أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟














المزيد.....

في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4826 - 2015 / 6 / 3 - 12:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اعتدتُ، كلما زُرتُ "دار الأوبرا المصرية"، أن أكتبَ كلمةً على صفحتي بفيس بوك، عن العرض الذي أشهدُه الآن. أُصدّر كلمتي بعبارة: "من دولة الأوبرا المصرية"، لإيماني بأن هذا المكانَ الأثيرَ إلى نفسي، دولةٌ مستقلة بدستورها وقوانينها ولُغتِها وأزمنتها وشعبها وأزيائها وجيشها وعُدّتها وعَتادها. بعد التصدير، أكتب كلمة موجزة عن العرض، سواء كان من الموسيقى العربية والتخت الشرقي، أو كان نغم أوركسترا القاهرة السيمفوني في السبت من كل أسبوع، أو كان باليه أو أوبرا أو كلاسيكيات روسية أو ألمانية وغيرها. ثم أختتمُ الكلمةَ بعبارة: "شكرًا أيها الفنّ"، لأنني مؤمنةٌ أن الفنَّ هو طوق النجاة الأخير الذي يُنقذُ الشعوبَ والمجتمعات الآفلة، من السقوط والاندثار، ويكتب لها مستقبلا واعدًا محترمًا يليق بالإنسان، الذي ورث هذا الكوكب ليعلو به درجةً، أو درجاتٍ عن مصاف الأنعام والدواب. وليس إلا الفنّون الراقية تعلو بينا عن مصاف الحيوان إلى مصاف الإنسان المفكر والمبتكر والمخترع الذي كرّمه اللهُ تعالى بنعمة العقل والضمير وخلافة الكوكب.
ذهبتُ أحد أيام السبت، حيث “أوركسترا القاهرة السيمفوني”، لكي أبدأ أسبوعي بإشعال ثورة روحية تعصف بداخلي فأستعيدُ الخلايا الإبداعية والإلهامية التي ماتت خلال الأسبوع الماضي؛ بسبب قبح الواقع والتلوث السمعي والبصري والأخلاقي الذي يرعى من حولنا منذ الصباح وحتى المساء، أو، على الأقل، لأوقظ ما قد نام منها بفعل روتين الحياة المضجر. أغمضُ عيني الآن وأنُصِتُ بكل خلجة من قلبي، وكل خلية من جسدي، فيسري الخدرُ اللطيفُ في أوصالي، وينبئني أنني على وشك السفر.
أفقتُ في الفاصل بين فصلي الكونشرتو، وكتبتُ لقرائي وأصدقائي كلمتي، ثم اختتمتُها كالعادة بعبارة "شكرًا أيها الفن.”. في الصباح التالي، هالني تعليقٌ ظريفٌ من شخصٍ لطيف يقول: "الله يلعن أبوك أيها الفن والفنانين واللي بيحبوا الفن. كلكوا في النار. اللي بيعملوا الفن واللي بيحبوه”
ابتسمتُ للتعليق، برهةً. لكنّه سحبني من رأسي إلى التفكير في سؤال مهم.
"تُرى، في أي دَرَكٍ من النار... يسكن الأوركسترا؟”
وبما أنني لا أقدر على قراءة المستقبل لأعرف أن سيذهب تحديدًا أحبّتي: تشايكوڤ-;-سكي وشتراوس وباخ وبيتهوڤ-;-ن وبرامس وڤ-;-يڤ-;-الدي ومحمد عبد الوهاب وسيد درويش وغيرهم من أهل النار، قررتُ أن أبحث عن الإجابة في الماضي.
أعددتُ العتاد والرِّحالَ وحملتُ على ظهري خيمتي ومخلاة زادي وزوّادي وتأهبتُ للسفر. توجهتُ مباشرةً إلى القرن الرابع عشرـ إيطاليا، حيث أظنّ أنني سأحدد مكان مَن أحبُّ فأنضمُّ إلى جحيمهم الصحو. صافحتُ "دانتي أليجيري"، وكان في الخامسة والثلاثين من عمره. ثم استأذنته أن أدخل "الكوميديا الإلهية" فاصطحبني ورافقني إلى الغابة المظلمة. أنقذنا "فيرجيل" من الوحوش الثلاثة ومضينا في طريقنا نحو الضوء الساطع. ولأن دانتي يُحبّني كما أحبه، فقط عرض عليّ أن أدخل الجنّة مباشرة، دون دخول الجحيم ولا حتى المرور على المطهر وجبل العذاب. لكنني شكرته وأخبرته أن مَن أبحث عنهم لابد يسكنون الجحيم، كما أخبرني الشخصُ الظريف على صفحتي في فيس بوك. لم يفهم دانتي ما المقصود بـ"فيس بوك" ولا عرف من يكون الشخص الظريف، لكنه تفهّم الأمر وابتسم، ثم اصطحبني رأسًا إلى الجحيم. عبرنا نهر "أشيرون" ونظرنا أمامنا نحو الطبقات التسع. عليّ الآن أن أختار أي طبقة أتوقّع أن أجد فيها طرائدي.
