.
في حياتي القديمة، كانت صديقاتي يغضبن حين نخرج للتنزة أو للتسوّق فيضطررن للركوض وراءي. حتى حبيبي، حين أشبِكُ ذراعي في ذراعه، نبدوان للرائي كأنما أجرجره خلفي. فقدتُ طوال عمري متعة أن أضع رأسي على كتف حبيبي، ونحن نمشي بهدوء، فيما يحتضن خصري بذراعه، شأن ما يفعل العشاق. حرمني اتساعُ خطوتي من مباهجَ كثيرة، حينما كنتُ في ذلك الكوكب البعيد، التعس.
لم أطرقِ الباب. انفتح وحده. فتحته سيدةٌ جميلة في ثوب رماديّ بلون كوكبنا المَنْسيّ. في عينيها طيبةٌ، وفي يدها سَلّةٌ من خوص، قدمتها لي. تحملُ في يدها الأخرى شمعةً، رغم نور النهار يملأ المكان الشاسع ويترامى في المدى كأنما لا ظلال. قبل أن أدخل، أشارت بإصبعها لأسفل، ففهمتُ أن عليّ أن أمسح قدميّ في دوّاسة صغيرة مضفورة من زهور الزنبق الأبيض والجوري الدمشقي. كيف لم أنتبه أنني يجب أن أُزيل بقايا الغيوم ونُدَف الجليد التي علقت بكعب حذائي خلال رحلتي الطويلة فوق الغيوم الرمادية البيضاء وطبقات السماوات. تعمّدتُ أن أغفلَ نفْضَ ما علق بثوبي من ثُريات النجوم وبارقات الشهب. ربما بتلك الومضات اللامعة فوق فستاني؛ أصنع بعض التأثير والانبهار على أولئك الذين سوف أراهم في هذا المكان الجديد. لكن أحدًا لم ينبهر بتلألئي! أحدٌ لم يعبأ حتى بقدومي. الكلُّ مشغولٌ. الصبايا الحسان يحملن قيثارتهنّ ويجُبن الدروب حول الأنهار يعزفن موسيقى لم أسمعها من قبل. وثمّة جميلاتٌ يجلسن على أنوالهن يغزلن أثوابًا من خيوط الزهر وأوارق الشجر الأخضر. وثمة أطفالٌ يحملون كؤسًا من البلور النقي يطوفون ليسقين المارة والسابلة. وهناك رجلٌ يجلس فوق ربوة من البَرَد الناصع يقرأ في كتاب، وآخر منهمك في كتابة بعض السطور في دفتر ضخم. وأصوات الطيور وزقزقات العصافير وهديل الحمام تملأ السمع وتنثرُ البهجة في فضاءات المكان.
قادتني المرأة الجميلة إلى ظلّ شجرة وارفة وقدمت لي أوارقًا بيضاء وحفنة من أقلام الرصاص وقالت: “عليكِ أن تُنهي الكتبَ التي لم تُنهِها في حياتك الأرضية. هنا، لا محلّ للكسل ولا الفوضى ولا الإرجاء للغد. ماذا تحتاجين بعدُ؟" قلتُ لها: “أين غاندي؟ لي معه حديث لم يتم. وأين بيتهوڤ-;---;--ن؟ أود أن أسأله عن السيمفونية العاشرة التي لم يكتبها. وأين يجلس طه حسين؟ لي عنده أسئلةٌ كثيرة. وأين أبي وأمي و....” قاطعتني السيدةُ وقالت: “لن يُسمح لكِ بلقاء من تودّين من أصدقاء إلا حينما تُنهين عملك. جميعهم مشغولون بإنهاء ما لم يتمّوا من أعمالهم. لا محلّ هنا لخامل أو عاطل أو مُعطِّل.” وأشاحت عني وتركتني لأوراقي وأقلامي.
هتفتُ بها: “سيدتي الجميلة، ومتى.... متى سأراه هو؟ ما جئتُ إلى هنا إلا للقائه. وما عشتُ حياتي إلا انتظارًا لتلك اللحظة. متى تحين؟" نظرتْ إليّ من فوق كتفها وهي ماضيةٌ في طريقها، وأشرقتْ ابتسامةٌ عذبةٌ على ملامحها العذبة، وقالت: “غدًا يا ابنتي. غدًا ترينه.” ومرّت دقائقُ وساعاتٌ ودهور في انتظار الغد الموعود. هل يأتي الغدُ على هذا المكان؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من ذوي الإعاقة إلى الرئيس السيسي
- سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر
- ليس بوسعي إلا السباحة ضد التيار
- قبل أن تُحبَّ صحفية
- عكاشة والسيسي
- النظافة ليست من الإيمان!
- بعضٌ من الحلم لا يفسدُ العالم
- في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟
- رسالة من فاطمة ناعوت للرئيس السيسي بخصوص تهجير المسيحيين
- حزب النور... على أبواب التمكين
- خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
- تمرّد... وكتابُ التاريخ
- بذورٌ فاسدة
- انتحارُ الأديب على بوابة قطر
- حزب النور وحلم التمكين الداعشي
- سلّة رمان ..
- حكاية حنّا وعبد السلام
- هل تحب الغُراب؟
- “بَسّ- اللي فيها كل العِبر
- هل قرأ وزيرُ العدل -أفلاطون-؟


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رحلتي للسماء