لستُ أدري لماذا اخترتُ "الليمبو"، وهو دائرة الجحيم التي تسكنها الأرواح المحرومة من دخول الجنة لذنب لم تقترفه. حسب دانتي، فإن أولئك القاطنين هذا الدرك من الجحيم، كانوا بشرًا طيبين غير مؤذيين، لم يرتكبوا آثامًا ولا خطايا، عكس أولئك الذين يسكنون الطبقات الثماني التالية في الجحيم. لكن الطيبين أولئك، لن يدخلوا الجنة لأنهم لم يُعمّدوا كمسيحيين، حسبما يرى دانتي. هنا يسكن كل فلاسفة الزمان العظام الذين سبقوا ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، ففاتهم أن يتعمّدوا. ومنهم حتى "فيرچيل" نفسه، الذي اعتبره دانتي في الكوميديا الإلهية رمزا للطهر والرصانة والحصافة، لكنه أيضًا محروم من دخول الجنة لعدم تعميده.
لكن أحبتي الذين أبحث عنهم ولدوا جميعا بعد مولد السيد المسيح، وأغلب الظن قد تعمّدوا. فلماذا يسكنون الليمبو؟! ليست لدي إجابة محددة لكنني واثقة كل الثقة أنني سألتقي بكل من أحببتُ في الدنيا في هذا المكان.
الآن، أجول بين دروب ليمبو وأبحث أولا عن أعضاء الأوركسترا الذين يعزفون الآن على خشبة المسرح الكبير، بدار الأوبرا المصرية. إن وجدتهم، سوف أجد بالتأكيد آباءهم الذين سبقوهم إلى هنا منذ مئات السنين من ألمانيا وروسيا وإيطاليا ومصر وكل الدول التي أنجبت عظماء الموسيقى والسيمفونيات العذبة، التي دونها لا تكون الجنةُ جنةً، وبوجودها يتحول الجحيمُ إلى فردوس رغد تتجمع فيه العصافيرُ حيث تُعزف الموسيقى.
أعلم تمام العلم أن الله جميلٌ يحبُّ الجمال. لهذا ستمتلئ الجنةُ بكل من قدّم للحياة عملا إبداعيًّا مدهشًا من آداب وموسيقى وتشكيل وغيرها. لأن المبدع الأكبر سبحانه، يرضى عن عباده بقدر ما يكونون مبدعين، في حبّه وفي حبّ خلقه وفي حب تجميل صنعته، هذا الكون، الذي لولا الموسيقى والفنون لكان قفرًا جدبًا موحشًا تسكنه جحافل متوحشة من الهمج، يسمون أنفسهم، بشرًا. وكما تعلمون فإن "الأوغاد... لا يسمعون الموسيقى".



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من فاطمة ناعوت للرئيس السيسي بخصوص تهجير المسيحيين
- حزب النور... على أبواب التمكين
- خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
- تمرّد... وكتابُ التاريخ
- بذورٌ فاسدة
- انتحارُ الأديب على بوابة قطر
- حزب النور وحلم التمكين الداعشي
- سلّة رمان ..
- حكاية حنّا وعبد السلام
- هل تحب الغُراب؟
- “بَسّ- اللي فيها كل العِبر
- هل قرأ وزيرُ العدل -أفلاطون-؟
- ميكي يجيدُ العربية
- والله وبكّيت فاطنة يا عبدُ الرُحمن
- سَحَرةُ الكُرة … وفرسانُها
- النسخةُ الأجمل منك... في المرآة
- المايسترو صالح سليم
- لستُ يهوديًّا ولا مسيحيًّا ولا مسلمًا
- هل جئتَ في الزمن الخطأ؟
- أصول داعش في جذور مصر


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